( – 625هـ)
( – 1327م)
لما انفرط عقد وحدة الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين (589هـ/1193م) عمل أخوه الملك العادل أحمد بن أيوب* على إعادة توحيدها، واستعان بأبنائه لتنظيم الدولة في مصر والشام، فأناب ابنه الكامل محمد بن أحمد بن أيوب* في مصر وجعل المعظم عيسى بن أحمد بن أيوب في دمشق، وأعطى الأشرف مظفلر الدين موسى حران، والأوحد ميا فارقين (رَ: العصر الأيوبي). ومن الواضح أن المعظم عيسى تحمل أمانة ضخمة بقيامة في دمشق، في وقت كان الفرنجة* ما زالوا منتشرين في مواقع عدة في شمال الشام وجنوبه. وقد نهض المعظم عيسى بالأمانة في حياة أبيه. من ذلك أن الفرنجة في فلسطين، وخاصة الداوية* أو فرسان المعبد، قاموا سنة 607هـ/ 1210م ببعض الأعمال الاستفزازية للمسلمين، وعندئذ أسرع المعظم عيسى إلى الخروج على رأس جيوشه قاصداً عكا*، مركز مملكة الفرنجة* (رَ: عكا، المملكة الصليبية الساحلية في -) واشترك معه في هذه الحملة المؤرخ سبط بن الجوزي الذي وصف حماسة المسلمين ورغبتهم في الجهاد.
ولم يكتف المعظم بالخسائر التي أنزلها بضياع الفرنجة حول عكا، بل أقام قلعة قوية فوق جبل الطور* قرب عكا، لتحمي إقليم الجليل من هجمات الفرنجة. كذلك تشير المصادر إلى حماسة العادل في مقاتلة الفرنجة عندما وصلت إلى الشام سنة 614هـ/1217م حملة صليبية من الهنغاريين والألمان بزعامة ليوبولد السادس دوق النمسا، وقد اعتمد العادل عندئذ على ابنه المعظم في تحصين بيت المقدس وإعداد الدفاع عنها تحسباً لتعرضها لهجوم الفرنجة.
وعندما هاجمت مصر سنة 615هـ/1218م الحملة الصليبية الخامسة، لجأ المعظم عيسى إلى الضغط على الفرنجة في فلسطين ليخفف من قبضتهم على مصر. وإذا كان أبوه العادل قد توفي سنة 615هـ/1218م، فإن المعظم بادر سنة 616هـ/1219م، بتدمير عدة حصون قوية في فلسطين خشية وقوعها في قبضة الفرنجة، فدمر قلاع الطور وتبنين وبانياس ثم صفد، بل شرع المعظم بهدم أبراج بيت المقدس وسورها حتى لا يتمكن الفرنجة من الاحتفاظ بها إذا استولوا عليها. ثم أسرع المعظم بالذهاب إلى مصر ليعيد الثقة إلى نفس أخيه الكامل محمد. وبفضله تمكنت دمياط من الصمود تسعة أشهر. سقطت بعدها، في الوقت الذي فكر المعظم في العودة إلى الشام لإعداد دمشق للدفاع.
على أنه بفشل الحملة الصليبية الخامسة وجلاء الفرنجة عن دمياط سنة 618هـ/1221م وانفرط عقد التحالف بين أبناء العادل الثلاثة. وفي النزاع الذي دب بينهم استعان المعظم عيسى بالخوارزمية*، في حين استنجد أخوه الكامل بفريدريك الثاني ملك صقلية وامبراطور الدولة الرومانية المقدسة. وقد حاول الامبراطور فريدريك مساومة المعظم عيسى على بيت المقدس، ولكن المعظم عندما رسول الإمبراطور “أغلظ له، وقال: قل لصاحبك ما أنا مثل الغير وما له عندي سوى السيف”.
توفي المعظم عيسى بدمشق، ودفن بالمدرسة المعظمية في الصالحية، قبل وصول الإمبراطور فريدريك الثاني إلى الشام، تاركاً ابناً شاباً، هو الملك الناصر داود، الذي لم يستطع الصمود أمام مطامع عميه الكامل والأشرف، فاقتسما بلاده، وطرداه من دمشق تاركين له الكرك والشوبك.
المراجع:
– ابن الأثير: الكامل في التاريخ، القاهرة 1303هـ.
– أبو شامة: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين الصلاحية والدورية، القاهرة 1287هـ.
– أبو شامة: ذيل الروضتين (تراجم رجال القرنين السادس والسابع)، القاهرة 1366هـ.
– سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، حيدر آباد، 1951.
– ستانلي لين بول: الدولة الإسلامية (مترجم)، دمشق 1973.