المعراخ كلمة عربية معناها “التجمع” أو “التحالف” وقد أطلق هذا الاسم على التحالف الذي كان يقوم بين الأحزاب العمالية الإسرائيلية. وهناك تحالفان من هذا النوع قاما خلال الستينات، الأول بين ماباي* وأحدوت هاعافودا* والثاني بين حزب العمل* ومابام*.
أ- تجمع ماباي – أحدوت هاعافودا: في 19/5/ 1965 تم التوقيع على اتفاق التجمع بين حزب ماباي وحزب أحدوت هاعافودا على الرغم من معارضة الأقلية في كل من الحزبين. فالأقلية التي كان يتزعمها في الماباي دافيد بن غوريون عارضت هذا التجمع لأنها اعتبرته تشوبيها للوحدة الفعلية وتوجها نحو اليسار. وكان بن غوريون يود الجنوح نحو اليمين واقامة تحالف مع حزب الأحرار* ضد حزب حيروت* من جهة، وضد “اليسار الطلائعي” من جهة أخرى. وقد اشترط احتفاظ ماباي بحق المطالبة بتغيير طريقة الانتخابات البرلمانية في أي تجمع يتم التوصل اليه. كما عارضت الاتفاق الأقلية في أحدوت هاعافودا بزعامة يتسحاق طبنكين لأن التجمع لم يضم فيما زعمت حزب مابام.
نص اتفاق التجمع الذي سمي ” معراخ ماباي –أحدوت هاعافودا” على أن يخوض هذا التجمع بقائمة مشتركين المرشحين انتخابات الكنيست* والهستدروت* والبلديات والمنظمة الصهيونية العالمية* والهيئات الأخرى التي تجري فيها الانتخابات على أساس حزبي. وجاء في الاتفاق أيضا أن يكون للتجمع كتلة موحدة في الكنيست، على أن يحتفظ كل منهما باستقلاله داخل الهستدروت.
ومن الأهداف التي اعتمدها المعراخ برنامجا له على الصعيدين الداخلي والخارجي السعي إلى تحقيق الوحدة الكاملة لحركة العمال الإسرائيلية، وتعزيز سلامة (إسرائيل) واستقلالها، والتصدي للخطر الداهم الذي يهدد الحركة العمالية من قبل الكتلة اليمينية المتطرفة، والنهوض بمكانة (إسرائيل) الدولية، والسعي الحثيث لاحلال السلام في المنطقة، وزيادة الهجرة إلى (إسرائيل) والاستيعاب المنتج للمهاجرين، والتخطيط السريع للاقتصاد، وتطوير الثروة الطبيعية، وزيادة الانتاج.
بقي تجمع ماباي – أحدوت هاعافودا قائماً حتى شهر كانون الثاني/يناير 1968 حين تم التوحيد الكامل بين ماباي وأحدوت هاعفودا ورافي* في حزب واحد أطلق عليه اسم حزب العمل الإسرائيلي.
ب- تجمع حزب العمل – مابام: بعد حرب 1967* وما أسفرت عنه من نتائج، ولا سيما ازدياد موجة التعصب والتطرف وشهوة التوسع والسيطرة على الأراضي العربية المحتلة، وجد حزب مابام نفسه وحيدا في معسكر الأحزاب العمالية، الأمر الذي كاد يفقده “حصته” في مغانم الحرب وما تمخضت عنه من فرص لتعزيز مكانته في الداخل والخارج. ولكي يركب مابام هذه الموجة قرر تغيير سياسته التقليدية في ثلاث مسائل: الموقف من الاتحاد السوفيتي، والشؤون الخارجية والأمن، والسياسة الاقتصادية. فأخذ يهاجم الاتحاد السوفيتي ويتخذ موقفاً مماثلاً تقريباً لموقف حزب العمل بالنسبة إلى القضية الفلسطينية والدول العربية. ومن جهة أخرى وجد حزب العمل مصلحتين رئيستين في الاشتراك مع مابام: مصلحة سياسية تتمثل في الرغبة في تصفية أية قوة سياسية عمالية تقف إلى يسار حزب العمل، ومصلحة تنظيمية تتجلى في زيادة قوته البرلمانية.
أقيم التجمع بين حزب العمل ومابام وتم توقيع ميثاقه رسميا يوم 19/1/1969، واتفق الحزبان على خوض انتخابات الكنيست والهستدروت والمجالس المحلية بقوائم موحدة وفقا لبرنامج انتخابي مشترك، على أن يكون للتجمع كتلة مشتركة في الكنيست والهستدروت. وتقرر أن تشكل ادارة التجمع من تسعة أعضاء من حزب العمل وستة أعضاء من مابام.
ومن أبرز النقاط التي اتفق عليها الحزبان ضمن اطار التجمع بالنسبة إلى قضية الشرق الأوسط مواصلة الحكومة الإسرائيلية اتخاذ المبادرات من أجل السلام واحتفاظها بخطوط وقف النار ما دام احراز سلام دائم والتوصل إلى “حدود آمنة ومتفق عليها” لم يتحققا بعد. كما أن (إسرائيل) استمرت في اظهار استعدادها للمفاوضات مع كل دولة عربية على انفراد من أجل السلام، على أن تشمل هذه المفاوضات ايجاد حل لمشكلة للاجئين. وأكد ميثاق التجمع “المحافظة على القيم الأساسية للحركة العمالية”.
بقي المعراخ يشكل الحكومات الاسرائيلية ويحصل على أكثرية المقاعد في الكنيست، ولو بنسب متفاوتة حتى سنة 1977 عندما اخفق في الانتخابات وانتصر عليه تكتل لليكود* اليميني فشكلت الحكومة الإسرائيلية بزعامة مناحيم بيغن وأصبحت الأحزاب العمالية لأول مرة منذ انشاء (إسرائيل) تشكل المعارضة الرئيسة. وقد تكرر اخفاق المعراخ في انتخابات عام 1971 فحصل على 47 مقعدا الأمر الذي مكن الليكود من الاستمرار في الحكم وأبقى المعراخ في المعارضة.
وشهد الحزب في السبعينات انشقاقات ليست ذات أهمية، كانشقاق مجموعة شلوميت ألوني عام 1973 التي انضم اليها يوسي سريد فيما بعد وأعضاء آخرون شكلوا حركة حقوق المواطن “راتس”، وانشقاق مجموعة أخرى أيضاً شكلت حركة التغيير “شينوي”، وقد ادى مجموع هذه الانشقاقات عام 1977 بالإضافة إلى الهزة التي ألمت في إسرائيل عقب حرب رمضان إلى سقوط الحزب، الذي كان يحكم البلاد آنذاك بزعامة غولدا مائير، عن سدة الحكم في ذلك العام لصالح ائتلاف الليكود اليميني بزعامة مناحيم بيغن، وكانت المرة الأولى التي يصل فيها الليكود إلى حكم إسرائيل منذ قيام الدولة.
أسفر الصراع مع “الليكود” طيلة السنوات التي قضاها حزب “العمل” خارج الحكم إلى تقوية وحدته الداخلية، وفي انتخابات عام 1984 جرى صراع داخلي في الحزب بين شمعون بيرس، واسحق رابين واسحق نافون لكن حدة الصراع مع الليكود دفعت هذه المنافسة للخلف وجعلت هؤلاء القادة يضعون خلافاتهم جانبا ويقبلون بزعامة بيرس للحزب على أن يكون نافون ثانيا في القائمة ويليه رابين لانقاذ الحزب من الشرق.
ويعد تشكيل بيرس لحكومة الوحدة الوطنية في أيلول/سبتمبر 1984 المعروفة بحكومة الرأسين، خفت حدة المعارضة داخل الحزب ولم تظهر أي تكتلات آنذاك/ لكنه أخفق مرة أخرى في الانتخابات التي تلتها عام 1988 حيث فاز اسحق شامير وحزبه “الليكود” وعاد ليحكم إسرائيل حتى عام 1992، نجح حزب “العمل” بالوصول إلى السلطة برئاسة اسحق رابين، وحكم رابين إسرائيل آنذاك واستطاع أن يوقع اتفاقية أوسلو* مع الفلسطينيين عام 1994 وأن يبرم معاهدة السلام مع الأردن عام 1995، وبذلك قلب السياسة الإسرائيلية رأساً على عقب، حيث شكلت هذه الاتفاقيات الخلاف الرئيسي مع “الليكو” واليمين المتطرف، وقد أدت هذه الاتفاقيات إلى اغتيال رابين عام 1995 في حادثة تاريخية هي الأولى من نوعها في الدولة العبرية، وتسلم الحكم بعده نائبه بيرس حتى حزيران / يونيو 1996 وهو موعد اجراء انتخابات جديدة.
استطاع بنيامين نتنياهو، زعيم حزب “الليكود” أن يقصي بيرس بعيدا عن حكم إسرائيل ليحل مكانه في أول انتخابات إسرائيلية تجري لاختيار رئيس الوزراء بطريقة الاقتراع المباشر عام 1996، واستطاع التغلب عليه بفارق ضئيل في الأصوات، لكن حزب “العمل” – الذي انتقل إلى صفوف المعارضة – استجمع قواه مجدداً اثر سقوط نتنياهو وحجب الثقة عن حكومته بعد ثلاث سنوات من الحكم واجراء انتخابات مبكرة، بقيادة الجنرال العسكري أيهود باراك الذي اعتلى دفة القيادة بعد أن أجرى تغييرات في الحزب شملت تغيير الاسم ايضا ليصبح “اسرائيل واحدة” تضم بالإضافة إلى “العمل” حركتي “ميعاد” الدينية و”غيشر” برئاسة ديفيد ليفي واستطاع أن يحقق فوزا كاسحا على منافسه نتنياهو، كان عدد مقاعد الحزب في الكنيست تقلصت وأصبحت 26 مقعداً بعد أن كانت 34 في الانتخابات التي سبقتها، وقد نجح باراك في تهميش قيادات حزبه، كما أنه ابتعد عن البرنامج السياسي للحزب.
أهم ما ميز سياسات هذا الحزب ومواقفه منذ اعتلائه السلطة عام 1948 هي الذرائعية الواضحة في الفكر والممارسة، ففي السنوات الأولى من حكمه اتبع سياسة اقتصادية داخلية تتلاءم وطبيعة المرحلة التي من أولوياتها استيعاب المهاجرين الجدد تمثلت في “بطاقات الاعاشية” التي تحدد للمواطن الإسرائيلي ما يستطيع الحصول عليه من مواد تموينية.
وقد وضع الحزب قسما كبيرا من وسائل الانتاج تحت سيطرة الدولة، ونقابة العمال العامة “الهستدروت” التي كانت تحت سيطرته، وأقام قاعدة صناعية تتناسب مع وضعه، تطورت فيما بعد لتصبح الصناعات العسكرية تحتل القطاع الأهم منها.
المراجع:
- حبيب قهوجي: الأحزاب الإسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني 1986.
- غازي السعدي: الأحزاب والحكم في إسرائيل، 1989.
- كاميليا بدر: نظرة على الأحزاب والحركات السياسية الإسرائيلية، القدس، 1981.
- مؤسسة الدراسات الفلسطينية: الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1996، بيروت .