فلسطين من المناطق الساحلية الهامة في بلاد المشرق الغربي لكثرة الأماكن السياحية وتنوعها فيها. ووفرة الآثار القديمة والمزارات والمصايف والمشافي والمنتجعات الطبيعية والمواقع التي يقدسها أبناء الديانات السماوية الثلاث.
ففي القدس* المسجد الأقصى* والصخرة المشرفة*، وفيما مكانة رفيعة عند المسلمين في العالم، وكنيسة القيامة* درب الآلام لدى المسيحين، وحائط البراق الذي يعظمه اليهود ويسمونه حائط المبكى (رَ: الحج إلى الأماكن المقدسة في فلسطين).
وفي بيت لحم* كنيسة المهد التي يحج إليها المسيحيون من جميع أنحاء العالم سنوياً. ولا تنسى مكانة الحرم الإبراهيمي في الخليل عند المسلمين. وفي الناصرة* كنيسة الناصرة* كنيسة البشارة، وعلى نهر الأردن* مغطس السيد المسيح. وإلى جانب ذلك كله عشرات المقامات والمزارات والأديرة والمعابد التي تنتشر في جميع الأرجاء ويؤمها المؤمنون من خارج فلسطين وداخلها.
ويأتي الحافز التاريخي في المرتبة الثانية بعد الأماكن المقدسة. فتعاقب الحضارات في فلسطين خلّف آثاراً تاريخية لها قيمتها السياحية الهامة. فالآثار الرومانية في سبسطية (شمال غرب نابلس) وآثار القدس القديمة وقصر هشام بن عبد الملك قرب أريحا* وأسوار عكا وغيرها جوانب مهمة من آثار فلسطين التاريخية. وآثار الحضارة العربية التي طبعت السكان والمدن بطابعها المميز من العوامل المهمة في إغراء السياح من مختلف دول العالم بزيارة فلسطين. ففي العمارة الشرقية والأسواق والأزقة والمساجد الكثيرة والأسوار القديمة ببواباتها المتعددة تعد عاملاً حضارياً وتاريخياً يساهم إلى جانب ما سبق في إعطاء المدن الفلسطينية صبغة سياحية خاصة. وللعامل الطبيعي أيضا دور مهم في رفد الأهمية السياحية لفلسطين. فتعدد الأقاليم الطبيعية على مساحة صغيرة يكسب السائح شعوراً بالاستجمام والتنوع. والشواطىء الرملية المنبسطة على ساحل البحر المتوسط والجبال المحيطة به وساحل الأحمر وصحراء النقب* وغور الأردن* تدل على التنوع البيئي في فلسطين وما يرتبط به من أنواع النبات والحيوان. وقد استغلت الجبال لإنشاء المصايف، واشتهر منها مصايف صفد* ورام الله* والبيرة*. واستغل غور الأردن لإقامة المنشاتي، ولا سيما في طبرية* وبيسان* وأريحا، إضافة إلى وجود حمامات المياه المعدنية في طبرية والحمة*.
تتجلى أهمية عامل الغنى السياحي الفلسطيني بوضوح في تبين مقدار الإفادة منه منذ فترة طويلة. وقد ساعد على نجاح هذا الاستغلال وجذب الألوف من السياح موقع فلسطين المتوسط في بلاد المشرق (رَ: الموقع) وكانت زيارة فلسطين تدعو أيضاً لزيارة بلاد الشام ومصر والبلدان المجاورة الأخرى المطلة على البحر المتوسط.
وسهل تطور المواصلات، ولا سيما تطور الموانىء المنتشرة على الساحل الفلسطيني وارتباطها بخطوط بحرية تنصل بموانىء أوروبا (المتوسطية والأطلسية) وموانىء أمريكا وجنوب شرق آسيا، قدوم السياح إلى فلسطين.
هذا بالإضافة إلى أن ارتباط فلسطين بالخط الحديدي الحجازي (سابقاً) على طريق حيفا – العفولة – درعا، ووجود شبكة من الخطوط الحديدية داخل فلسطين تصل إلى معظم الأماكن السياحية فيها، وارتباط المدن الفلسطينية بطرق برية جيدة تمتد إلى الدول المجاورة، كل ذلك ساهم في تطوير السياحة في فلسطين (رَ: الطرق) و(رَ: السكك الحديدية).
ولعل العلاقات الدينية والثقافية والتجارية التي كانت قائمة بين سكان فلسطين والدول العربية مكنت الكثير من الأجانب من معرفة فلسطين أرضاً وشعباً معرفة جيدة وساعدت في الوقت نفسه على أن ينصف الفلسطينيون بالانفتاح واتقان اللغات الأجنبية ولا سيما الإنكليزية. ففي نهاية القرن التاسع عشر كانت في القدس مجموعة كبيرة من القنصليات الأجنبية، وكان في حيفا قنصليات لدول خمس أخرى هي ألمانيا والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والنمسا. ولعل بعض ما كتب عن فلسطين في الغرب من مؤلفات علمية متخصصة وكتب ونشرات سياحية وتقارير أعدها الرحالون الأجانب ودوريات أصدرتها المعاهد والجمعيات العلمية، لعل ذلك كله عرفه العالم بمختلف جوانب الحياة في فلسطين وحفز الناس على زيارتها.
وقد أقيمت قبل نهاية القرن الماضي مجموعة كبيرة من الفنادق الجيدة في المدن الفلسطينية الكبرى لاستقبال السياح. وكانت تابعة اما لشركات أجنبية أو محلية، وأما الشركات مشتركة. ففي مدينة القدس مثلاً كانت الفنادق منتشرة انتشاراً واسعاً لم تعرفه مدن المشرق الأخرى في ذلك الوقت. ومن أهمها: Grand New Hotel, Hotel Jerusalem, Hotel Metropol, Lloyd Hotel (معظم هذه الفنادق كان في شارع يافا). واشتهر أيضاً فندق الأردن في أريحا، وفندق الكرمل وHotel Pross في حيفا، وفندق Heselschwert في الناصرة، ومجموعة كبيرة من الفنادق في مدينة يافا. وساهمت الكنائس والإرساليات الأجنبية (ولا سيما المسيحية) والأهالي في توفير الغرف لمبيت السياح، وقام بعض السكان أيضاً بتوفير الدواب لنقلهم إلى المناطق الوعرة التي لا تصل إليها العربات أو السيارات، وإعداد القوارب لتمكينهم من القيام برحلات بحرية قصيرة، ولا سيما على سواحل البحر المتوسط وفي بحيرة طبرية* والبحر الميت*.
أما السياحة الداخلية التي لم يجر حصرها آنذاك فكانت نشطة جداً، ولا سيما إلى الأماكن المقدسة في القدس والخليل وبيت لحم والناصرة. واقتصرت الإقامة في المصايف والمشاتي الفلسطينية على الطبقات الميسورة.
كان يزور فلسطين سنوياً حتى بداية القرن الحالي ما معدله 20.000 سائح أجنبي، بالإضافة إلى آلاف الزوار العرب الذين كانوا يتوافدون على فلسطين، ولا سيما في رمضان وبعد عيد الأضحى وفي أعياد الميلاد من كل يوم. وكان عدد السياح الوافدين إلى فلسطين يتزايد سنوياً حتى وصل عدد السياح من غير العرب إلى قرابة 30.000 شخص في السنة قبل قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. على أن هذه الأعداد كانت تتغير تبعاً للعوامل السياسية والأودية في البلاد.
وبعد اغتصاب فلسطين عام 1948 انخفض الزائرين انخفاضاً حاداً بسبب قيام الحرب، ثم عاد للارتفاع مع بداية الخمسينات. ولكن حصر الأعداد القادمة بعدئذ من السياح إلى فلسطين أصبح صعباً لأن إحصاءات السياح في الضفة الغربية ادخلت إلى إحصاءات الأردن. وأما عدد السياح إلى الكيان الصهيوني فقد بدأ يرتفع تدريجياً. ولكن الغالبية العظمى منهم كانت من اليهود المقيمين في مختلف دول العالم. وقد بلغ متوسط العدد السنوي في بداية الخمسينات نحو 40.000 سائح.
بدأ الكيان الصهيوني يكثف استغلاله للموارد السياحية بالدعاية الخارجية وتأسيس مكاتب سياحية في كثير من دول العالم وتخفيض أجور السفر، ولا سيما في شركة الطيران الإسرائيلية “إل العال” وشركة الملاحة الإسرائيلية “زيم” وتشجيع زيادة المجموعات الشابة للإقامة والعمل في الكيبوتزات الإسرائيلية، بالإضافة إلى تطوير الشواطىء وتسهيل الخدمات والاهتمام بالرياضة المائية كالتزلج على الماء والغطس وخاصة في إيلات* (أم الرشرش). فارتفع عدد السياح وبلغ عام 1961: 160.000 سائح، ثم 252.000 عام 1964، ووصل إلى 432.000 سائح عام 1968، وتابع ارتفاعه ليصل إلى 1.117.000 شخص عام 1980. وكانت نسبة الزيادة السنوية حوالي 6% طوال السبعينات باستثناء الانخفاض الملحوظ في عدد السياح عام 1973 بسبب حرب تشرين.
وحسب إحصائية 1980 فإن 957.000 زائر وصلوا عن طريق الجو 94.000 عن طريق البحر، و17.700 عن طريق البر. والعدد الأخير هو للسياح القادمين لأول مرة من مصر. وقدرت العائدات السياحية عام 1980 بنحو مليار دولار. على أن عدد السياح أخذ يتناقص تباعاً في الفترة الأخيرة وتشير شكاوى الصهيونيين من أصحاب الفنادق والقائمين على الخدمات السياحية.
المراجع:
– Baedekar, H.: Palestina und Syrien, Leipzig 1897.
– Orni, Eand Efrat, E.: Geography of Israel, Jerusalem 1976.
– The Economist Intelligence: Quaterly Economic Review of Israel, London 1981.