يمتد السهل الساحلي الفلسطيني من جبل الكرمل* شمالاً إلى رفح* على الحدود المصرية جنوباً، وينحصر المرتفعات الجبلية الفلسطينية شرقاً والبحر المتوسط غرباً. وتقدر مساحته بنحو 3.220كم2، ويبلغ طوله نحو 235 كم. وأما اتساعه فيفاوت من جهة إلى أخرى. وعلى العموم فإن السهل يبدأ ضيقاً عند حيفا* حيث يقل اتساعه عن 200م بتأثير تقدم جبل الكرمل في البحر، ثم يزداد اتساعاً بالتدريج نحو الجنوب بفعل تراجع المرتفعات الجبلية وابتعادها عن البحر. ويصل اتساعه في منطقة طولكرم إلى نحو 18كم، وفي منطقة غزة إلى نحو 30 كم. ويعد سهل عكا* امتداداً شمالياً للسهل الساحلي الفلسطيني ويفصل بينهما جبل الكرمل.
أ- تكوين السهل الساحلي: يدين السهل الساحلي في تكوينه للأنهار والمسيلات المائية التي كانت تلقي حمولاتها منذ أواخر البليوسين وفي البلايستوسين في قاع البحر وعند أقدام جبال فلسطين.
وباستثناء الأطراف الشرقية للسهل الساحلي التي تظهر فيها تكوينات البليوسين على شكل تلال من الطين الكلسي المتحجر فإن بقية السهل الساحلي يرجع في تكوينه في ارسابات الحقبة الجيولوجية الرابعة، تلك الإرسابات التي استمدت من جبال نابلس* وهضبة القدس والخليل* والنقب* الشمالي موادها الكلسية. واختلطت هذه الترسبات الكلسية بالطمي الذي حملته الأودية النهرية والسيول من المرتفعات وألقت به في السهل الساحلي ليختلط بما جاءت به التيارات البحرية القادمة من الجنوب من رمال وطين (طمي النيل) بالإضافة إلى الرمال التي نحتتها الأمواج الشاطئية للبحر وألقتها بمحاذاة الشاطىء في إرسابات حديثة من الكثبان الرملية.
ولا يزال السهل الساحلي يمر بدور التكوين حتى اليوم. فهو يتلقى إرسابات الطمي والحصى بفعل فيضانات الأودية المنحدرة من المرتفعات الشرقية في طريقها إلى البحر المتوسط من جهة، ويتلقى إرسابات الرمال الشاطئية بفعل أمواج البحر والتيارات الساحلية على طول خط الشاطىء، وما تذروه الرياح في عملية زحف صوب الشرق من جهة ثانية. وتلتقي الإرسابات القادمة من الشرق بالإرسابات القادمة من الغرب في عملية اختلاط مستمرة تمتد عل طول جبهة المواجهة فوق أرض السهل الساحلي.
ولا يرتفع مستوى أرض السهل تدريجياً من جراء هذه الإضافات المستمرة من الترسبات فحسب بل يتعرض أيضاً لحركة رفع بنائية باطنية، ولانحسار البحر بصورة بطيئة مستمرة. وتجدر الإشارة إلى أن هناك عملية ارتفاع خفيف وثابت في مستوى البحر، إلا أن السهل الساحلي يرتفع بنسبة أعلى من ارتفاع مستوى البحر. وينعكس تفاوت مستوى الارتفاع بين السهل الساحلي والبحر المتوسط على الأودية تضطر إلى تجديد شبابها بتعميق مجاريها والحفر تراجعياً نتيجة الانخفاض النسبي لمستويات أساسها المتمثلة في مستوى البحر. ولذا فإن مجاري الأودية تنحت إلى جانب ما تضيفه إلى السهل الساحلي من تسرب طميية خصيبة متجددة كميات من الإرسابات الساحلية وتجرفها أثناء فيضاناتها السنوية ملقية بها في قاع شاطىء البحر. وبالرغم من ذلك فإن الكميات التي يفقدها السهل الساحلي من إرساباته تقل كثيراً عن كميات التي يكسبها من الإرسابات المضافة إليه. بل إنه يتوسع على حساب المرتفعات الجبلية شرقاً وعلى حساب البحر غرباً.
إن الغرسابات السهلية الساحلية تمثل مواد أصلية لأنواع ممتازة من التربة*. ولهذا تكونت فوق أرض السهل الساحلي ترب طينية رملية وأخرى طفالية خفيفة. وهي في مجموعها تنتمي إلى تربة البحر المتوسط الحمراء التي تتصف بصلاحها للزراعة بسبب خصبها وتهويتها وحفظها للرطوبة. كما أنها من النوع الخفيف الذي يصلح كثيراً لزراعة أشجار الحمضيات*.
وتجدر الإشارة إلى أن الإنسان تدخل في عملية تكوين السهل الساحلي بالحد من زحف الرمال الشاطئية فوق أرض السهل لحماية المناطق الزراعية من أخطار الانطمار. ومنذ عهد الانتداب تنفذ سياسة لتثبيت زحف الرمال بزراعتها بالأحراج والأعشاب. ومن جهة ثانية بنيت السدود على الأودية لدرء أخطار فيضاناتها السنوية وتزويد السهل بالماء وتحت الحاجة.
ب- الوضع الطبيعي:
1) أشكال سطح الأرض: يتكون السهل الساحلي من أراض منبسطة قريبة من مستوى سطح البحر. ورغم استواء سطح هذا السهل وانبساطه فإنه يتميز بكثبانه الرملية وتلاله وجروفة الساحلية. كما أن تقطيع الأودية لأرض السهل الساحلي جعل صورة الأرض تبدو وكأنها ليست على وتيرة واحدة. ومما يؤكد ذلك أن مستويات الأرض تتفاوت داخل السهل الساحلي ما بين مستويات قريبة من مستوى سطح البحر. ومستويات ترتفع أكثر من 200م عنه. وتراوح مستويات مساحات واسعة من السهل الساحلي ما بين 25 و100م عن سطح البحر. كما أن الانحدار العام لأرض السهل يتجه من الشرق إلى الغرب.
ويسترعي الانتباه امتداد ساحل البحر على طول السهل الساحلي في خط مقوس قليلاً ويخلو خط الساحل من التعرجات والخلجان. وتختلف طبيعته ما بين جروف صخرية وغزة يتراوح ارتفاعها بين 10 و40م عن سطح البحر وشواطىء رملية ضحلة تتدرج تجاه البر فتغشاها كثبان الرمل. وتتعرض الجروف الداخلة في البحر لتعرية مستعمرة بالأمواج المتكسرة عليها. ولذا فإن الجروف والعتبات المغمورة بالمياه الضحلة أمامها ترجع في نشأتها وتشكيلها إلى عمل الأمواج على نحت الجروف (الجدران الساحلية) من قواعدها لتنهار مخلفة عتبات من السهول الصخرية الضيقة.
وتقوم بالجدران الساحلية بحماية الشواطىء من تجمع الرمال فوقها. وأما الجهات التي تخلو من الجدران الساحلية فإنها تتعرض لتراكم الرمال وتجمعها فيها على شكل كثبان رملية. وتستمد رواسب الرمال مادتها الأصلية من مصدرين أحدهما محلي يتمثل في نحت الأمواج للشاطىء، وثانيهما خارجي يتمثل في نقل التيار المائي المتحرك على طول سواحل شمالي أفريقية والشام لكميات من الطمي الذي يلقيه النيل في البحر والرمال التي يحملها وادي العريش من سيناء ويلقي بها في البحر أيضاً. وعندما تضعف سرعة التيار نتيجة اعتراض الساحل الفلسطيني إياه واضطراره إلى تحويل اتجاهه نحو الشمال تترسب كميات من حمولته فتحركها الأمواج فيما بعد وتدفعها نحو شواطىء بلاد الشام. ويترتب على ذلك ضحولة المياه أمام السواحل الفلسطينية من جهة، ومن جهة ثانية تكوين نطاق من الكثبان الرملية على طول امتداد الشاطىء يراوح اتساعه بين مئات الأمتار في بعض الأماكن ونحو 7 كم حول الوادي الأدنى لنهر روبين*. ويقطع نطاق الرمال عند مصبات الأودية، ولا سيما أودية غزة* والحسي* وروبين وصقرير*.
وإذا استثنينا ميناوي حيفا وأسدود* فإن بقية الموانىء الفلسطينية على ساحل البحر المتوسط تعاني من ضحل مياهها، الأمر الذي تضطر معه كثير من البواخر والسفن الكبيرة إلى الرسو بعيداً عن هذه الموانىء ذات الألسنة الاصطناعية من الأرصفة الاسمنتية. وتقوم القوارب بعمليات الشحن والتفريغ بين الموانىء والسفن. وقد كانت الكثبان الرملية، بالإضافة إلى زحفها نحو المناطق الزراعية وطمرها لبعض الموانىء القديمة، تقف حائلاً دون مواصلة جريان مياه الفيضانات في الأودية المنتهية في البحر. الأمر الذي يضطرها إلى الالتفاف بحثاً عن فتحات طبيعية بين الكثبان تمكنها من الجريان إلى البحر وكانت النتيجة تشكل المستنقعات* والسبحات في الأماكن المنخفضة. التي تعوق التصريف الحر للماء الجاري. واستطاع الإنسان السيطرة على الموقف بالحد من زحف الرمال وتصريف مياه معظم المستنقعات وتجفيفها.
وقد تعرضت الكثبان الرملية الساحلية القديمة للتصلب بفعل التحام حبيبات الرمال بمادة الكلس اللاحمة. وتظهر هذه التكوينات على شكل تلال من الحجر الرملي المتحجر تمتد في أشرطة متوازية إزاء الخط الساحلي وتعرف محلياً باسم “كركار”. وبتركز معظمها في الأجزاء الداخلية من السهل الساحلي، كما أنها تكون جزءاً من الجروف الشاطئية. ولكنها تغطي في الأماكن الأخرى من السهل الساحلي بالإرسابات الأحدث. وخاصة الكثبان الرملية الحديثة. وفي الجزء الشرقي من قطاع غزة تمتد هذه التلال المتحجرة لتعلو عشرات الأمتار فوق ما حولها من سهول. وبين يافا* وحيفا أفضل نماذج تلك التلال في ثلاث سلاسل متتابعة متوازية تباعد بين خطوط كل زوج منها مساحات منبسطة تختلف سعتها من 1 – 4 كم. وأما عرض أشرطة التلال ذاتها فيراوح بين 300 و500م. وهي هنا أشرطة متصلة قلما تفصل بين أجزائها الفتحات إلا حيثما تخترقها أودية الأنهار المنتهية إلى البحر.
وتنبسط أرض السهل الساحلي شرقي تلال الكركار فتغطي سطح الأرض تكوينات الحقبة الرابعة الحديثة المشتملة على الرمال الحمراء البرتقالية. وقد اشتقت تربة البحر المتوسط الحمراء من هذه التكوينات التي تعد مادة أصلية لمثل هذه التربة الطفالية الخصيبة. وتجود في هذا النطاق من السهل زراعة الحمضيات.
وإلى الشرق من النطاق السابق يمتد شريط آخر من أراض سهلية فيضية بمحاذاة حضيض المرتفعات الفلسطينية. وهنا تسود أنواع من التربة القانية التي نقلتها المياه الجارية فوق منحدرات المرتفعات الجبلية حيث تربة البحر المتوسط الحمراء الأصلية (تيرا روزا) المنشقة من مجموعة الصخور* الكلسية تحتها. وتعرف التربة هنا بخصيها وتماسكها وقدرتها الفائقة على الاحتفاظ بالرطوبة، الأمر الذي أهلها لزراعة الخضر* والحبوب.
وتسود التربة المعروفة باللويس في الأجزاء الجنوبية من السهل الساحلي. وتتكون هذه التربة من الرمال والطين. وهي ثقيلة القوام تجاه أراضي شمالي النقب. وفي الجهات التي تختلط فيها هذه التربة بالترب الرملية الحمراء تقوم أراض غاية في الجودة. والأرض في الأجزاء الجنوبية للسهل الساحلي تدخل في إقليم النقب وتصبح متموجة ومتقطعة بفعل الأودية الجافة.
2) المناخ* والمياه: ينتمي السهل الساحلي إلى نموذج مناخ البحر المتوسط الذي ينصف بأنه حار جاف صيفاً دافىء ممطر شتاء. ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوي 19ْ، ويراوح متوسط درجة الحرارة مابين 13ْ (شهر كانون ثاني) و26ْ (شهر آب). وقلما يحدث صقيع أو موجات حارة تؤثر على الزراعة*. غير أن ارتفاع الرطوبة النسبية للهواء، ولا سيما في الصيف، تضايق سكان الساحل. وتراوح متوسطات الرطوبة النسبية ما بين 65 و70% في معظم أيام السنة.
أما معدلات الأمطار فهي بين 250 مم في الجنوب ونحو 800 مم على منحدرات الكرمل في الشمال. وتنزل أكثر الأمطار في أشهر الخريف والشتاء، إذ يسقط 60% من مجموع كمية المطر ما بين أيلول وكانون الثاني. ويساهم الندى بنصيب واف من كمية التساقط على السهل الساحلي. وتبلغ حصيلة الأرض من ماء الندى حوالي 30 مم في السنة بواقع 200 ليلة ندى في المتوسط.
تتوافر المياه في السهل الساحلي بنوعيها السطحي والجوفي. وكميات الأمطار السنوية كافية لمعظم أنواع المحاصيل الزراعية. ويخترق السهل عدد من النهيرات ذات المياه الدائمة أو الفصيلة كنهر المفجر، ونهر الاسكندرون*، ونهر العوجا*، ونهر روبين، ونهر صقرير. هذا بالإضافة إلى الأودية الأخرى التي تفيض بالماء عند سقوط الأمطار. وأما المياه الجوفية فتوجد بكميات كبيرة في مياه الآبار* الكثيرة ومياه الينابيع والعيون (رَ: عيون الماء). وفي أكثر المواضع يمكن الحصول على الماء من عمق بضعة أمتار فقط تحت أغطية الرمال السطحية الحمراء. وتقع الطبقات الصخرية الحاملة للماء على أعماق تراوح بين 20 و120م وتتألف قاعدتها السفلى من طبقة طينية بليوسينية كتيمة تدعى محلياً تكوينات “ساقية”. وتجدر الإشارة إلى أن مصدر المياه في السهل الساحلي هو الأمطار التي تسقط عليه وعلى المرتفعات. فالأمطار تغذي الأنهار والخزانات الجوفية بالمياه فتساهم هذه في قيام زراعة مروية كثيفة، ولا سيما بساتين الحمضيات.
ج- الشخصية الإقليمية للسهل الساحلي الفلسطيني: يتمتع السهل الساحلي الفلسطيني بشخصية إقليمية فريدة في فلسطين. فهو إقليم جغرافي يجمع بين أهمية الموقع الجغرافي عبر العصور التاريخية وغنى الموضع بالموارد. وأما بالنسبة إلى الموقع* فإنه يمثل بوابة لفلسطين تدخل منها الغزوات الحربية مثلما تمر منها القوافل التجارية بين الشام وكل من الجزيرة العربية ومصر. وإلى جانب كون السهل الساحلي طريقاً سهلاً ميسوراً للعبور فيه فإنه أرض مغرية للعيش. وقد توافدت عليه أمم مختلفة طمعاً في في خبراته ورغبة في الاستفادة من موقعه. وهو وجه فلسطين نحو البحر المتوسط والعالم العربي،ولذا كان نقطة احتكاك حضاري بين الشرق والغرب التفت فيه الحضارات المختلفة، وتفاعلت فوق أرضه الثقافات المتعددة، وانصهرت في بوتقته الأفكار فغدا مركز إشعاع فكري وحضاري ساهم في تغذية المنطقة المجاورة بقسط من المعرفة والتقدم.
أما الموضع فإنه غني بالموارد الطبيعية والبشرية والاقتصادية. وقد اجتمعت فيه عوامل كثيرة جعلته غنياً بالموارد الطبيعية. فالتربة خصبة والمناخ معتدل والمياه متوافرة والنباتات متنوعة (رَ: النباتات الطبيعية) والسواحل طويلة. وجاء الإنسان ليستغل هذه الموارد معتمداً على نشاطه وتقدمه فأنشأ المزارع، وحفرالآبار، وأقدم القرى والمدن والمصانع، وبنى الطرق*، ومد السكك الحديدية*، وأنشأ المطارات والموانىء وجعل من السهل الساحلي ظهيراً غنياً لموانىء حيفا وعكا ويافا وأسدود وعسقلان وغزة.
كما كان السهل موطناً لمختلف الأقوام والشعوب التي اختلطت بالسكان* الأصليين من العرب. وقد لعبت التجارة* دوراً هاماً في عمران هذا السهل والمدن والموانىء. وعلى سبيل المثال فقد أنشأ المعينيون من سكان اليمن مدينة غزة منذ 4.000 عام فكانت محطة للقوافل التجارية بين الشام والجزيرة العربية. وتحركت الهجرات البشرية دوماً من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام عن طريق هذا السهل الذي جذب كثيراً من أفراد القبائل العربية للاستقرار والإقامة فيه. وتوجت عملية عمران السهل بالفتوحات الإسلامية لفلسطين. فقد ازدهر في العهد الإسلامي مثلما كانت حالة من قبل في العهد الروماني، فانتعشت التجارة وتزايد الانتاج الزراعي ونما عدد السكان في القرى والمدن. ووصلت الأوضاع إلى ذروة ازدهارها في عهد المماليك* فكانت موانىء فلسطين حلقة اتصال للتجارة بين الشرق والغرب.
وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين تمكن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني من التسلل إلى هذا السهل، وأخذ يقيم فيه المستعمرات والمدن ويستولي على أخصب الأراضي بطرق ملتوية. وقد نشطت حركة الاستعمار الصهيوني في هذا السهل بطريقة منتظمة منذ عام 1921 فأقيمت المدن اليهودية فيه مثل تل أبيب* وبتاح تكفا* وناتانيا* وهرتسليا* ورحبوت* وريشون لتسيون*، كما أقيمت المستعمرات الكثيرة التي سكنها اليهود القادمون من أوروبا ومارسوا فيها أعمال الزراعة المختلطة إلى جانب الصناعات الخفيفة. واستخدم هؤلاء أساليب الزراعة الحديثة. وكان خصب التربة وتوافر مصادر المياه وسهولة المواصلات عوامل مشجعة لانتشار الزراعة الكثيقة ومضاعفة الإنتاج الزراعي.
غير أن السكان العرب الذين تعاملوا مع الأرض مدة طويلة أفلحوا في منافسة اليهود بنجاحهم في الزراعة على الرغم من نقص الأموال اللازمة. وقد أدخلوا الزراعة الكثيفة كزراعة الحمضيات والخضار، ومساعدتهم في ذلك خبراتهم الطويلة وارتباطهم بالأرض التي كانت تعج بالقرى والمدن العربية. وأما زرعة الأشجار المثمرة فكانت تنتشر في معظم الجهات وإن كانت زراعة الحبوب تحتل مساحة كبيرة من الرقعة الزراعية. وإلى جانب العمل في الزراعة مارس السكان العرب حرفاً أخرى كالشجارة والصناعة*. وكانت أسواق المدن والقرى العربية تعج بمختلف أصناف البضائع. كما كانت القرى ترتبط بمراكزها من المدن العربية بطرق برية جيدة. وتربط هذه الطرق بين الأجزاء الداخلية للسهل من جهة، والسهل الساحلي والأقاليم الأخرى من جهة ثانية. وقد ازدهرت الموانىء العربية عبر الحركة التجارية المستمرة في هذه الموانىء مثل عكا وحيفا ويافا وغزة. وقامت صناعات هامة في بعض المراكز العربية كصناعة الغزل والنسيج* في يافا وغزة والمجدل* والصناعات الغذائية المتنوعة في اللد* والرملة* ويافا وغزة. كما اهتم قسم من سكان الساحل بالبحر وثرواته فمارس مهنة صيد الاسماك*, ونقل السكان العرب رغم معاناتهم من السيطرة البريطانية المتواطئة مع الأطماع الاستعمارية الصهيونية يعيشون في قراهم ومدنهم متعاملين مع البحر والبحر حتى نشبت حرب 1948* فنتج عنها طرد غالبتهم من ديارهم واستيلاء (الإسرائيليين) على معظم أجزاء هذا السهل، عدا قطاع غزة، وتدمير معظم القرى العربية. ومنذئذ تدفق عشرات الآلاف من الصهيونين لسكنى السهل الساحلي فأقاموا المستعمرات الجديدة على أنقاض القرى العربية المدمرة وسكنوا المدن العربية بعد طرد سكانها منها. وزادت أحجام المدن اليهودية بسرعة مذهلة وأصبح السهل الساحلي يمثل القلب الاقتصادي الاجتماعي (لإسرائيل) لأنه يمثل مركز النقل بالنسبة إلى الاقتصاد والسكان في البلاد. والسهل الساحلي بأكمله يتعرض للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967.
المراجع:
– صلاح بحري: أرض فلسطين والأردن، معهد البحوث العربية، القاهرة، 1974.
– Omi, E. and Efrat. E.: Geography of Israel, Jerusalem 1973.
– Reifenberg, E.: Soils of Palestine, Jerusalem, 1947.
السواحل: رَ: حراسة السواحل والحدود (لجنة -)