ما ان اشتعلت الحرب العالمية الثانية حتى لجأت الحركة الصهيونية إلى أسلوب جديد لتحقيق عنايتها في إنشاء دولتها فوق أرض فلسطين. فإذا كانت القوى السياسية والدبلوماسية والمالية الصهيونية هي التي قامت بالدور الرئيس أثناء الحرب العالمية الأولى وبين الحربين الأولى والثانية فان القوة العسكرية الصهيونية أصبحت أداة ضرورية لفرض الوجود الصهيوني في فلسطين وإقامة كيان سياسي له. ولهذا اتجهت جهود الصهيونية إلى إنشاء هذه القوة العسكرية.
تبلور هذا الاتجاه أثناء انعقاد المؤتمر الصهيوني* الحادي والعشرين في جنيف (آب 1939)، وكانت الحرب وشيكة الوقوع. فتوجه حاييم وايزمان إلى لندن وعرض على رئيس الحكومة البريطانية وضع جميع القوى البشرية والكفايات الفنية الصهيونية تحت تصرف الحكومة البريطانية لاستخدامها في الصراع المقبل. وحتى تقرن الصهيونية عرضها هذا بالتطبيق أنشأت الوكالة اليهودية* مكتبة لتسجيل المتطوعين اليهود. كما دعت يهود فلسطين إلى التطوع في صفوف القوات البريطانية هناك.
ركزت الصهيونية جهودها بعد ذلك على انشاء وحدات يهودية مقاتلة مستقلة. فقدم بن غوريون وايزمان في شهر أيار 1940 إلى رئيس الحكومة البريطانية طلباً بتشكيل قرنين عسكريتين إحداهما من يهود فلسطين والثانية من اليهود المقيمين في البلاد الأخرى. وفي 13/9/1940 وافقت الحكومة البريطانية على إنشاء “قوة مقاتلة يهودية” من عشرة آلاف رجل منهم 3-4 آلاف من يهود فلسطين. غير أن الحكومة فضلت تأجيل تشكيل هذه القوة فترة من الزمن حتى إذا حل شهر آب 1946 أعلنت موافقتها على إنشاء كتائب مشاة يهودية للخدمة في الشرق الأوسط.
لم ترض هذه النتيجة قيادة الحركة الصهيونية التي كانت تهدف إلى تشكيل وحدات يهودية مقاتلة ذات دربة وخبرة قتالية جيدة تشترك في العمليات الحربية وتكون نواة للجيش الصهيوني النظامي. فضاعفت الصهيونية مساعيها وضغوطها حتى قبلت الحكومة البريطانية في 19/9/1944 إنشاء “لواء يهودي” يشترك في العمليات الحربية ويعتبر وحدة قتالية مستقلة لها علمها الخاص (هو علم إسرائيل).
تشكل اللواء اليهودي من الأفواج اليهودية الثلاثة التي كانت جزءاً من القوات البريطانية في فلسطين، وكان كل فوج مؤلفاً من خمس سرايا.
تدرب اللواء – وقد بلغ ملاكه خمسة آلاف رجل- في مصر ثم رجل إلى إيطاليا حيث أكمل تدريبه. والتحق بالقوات البريطانية المقاتلة في أوروبا فاشترك في القتال في شمالي إيطاليا ثم في هولندا وبلجيكا. وبعد انقضاء عام على إنهاء الحرب العالمية الثانية حلت الحكومة البريطانية اللواء اليهودي فعاد أكثر ضباطه وجنوده إلى فلسطين والتحقوا بالهاغاناه* وغيرها من المنظمات الصهيونية العسكرية الإرهابية وشكلوا جزءاً هاماً من قوات الاحتلال الصهيوني ثم من الجيش الإسرائيلي.
المراجع:
- مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، العسكرية الصهيونية، القاهرة 1972.
- هيثم كيلاني: المذهب العسكري الإسرائيلي، بيروت 1969.