تمتد أمام واجهة كنيسة القيامة في الجهة الجنوبية ساحة تقوم شرقها وغربها بيانات مختلفة من أديرة وكنائس صغيرة. وإذ يدخل المرء الكنيسة يصعد من عن يمينه إلى الجلجلة* ويواصل من عن يساره السير إلى القبر المقدس الذي يحيط به بناء مسقوف فساحة مستديرة تحدق بها أعمدة كبيرة تسند رواقاً عظيماً. وأمام القبر المقدس يقوم محور المكان كله. وهو المسمى خورس الروم، أو كنيسة نصف الدنيا التي يحيط بها رواق طويل بجانبه معابد صغيرة ويؤدي شمالاً إلى كنيسة الآباء الفرنسيون وديرهم وينزل منه شرقاً إلى كنيسة القديسة هيلانة ومغارة وجدان الصليب.
وكانت الدولة العثمانية قد أصدرت في 2/8/1852م ما يسمى بالوضع الراهن للأماكن المقدسة وبه جددت ما كانت أعلنته سنة 1757م بشأن ما لبعض الطوائف المسيحية من الحقوق في الأماكن المقدسة – ومن حملتها كنيسة القيامة – وأداء العبادة فيها.
وفي كنيسة القيامة دير للرهبان الفرنسيسيين (اللاتين) الذين يخدمون في الكنيسة. ويقع الدير شمالاً حيث كانت قديماً الدار البطركية. وكان الرهبان حتى سنة 1870م يعيشون في دير مظلم. فوصل فرنسيس يوسف الأول مبراطور النمسا إلى الحصول على اذن لهم بناء دير صغير أضيفت إليه طبقة جديدة سنة 1967. وينتسب الرهبان الفرنسيسيون إلى القديس فرنسيس الأسيزي (1182م – 1226م) الذي نشأ وعاش في أمبريا من أعمال إيطاليا. وكان قد جاء إلى القدس* سنة 1219م وبعث إلى هناك بعض رهبانه وطلب من السلطان الملك الكامل الأيوبي أن يبقوا في الشرق ويزوروا القيامة. فظلوا بعد سقوط مملكة القدس اللاتينية* يحرسون الأماكن المقدسة. وفي سنة 1333م سمح لهم السلطان الملك الناصر بسكنى كنيسة القيامة. وفي سنة 1333م سمح لهم السلطان الملك الناصر بسكنى كنيسة القيامة. وبعد ذلك بقليل، أي سنة 1342م، وافق البابا اكليمنطس السادس Clement VI ببراءة بابوية على وجود الفرنسيسيين هذا في الكنيسة على أن يكونوا حراس الأراضي المقدسة باسم العالم الكاثوليكي. ومع تقلب الأيام على كنيسة القيامة، وبعد أن صارت البلاد إلى الكم العثمانني (1516م)، بقي الفرنسيسيون في الكنيسة ورمموها مرتين، الأولى سنة 1555م والأخرى سنة 1719م.
وللرهبان الفرنسيسيين اليوم حصة وافرة في كنيسة القيامة. وفي كل يوم يقيمون الصلاة إلى جانب طواف يومي في مختلف ربوعها. وهم المسؤولون عن تنظيم القداديس الكثيرة التي تقام فيها يومياً بحضور أفواج الحجاج القادمين من جميع أطراف الأرض. ولا شك في أن أعظم احتفالات كنيسة القيامة عند جميع الطوائف المسيحية هي احتفالات الأسبوع المقدس والفصح.
هذا هو الدير الكاثوليكي الوحيد في كنيسة القيامة. وهناك إلى جانبه الأديرة الأرثوذكسية وأولها دير الروم الأرثوذكس.
بعد فتح الأتراك للقسطنطينية (1453م) جعل الاكليروس البيزنطي يتردد إلى الأراضي المقدسة. وبعد الفتح العثماني (1516م) بقليل صار على القدس بطريرك يوناني يدعى جرمانوس (1534-1579). وهو الذي أسس (أخوية القبر المقدس) التي يعد أعضاؤها حراس الأراضي المقدسة باسم العالم الأرثوذكسي.
وبطريركية الروم الأرثوذكس في القدس والدير المجاور قريبان من كنيسة القيامة. وكان الموضع مركز ملوك القدس أيام الصليبيين. ويعود البناء إلى أزمنة مختلفة. ويمكن أن ينزل من طرف سطح الدير الشرقي إلى القبر المقدس. وللرهبان الذين يخدمون في الكنيسة مساكن في القيامة عينها. وإلى ذلك فعند ساحة القيامة شرقاً دير هو دير القديس ابراهيم الذي اشتروه سنة 1660م من الأحباش وأكملوه وعثروا تحته نحو سنة 1690 على كنيسة قديمة تعرف بكنيسة الرسل.
وقد بدأ أيام البطريرك جرمانوس المذكور عمل الروم الأرثوذكس اليونان على التوسيع في كنيسة القيامة. ولما دب الحريق في الكنيسة سنة 1808م توصلوا إلى الانفراد بترميم أكبر قسم منها بموجب مخططاتهم. ولهم اليوم أكبر حصة فيها. ومنها محور الكنيسة المعروف “بنصف الدنيا”. وفي كل يوم يقيمون الصلاة هناك.
وبعد الروم الأرثوذكس يأتي الأرمن الأرثوذكس ولهم بعض المساكن في كنيسة القيامة. ولكن ديرهم الرسمي يقوم في حارة الأرمن حول كنيسة القديس يعقوب الكبير. وهو بناء صليبي يرتقي إلى القرن الثاني عشر الميلادي وقد بني نصف ذلك الدير في القرن السابع عشر الميلادي.
وللأرمن الحصة الثالثة في كنيسة القيامة ومنها قسم الرواق الذي يشرف على القبر المقدس وكنيسة القديسة هيلانة. وقد بدأ توسعهم في كنيسة القيامة منذ القرن السابع عشر الميلادي، وكانت آخر مرحلة منه سنة 1829م. وفي كل يوم يقيمون الصلاة هناك.
وتأتي بعد ذلك الطوائف التي لها مكانة ثانوية في كنيسة القيامة وأولها الأقباط الأرثوذكس ولهم مسكن في الكنيسة. وأما ديرهم وكتيستهم الكبرى المعروفان بدير وكنيسة القديس أنطونيوس فيقمان خارج كنيسة القيامة بالقرب منها حيث ترى بقايا واجهة الكنيسة التي شادتها هيلانة، وحيث كان دير قانونيي القبر المقدس أيام الصليبيين. وقد بناهما الأسقف باسيليوس الحادي عشر بعد سنة 1850م.
وللأقباط في كنيسة القيامة معبد صغير بنوه هناك ملاصقاً للقبر المقدس سنة 1540م ثم جدد بعد حريق 1808م وفيه يصلون.
وفي دير السلطان المجاور، على سطح كنيسة القديسة هيلانة في المكان الذي ترى فيه بقايا غرفة طعام قانونيي القبر المقدس أيام الصليبيين، يقيم الرهبان الأحباش في مساكن بسيطة ويصلون في كنيسة صغيرة ويقيمون هناك صلاة طويلة يوم سبت النور.
وأخيراً يقيم السريان الأرثوذكس الصلاة كل أحد في معبد للأرمن يقوم في حنية القبر المقدس الغربية. ولهم في القدس دير يدعى دير القديس مرقس جددت كنيسته سنة 1940، وهي ترتقي إلى القرن الثاني عشر الميلادي.
هذه هي أديرة كنيسة القيامة. وقد أجمعت الأديرة الثلاثة الكبرى (دير الفرنسيسيين (اللاتين) والروم الأرثوذكس والأرمن).
أخيراً على ترميم كنيسة القيامة فبدأ العمل سنة 1960 وقد انتهى في عام 1996 بعد تعثر دام عدة سنوات لعدم توافر المال اللازم وأقيم احتفال كبير في مطلع عام 1997، احتفالاً بهذه المناسبة. وقد كشفت الحفريات التي أجريت لهذه المناسبة الحقيقية عن شتى الآثار التي كانت محتجبة هنا وهناك ووفرت معرفة أفضل لتاريخ المكان ومراحله المتعاقبة. وعمل الترميم على أن تكون مختلف الأقسام أقرب ما تكون من صورتها الأصلية وأن تكون كنيسة القيامة جديرة حقاً بأقدس مكان مسيحي في العالم.
المراجع:
- Cerulli, E.: Etiopi in Palestina,Roma 1943 e 1947.
- De Sandoli, S.: Calvary and the Holy Sepulchre, Jerusalem
- Hintian, K.: History of the Armenians, Jerusalem
- Hoade, E.: Guide to the Holy Land, Jerusalem
- Koriah, Y.: The Syrian Orthodox Church in the Holy Land, Jerusalem
- Medebielle, P.: Le Status que des Lieux Saint, Jerusalem, Jerusalem
- Meinardus, O.: The Copts in Jerusalem, Cairo
- Selim Sayegh: Le Status que des Lieux Saints, Roma 1971.