منحت الدولة العثمانية فرنسا وبلجيكا امتيازات مد خطوط السكة الحديدية في بلاد الشام. والخط الحديدى الذي أعطت امتيازه انكلترا هو خط حيفا – دمشق الذي توقف العمل فيه بعد البدء به. وكانت مدينة يافا آنذاك مياه فلسطين الرئيس، وكان الحجاج يهبطون فيها لزيارة المقدسات في القدس نظراً لقصر المسافة التي تفصل بين البلدين. وقد نالت شركة فرنسية امتياز إنشاء خط حديد يافا -القدس، وبدأت العمل في نيسان 1888م، ولم ينجز إلا بعد قرابة خمس سنوات ونصف السنة بسبب وعورة الأرض الجبلية الصخرية في الجزء الواقع بين عرطوف والقدس. وقد انتهى العمل في هذا الخط في مطلع أيلول 1893م وافتتح في السادس والعشرين من الشهر نفسه. وقد بلغ طوله 86 كم بعرض متر واحد في البداية. وحين وضعت الحكومة العثمانية يدها على إدارة الخط إبان الحرب العالمية الأولى حولته إلى مقياس 1.5 سم لأنها عزمت على ربطه في المستقبل بالخط الحجازي الجنوبي للإفادة منه في الأغراض العسكرية. ويجتاز خط يافا -القدس 176 جسراً منها 7 جسور حديدية. وكان القطار يقطع المسافة بين مدينتين في ثلاث ساعات ونصف الساعة ماراً باللد والرملة وسواهما. وقد استغل الخط الحديدي في نقل البضائع (قرابة 8.800 طن سنوياً) والركاب والحجاج المسيحيين.
قامت الحملة الإنكليزية التي اتجهت إلى بلاد الشام في الحرب العالمية الأولى بتحويل الجزء الممتد بين اللد والقدس إلى المقياس العادي. وأعادت حكومة فلسطين في عهد الانتداب بناء الجزء المتبقي من يافا إلى اللد على المقياس نفسه. وقد اشترت حكومة الانتداب حقوق الشركة الفرنسية واتفق على الثمن في محكمة الوساطة الدولية في باريس وأصبحت بذلك مالكة الخط المذكور، إلى جانب توليها شؤون إدارة الخطوط الحديدية التابعة للحكومة في القدس.
والخط الحديدي الثاني في فلسطين هو خط حيفا – درعا (سورية). وقد حصلت “سكة الحديد السورية العثمانية” ذات التمويل الإنكليزي على امتياز لبناء خط يمتد من عكا إلى دمشق سنة 1891م، ولكن لم يبدأ العمل به إلا عام 1892م على القياس العادي. ثم توقف العمل وتم رفع الكيلومترات التسعة التي أنجزت منه. وفي عام 1902م قررت إدارة الخط الحديدي الحجازي إنشاء امتداد غربي لربط حيفا بالخط الحديدي الذي يصل دمشق بالمدينة المنورة وقامت بشراء “سكة الحديد السورية العثمانية” وأنشأت خط حيفا – درعا على مقياس 1.5 سم المطابق للخط الرئيس بدل المقياس العادي الذي بدأت تنفيذه الشركة المذكور. وتم إنجاز العمل عام 1905م. ولم يقع ضمن حدود فلسطين من هذا الخط سوى 88 كم تقع بين حيفا وسمخ، والباقي، وهو 73كم، يقع ضمن الأراضي السورية.
أما الفروع الأخرى للخط الحديدي الحجازي الرئيس التي تقع ضمن الأراضي الفلسطينية فقد أنشئت قبل الحرب، ومنها خط طوله 18 كم يصل عكا بخط حيفا – درعا وقد شرع ببناء فرع آخر من العفولة – وهي أيضاً على خط حيفا – درعا يمتد جنوباً عبر جنين ونابلس. وقد افتتح الخط في كانون الثاني 1913، قبيل الحرب العالمية الأولى، حتى جنين بطول 17كم، وحتى سيلة الظهر* (قضاء جنين) بطول 40كم. ومن سيلة الظهر استمر الخط الحديدي حتى المسعودية. ومد إلى نابلس أثناء الحرب. وكان قطار واحد ينتقل بين سيلة الظهر وحيفا ذهاباً وإياباً مرة في اليوم. وبعد خطة سيلة الظهر تم حفر نفق العطارة (قضاء جنين) بطول 250م لايصال السكة الحديدية إلى محطة رامين (54كم) في قضاء طولكرم، ولمتابعة تمديد الخط إلى نابلس (77كم) وقد تم إنجازه في نهاية عام 1914. وكان قطار واحد يسير بين نابلس والعفولة وحيفا في الصباح ويعود في المساء قاطعاً المسافة في أربع ساعات. وكان هذا الخط ينقل قرابة 25.000 راكب سنوياً.
ومدد فرع آخر من خط يافا – القدس عبر بئر السبع وعوجة الحفير نحو مصر. وقد استغلت أخشاب بطاح سهل سارونة وأخراج الصنوبر في جبال لبنان في أعمال الإنشاء والبناء.
وجميع أقسام الخط الحديدي الحجازي مقياسها 105سم. وبالرغم من أن حكومة فلسطين الابتدائية لا تملكها فقد كانت تتولى إدارتها عن طريق “خطوط حديد فلسطين” التي تدير أيضاً القسم الرئيس من الخط الحجازي الممتد من نصيب إلى معان والواقع ضمن الأراضي الأردنية.
وفي أثناء تقدم الجيش الإنكليزي نحو فلسطين سنة 1916 أنشأ لنقل مدده خطاً حديدياً عادياً موازياً للشاطىء من القنطرة شرقاً عبر العريش ورفح وغزة إلى اللد على خط يافا – القدس. ودعت الضرورات العسكرية إلى بناء خط فرعي من رفح إلى بئر السبع. وفي الوقت نفسه عمل الجيش الإنكليزي على تحويل الخط الضيق الذي أنشأ الأتراك لوصل خط يافا – القدس بئر السبع إلى خط عادي. وأكمل الخط الرئيس عبر طولكرم واستمر حتى حيفا مع نهاية عام 1918.
وفي عام 1920 باع الجيش البريطاني الإدارة المدنية الانتدابية للخطوط الحديدية التي تقع ضمن الأراضي الفلسطينية. واتفق في الوقت نفسه على أن تعمل “خطوط حديد فلسطين” بالوكالة عن وزارة الحرب في تشغيل وإدارة قسم القنطرة – رفح – الذي بقي، لوقوعه خارج فلسطين، ملك الجيش البريطاني وسمي باسم سكة حديد القنطرة – رفح، وبه تم أول اتصال بين الخطوط المصرية والحجازية. وفي عام 1927م عطلت الأقسام من رفح إلى بئر السبع، ومن بئر السبع إلى يافا – القدس، ولم يبق سوى قسم رفح – حيفا.
وخلال الحرب العالمية الثانية أنجز الخط الواصل بين حيفا وبيروت فطرابلس، وأكمل في تلك الفترة الفرع الواصل بين محطة رامون وطولكرم. وبهذا بلغ مجموع أطوال السكك الحديدية في فلسطين 620كم، أي بكثافة عالية وصلت إلى 2.3 كم/100كم2. وبلغ عدد ركاب القطارات عام 1934/1935 قرابة 2.100.000 نسمة.
ولما احتل الصهيونيون شطراً من فلسطين عام 1948 تعطلت جميع الخطوط الواصلة إلى الدول العربية المجاورة. وقامت (إسرائيل) بتمديد خطوط جديدة وصلت الخط القديم (حيفا – القدس) بتل أبيب*، ومددت خط آخر بين تل أبيب وقريات جات وبئر السبع* وتم إنجازه في عام 1955، ثم أكمل إلى ديمونة* في عام 1965 ومنجم الفوسفات في شمال شرق النقب* في عام 1970. وفي النية إيصال هذا الخط إلى إيلات* في المستقبل. وقد بلغ طول الخطوط الحديدية في فلسطين المحتلة عام 1978 نحو 516كم.
المراجع:
– محمد كرد علي: خطط الشام، بيروت 1971.
– عارف العارف: للفصل في تاريخ القدس، 1961.
– سعيد حماد: النظام الاقتصادي في فلسطين، بيروت 1939.
السلام (جمعيات – العربية اليهودية):
رَ: الحزب الوطني