( 574 – 664م)
هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي، أحد دعاة العرب وفضحائهم. كان واحداً من علية القوم، واشتغل في التجارة في الجاهلية وارتاد بسبب ذلك فلسطين ومصر، ودائماً كان هذان البلدان ميداناً لنشاط عمرو التجاري في الجاهلية، كانا ميداناً لنشاط عمرو السياسي والعسكري في الإسلام.
أمضى عمرو بن العاص قرابة ستين عاماً في الجاهلية، ووقف من الدعوة الإسلامية موقفاً معادياً، واختلفت الروايات في تحديد زمن إسلامه، فقبل كان اسلامه بين صلح الحديبية وفتح خيبر، وقيل في صفر من السنة الثامنة للهجرة، قبل فتح مكة. وجاء عمرو إلى المدينة وأعلن إسلامه، أمام الرسول عليه السلام.
أمضى عمرو بن العاص من بعد ذلك، ما يزيد على ثلث قرن تقريباً، حياة مملوءة نشاطاً وشهرة. شارك فيها أحداث الإسلام، وكان له فيها القدح المعلى. فقد بعثه الرسول إلى بني عمدرة في غزوة ذات السلاسل، ليستقر العرب في الشام، واستعمله الرسول على عمان، ولم يزل عمرو والياً عليها حتى توفي الرسول، وعاد منها على أثر حركة الردة إلى المدينة.
استعان أبو بكر بعمرو بن العاص بعد وفاة الرسول، وعقد له في سنة اثنتي عشرة للهجرة، على واحد من الألوية التي عقدها لفتح بلاد الشام، وأمره أن يسلك عمرو بن العاص طريق أيلة عامداً فلسطين. وتختلف الروايات في الطريق التي سلكها عمرو بن العاص بعد أيلة داخل فلسطين. ولكن نجاح عمرو في اختراق المنطقة من جنوب فلسطين، تؤكد مدى خبرة عمرو بن العاص وقدرته في أمور الحرب. وهو القائل: “ما كنت بشيء أتجر مني بالحرب”.
لما سار عمرو بن العاص إلى فلسطين كتب إلى أبي بكر يعلمه بكثرة عدد الروم وعدتهم. فكتب أبو بكر إلى الجيوش التي أرسلها إلى الشام بالمسير إلى عمرو. وواقع عهد البيزنطين وهو أمير المسلمين، وهزمهم، وفتحت الطريق أمامه إلى غزة*، ففتحها. وسار المسلمين إلى أجنادين، ومن بعدها إلى محل، وأحرزوا في هذه المعارك النصر إلى البيزنطيين.
ويبدو في هذه المرحلة أن كل أمير من الشعراء المسلمين كان يقصد بمن معه ناحية بغزوها، وكان عمرو بن العاص يقصد المسلمين حتى اجتمعت عساكر البيزنطيين في ارض اليرموك، وانهزم البيزنطيون (رَ: اليرموك، معركة)، صار المسلمون إلى دمشق وحاصروها ووقف عمرو بن العاص على باب توما. فلما فتحت دمشق، استخلف أبو عبيدة – وكان عمر بن الخطاب* قد ولاء أمرة الجيوش في الشام – عمرو بن العاص على فلسطين، ففتح عمرو سبسطية* ونابلس* ويبنة* وعمواس وبيت جبرين* ويافا* ورفح*، واتخذ بيت جبرين ضيعة له. ثم أمره أبو عبيدة أن يقصد سواحل الأردن، فسار إليها، واستنجد من هناك بأبي عبيدة، فأنجده يزيد ابن أبي سفيان، وعلى مقدمته معاوية بن أبي سفيان*. ثم اشترك عمرو في حصار بيت المقدس حتى فتحها.
وتذكر الأخيار بصدد سعة حيلة عمر ودهائه في سير غور خصومه والتغلب عليهم، قصته مع الارطيون، ودخوله إلى معسكر الأرطيون في أجنادين، ومعرفة ما فيه، ومكيدته الأرطيون* وخروجه من عنده سالماً. ويروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: “قد رمينا أرطيون الروم بأرطيون العرب فانظروا عم تنفرج”. وكان من أثر انتصار عمرو على الأرطيون أن خضعت لسلطان المسلمين كل من يافا ونابلس وعسقلان وغزة واللد* وعكا*، وقد فتحت أبوابها من غير قتال، إلا بيت المقدس.
ولما فتح عمرو غزة واللد ونابلس وبيت جبرين قصد القدس*، فحاصرها المسلمين أربعة أشهر، ثم استسلمت للخليفة عمر بن الخطاب، وظل عمرو بن العاص مع جيشه في فلسطين للقضاء على فلول جيش قسطنطين بن هرقل، فسار إلى قيسارية* فحاصرهم ثم رحل عنها، فاستولى عليها معاوية بن أبي سفيان بعد هرب القائد الروماني. وبذلك سقط آخر معقل للروم في بلاد الشام.
واتجه عمر إلى مصر، ففتحها، وظل والياً حتى وفاة عمر بن الخطاب وبعض خلافة عثمان بن عفان. ثم اختلف مع عثمان بن عفان حول عبد الله بن سعد الذي كان عمر بن الخطاب ولاء على صعيد مصر، وطلب من عثمان أن يعزله فأبي عثمان، وضم ما كان من ولاية مصر إلى عبد الله بن سعد، فرحل عمرو وأقام بضيعته في فلسطين حتى قتل عثمان. واعتزل عمرو الخلافة أول الأمر، ثم مال من بعد ذلك مع معاوية بن أبي سفيان، ووقف معه في معركة صفين، وتنسب الروايات إلى عمرو فكرة رفع المصاحف وطلب التحكيم. وتعود الأخبار فتروي قصة التحكيم، وتذكر أن عمرو بن العاص قام بخديعة أبي موسى الأشعري عندما قدم أبا موسى ليتلوا قرار خلع علي ومعاوية، وتأخر هو ليخلع عليا ويثبت معاوية.
أمضى عمرو بن العاص آخر حياته والياً على مصر. وكان قد توجه إليها كما قبل، على رأس جيش فأخذها والي علي بن أبي طالب. وظل والياً عليها حتى توفي في القاهرة.
المراجع:
– ابن الأثير: الكامل في التاريخ، القاهرة 1303هـ.
– أحمد بن أعثم: كتاب الفتوح، حيدر آباد 1970.
– ابن سعد: الطبقات الكبرى، بيروت 1960.
– ابن هشام: السيرة النبوية، بيروت 1971.
– البلاذري: فتوح البلدان، القاهرة 1956-1960.
– الأزدي: فتوح الشام، بيروت 1970.
– الطبري: تاريخ الرسل والملوك، مصر 1939.