أدرك الفلسطينيون مدى خطورة وعد بلفور* على مستقبلهم. وتعزز هذا الشعور بتدفق المهاجرين الصهيونيين وابتياعهم الأراضي في كل مكان وطرد الفلاحين العرب من مزارعهم. وانفجر هذا الشعور بشكل عنيف في عامي 1919 و1920 (رَ: ثورة 1920). وتوجه ونستون تشرشل، وزير المستعمرات آنئذ عام 1921 في زيارة إلى مصر وفلسطين اطلع خلالها على المشكلة ميدانياً. واستمع إلى آراء الوفد العربي برئاسة موسى كاظم الحسيني* الذي طالب بإلغاء وعد بلفور كلياً. وبعد عودة تشرشل إلى لندن بشهر اندلعت موجة جديدة من العنف أدت إلى مزيد من الضحايا. وفي آب 1921 حضر وفد عربي إلى لندن وقابل الوزير البريطاني ملحاً على إلغاء وعد بلفور.
ورغم تعاطف تشرشل مع الصهيونية فإنه لم يكن قد لعب أي دور يذكر في إصدار وعد بلفور، ولم يبد اهتماماً كبيراً بقضايا الوطن العربي. وعندها جرى نقل انتداب فلسطين إلى وزارته كان جاهلاً تفاصيل المشكلة. ولكن ذلك لم يحل دون ادراكه كنه النزاع وصعوباته. ورغم ما أبداه من تبسيط للموضوع واستخفاف بمخاوف العرب التي لم يجد مسوغاً لها فإن الكتاب الأبيض الذي أصدره في هذا الشأن ظل من أهم الوثائق وأخطرها بالنسبة للتطورات اللاحقة.
وافق البرلمان البريطاني على الكتاب بتاريخ 6/6/1922، وفيه شرحت وزارة المستعمرات سياسة بريطانيا في فلسطين وتفسيرها لوعد بلفور. واعتماداً على حرفية النص بينت الوزارة أن الغرض ليس تحويل جميع فلسطين إلى وطن يهودي بل إقامة هذا الوطن في جزء منها، على ألا يؤدي ذلك إلى إخضاع السكان العرب أو اختفاء اللغة أو الثقافة العربية. ونفى الكتاب تصريح وايزمان بالعزم على “أن تكون فلسطين يهودية كما تكون أمريكا أمريكية وإنكلترا إنكليزية”. ونفى الكتاب الأبيض حجة العرب بتعهدات إنكلترا إلى الشريف حسين، وأصر على أن فلسطين قد استثنيت من التعهدات بناء على الفقرة الواردة في رسالة مكماهون إلى الحسين بتاريخ 24/10/1915 التي أشارت إلى الجهة الواقعة غربي دمشق (رَ: الحسين – مكماهون، مراسلات).
ووعد تشرشل في الكتاب الأبيض بإقامة حكم ذاتي يتم تحقيقه بعد مرحلة تدار فيها البلاد عن طريق مجلس تشريعي يتألف من تسعة أعضاء عرب مسلمين وثلاثة عرب مسيحيين وثلاثة يهود ينتخبون جميعاً، ثم من أحد عشر عضواً رسمياً تعينهم السلطة التنفيذية. وأكد الكتاب تمسك إنكلترا بوعد بلفور، وبأن وجود الشعب اليهودي في فلسطين يقوم على حق، وليس من باب المنَّة. وحرصاً على عدم الإساءة إلى حقوق السكان غير اليهود قيدت الهجرة “بقدرة البلاد الاقتصادية في الفترة المعينة على استيعاب المهاجرين الجدد”، وهي القاعدة التي أصبحت الأساس الذي تذرعت به حكومة الانتداب في استقبال المهاجرين، والنقطة التي دارت حولها الخصومات العنيفة بين السكان العرب والصهيونيين حتى آخر يوم من الحكم البريطاني.
قبلت المنظمة الصهيونية* الكتاب الأبيض بالنظر لتأكيده وعد بلفور وحق اليهود في الهجرة إلى فلسطين وإقامة وطنهم القومي فيه. أما الجانب العربي الذي كان مصراً على ضرورة إلغاء وعد بلفور وعدم الاعتراف بالسياسة القائمة عليه وإيقاف الهجرة اليهودية فقد وجد من واجبه رفض الكتاب الأبيض رفضاً كلياً، واعتبر فكرة المجلس التشريعي ذريعة ماكرة للحصول على اعتراف العرب بالانتداب وبوعد بلفور وبجميع القرارات والسياسات التي تسنها الإدارة البريطانية عن طريق هذا المجلس الذي تكون فيه أصوات الممثلين الرسميين واليهود أكثر من أصوات الممثلين العرب. ولوحظ كذلك أن ربط الهجرة بالقدرة الاقتصادية للبلاد، وعدم حرمان السكان الأصليين من أعمالهم الحالية فقط يعنيان في الواقع تقليصاً لاشتراطات وعد بلفور وصك الانتداب التي أكدت على مراعاة الحقوق المدنية بصورتها المطلقة، لا الاقتصادية فقط.
المراجع:
– حسن صبري الخولي: سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين، القاهرة 1970.
– Command Paper No. 1700, 1922.
– Jeffries, J.: Palestine the Reality, London 1939.
– Royal Institute of International Affairs: Great Britain and Palestine, Information Papers No 20.
– Sykes, C.: Cross Roads to Israel, London 1965.
التشهير: رَ: مناهضة التشهير (رابطة -):
تشيكوسلوفاكيا: رَ: أوروبا الشرقية (دول -)
تشسيلي: رَ: أمريكا اللاتينية (دول -)
التضاريس: رَ: البنية والبناء الجيولوجي