جمعية فلسطينية فدائية سرية كانت واحدة من الجمعيات التي تشكلت زمن الإدارة العسكرية البريطانية (1918 – 1920) كظاهرة عامة طبعت العمل الوطني في فلسطين آنذاك. وقد ضمت “الفدائية” عدداً من رجال الشرطة والدرك، وعملت مع الجمعيات العلنية الأخرى في القدس (النادي العربي*، والمنتدى الأدبي*، وجمعية الاخاء والعفاف*) للإعداد للثورة الشاملة بتسليح أعضائها بأسلحة خفيفة. وتهيئة قوائم بأسماء الصهيونين البارزين والعناصر الموالية للصهيونية من غير اليهود وتسجيل مكان إقامة كل منهم. وعملت الجمعية أيضاً على بث الدعاية الوطنية بين عشائر شرقي الأردن، وبذلت الجهود لإعداد ضباط فلسطينيين في عمان يكونون جاهزين للعمل إذا ما أعلنت الإدارة البريطانية سياسة موالية للصهيونية، وعلمت بعض أعضائها اللغة العربية ليتابعوا ما يقال وينشر في الصحف العربية، وعينت رجالاً من أفرادها لمراقبة ما يجري في الساحة الفلسطينية. وسعت إلى الاتفاق مع بعض رجال الشرطة والدرك ليسلموا أسلحتهم أو يسهلوا عمل الفدائيين إذا ما نشبت الثورة. كذلك اهتمت جمعية الفدائية بنشر مبادىء الوحدة العربية ولا سيما في أوساط طلاب مدرستي الرشيدية وروضة المعارف في القدس.
كان أعضاء الجمعية يعقدون الاجتماعات مرة أو مرتين كل أسبوع دون ذكر موعد الاجتماع التالي إلا قبل حلوله ببضع ساعات حفاظاً على السرية. وفي اجتماع للإعداد للثورة عقد في 27/8/1919 وحضره 16 عضواً من أعضاء الجمعية تحدث المجتمعون عن نجاح الاتصالات التي أجروها مع زعماء العشائر في شرقي الأردن، وعن الأسلحة التي تهيأت لأفراد الجمعية، وعن الفلاحين الذين ينتظرون بفارغ الصبر صدور الإشارة إليهم بالعمل. وقد ألقى جودت الحلبي أحد زعماء الجمعية للعمل ضد التحالف الإنكليزي – الصهيوني في فلسطين، وقال: “لقد ابتعنا من الأسلحة بقدر ما أردنا وسنتلقى المزيد أيضاً. وإن عملنا الرئيسي ينبغي أن يكون ضد اليهود الذين يريدون أخذ أراضيها، ولكن إذا ساعدتهم الحكومة البريطانية فستكون ضدها أيضاً. وان الكثيرين من أعضائنا هم من رجال البوليس والدرك، وهو أمر ممتاز جداً بالنسبة إلى مستقبلنا. إن علينا ألا ننسى شهداء بلاد آبائنا وأجدادنا، شهداء كرامتنا”. وقال عضو آخر: “إن جميع الفلاحين والبدو ينتظرون أول إشارة منا، وهم متأهبون لكل شيء”.
وقد وصف وايزمان في تقرير له بتاريخ 8/2/1919 نشاط هذه الجمعية ومثيلاتها فقال: إن أعضاء هذه الجمعيات “كانوا يوفدون أحياناً إلى القرى لإثارة الفلاحين ضد اليهود. وتحاول هذه الجمعيات كذلك تنظيم الإرهابيين والمؤسسات السرية لكي تقوم فيما بعد حرب عصابات ضد اليهود. إنهم يحاولون بصورة عامة خلق روح معادية جداً ضدنا. وقد انخرط الكثيرون منهم في صفوف رجال البوليس حتى يسهل عليهم تنفيذ مهامهم. كما أن الكثيرين منهم شباب متعلمون جداً، درسوا في أوروبا، وبعضهم يعرف القضية اليهودية معرفة تامة”.
ولا شك في أن نشاط هذه الجمعية، بالاتفاق مع نشاط الجمعيات الأخرى، كان باعثاً لحركات المقاومة التي تفجرت في القدس في نيسان 1920 كأول حلقة في سلسلة الأحداث الدامية التي امتلأ بها تاريخ فلسطين في عهد الانتداب البريطاني والغزو الصهيوني (رَ: ثورة 1920).
المراجع:
- عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث، بيروت 1973.
- وثيقة وزارة الخارجية البريطانية، رقم 4182/371 .O.
- أرشيف الهاغاناه 1919- 1921، دائرة الاستخبارات الصهيونية، بتاريخ 27/8/1919.
- كامل محمود خلة: فلسطين والانتداب البريطاني 1922 – 1939، بيروت 1974.