أهرون كوهين مستشرق إسرائيلي وأستاذ جامعي وكاتب، ينتمي إلى حزب المابام*. وهو يحاضر ويكتب عن العلاقات العربية – اليهودية. وقد نشر عام 1964 كتاب (إسرائيل والعالم العربي) بالعربية، ثم صدرت ترجمة انكليزية له في كل من المدن ونيويورك عام 1970. وفي العام 1976 ظهرت في بوسطن بالولايات المتحدة طبعة انكليزية جديدة من الكتاب منقحة ومعدلة.
يعرض كوهين في كتابه رؤيته للصراع العربي – الإسرائيلي وتحليله له متظاهراً بالموضوعية في حديثه عن أخطاء العرب واليهود وجهل كل طرف بالآخر ونتائج ذلك. ويخلص في الفصل الختامي إلى عرض تصوره للحل السلمي للصراع العربي- الإسرائيلي فيرى أن الفلسطينيين هم الأصل في حل الصراع، وهم مفتاحه. فبدون الاعتراف بالشعب العربي الفلسطيني ككيان قومي له الحق في تقرير مصيره في القسم الخاص به من “الوطن المشترك” تواجه إسرائيل احتمالين: أن تضيف إليها نحو 40% من الرعايا العرب، مع اعطائهم حقوقاً مدنية وانكار حقوقه الوطنية وهويتهم القومية الأساسية، أو أن تزيد نسبة تمثيل العرب في الكنيست*، وعلى هذا الأساس تصبح الأغلبية اليهودية في عام 1990 في خطر على ضوء نقص الهجرة اليهودية وارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية عند العرب. وأي تفكير بتقليل عدد العرب في المناطق المحتلة يعني زيادة عدد اللاجئين بكل ما يعنيه ذلك من أخطار على السلام. والطريق الصحيحة العادلة والمنطقية للخروج من هذه المشكلات المعقدة هي- في رأيه- الاعتراف المتبادل بين (دولة إسرائيل) بحدودها التي كانت قائمة قبل حرب عام 1967 (وان كان هذا لا يعني استبعاد تعديلات طفيفة في الحدود يتفق عليها) والشعب العربي الفلسطيني. ويجب ألا تستثنى أي مشكلة من المفاوضات، سواء مشكلة القدس أو مشكلة قطاع غزة أو مشكلة اللاجئين. وليس هناك قضية من قضايا النزاع لا يمكن حلها بالنية الحسنة المتبادلة والبحث عن حلول عادلة ومشرفة. وكل مفاوضات من هذا القبيل يجب أن تجري بمشاركة ممثلين ذوي صلاحية عن الشعب الفلسطيني بكل أقسامه. وعلى (إسرائيل) أن تطبق ذلك فيما يخص سكان المناطق المحتلة. وإذا كانت هناك صعوبات في إقامة تمثيل فلسطيني ديمقراطي مؤهل فيجب طلب مساعدة الأمم المتحدة.
ونوع نظام الحكم بالنسبة إلى الفلسطينيين أمر يجب أن يقرره الشعب الفلسطيني بعد التوصل إلى معاهدة سلام وجلاء القوات الإسرائيلية عن المناطق المحتلة. والفلسطينيون، المقيمون منهم واللاجئين، هم الذين يقررون أتقام دولتهم على جانبي الأردن أو في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعليهم أن يقرروا طبيعة علاقة الدولة الفلسطينية الجديدة بشرقي الأردن أو (إسرائيل) أو بهما معاً.
وقد أثبتت حربا 1967* و1973 أن العرب لا يستطيعون تدمير (إسرائيل) وأن (إسرائيل) لا تستطيع فرض سلام على العرب بالقوة. واذن لا بد من سلام لا غالب فيه ولا مغلوب. ويرى كوهين أن قرار مجلس الأمن 242 محاولة حقيقية للتوصل إلى طريق واضحة وشريفة لسلام بدون غالبين ومغلوبين. وتطبيق هذا القرار بنصه وروحه وبكل أجزائه يمكن أن يضع حداً للحرب ويفتح الطريق إلى السلام والتدرج في جعل العلاقات عادية بين الجيران، بل إلى التعاون بمرور الزمن من أجل المنفعة المشتركة للجميع.
والميزة الحقيقة والواضحة لقرار مجلس الأمن رقم 242، كما يرى كوهين، هي أن على (إسرائيل) أن تعيد المناطق التي احتلتها عام 1967 إلى العرب، وأن على هؤلاء أن يعترفوا بسيادة (إسرائيل) ووحدة أراضيها وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة وزمعترف بها من دون تهيدات أو أعمال قوة.
إن محاولة إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وفرض إقامة دولة عربية -يهودية في “الوطن المشترك” وهي الفكرة الرائجة بين الفلسيطيننين، لا حظ لها في التحقيق. فاليهود الذين دفعوا ثمناً غالياً لاستقلالهم وسيادتهم السياسية لا يمكن أن يقبلوا بما هو دونها من حيث الوضوح والضمان. وربما تنشأ مع مر الزمن، وعندما تزول مخاوف الشعبين وتندمل جروحهما، أشكال سياسية جديدة. وأما في المرحلة الراهنة فقد أدت التطورات إلى إيجاد شعبين يملكان خياراً واحداً هو الاعتراف بالمشترك بأن هذه البلاد (فلسطين على ضفتي نهر الأردن) بلاد يعيش فيها شعبان، بالحق لا بالاكراه، وأن لهما كليهما الحقوق الواضحة التي لا لبس فيها، والمطالب الحيوية والعادلة، والتطلعات القومية المشروعة التي يجي التوفيق بينها. وبدون ذلك سيتمر صراع لا رحمة فيه ولا نهاية له سوى الخراب والدمار للشعبين.