بعد توقيع اتفاقياات الهدنة بين (إسرائيل) وكل من مصر وسورية والأردن ولبنان عمدت (إسرائيل) إلى التعدي على الأراضي الفلسطينية الواقعة في المناطق المنزوعة السلاح* والمناطق الحرام تمهيدا لضمها وخلق أمر واقع جديد فيها تواجه به الدول العربية والأسرة الدولية. وكان من أهم الأراضي التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي منطقة جبل المكبر في القدس.
تقدمت الأردن إلى مجلس الأمن يوم 4/9/1957 طالبة عقد جلسة مستعجلة لمعالجة الحالة الخطيرة التي نشأت نتيجة مخالفة (إسرائيل) أحكام اتفاقية الهدنة الدائمة بين الأردن وإسرائيل* المؤرخة في 3/4/1949 في أراضي المنطقة الحرام بالقدس. وقالت الشكوى الأردنية:
1) ان الاتفاقية حددت مساحات واسعة مناطق منزوعة السلاح أو مناطق حراما من أجل فصل القوات المتحاربة والسكان المدنيين من الفريقين. وان قسما كبيرا من هذه الأراضي يقع جنوب مدينة القدس وقد وضع تحت تصرف ومراقبة الأمم المتحدة. وان عددا من المباني، وفيها دار الحكومة التي استخدمها الأمم المتحدة مقرا لهيئة رقابة الهدنة،هي ضمن المنطقة الحرام.
2) ان (إسرائيل) قامت بتاريخ 21/7/1957 بدخول المنطقة الحرام وأدخلت إليها الجرافات لاجراء الحفريات فيها. وقد استمرت (إسرائيل في مخالفاتها رغم احتجاجات الأردن عند هيئة الرقابة الدولية وتقدمها بشكوى رسمية إلى كبير المراقبين بهذا الخصوص.
انعقد مجلس الأمن بتاريخ 6/9/1957، وتحدث مندوب الأردن فذكر المجلس بأن إسرائيل تريد احتلال الأراضي العربية الواقعة في جبل المكبر (ومساحتها حوالي 2,400 دونم) لتغير وضعها القانوني ومصادرتها ثم ضمها، وأن (إسرائيل) ستكسب بها مواقع استراتيجية مهمة تجعل الدفاع عن القدس مستقبلاً أمراً مستحيلاً، خصوص أنها لم تستطع احتلال هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة أثناء حرب 1948*. وأضاف مندوب الأردن أن جميع الأراضي يملكها الفلسطينيون العرب ما عدا قطعة أرض تقوم عليها مدرسة زراعية لا تتعدى مساحتها أربعين دونما، وأن (إسرائيل) طالبت في لجنة الهدنة تقسيم المنطقة الحرام بين الفريقين، غير أن الأردن رفض ذلك رفضا باتا وأصر على بقاء وضع المنطقة الحرام حسب اتفاقية الهدنة، وخاضعة لأحكامها.
وأوضح مندوب الأردن أن سياسة (إسرائيل) التوسعية قد أخذت تنعكس على أراضي جبل المكبر خلافا للاتفاقيات الدولية، وأن عدم اتخاذ مجلس الأمن اجزاء سريعا سيشجع “إسرائيل على المزيد من العدوان والتحدي”. وقال ان لجوء الأردن إلى مجلس الأمن استدعته مخالفة (إسرائيل) لاتفاقة الهدنة من جهة، والتهديد المباشر للأمن العربي في قطاع القدس من جهة أخرى.
قال مندوب (إسرائيل) ان حكومته كانت تأمل أن تنتهي اتفاقية الهدنة من مرحلتها الانتقالية إلى مرحلة سلام حسب مضمون المادة 8 من اتفاقية الهدنة. وأضاف قائلاً: ان الأردن رفض ذلك، الأمر الذي أجحفت بحقوق (إسرائيل)، ولهذا تقدمت إلى مجلس الأمن طالبة تنفيذ المادة الثامنة لتحقيق التقدم نحو السلام الدائم باعادة النظر في نصوص الاتفاقية وتعديلها.
استمع مجلس الأمن الى كلمات أعضائه ثم طلب من كبير مراقبي الهدنة تقديم تقرير حول النقاط المثارة والموضوع كله خلال أسبوعين. وقد قدم التقرير بتاريخ 24/9/1957. وعلى ضوء المناقشات وتقرير كبير مراقبي الهدنة أصدر المجلس بالاجماع يوم 22/1/1958 قرارا رقمه 127(1958) طلب فيه من كبير المراقبين أن يقوم بتنظيم النشاطات في المنطقة بما لا يتعارض مع ما قد ينشأ من ترتيبات تبعا لنصوص اتفاقية الهدنة مع احترام حقوق الملكية فيها. وجاء في القرار “ليكن مفهوما أنه ما لم يحصل اتفاق متبادل يجب الا يسمح للاسرائيليين باستعمال أملاك عربية، والا يسمح للعرب باستعمال أملاك إسرائيلية”. وكلف المجلس كبير المراقبين اجراء مسح لوثائق الملكية بقصد تحديد الملكيات في المنطقة. وطلب من(إسرائيل) أن توقف الأعمال التي بدأت القيام بها في المنطقة الحرام يوم 21/7/1957 “إلى أن يحين الوقت الذي تكون قد تمت فيه عملية المسح ووضعت الترتيبات لتنظيم النشاطات في المنطقة”. وحدد المجلس مدة شهرين لكي تنتهي عملية المسح والمباحثات بشأن وضع الترتيبات المذكورة في القرار ضمن اطار لجنة الهدنة المشتركة وبالتعاون مع كبير المراقبين.
ولم يتخذ المجلس أي قرار بالنسبة إلى الشكوى المعاكسة التي تقدمت بها (إسرائيل).
كانت (إسرائيل) تقاطع لجنة الهدنة آنذاك، واستمرت في المقاطعة بعد صدور هذا القرار. ولهذا طلبت الحكومة الأردنية بتاريخ 5/2/1957 أن تعود (إسرائيل) إلى اللجنة وتشارك في جلساتها حسب تعليمات مجلس الأمن. غير أن (إسرائيل) طلب تتحدى قرار المجلس وتقاطع اجتماعات لجنة الهدنة المشتركة وتستغل أراضي المنطقة الحرام. وأخذت تقوم بتعديات جديدة بالإضافة إلى زراعة الأراضي العربية وغرس الأشجار فيها، إلى أن قامت حرب 1967* فاحتلت التراب العربي في فلسطين كلها وأعلنت ضمها الكامل للقدس.
المرجع:
- وثائق ومحاضر اجتماعات مجلس الأمن.