على أثر الحرب العدوانية التي شنتها (إسرائيل) في 5 حزيران 1967 وأدت إلى احتلال فلسطين بكاملها بأراض من دول عربية أخرى (رَ: حرب 1967) أخذت تقوم بأعمال تكشف عن خطتها في توسيع وقفة أراضيها بواسطة الاستعمار الاستيطاني، وتتبع أساليب وطرائق تعتدي على حقوق الإنسان التي حددتها المواثيق والاتفاقيات الدولية وحرمت المس بها. وقد شهدت منظمة الأمم المتحدة مبكراً إلى ذلك فأصدر مجلس الأمن في 14/6/1967. ولما يمض على انتهاء الحرب سوى أيام قليلة، قراراً رقمه 337(1967) جاء فيه “إن حقوق الإنسان الأساسية والثابتة يجب أن تكون موضع الاحترام حتى خلال الاضطرابات ومشكلات الحرب”. وطالب (إسرائيل) بأن “تضمن سلامة وخير وأمن سكان المناطق التي دارت فيها الأعمال العسكرية، وأن تسهل عودة السكان الذين اضطروا إلى الفرار منذ بدء القتال إلى مساكنهم”. كما أوصى القرار باحترام المبادىء الانسانية المتعلقة بحماية إسكان المدنيين في زمن الحرب والمتضمنة في اتفاقية جنيف الموقعة في 12/8/1949. وقد أكدت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة قرار مجلس الأمن هذا بقرار رقمه 3252 أصدرته في دورتها الاستثنائية الطارئة الحاسمة في 4/7/1967.
لم تحترم (إسرائيل) المواثيق والاتفاقيات الدولية الملتزمة بها في الأراضي العربية التي احتلتها. ورفضت من الناحية العلنية تنفيذ القرارات التي أشير إليها. وهذا ما دعا الجمعية العامة إلى إنشاء لجنة خاصة باسم “اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة” وذلك بقرارها 2443 (الدورة 23) الصادر في 19/12/1967. وطلبت الجمعية العامة من (إسرائيل) أن تستقيل اللجنة وتتعاون معها وتيسر مهمتها. وتم تشكيل اللجنة من ثلاث دول هي سريلانكا والصومال ويوغسلافيا. ثم أنسحبت الصومال من اللجنة في عام 1974 واستعيض عنها بالسنغال.
كانت الجمعية العامة هذه اللجنة التحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة. ثم أضافت إليها بموجب قرارها رقم 3005 (د-27) الصادر في 15/12/1972 مهمة جديدة هي “التحقيق في الاتهامات المتعلقة باستغلال ونهب موارد الأراضي المحتلة، ونهب التراث الأثري والثقافي للأراضي المحتلة، والمساس بحرية العبادة في الأماكن المقدسة الموجودة في الأراضي المحتلة”. وقد قدمت اللجنة تقريرها الأول عن نتائج تحقيقاتها إلى الجمعية العامة في دورتها الخامسة والعشرين (أيلول – كانون الأول -1970). واستمرت بعد ذلك في تقديم تقاريرها إلى الجمعية العامة في كل دورة من دوراتها العادية.
رأت اللجنة أن ولايتها تشمل وفق المهمة التي كلفتها إياها الجمعية العامة الحدود والموضوعات التالية:
1) إن الأراضي التي تعتبر أراضي محتلة هي المناطق الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي. أي الجولان*، والضفة الغربية (وتشمل مدينة القدس)*، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء.
2) إن الأشخاص الذين يعينهم قرار الجمعية العامة 2443 (د-23) هم السكان المدنيون الذين يعيشون في الأراضي المحتلة المذكورة، والأشخاص الذين كانوا يقيمون فيها وغادرها بسبب الحرب.
3) إن “السياسات” و” الممارسات” التي تمس حقوق الإنسان في نطاق التحقيق الذي تقوم به اللجنة هي:
في حالة “السياسات” كل إجراء تقوم به حكومة (إسرائيل) بوصفه جزءاً من نيتها المعلنة أو غير المعلنة، وفي حالة “الممارسات” كل إجراء يعكس نمط من جانب السلطات الإسرائيلية نحو السكان العرب في المناطق المحتلة، سواء أكانت تلك الإجراءات تنفيذاً لسياسة أم لم تكن.
اعتمدت اللجنة في تفسير ولايتها وتنفيذ مهمتها وتحديد المعابر لمدى ونوعية اعتداء (إسرائيل) على حقوق الإنسان التي حددتها المواثيق والاتفاقيات الدولية على الصكوك الدولية التالية:
1) ميثاق الأمم المتحدة.
2) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة في 10/12/1948.
3) اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية السكان المدنيين في زمن الحرب.
4) قرار الجمعية العامة 2252 في الدورة الاستثنائية الطارئة الخامسة.
5) قرار الجمعية العامة بانشاء اللجنة.
6) اتفاقية لاهاي المؤرخة في 14/5/1954 لحماية الملكية الثقافية في حالة نشوب نزاع مسلح واتفاقيتي لاهاي المعقودتين في عامي 1899 و1907 بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية.
وشملت الأدلة والوثائق التي قدمتها اللجنة في تقاريرها إلى الجمعية العامة عدة موضوعات ومجالات أهمها:
1) سياسة ضم الأراضي المحتلة والاستيطان فيها وإنشاء المستعمرات عليها ونقل سكان أغراب إليها.
2) تغيير الطبيعة القانونية والتشكيل الجغرافي والتركيب السكاني والمعالم المادية والدينية للأراضي المحتلة.
3) الحالة غير الطبيعية التي يعيش فيها السكان تحت الاحتلال العسكري وتحت السلاح.
4) آثار الاحتلال الذي طال أمده متمثلة في المظاهرات الجماهيرية ووقوع الحوادث بانتظام، واتخاذ التدابير القمعية، وسوء المعاملة، وظهور نمط من الاعتقالات والمحاكمات والإدانات الجماعية.
5) حالة المعتقلين لأسباب سياسية أو أمنية أو إدارية.
6) حالة السجون التي يحجز فيها المعتقلين.
7) التعليم وما ناله من تدهور وتجريف.
8) سياسات الانتقام.
9) تدمير المنازل ومصادرة المنمتلكات العربية ونزع ملكيتها.
10) الاعتقال الجماعي، والحجر الإداري، والتعذيب.
11) التعرض والإساءة والتعدي على الحريات والشعائر الدينية والحقوق والأعراف الخاصة بالأسيرة.
12) تدمير المدن والأحياء (مثل تدمير مدينة القنيطرة السورية بكاملها قبيل الانسحاب منها).
13) إجلاء سكان ا|لأراضي المحتلة العرب وترحيلهم وطردهم وتشريدهم ونقلهم وإنكار حقهم في العودة.
14) الاستغلال غير المشروع للثروات الطبيعية للأراضي المحتلة ولمواردها وسكانها.
15) نهب الممتلكات الأثرية والثقافية.
رفضت (إسرائيل) استقبال اللجنة أو التعاون معها أو تيسير عملها. وبالرغم من ذلك استطاعت اللجنة أن تجمع الأدلة والوثائق وتستقي المعلومات من مصادر عدة أهمها: وثائق منظمة الأمم المتحدة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دراسات وتقارير المنظمات الدولية غير الحكومية، التصريحات والأنباء والمعلومات الصادرة عن (إسرائيل)، الشهادات والوثائق والمعلومات الواردة في كتب ومطبوعات صادرة في مختلف أنحاء العالم، وثائق ومحاضر المحاكم الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، شهادات المعتقلين العرب من قبل السلطات الإسرائيلية.
وإلى جانب الأدلة والوثائق والمعلومات التي كانت تقدمها اللجنة في تقاريرها إلى الجمعية العامة كانت تعالج الأسباب التي أدت إلى هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الانسان في الأراضي المحتلة. ومن الأمثلة على ذلك ما أوردته اللجنة في تقريرها الذي قدمته إلى الدورة الحادية والثلاثين للجمعية العامة (أيلول – كانون الأول 1976) والمنشور بوثيقة منظمة الأمم المتحدة رقم 1/31/218 بتاريخ 1/10/1976. وقد جاء في هذا التقرير ما يلي: “لقد دأبت اللجنة الخاصة منذ وضعت تقريرها الأول في عام 1970 على القول في جميع تقاريرها بأن جذور المشكلة التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة تكمن في السياسة التي تتبعها حكومة إسرائيل بهدف تنفيذ عملية ضم هذه الأراضي، وبينت هذه التقارير أن هذه العملية هي نتيجة عدد من التدابير أو الممارسات المباشرة أو غير المباشرة. وكان أخطر التدابير المباشرة إنشاء مستعمرات إسرائيلية وفقاً لخطط الحكومة التي كانت قد أقرت من قبل، ونقل المواطنين الإسرائيليين إلى هذه المستعمرات. ومن أمثلة التدابير غير المباشرة التدابير المفرطة في قسوتها التي اتخذتها الدولة المحتلة لقمع كافة المظاهرات أو الاحتجاجات ضد الاحتلال، بما في ذلك أعمال القمع من قبيل هدم المنازل وحظر تصدير المنتجات الزراعية”. وتابعت اللجنة تقول في التقرير ذاته: “إن طلب السياسة التي تتبعها إسرائيل في الأراضي المحتلة هو ما يسمى (نظرية الوطن القومي) التي أعلنتها حكومة إسرائيل وتؤيدها المعارضة البرلمانية. وتقضي هذه النظرية بأن الأراضي المحتلة نتيجة حرب حزيران 1967 تشكل جزءاً من الحدود الطبيعية لدولة إسرائيل، ولذلك فإنها لا تعتبر أراضي محتلة في حدود معنى القانون الدولي. وبموجب النظرية نفسها فإنه يسمح، على مضض، للسكان المدنيين الذين يعيشون في هذه الأراضي – وهم الفلسطينيون – بالبقاء هناك”.
ولم تحترم السلطات الإسرائيلية المحتلة أياً من آراء اللجنة أو قرارات الجمعية العامة المبنية عليها وما تزال ماضية في “سياستها وممارساتها” المشار إليها تحت اسمه العالم وبصبره.
المراجع:
- مجموعات وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
- تقارير اللجنة الخاصة التي نشرتتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعوام 1970 و1971 و1972 و1973 و1974 و1975 و1976.