ألقى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية رونالد ريغان يوم 1/9/1982 خطاباً في الإذاعة والتلفزيون الأمريكيين خصصه لمعالجة قضية فلسطين والشرق الأوسط وقدم فيه إطاراً عاماً ومبادىء لحل هذه القضية. وقد أطلق على مشروعه عنواناً هو “مبادرة سلام أمريكية لشعوب الشرق الأوسط”. وجاء خطابه هذا اثر العدوان الإسرائيلي على جنوبي لبنان الذي بدأ يوم 6/6/1982 وامتد في الاحتلال والتوسع حتى بلغ العاصمة اللبنانية بيروت وطريق دمشق – بيروت في وسط لبنان. وكان الكيان الإسرائيلي يهدف من هذه العملية الهجومية التي سماها “سلامة الجليل” إلى تصفية منظمة التحرير الفلسطينية* بمختلف مؤسساتها وأجهزتها العسكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية والثقافية، وإلى اقتلاع الجماهير الفلسطينية المهجرة إلى لبنان والمنتظرة العودة إلى وطنها، وقد قاومت قوات الثورة الفلسطينية القوات المعتدية واستطاعت، بالرغم من تفوق العدو تفوقاً كبيراً في العدد والأسلحة، أن تصده في مواقع كثيرة وتمنع قوات الغزو من دخول بيروت العربية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين القريبة منها، الأمر الذي دفع الجيش الغازي المعتدي إلى استخدام أحدث الأسلحة الأمريكية وأشدها فتكاً، ومنها ما هو محرم دولياً، للرد على قوات المقاومة الفلسطينية التي كانت تدعمها وتقتاتل إلى جانبها القوات اللبنانية المشتركة والقوات المسلحة السورية.
وحينما اشتد الحصار الإسرائيلي على بيروت في البر والبحر والجو وقطع العدو عنها الماء والكهرباء والغذاء والدواء واستعمل القنابل العنقودية والفوسفورية والتفريغية وغارات شلل الأعصاب وانهال على المدينة بالقذائف من الطائرات والمدافع والقطع البحرية حتى بلغ عدد القنابل في أحد أيام الحصار أكثر من 250 ألف قنبلة، فتعرض مئات الألوف من السكان الأبرياء للهلاك وتعرض ما تبقى من المدينة للدمار، حينما حدث ذلك رأت منظمة التحرير الفلسطينية أن من الحكمة أن تأمر قوات الثورة الفلسطينية بمغادرة مدينة بيروت العربية من أجل الحفاظ على حياة السكان الأبرياء.
إثر هذا العدوان، وعلى أساس النتائج المنبثقة عنه، أقدم الرئيس ريغان على طرح مشروعه. وقد رأي في خروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت حدثاً هاماً حتى إنه بدأ الحملة الأولى من خطابه بقوله: “إن هذا اليوم يدعونا إلى الفخر لأنه سجل نهاية جلاء منظمة التحرير الفلسطينية عن بيروت بنجاح”.
وكأن الرئيس ريغان كان ينظر أمراً كوقوع العدوان الإسرائيلي على لبنان ليقدم مشروعه لحل القضية الفلسطينية. فقد قال: “إن الحرب في لبنان بكل ما فيها من مآس أتاحت لنا فرصة جديدة لإحلال السلام في الشرق الأوسط. إن علينا أن نغتنم هذه الفرصة الآن وتحقق السلام في تلك المنطقة التي تعاني الاضطرابات وتمثل أهمية حيوية لاستقرار العالم”.
ورأى الرئيس الأمريكي “أن الوضع في لبنان ليس سوى جزء من المشكلة الشاملة لنزاع الشرق الأوسط”. واستند إلى نتيجتين من نتائجها اعتبرهما هامتين بالنسبة إلى “عملية السلام”.
“1) ان الخسائر العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية لم تقض على تطلع الشعب الفلسطيني إلى حل عادل لمطالبه.
“2) على الرغم من أن الانتصارات العسكرية الإسرائيلية في لبنان أظهرت أن القوات المسلحة الإسرائيلية هي أقوى القوات في المنطقة فإنه لا يمكن لهذه القوة وحدها أن تحقق السلام المنشود”.
وبين الرئيس ريغان أن جوهر المسألة يقوم على “التوفيق بين المطالب الأمنية المشروعة لإسرائيلي والحقوق المشروعة للفلسطينيين”. وأن البحث عن الطريقة لتحقيق هذا التوفيق لا يمكن أن يتم إلا في لقاء الأطراف المعنية حول طاولة المفاوضات.
رسم الرئيس ريغان إطاراً عاماً لحل قضية فلسطين والشرق الأوسط، وهذا الإطار هو اتفاقيات كامب ديفيد* التي هي “السبيل الوحيد لحل النزاع العربي- الإسرائيلي”. وقال: “إن اتفاقيات كامب ديفيد لا تزال تشكل أساس سياستنا”.
واقترح سبعة مبادىء يبنى عليها الحل، وهي:
1) أن الأمن الذي تتطلع إليه إسرائيل “لا يمكن تحقيقه إلا من خلال سلام حقيقي”.
2) أن التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني “مرتبطة ارتباطاً لاينفصم بحق إسرائيل في مستقبل آمن “.
3) إسرائيل “حقيقة واقعة” و”راسخة وشرعية داخل المجتمع الدولي”، وعلى الدول العربية أن تقبل هذه الحقيقة.
4) “أن السلام والعدل لا يمكن تحقيقهما إلا عن طريق المفاوضات المباشرة والمنصفة والشاقة”.
5) لإسرائيل “حق في الوجود وراء حدود آمنة يمكن الدفاع عنها”.
6) لا عودة إلى حدود ما قبل 1967. فقد “كان عرض أرض إسرائيل عند إحدى النقاط لا يتعدى عشرة أميال في حدود ما قبل العام 1967، وكانت أكثرية سكان إسرائيل تعيش على مرمى مدفعية الجيوش العربية المعادية. إنني لن أطلب من إسرائيل أن تعيش كما كانت آنذاك مرة أخرى”.
7) أن قضية الفلسطينيين “أكثر من مسألة لاجئين”.
استناداً إلى هذه المبادىء رسم الرئيس الأمريكي إطاراً تنفيذياً لبلوغ الحل المنشود. وتتوضح معالم هذا الإطار في الخطوات الثماني الآتية:
1) إقامة حكم ذاتي كامل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يديرون فيه شؤونهم الخاصة. ويستمر هذا الحكم مدة سنوات تبدأ “بعد إجراء انتخابات حرة لاختيار سلطة فلسطينية للحكم الذاتي” تهدف إلى “إثبات أن الفلسطينيين قادرون على حكم أنفسهم، وأن مثل هذا الحكم الذاتي لا يشكل تهديداً لأمن إسرائيل”.
2) تجميد إقامة المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة طوال السنوات الخمس لأن هذا التجميد “يمكنه أكثر من أي إجراء آخر أن يوجد الثقة” بين العرب والإسرائيليين.
3) “لا يمكن تحقيق السلام عن طريق إقامة دولة فلسطينية مستقلة في هاتين المنطقتين (أي في الضفة الغربية وقطاع غزة)، كما لا يمكن تحقيقه عن طريق ممارسة إسرائيل سيادتها أو سيطرتها الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة. ولذلك فإن الولايات المتحدة لن تؤيد إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولن تؤيد ضمهما أو السيطرة الكاملة عليهما من جانب إسرائيل”.
4) إن الولايات المتحدة ترى “في حزم أن حكماً ذاتياً من جانب الفلسطينيين للضفة الغربية وقطاع غزة مرتبطاً بالأردن يوفر أفضل فرصة لسلام دائم وعادل وثابت”.
5) “إن النزاع العربي – الإسرائيلي يجب أن يحل مفاوضات تنطوي على مبادلة الأرض بالسلام. وهذه المبادلة منصوص عليها في قرار مجلس الأمن 242* الذي يدخل بالتالي بكل جوانبه في اتفاقية كامب ديفيد”. وترى الولايات المتحدة “أنه في مقابل إحلال السلام تنطبق المادة الخاصة بالانسحاب في القرار 242 على كل الجبهات، وفيها الضفة الغربية وقطاع غزة”.
6) “عندما يجري التفاوض بين الأردن وإسرائيل بشأن مسألة الحدود فإن رأينا في حجم الأراضي التي يجب أن يطلب من إسرائيل التخلي عنها سيتأثر إلى حد كبير بحجم ما يتحقق من سلام حقيقي وتطبيع للخلافات، وبالترتيبات الأمنية المعروضة في المقابل”.
7) بقاء مدينة القدس “غيرمجزأة، إلا أن وضعها النهائي يجب أن يتقرر بالتفاوض”.
8) سوف تعارض الولايات المتحدة “أي اقتراح من أي طرف، وفي أية مرحلة من مراحل عملية التفاوض، من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل. فالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل التزام راسخ”.
جاء خطاب الرئيس ريغان في وقت كانت الدول العربية تستعد لعقد مؤتمر القمة العربي الثماني عشر* (6-9/9/1982). فآثرت الحكومات العربية بصورة عامة ألا تعلق على مشروع الرئيس الأمريكي أو تتخذ مواقف حياله مفضلة أن تتيح الفرصة للملوك والرؤساء العرب ليتشاوروا فيما بينهم ويتخذوا ما يرونه من قرارات وإجراءات تحقق المصلحة العربية وتصون قضية فلسطين من العبث والإساءة وتحفظ الشعب الفلسطيني حقوقه، ولا سيما بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان والنتائج التي انتهى إليها. وبذلك تكون قرارات مؤتمر القمة العربية بمنزلة رد غير مباشر على مشروع الرئيس الأمريكي.
غير أن ذلك لم يمنح بعض المسؤولين في بعض الدول العربية من أن يشيروا تصرفاتهم إلى بعض النواحي السلبية أو الإيجابية في مشروع الرئيس ريغان. وكذلك فعلت أجهزة الإعلام العربية.
أما في (إسرائيل) فقد درس مجلس الوزراء المشروع الأمريكي وأعلن الناطق باسمه رفضه.
المراجع:
– النشرة الرسمية لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية، دمشق 3/9/1982.
الريف: رَ: المدينة والريف
الريماوي: رَ: عبد الله الريماوي
رَ: علي الريماوي