في اثر اصدار الأمم المتحدة عام 1975 قرارها بتصنيف الصهيونية* شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري (رَ: العنصرية والصهيونية)، نشطت الأبحاث والدراسات عن عنصرية الصهيونية، ومنها الندوتان اللتان عقدتا في طرابلس وبغداد.
أ- ندوة طرابلس: عقدت نقابة المحامين الليبية ندوة عالمية من الصهيونية والعنصرية في طرابلس من 24 إلى 28/7/1976، وحضر الندوة نحو 500 مشارك من 80 دولة، كان بينهم عدد من اليهود، منهم ألفريد ليليتال، وج.نويبرغر، العضو في طائفة “ناطوري كرتا”، وميك أشلي، الصحفي البريطاني.
قدم إلى الندوة 22 بحثاً تناولت أربعة مواضيع رئيسة: الصهيونية والعنصرية، وظواهر العنصرية، والصهيونية والعلاقات بين الدول، ونقد الصهيونية. وقد افتتح رئيس نقابة المحامين الليبية الندوة بكلمة أوضح أن أخطار الصهيونية لم تعد تهدد الشرق الأوسط فحسب، بل جميع العالم. وعن الجانب الفلسطيني في الندوة تحدث أنيس القاسم عن العنصرية والسلم العالمي، ونزيه قورة عن العرب في (إسرائيل) منذ 1948، ونصير عاروري عن اليهود الشرقيين في (إسرائيل)، وادوارد سعيد عن الأصول الفكرية للامبريالية والصهيونية، وحاتم الحسيني عن النقد اليهودي للصهيونية. واشترك سامي هداوي مع ولترلهن يبحث عن الصهيونية وأراضي فلسطين.
ومن مصر تناول عبد الوهاب المسيري موضوع الصفات المتميزة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني، في حين عالج عبد الملك عودة العلاقات بين (إسرائيل) وافريقيا الجنوبية وايران (في عهد الشاه).
وفد قدمت من الولايات المتحدة أربعة بحوث هي: “الصهيونية واليهود واليهودية” لجوزيف ريان، و”إسرائيل وافريقيا” لريتشارد ستيفنز، و”الصهيونية السياسية: نقد يهودي” لغاري سمث.
وكانت أبرز البحوث الأخرى “العنصرية: مبدأ اساسي في الصهيونية” لستيفان غورانوف، أستاذ التاريخ في أكاديمية العلوم البلغارية، و”الصندوق القومي اليهودي: أداة للتفرقة” لولتر لهن، الأستاذ في جامعة بيرزيت، و”طرد الفلسطينيين” كتبه آ. س. فورست، و”الصهيونية والامبريالية” لغاي باجوا، الأستاذ في الجامعة الكاثوليكية في بلجيكا، و”دور إسرائيل في خدمة الامبريالية” لتوركايا عاطوف، الأستاذ في جامعة أنقرة.
وجرت خلال الندوة مناقشات واستفسارات عديدة. ولم نطرح أنها فكرة تعبر عن وجهة نظر مختلفة ممارسة. واختتمت الندوة بتصريح مسهب يستعرض شرور التمييز الصهيوني ومكانة الصهيونية في إطار هذه المدرسة، ويرد على الاعداء بأن معاداة الصهيونية تعنى معاداة اليهودية. ويقدم نقدا وتحليلاً للصهيونية في تطبيقاتها المختلفة. وينتهي التصريح بالدعوة إلى إقامة فلسطين جديدة، كدولة “جامعة ديمقراطية دنيوية” على البحر الذي تنادي به منظمة التحرير الفلسطينية* “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”.
وكان من النتائج الفرعية للندوة تأسيس المنظمة الدولية لإزالة جميع أنواع التمييز العنصري، ومقرها في طرابلس. وقد تم ذلك بناء على طلب بعض المشتركين في الندوة.
ب- ندوة بغداد: عقدت في بغداد ندوة فكرية عالمية من 8 إلى 12/11/1976، تحت رعاية جامعة بغداد لبحث موضوع “الصهيونية كظاهرة عنصرية “، وفي ضوء قرار الأمم المتحدة رقم 3279 وتاريخ 10/11/1975.
افتتح الندوة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق، وحضرها مندوبون وباحثون من 46 دولة يمثلون قطاعات مختلفة من ميادين البحث والفكر السياسي، وجرت المناقشات باللغات العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية والروسية. وقسمت الأبحاث إلى أربعة مواضيع أساسية هي:
1) النظرية الصهيونية والعنصرية.
2) الصهيونية في الممارسة.
3) الصهيونية والاستعمار والعنصرية.
4) العرب والصهيونية.
وبلغ مجموع البحوث المقدمة للندوة، والموزعة على الحاضرين 25 بحثاً مثلت وجهة نظر واحدة ولم تطرح في المناقشات أفكار من منطلق مختلف.
وفي إطار موضوع النظرية الصهيونية والعنصرية، تحدث فايز صايغ* عن قرار الأمم المتحدة 3379 باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وتكلمت هلينا مودرجستكايا (من الاتحاد السوفييتي) عن الأيديولوجية الصهيونية وتطابقها مع العنصرية والنقد الماركسي لهما كفكرتين ينقضهما العلم. وتناول خالد القشطيني (من العراق) الجذور التاريخية للصهيونية العنصرية كما امتدت في القرن التاسع عشر. وعالج عبد الوهاب المسيري (من مصر) فكرة اليهودي الخالص وفق التحديدات الصهيونية المهوية اليهودية في إطار عنصري. وتحدث الن تيلر (من الولايات المتحدة) عن التطورات الأولى المعتدلة للحركة الصهيونية. وأقولها أمام سياسات المنظمة الصهيونية فيما بعد، وخاصة بعد قيام (إسرائيل)، واعتمادها على التوسع والاستيلاء على حقوق العرب. واستعرض عابدين جباره (من فلسطين) الاطر القانونية التي جسمت الممارسات العنصرية الصهيونية في (إسرائيل).
وفي قسم “الصهيونية في الممارسة” تحدث مايكل آدمز(من انكلترا) عن معادلة إسرائيل لعرب الأراضي المحتلة. وعالج ايليا زريق آثار الصهيونية على التركيب الطبقي للفلسطينيين في بحث غني بالأرقام. وقدمت شيلا رايان دراسة عن الاستغلال والتحول الاقتصادي في الضفة الغربية وغزة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وفي قسم “الصهيونية والاستعمار” تناول عبد الوهاب الكيالي*(من فلسطين) الجذور التاريخية للتحالف الصهيوني الامبريالي. وتكلمت ريجينا الشريف عن الصهيونية الانكليزية غير اليهودية وعلاقاتها بالاستعمار البريطاني. ونظر غسان العطية (من العراق) إلى الصهيونية من زاوية الاستعمار والفكر العنصري. وقدم بيتر هلير بحثاً عن التعاون بين العنصريتين في (إسرائيل) وافريقيا الجنوبية، في حين قدم رتشارد ستيفنز دراسة مقارنة عنهما.
وفي قسم “العرب والصهيونية” قدمت أبحاث بعنوان “كيف نواجه الصهيونية كحركة عنصرية” لالياس فرح و”الحل الديمقراطي للقضية الفلسطينية والمشكلة اليهودية” لنبيل شعث (من فلسطين)، و”عودة العرب اليهود: المسألة والحل “لأسعد عبد الرحمن (من فلسطين) و”الأبعاد الاقتصادية للمقاومة العربية” لجو ستورك.
وانتهت الندوة بيسان يؤكد الأسس العنصرية للصهيونية والسياسة الإسرائيلية وما نتج عنها من انتهاكات لحقوق العرب، ويحدد العزم على تأييد نضال الشعبين الفلسطيني واللبناني، ويعتبر الحركة الوطنية اللبنانية جزءاً من النضال في سبيل فلسطين والكفاح ضد الانفصالية والانعزالية اللتين وقعتا ضحية الدس الصهيوني في لبنان، وندد البيان بالصهيونية كقضية ضد السلام وإقامة مجتمع فلسطيني تقدمي علماني، وأشاد بالدعوة لعودة اليهود العرب إلى مواطنهم، وناشد جميع المحبيين للسلام والعدل النضال ضد الصهيونية وفضح طبيعتها العنصرية، ودعا جميع اليهود المعادين للصهيونية إلى المعاونة في ذلك.
المراجع:
– المؤسسة العربية للدراسات والنشر: الصهيونية والعنصرية، بيروت 1977.