شاعر فلسطين وعاشقها. ولد في مدينة طولكرم*، أبوه العلامة الشهير الشيخ سعيد الكرمي* تلقى دراسته الابتدائية في مسقط رأسه وفي مدرسة الملك الظاهر بدمشق، والإعدادية في مدينة السلط، والثانوية في “مكتب عنبر” بدمشق، حيث نال شهادة البكالوريا السورية سنة 1927. عاد إلى فلسطين، فعين معلماً في المدرسة العمرية والرشيدية* في القدس*. ولكن سلطات الانتداب أقالته من سلك التعليم لأنه نشر قصيدة عنوانها “جبل المكبر يا فلسطين”، في مجلة الرسالة المصرية، هاجم فيها السلطات البريطانية، وشبه قصر المندوب السامي بسجن الباستيل، ومنها هذه الأبيات:
ايه فلسطين المجاهدة اثبتي فالظلم مرتعه يكون وبيلا
ها هم بنوك لووا أعنات الردى وأتوك لا يرضون عنك بديلا
يتزاحفون إلى اللهيب، كأنهم ظمأى، وقد عدوا اللهيب النيلا
قم يا شهيد القوم واخطب في الورى أصبحت حياً منذ غدوت قتيلا
جبل المكبر، لن تلين قناتنا حتى نهدم فوقك “الباستيلا”
انتقل إلى القسم الأدبي في الإذاعة الفلسطينية، وكان صديقه إبراهيم طوقان* رئيساً لهذا القسم. وانتسب خلال هذه الفترة إلى معهد الحقوق في القدس، ونال شهادته. فترك عمله في الإذاعة، وانتقل إلى مدينة حيفا* حيث مارس المحاماة فيها حتى نكبة 1948. فغادرها لدمشق في 28 نيسان، وأطلق قصيدته الشهيرة “سنعود” التي يقول فيها:
غداً سنعود والأجيال تصغي إلى وقع الخطى عند الإياب
نعود مع العواصف داويات مع البرق المقدس والشهاب
مع الأمل المجنح والأغاني مع النسر المحلق والعقاب
مع الفجر الضحوك على الصحارى نعود مع الصباح على القباب
مع الرايات دامية الحواشي على وهج الأسنة والحراب
ونحن، الثائرين بكل أرض، سنصهر باللظى نير الرقاب
أقام أبو سلمى في دمشق، فعمل مدرساً في مدارسها، ثم موظفاً في وزارة الإعلام، ثم محامياً. وأخيراً تفرغ للعمل الوطني في لجان السلم والتضامن، يحضر مؤتمراتها واجتماعاتها، ويطرح قضية فلسطين، من خلالها. وأثناء وجوده في موسكو لحضور واحد من هذه الاجتماعات أحس بألم مفاجىء، فأجريت له عملية جراحية. ثم نقله ابنه إلى مشفى في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن القدر لم يهمل أبا سلمى، فقد توفي بعد وصوله بأيام سبعة (11/10/1980)، ونقل جثمانه إلى دمشق، ودفن في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، ومنح أعلى وسام فلسطيني، وهو درع الثورة الفلسطينية.
بدأت رحلة أبي سلمى مع الشعر منذ أن كان طالباً في مكتب عنبر في دمشق، وفيه اكتسب كنيته “أبو سلمى” من مطلع قصيدة غزلية، نظمها سنة 1924 يقول فيها:
سلمى أنظري نحوي فقلبي يخفق لما يشير الي طرفك أطرق
واكب أبو سلمى القضية الفلسطينية منذ أن عاد إلى فلسطين بعد انتهاء دراسته. جمعت بينه وبين الشاعر الكبير إبراهيم طوقان صداقة حميمة، قال عنها هو نفسه: “سرنا أنا وهو (طوقان) في هذا الطريق، طريق الحياة والشعر”، وهكذا بات جزءاً من تاريخ فلسطين. وقد حرض في شعره على المستعمرين، ورثى الشهداء الذين سقطوا وهم يقارعون الاستعمار والصهيونية، ووضع أمله كله في الشعب العربي:
هل تشهدون محاكم التفتيش في العصر الجديد
قوموا انظروا “القسام” يشرق نوره فوق الصرود
يوحى الى الدنيا ومن فيها بأسرار الخلود
ايه شعوب العرب أنتم مبعث الأمل الوحيد
يا من يعزون الحمى، ثوروا على الظلم المبيد
امتزج نضال أبي سلمى الوطني العارم بادراك واع للواقع الاجتماعي والصراع الذي يدور فيه، فانحاز إلى جانب القوى الثورية في المجتمع العربي الفلسطيني، وربط بين النضال الوطني والقومي والأممي ربطاً محكماً ضمن نظرية اجتماعية واقتصادية وسياسية شاملة. وتوجه إلى الأطفال أمل المستقبل وبناته، فأنشد وغنى لهم عن الطبيعة والوطن، وخصهم بديوان شعري كامل. قال في الوحدة العربية:
أرض فلسطين استحالت حرما مقدساً، فقلبوا الشرب الندي
من كل قطر عربي عصبة ثائرة ترعى أصول المحتد
هبت على الوادي وأجرت دمها متحدا باللدم المحتد
وعند صدور قرار التقسيم قال:
وطني! عش أبا العروبة وأسلم وطني! حلية الزمان تبتسم
قسموا قلبك الموشح بالنور وتأبى العلى له أن يقسم
قد نسجنا ثياب عرسك حمرا إنها من قلوبنا ومن الدم
ورفعنا الرايات في جبل النار، وسرنا إلى القضاء المحتم
يتهادى التاريخ اثر خطانا والمروءات حولنا تترنم
وبعد النكبة، ظل أبو سلمى على نضاله وتفاؤله بالنصر:
أيها الباكي! وهل يجدي البكا بعدما أصبحت في كل مهب
كفكف الدمع وسر في أفق حافل بالأمل الضاحك رحب
يا أخي ما ضاع منا وطن خالد نحمله في كل قلب
وحين أتيح له بعد سنوات من النكبة أن يزور القدس قال:
زحفت ألثم أرضي وهي باكية والقلب باك وراحت تنتشي القبل
أهلي على الدار تدميني جراحهم في حبهم يتساوى العذر والعذل
خيامهم في مهب الريح معولة ودورهم من وراء الدمع تبتهل
في كل أرض شظاياهم مشردة وتحت كل سماء معشر رمل
أطوف أحمل أني سرت نكبتهم كأنني طيف نار والحمى طلل
قال الملوك غدا نحمي دياركم ليت الأذلاء ما قالوا وما فعلوا
وتقديرا لأبي سلمى، الذي كافح من أجل قضية فلسطين، أكثر من نصف قرن، بالكلمة الملتهبة المحرضة على الفعل الثوري، وبالموقف الملتزم وطنياً وقومياً وأممياً منحه اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، سنة 1978، جائزة اللوتس السنوية للآداب، التي لا يفوز بها سوى كبار المبدعين من الكتاب والشعراء المناضلين العالميين. وفي 1/12/1978 أقامت منظمة التحرير الفلسطينية* احتفالاً له في بيروت، أمة قادة الثورة ورجالاتها، وشعراء الأمة العربية وكتابها، وقال فيهم ياسر عرفات القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية وهو يعانق أبا سلمى: “أخي وأستاذي ومعلمي أبو سلمى، يوم تكريمك هذا إنما هو تكريم لفلسطين من خلالك، فلسطين الخندق الأمامي للأمة العربية”. وقال محمود درويش: “يا أبا سلمى، أعطني يدك لأرى البيدر الذي كنت ألعب فيه قبل ثلاثين سنة. حولك الآن جيل لم يلمس من فلسطين إلا يدك، ومع ذلك فانه أكثر قدرة على إعادة تكوينها بأدوات اللحم والدم. فلسطين تأتي وتذهب، ولكن فلسطينناً باقية في العقيدة التي يشربها طفل ولد الساعة في مخيم أو قرب سجن فأسست به ذاكرة صافية … ومن دمنا إلى دمنا حدود الأرض، وفي الثورة يعرف كيف يحول الكلمات إلى خطوات فيبني وطنه الخاص المنتقى حجراً على حجر … وهكذا تحلم القصيدة – الوطن”.
ترك أبو سلمى وراءه عدداً من الأعمال الشعرية هي على التوالي: رواية شعرية عن ثورة القسام وثورة 1936، المشرد (طبع في دمشق 1953، وبيروت 1963، والناصرة 1979)، أغنيات بلادي (دمشق 1959)، ديوان أغاني الأطفال (دمشق 1964)، من فلسطين ريشتي (بيروت 1971)، ديوان أبو سلمى (الأعمال الكاملة، بيروت 1978). وله ثلاثة أعمال نثرية هي: كفاح عرب فلسطين (دمشق 1964)، أحمد شاكر الكرمي (دمشق 1964)، الشيخ سعيد الكرمي (دمشق 1973).
المراجع:
– ديوان أبي سلمى: الأعمال الكاملة، بيروت 1978.
– يعقوب العودات: من أعلام الفكر والأدب في فلسطين، عمان 1976.