المشهور أن أبرز مؤسسي هذا الحزب هو الضابط المصري الكبير في الجيش العثماني عزيز علي المصري.
وكان تأسيسه في سنة 1913، في ظرف أخذت الصلات فيه تتوتر بين القوميين الترك والقوميين العرب، نتيجة لما لمح هؤلاء من أولئك من رغبة في الاستغلال العنصري والاستهانة بمطالب العرب وحقوقهم ومركزهم في الدولة.
وكان عزيز علي المصري عضو في جمعية الاتحاد والترقي* التي كان لها أكبر وزراء الحكم في الدولة العثمانية بعد اعلان الدستور سنة 1908، والتي كان معظم أركانها من القوميين الترك. حاول جهده تنبيههم إلى خطل موقفهم من العرب ووجوب تعديله، فأخفق، فانفصل وجنح إلى إنشاء حزب العهد، وجعله قاصراً على الضباط العرب القوميين.
ومن أبرز أعضائه مؤسسيه ممن عرف من الضباط الشاميين، محمد اسماعيل الطباخ ومصطفى وصفي وسليم الجزائري ويحيى كاظم وعارف التوام ويحيى الدين الجبان وأمين لطفي الحافظ وعلي النشاشيبي*، ومن الضباط العراقيين نوري السعيد وعلي جودة الأيوبي وجميل المدفعي وتحسين علي ومولود مخلص.
وكان منهج الحزب يقوم على ما يلي:
1) استقلال الولايات المتحدة استقلالاً ذاتياً مع بقائها متحدة مع الدولة العثمانية على نحو ما كانت عليه المجر مع النمسا.
2) بذل الجهد في ترقية البلاد العربية وتحسين مرافقها.
3) إنماء المزايا العربية والتمسك بالأخلاق الفاضلة.
4) بقاء الخلافة الإسلامية في آل عثمان.
5) التضامن العربي الاشتراكي في المحافظة على سلامة الدولة والدفاع عنها وترقية شؤونها.
ولقد حاول الحزب الاحتفاظ بالسرية، لكن أمره فشا، وقد قابل انشاءه شبان العرب ورجالهم بالحماسة والأمل والتأييد، في حين استاءت السلطات الاتحادية منه حذراً مما سيكون له من أثر ومدى، خاصة بعدما استشعرت نشاط الحزب القومي في التصدي للصهيونيين ومطامعهم، وهي المطامع التي تبدت من خلال وجود بعض اليهود البارزين في جمعية الاتحاد الشرقي، صاحبة الوزن والحكم في الدولة بعد إعلان الدستور العثماني. فكان أن أقدمت أولا على اعتقال عزيز علي المصري بتهمة ملفقة وحاكمته وحكمت عليه بالإعدام. وكان لذلك رد فعل سيء في اوساط العرب،جعل السلطات التركية تكتفي بطرده من الجيش وإبعاده عن الدولة. ثم اجتمع أركان الاتحاديين في 24/1/1914 واتخذوا القرارات التالية:
1) اقصاء الضباط العرب عن الآستانة وكان عددهم 490 ضابطاً، منهم 315 منتمون إلى الحزب، وتوزيعهم في مختلف الولايات العثمانية.
2) إبعاد الضباط العرب الموجودين في البلاد العربية إلى الرومللي (أي الولايات العثمانية في البلقان) والأناضول (أي الولايات العثمانية التركية في آسيا الصغرى).
3) إلغاء الأحزاب العربية كلها.
4) تزرع الضباط العرب من المراكز القيادية.
5) مقاومة الحركة الإصلاحية التي ظهرت في سورية والعراق ولبنان.
6) تعزيز نفوذ جمعية الاتحاد والترقي في البلاد العربية.
7) الاسراع في عملية تتريك العناصر غير التركية في الدولة.
8) إنشاء شعبة في وزارة الداخلية لمراقبة ومقاومة الحركية القومية العربية ورجالها.
9) تكليف جمال باشا، الذي كان وزيرا للحربية وصار قائداً عاماً في بلاد الشام أثناء الحزب، بوضع منهج عمل لذلك والإشراف على تنفيذه.
ويمكن القول ان تسارع الأحداث التي بدأت باعتقال عزيز علي المصري واستمرت في تشتيت شمل الضباط العرب، ودخول الدولة العثمانية في الحرب، وجنوحها إلى قمع الحركة العربية القومية ومطاردة رجالها، لم تسمح للحزب بنشاط يؤثر.
لكن المعروف أن الحزب بقي قائما بصورة سرية طيلة الحرب العالمية الأولى ثم بعدها إلى أمد ما، وأن عدد من أعضائه العراقيين والشاميين اشتركوا في الثورة العربية التي أعلنتها الشريف حسين في حزيران 1916 نتيجة وعد بريطانيا بمملكة عربية مستقلة كبرى في البلاد العربية التي تنسلخ عن الدولة العثمانية، وأن أعضاء هذا الحزب انشطروا في الثورة إلى شطرين، شطر عراقي وآخر سوري، وأنه كان لكل منهما وجود ونشاط في سورية، وإبان حكم فيصل فيها (تشرين الأول 1918 – تموز 1920) كما كان له أيضاً وجود نشاط في العراق.
ولا يمكن الجزم بما إذا كان نشاط الشطرين، بعد انفصال سورية والعراق عن الدولة العثمانية قد استمر تحت مظلة الحزب أو باسمه. بل قد يكون القول بخلاف ذلك هو الصحيح، لأننا لا نعرف أنه كان للحزب كيان رسمي قائم في العراق أو سورية. ولكن هذا لا يمنع من القول إن روح الحزب القومية الاستقلالية، والروح القومية التي جعلت القوميين العرب ينتمون إلى الحزب، معاً كانتا محركتين ومؤهلتين لذلك النشاط والبروز.
المراجع:
– محمد عزة دروزة: حول الحركة العربية الحديثة، بيروت 1931.
– أمين سعيد: الثورة العربية الكبرى، القاهرة، لا.ت.
– خيرية قاسمية: النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه 1908 – 1918، بيروت، 1973.
العهد الجديد (مجلة -): رَ: الجهاد (صحيفة -)