تنتشر في فلسطين مجموعة من العيون والينابيع يتجاوز عددها ألفاً، بين صغيرة قليلة الأهمية، وكبيرة بالغة القيمة والأهمية، يتفاوت تصريفها بين 10 ل\ثا وأكثر من 500 ل\ثا. وإذا أدخلت في الحساب الينابيع الأقل أهمية زاد الرقم على 1.500 نبع أو عين.
وأهم ينابيع فلسطين على الاطلاق مجموعات ينابيع الدان في شمال غور الحولة، ثم ينابيع الطابعة شمال غرب بحيرة طبرية*، وكذلك مصادر مياه نهر النعامين* في منطقة الكردانة، ثم مجموعة عيون نبع الكابري* ونبع رأس العين*، والينابيع الثلاثة الأخيرة هي من ينابيع السهل الساحلي* وسهل عكا*. وهناك ينابيع بيسان والفشخة والعوجة، جميعها ينابيع غورية تنتهي مياهها في نهر الأردن* والبحر الميت*. وهناك قرابة 134 نبعاً على امتداد سهل الحولة* حتى شمال بحيرة طبرية، ونحو 181 نبعاً في كتلة الجليل الأعلى وأطرافها، وزهاء 100 نبع في منطفة الجليل الأدنى والناصرة*. أما في سهل عكا غربي الجليل فينخفض العدد إلى 11 نبعاً. وفي منطقة السهل الساحلي الفلسطيني وأقدام جبال فلسطين الوسطى ما يقرب 33 نبعاً.
ترتفع أرقام الينابيع في الجبال فتصل إلى 53 نبعاً في مرتفعات ومنطقة نابلس، و227 نبعاً في جبال القدس* رام الله وجبال الخليل*. ويرتفع العدد في جبل الكرمل* إلى 150 نبعاً، لكنه ينخفض إلى 6 ينابيع في منطقة جنين، و3 ينابيع في منطقة الحمة*.
ويوجد في الأطراف الغربية من البحر الميت وسواحله قرابة 20 نبعاً، وفي وادي عربة* 22 نبعاً، وفي النقب* 10 ينابيع.
وهذه الأرقام كلها خاصة بالينابيع الهامة، التي يريد تصرفيها على 10ل\ثا.
ويلاحظ في توزيع الينابيع في فلسطين ارتباطها وتأثرها بالعوامل التالية:
1) بنية الصخور* وتوزعها وتطبقها، وأهم من ذلك كله كونها منفذة للمياه ترتكز على طبقة كتيمة. وتتوفر هذه الميزة في جبال الجليل* وجبال فلسطين الوسطى وجبل الكرمل، ذات الصخور الكلسية والكلسية الدولوميتية، المنفذة للمياه، لذلك تنتشر كلها أكبر نسبة من ينابيع فلسطين. ليس هذا فحسب، بل إن معظم الينابيع المصنفة ضمن الينابيع الغورية أو السهلية الغربية، تتغذى في الواقع من مياه جوفية قادمة من الكتل الجبلية المذكورة.
2) المناخ* الرطب المطير القليل التبخر في فصل الأمطار. ويتوافر ذلك في الجبال والمرتفعات التي تزداد فيها كميات الأمطار مع الأرتفاع، ومع التوجه شمالاً نحو جبال الجليل. ويرافق ذلك انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء والفصول الانتقالية مما يقلل التبخر. لذا فإن جنوب فلسطين والنقب الصحراوي القليلي الأمطار العاليي التبخر فقيران بالينابيع.
3) الصدوع والأودية المحددة للجبال: إن ارتباط الينابيع بخطوط الصدوع والأودية ظاهرة واضحة جدا في جبال الجليل، حيث شبكة الصدوع كثيفة، والأودية عميقة متوغلة في جسم الصخور الحاملة للمياه، لذلك تنتشر هنالك ينابيع الصدوع والأودية. أما في جبال فلسطين الوسطى فإن معظم الينابيع مرافقة للأودية بالدرجة الأولى. مقابل ارتفاع نسبة الينابيع المرتبطة بالصدوع عن أقدام جبال فلسطين المطلة على أغوار الوادي الصدعي ومرتفعاتها، ابتداء من غور الحولة وطبرية وغور نهر الأردن وانتهاء بالبحر الميت ووادي عربة، وتلك الأقدام المحاذية لسهل عكا والسهل الساحلي الفلسطيني.
توجد أهم ينابيع فلسطين وأغزرها في نطاق الأقدام والسفوح الجبلية، حيث تظهر الصدوع الأرضية، كما في نطاق التقاء الجليل الغربي بسهل عكا حيث نبع الكابري، ونطاق التقاء جبال فلسطين الوسطى بالسهل الساحلي حيث نبع رأس العين. أما في الشرق فان أهم الينابيع ترتصف على امتداد شريط مساير لخطوط صدوع الأغوار، مما يؤكد، في كلتا المنطقتين، ارتباط تغذية الينابيع بالكتل الجبلية الكبيرة المستقبلة لكميات عالية من الأمطار التي يترشح قسم هام منها في صخورها الكلسية المنفذة للمياه. ويؤكد أيضاً ارتباط ظهور الينابيع بالصدوع والانكسارات التي حركت الطبقات الصخرية رفعاً وخفضاً، مما سمح للمياه الجوفية بالانبثاق على شكل ينابيع مياه عذبة.
أما الينابيع المتوسطة الغزارة والضعيفة فترتبط بالصخور الأقل نفوذية، وبالطبقات الصخرية الرقيقة، وبالأودية التي حفرت طريقها في الجبال والمرتفعات، وقطعت أثناء تعمقها الطبقات الحاملة للمياه الجوفية.
كانت ينابيع وعيون فلسطين، رغم سوء توزيعها بين شمال البلاد وجنوبها، الأساس الأول لقيام القرى والتجمعات السكانية الأخرى، لتأمين مياه الشرب أولاً، والري ثانياً. وبعضها هام وغزير قامت عليه زراعات مروية، وجرت مياهه عبر الحقول والبساتين إلى مراكز بشرية تفتقر إلى مياه الشرب، كميات العروب التي جرت إلى القدس*، ومياه الكابري التي تشرب منها مدينة عكا، ومياه رأس العين التي تسقي بساتين ومزارع منطقة يافا – تل أبيب، ومنطقة نهر العوجا، الذي جرت مياهه إلى القدس عام 1955، وإلى النقب بأنابيب طولها 104كم. ولولاء لما سالت مياه نهر الزرقاء* بشكل دائم على مدار السنة مكونة نهراً ساحلياً في فلسطين.
ومن الطبيعي أن تذكر هنا ينابيع أهم نهر على الاطلاق،أي نهر الأردن. اذ تنبثق مياه بعض ينابيعه من الأرض الفلسطينية شمال غور الحولة وسهلها،وفي مقدمتها نبع البلدان الذي يغذي أحد الأنهار الهامة المكونة للمجاري العليا لنهر الأردن.ولا تقل أهميته عن أنهار بانياس أو الحصباني أو بريغيث القادمة من سورية ولبنان.
إلى جانب هذه الينابيع تكثر ينابيع أقل أهمية في بعض القرى الفلسطينية والسهول والجبال، لا يتعدى دورها تأمين مياه الشرب لسكان قرية صغيرة، أو المساهمة في ري بساتين القرية وحقولها. وهذا النوع من الينابيع كثير واسع الانتشار، يأخذ شكل واحات صغيرة متباعدة، تقل في الاتجاه جنوباً على جوانب البحر الميت ووادي عربة وفي منطقة النقب.
ومعظم مياه ينابيع فلسطين عذبة جيدة،بغض النظر عن غزاراتها وتصرفيها.لكن مياه بعضها قد تحتوي على نسبة من ملوحة لا تعيق استخدامها في الاستعمالات البشرية. أو قد تكون معدنية دافئة أو حارة، غنية بالمركبات الكيميائية التي تغطيها قيمة علاجية عالية، كما في مياه الأغوار الشمالية،وعلى ضفاف بحيرة طبرية الغربية والشمالية الغربية، وأهمها ينابيع الحملة الواقعة عند خروج وادي اليرموك من هضبتي الجولان* وعجلون ليصب في نهر الأردن جنوب بحيرة طبرية مباشرة.
مما لا شك فيه أن قرى ومدن فلسطين القديمة قامت في بداية نشأتها حول نبع أو مجرى مائي دائم،حيث لا يتطلب الحصول على الماء العذب جهدا كبيراً أو وسائل لم تكن متوافرة لدى الانسان القديم. لكن تزايد أعداد السكان، وقدوم أقوام إلى فلسطين جعل كميات مياه الينابيع عاجزة عن تأمين الحاجات المتزايدة من المياه. لذا لجأ الانسان إلى سد النقص بحفر الآبار* وبناء خزانات صغيرة لجمع مياه الأمطار. ومع التطور العلمي وتزايد الطلب على الماء للشرب والري دخلت الآلة والهندسة المائية الحديثة هذا المجال، فرفعت المياه الجوفية بالمحركات، وجرت مياه المصادر الغنية كالأنهار والينابيع (الأردن ورأس العين) إلى أماكن بعيدة عن مصادرها الأصلية، كمنطقة النقب. وهكذا أخذت مياه فلسطين تعتمد اليوم على مصادر متعددة لتأمين المياه العذبة إلى جانب مياه الينابيع.
المراجع:
– Palestine Department of Land Settlement and Water Commissioner. Irrigation Service: Chemical Analyses of Water from Rivers, Wadis and Wells, Jerusalem 1948.
– Palestine Department of Land Settlement and Water Commissioner .Immigration Service: Water Measurements, Jerusalem 1947.