العرس هو أحلى مناسبة في الوسط الشعبي الفلسطيني، وأكثرها بهجة، ففيه يعم الفرح كل فرد من افرد الأسرة والقرية، بالإضافة إلى العروسين. فالأم والأب يسعدان بنصح ولدهما، ويبتهج أطفال القرية بمراقبة مواكب السحجة* والزفة ومناظرات الحداثين. وفي هذه المناسبى تتاح الفرصة لكل شخص في القرية ليطلق العنان لعواطفه، فيغني ويرقص، ويتحرر لفترة من رتابة الحياة اليومية، فالعرس هو بحق “الفرح الشعبي”.
أ- الخطبة: جرت العادة أن يتولى الأبوان خطبة العروس لابنهما. وكانت تتم في وقت مبكر من عهد الشباب بالنسبة إلى العريس، لكن هناك حالات جرت فيها الخطبة يوم ولادة العروس، وتسمى هذه الخطبة عطية الصينية، أو عطية الجورة، لأن البنت المولودة كانت توضع – على صينية قش، ولأن أمها تكون على حافة الجورة (القبر) ولا تطول هذه الفترة – فترة الخطبة – بل سرعان ما تبدأ الاجراءات الأولى لاتمام الزواج بإعداد “كسوة العروس”.
ب- الكسوة: يتم شراء كسوة العروس من قبل العريس وأهله. وتشمل الكسوة الثياب وأدوات الزينة والحلي وأغطية الرأس والاحزمة والملابس الداخلية. كما يشتري العريس “هدم” أي ثوباً لكل من أخواته وخالاته، وعماته. وتحمل الكسوة إلى بيت العروس في موكب يهزج فيه النساء. وتحمل الكسوة عادة على رؤوس النساء فوق أطباق من القش، وقد جللت بالزهور وأغصان الأشجار الخضراء. وعندما تقترب النسوة من بيت العريس تزغرد إحداهن و”تهاهي” أخرى:
هي ويا وافتحوا باب الدار
هي ويا خلوا المهني يهني
هي ويا وأنا طلبت من الله
هي وما خيب الله ظني
ثم تدخل النساء بيت العروس، وهناك ينثرن الثياب والهدايا، وتبدأ جولة من الأغاني والرقص الاحتفالي حول الكسوة. ويعد هذا الاحتفال بداية احتفالات الزواج.
ج- الاحتفالات التي تسبق الزفاف: إن احتفالات الناس في الوسط الشعبي بالعرس هي احتفالات متعددة وكثيرة، فهناك احتفالات بالخطبة وكتابة العقد، وكذلك بنقل الكسوة إلى بيت العروس، ومن الممكن أن تجري احتفالات يهزج فيها القوم عند كل زيارة يقوم بها أحد الجانبين للآخر، أهل العريس والعروس. لكن الاحتفالات الرئيسة بالعروس هي احتفالات الليالي السبع التي تسبق الزفاف. وجرت العادة أن يتم الزواج مساء يوم الجمعة، وهكذا فإن ليلة السبت، التي تسبق يوم الجمعة الذي يحدد يوما للزفاف، تكون الليلة الأولى الاحتفالية في سلسلة ليالي الاحتفال السبع.
وتجري الاحتفالات في مكانين منفصلين، ففي حين يحتفل الرجال في المضافة والديوان أو ساحة البيادر، تحتفل النساء في بيت العريس، أو بيت العروس في ليلة الحناء يسهر الرجال في ساحة واسعة، تضيئها نيران كمية هائلة من الخطب. وشاع فيما بعد استعمال مصابيح الكاز والكهرباء. ويحيى سهرة الرجال حداء شعبي أوكثر، يغنون ألواناً من الغناء الشعبي المتوارث. وقد تجري السهرة في مضافة، أو حتى في مقهى شعبي، ويحييها شاعر شعبي يغني بمصاحبة العزف على ربابة.
وتبدأ السهرة الشعبية بنشاطات الشباب المتمثلة في الدبكة*، حتى إذا ما راق الجو، جاء دور الشيوخ وكبار السن، فيرقصون رقصاتهم البطيئة الحركة المصحوبة بالقصائد الشعبية التي يرددون نغماتها على صوت تصفيق الأيدي. وفي ختام السهرة تعطى الفرصة للمبدعين من الشباب والشيوخ على حد سواء لإضفاء طابع مفرح على السهرة بتقديم فقرات ضاحكة لا تخلو من مشاهد تمثيلية. وتدور هذه المشاهد حول موضوعات تهكمية صرف، يمثل فيها شاب جميل مرح دور امرأة، ويرتدي ثيابها، ويضفي على السهرة طابعاً كوميدياً ساخراً.
ويسهر الناس ويرقصن داخل البيوت، ويغنين أغاني متوارثة بمصاحبة تصفيق الأيدي ونقر الطبلة. ويقوم بعض الناس الميسوري الحال في القرية باستفاضة مطربة شعبية محترفة لتحيي سهرات النساء وتشارك في زفة العريس. وفي الليلة الأخيرة التي تسبق “ليلة الدخلة” تقوم النساء “بتحنئة العروس أي تضميخها بالحناء توزع صرر الحناء على الجارات والصديقات، دعوة لهن للمشاركة في “الحناء” وفي الأوساط الفقيرة تقوم أمرأة عادية بتحنئة يدي العروس وساعديها وساقيها وقدميها، وقد تستقدم ماشطة محترفة لتقوم بتحنئة العروس وتمشيطها وإزالة الشعر من جسدها، وكذلك بتجميلها.
وقد عرفت ليلة “الحناء” أغنيات شعبية حزينة تصور تشبث العروس ببيت أهلها، وبصديقاتها، كما تصور هذه الأغنيات حقيقة ارتباط الزوجة، في الوسط الشعبي، بأهلها أكثر من بيت زوجها. ومضمون هذه الأغنيات:
1) عتاب الوالد الذي أخرج ابنته من بيته:
قولوا لابوي الله يخلي أولاده استعجل علي واطلعني من بلاده
2) الاحساس بغربة العروس في بيئتها الجديدة:
يا أهل الغريبة طلعوا ع غربتكم وان قصرت خيولكم شدوا مروتكم
3) حزن الأم وتشبثها بابنتها:
لا تطلعي من بورتي والهوا غربي يا طلعتك من بويتي حسرت قلبي
4) حسرة الرفيقات بسبب فراق رفيقتهن:
والبارحة يا رفيقة كنت بالحارة واليوم أصبحت مع العصفور طيارة
ويمكن القول ان ليلة الحناء تحمل في ثناياها طابع الحزن على فراق العروسة، خاصة إذا كانت سترحل الى بلد غريب بعيد، وهي بذلك تخالف جو الفرح العام الذي يشيع في احتفالات العرس الشعبي.
د- يوم الزفاف: تكاد القرية ومن فيها ينشفلون باجراءات يوم الزفاف، نظراً لتعدد هذه الإجراءات وتشعبها. ففي الصباح تبدأ عملية اعداد وليمة العرس بذبح الذبائح وإعداد اللحم وطبخ الطعام. وقبل الظهر يقوم الشبان بمساعدة العريس على الاستحمام والباسه ثيابه الجديدة المزينة بالورد ورشه بالعطور. وعند خروج العريس من مكان الاستحمام يستقبله جمهور الشبان الذين ينتظرون تلك اللحظة في الخارج هازجين:
طلع الزين من الحمام
الله واسم الله عليه
ورشوا لي العطر عليه
وكل رجاله حواليه
وقد جرت العادة أن تبدأ الأهازيج بتوحيد الله والصلاة والسلام على رسل الله.
ثم يتحرك موكب العريس إلى حيث يحتشد أهالي القرية في الديوان وهم يغنون.
وعند الظهر تقام على شرف العريس مأدبة لجميع أهالي القرية وضيوفها. وتقام حلقة الدبكة، ويغني حذاء شعبي أغاني وطلعات متواصلة حتى العصر، عندما يحين موعد زفة العريس إلى عروسه.
وقبيل هذه الزفة تكون العروس قد “طلعت” من بيت والدها إلى بيت عريسها ضمن إجراءات واحتجاجات أحياناً. يذهب حال العروس ووالدها إلى حيث تكون مصمودة على “لوج” مرتفع في بيت والدها، وينزلانها مقدمين إليها الهدايا، ويقدم أهل العريس لكل من يحتج على صفقة الزواج. وفي الماضي كان أهل العريس مضطرين لتقديم هدايا وأموال للشبان، تحت اسم “شاة الشباب” وللخال تحت اسم “هدم الخال” وتتيح التقاليد لأبن العم أن يعترض على زواج ابنة عمه من أي شخص كان، عملاً بالقول المأثور: “ابن العم ينزل العروس عن الفرس”، أي أنه يستطيع إلغاء الزواج والمطالبة بالعروس حليلة له، حتى لو كانت راكبة الفرس في طريقها إلى زوجها.
ويزف العريس إلى عروسته في موكب هازج حاشد يخترق أحياء القرية، ويكون العريس قد امتطى صهوة جواد أصيل، وحمل في يده مظلة مزخرفة بالمناديل الناعمة والذهب والورد. ويتقدم الحناء الشعبي والرجال الموكب، فيما تحف الجواد قريبات العريس وصديقاتهن.
وتقضي التقاليد بأن يسارع العريس إلى “عش الزوجية” فيكشف عن وجه عروسه، ويقدم لها الهدايا، ثم يخرج إلى حيث يسهر الرجال، لتستأنف من جديد جولة أخرى من الرقص والغناء.
المراجع:
– يسرى جوهرية عرنيطة: الفنون الشعبية في فلسطين، بيروت 1968.
– نمر سرحان: أغانينا الشعبية في الضفة الغربية، عمان 1968.
– نمر سرحان: أفراحنا الشعبية، أفكار، العددان 8 و9، 1967.
– Granquist, H.: Marriage Conditions in a Palestinian Village, I, II, Helsinki 1931 1935.
العرقيات (قرى-): رَ: بيت جالا
رَ: الحديثة
رَ: دير طريف
رَ: الطيرة
رَ: قولة
رَ: مجدل الصادق (يابا)
رَ: المزيرعة
العروب (ماء -):
رَ: القدس (المباني الأثرية والتاريخية في -)