ترجع الكنيسة اليعقوبية بجذورها إلى نشأة المسيحية* في القرن الأول الميلادي. وينتشر رعاياها في سورية وفلسطين ولبنان ومصر والعراق وبلاد الهند. وقد ظهرت لفظة “اليعقوبية أو اليعاقبة” في الخامس الميلادي نسبة الى الأسقف يعقوب البرادعي أحد الاسقفين الذين أرسلتهما الامبراطورة تيودورا زوجة الامبراطور جستنيان* إلى الملك الغساني الحارث بن جبلة لتعليم قومه وتنصيره. وأما الأسقف الثاني فهو تيودورس أسقف العرب الذي عين للجزيرة العربية وفلسطين.
والكنيسة اليعقوبية، أو الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، كنيسة مونوفيزية تعتقد برأي الراهب أوطيخا القائل ان في المسيح شخصية واحدة وطبيعة واحدة فقط هي الالهية. وقد تكونت هذه الكنيسة بعد تجمع خلقيدونيا الذي عقد عام 451م لحسم الخلاف حول ألوهية المسيح وناسوتيته وانتهى إلى تحريم تعاليم أوطيخا، وأدى إلى نشأة الكنيسة اليعقوبي المؤمنة بالطبيعة الواحدة في مقابل الكنيسة الملكية التي أخذت بقرار المجمع الخلقيدوني (رَ: المونوفيزية).
انتشر أتباع الكنيسة اليعقوبية في سورية والعراق وفلسطين، ونشط يعقوب البرادعي في تنظيمها وتعليم معتقدها، وأسس المراكز الأسقفية المتعددة.
وقد رحبت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بالفتوحات العربية هربا من مضايقات الامبراطور والضطهادات الدينية التي كانت تتعرض لها. ولهذا جعل مقر البطريركية في المناطق العربية فتنقلت بين ديار بكر وماردين، ثم كانت في انطاكية فحلب فدير الزعفران بالقرب من حمص، وأخيرا استقرت في دمشق منذ عام 1959.
وقد ازدهرت هذه الكنيسة في القرن التاسع الميلادي وكان لعلمائها وأساقفتها أثر كبير في بلاط الخلفاء وحركة النقل والعلم في العصور الاسلامية. ومن أعلامها ساويروس الأنطاكي وبطريرك ديار بكر ديونيسيوس الصليبي (المتوفى سنة 1171م) وغريغوريوس أبو الفرج المعروف بابن العبري (المتوفى سنة 1286م). وهو مؤرخ وفيلسوف ولاهوتي.
ويرجع وجود هذه الكنيسة في فلسطين إلى ما قبل المجمع الخلقيدوني في القرن الخامس. فالفلسطينيون أول شعب تنصر مع الفئات اليهودية الأولى في عهد السيد المسيح، ثم في عهد الرسل،ولغتهم المحكية والكنيسة هي اللغة التي كان ينطق بها السيد المسيح، وهي اللغة السريانية أو الآرامية* الغربية.
وكان أول أسقف ترأس الكنيسة الفلسطينية هو يعقوب الملقب (بأخي الرب). والطقوس الدينية لهذه الكنيسة هي أقدم الطقوس الكنسية. وقد سبقت الطقس البيزنطي اليونناني الذي نشأ في القسطنطينية ولم دخل فلسطين الا في عهد متأخر.
بعد الفتوحات العربية نعم العنصر السوري بشيء من الامتياز وأقصي العنصر اليوناني. وظل معظم بطاركة القدس اليونانيين يعيشون في المنفى في القسطنطينية. الا أن أتباع الكنيسة السريانية انتقلوا في العهد العربي الاسلامي إلى مصر. وعندما أرادوا العودة الى ديارهم أثناء حكم الصليبيين تم لهم ذلك في عهد البطريرك ميخائيل السوري الكبير الذي قابل الملك الصليبي بودوان الرابع في عكا عام 1179م وأيده البطريرك اللاتيني في القدس. ويعتبر البطريرك ميخائيل من أعلام الكنيسة السريانية في القرن الثاني عشر، ومن مشاهير كتاب لهذا العصر.
وقد ذكر أحد المؤرخين المعاصرين للكنيسة السريانية أنه كان لهذه الكنيسة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين أربوشية في غزة* مركزها في ميمومة (خربة المنية)، وأبرشيه في طبرية* من القرن التاسع حتى القرن الرابع عشر الميلادي، وفي عكا* في القرن الثالث عشر الميلادي، وفي نابلس* في القرن الثاني عشر الميلادي. وكان لها عدة أديار وكنائس في القدس* وأريحا* وغزة ووادي الأردن.
ومن علماء الكنيسة السريانية الفلسطينيين يوحنا روفس من قرية روفينا قرب عسقلان، وكان أسقف ميومه في القرن السادس، وزكريا أسقف المدني (536م) وأصله من غزة، وتوما الهرقلي أسقف منبج (القرن السابع الميلادي) وأندراوس المقدسي (القرن السابع الميلادي).
يعد أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية اليوم نحو ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف نسمة في البلاد العربية والهند وأوروبا وأمريكا. ويحمل بطريركها لقب “قداسة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق” والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية في العالم”. ويعتبر هذا البطريرك الثاني والعشرين بعد المئة في سلسلة بطاركة أنطاكية الشرعيين. وينوب عنه في بلاد الهند رئيس أساقفة يحمل لقب “مفريان”، وهي لفظة سريانية تعني “المعطي أو المثمر”. وفي البلاد الغربية والهند والمهجر سبع وعشرون مطرانية.
ويعد أتباع هذه الكنيسة في فلسطين اليوم نحو خمسة آلاف نسمة، ومقرها في القدس في كنيسة القديس مرقس،ولها كنائس في بيت لحم* ووادي الأردن وعمان، ودير في القدس. ويترأس هذه الكنيسة نائب بطريركي يقيم في دير القديس مرقس الشهير بمكتبته المنشأة عام 1718م، وتحوي عدة مخطوطات وأيقونات ثمينة.
المراجع:
- سويروس يعقوب توما: تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية، 1957.
- F. M.: Histoie de la Palestine, Paris 1952.
- L.: Histoire ancienne de l”Eglise, Paris 1910.
- Fliche, A.and Martin.V.: Histoire de l”eglise, Paris 1939
- Janin: Les Eglises Orientale. Et les Rites Oreintaux, Paris 1955.
- Y.: The Syrian Orthodox Church in the Holy Land, Jerusalem 1976.
- H.: Histoire du Christianisme specialement en Orient. Liban 1948.