تأسس حزب الدفاع الوطني في 2/12/1934 برئاسة راغب النشاشيبي* رئيس بلدية القدس السابق. وكان تأسيسه، كغيره من الأحزاب خلال عامي 1934 و1935، مؤشراً إلى انتهاء العمل الوطني في إطار اللجنة التنفيذية التي أصيبت بضربة قوية إثر وفاة رئيسها موسى كاظم الحسيني* في 26/3/1934 متأثراً بالجراح التي أصابته أثناء مظاهرات 1933. وقد زادت الانتخابات البلدية حدة المنافسة بين المجلسين بزعامة محمد أمين الحسيني* والمعارضين بزعامة راغب النشاشيبي، ولا سيما بعد فوز حسين فخري الخالدي* برئاسة بلدية القدس بدلاً من النشاشيبي. ولذلك انصرف كل فريق إلى تأليف حزبه السياسي الخاص.
ولما ثبت اللجنة التنفيذية صعوبة ترميم كيانها وتقويته لجعلها صالحة لقيادة الحركة الوطنية أصدرت قراراً في 7/8/1934 (أعيد نشره في 16/12/1934) دعت في الكتل المختلفة إلى “تأسيس أحزاب وجماعات سياسية منظمة، برامج واضحة، وقواعد صالحة لخدمة البلاد طبقاً لتلك المناهج الوطنية، مما يحدد الحركة الوطنية وينشطها، على أن تترك اللجنة التنفيذية لهذه الفئات مدة ستة أشهر لتنظيم كيانها على هذه الأسس”.
عقدت الكتلة النشاشيبية اجتماعاًَ في يافا بتاريخ 15/10/1934 لدراسة “كيفية إعادة العمل على أساس عملي منتظم”. وتقرر في الاجتماع طرد حسين فخري الخالدي من الكتلة، وتجديد الثقة براغب النشاشيبي، وتشكيل لجنة تحضيرية لتأليف الحزب.
طالت اللجنة مدن فلسطين، ثم عقدت اجتماعاً كبيراً في القدس* بتاريخ 2/12/1934 تم فيه انتخاب هيئة الحزب المركزية، وكان معظم أعضائها من رؤساء البلديات فأطلق الشعب على الحزب اسم “حزب البلديات”.
قام برنامج الحزب المعلن على:
1) السعي لاستقلال فلسطين استقلالاً يكفل لها السيادة العربية وعدم الاعتراف بأية تعهدات دولية تؤدي إلى أي سيطرة أجنبية أو نفوذ خارجي أو وضع سياسي أو إداري يمس ذلك الاستقلال.
2) سعي الحزب – تأميناً للوصول إلى الغاية السابقة – بجميع الطرق الممكنة لتأليف حكومة وطنية في البلاد تتفق مع رغبات الشعب العربي في فلسطين وتستمد قوتها من إرادته.
3) السعي لتقدم البلاد اقتصادية، وعلمياً، واجتماعياً، وزراعياً، وتحسين حال العلاج والعامل العربيين وترقية شؤونهما.
ولا يختلف هذا البرنامج في خطوطه العامة عن برامج الأحزاب الأخرى،ولكنه لن يعلن بصريح العبارة تصميمه على مكافحة الصهيونية والانتداب في وقت واحد، ولا منادلة بالوحدة العربية وسعيه للحيلولة دون بيع الأراضي.
انتسب إلى حزب الدفاع الوطني أكثر المعارضين ومن يدخل في نطاق نفوذهم، وكانت له نابلس* ويافا* والرملة* وغزة* فروع قرية بأشخاصها لا بأعدادها. وعلى الرغم من أن الحرب لم يظهر تهاوناً باتجاه الصهيونية، ولم يخرج عن الاجماع حين تفجرت الثورة الكبرى سنة 1936 (رَ: ثورة 1936 -1939)، كان لمؤسسيه ارتباطات ومصالح مع سلطات الاحتلال، ورضوا بسياسة التعاون مع بريطانيا فوافقوا مثلاً على اقتراح إنشاء المجلس التشريعي (آذار 1936) في حين رفضه الحزب العربي الفلسطيني* الذي يمثل كتلة المجلسيين. وقد استخدمت السلطات البريطانية حزب الدفاع الوطني لإضعاف الحزب العربي الفلسطيني حزب الأغلبية.
انتهى الحرب نظرياً، كسائر الأحزاب، حين أنشئت اللجنة العربية العليا* برئاسة الحاج أمين الحسيني، واشترك في عضويتها راغب النشاشيبي ويعقوب فراج* رئيس ونائب رئيس حزب الدفاع الوطني. ولكن الانقسام في واجهات النظر عاد مع قدوم اللجنة الملكية (لجنة بيل)*، فقد أعرب حزب الدفاع عن استيائه من قرار اللجنة العربية العليا مقاطعة اللجنة الملكية، وتبنى بذلك موقف الحكام العرب، ولا سيما موقف الأمير عبدالله أمير الأردن، وانتقد مواقف المفتي المتطرفة، وأبدى قلقه من مجابهة مسلحة كاملة مع البريطانيين. وكان لموقف حزب الدفاع الوطني ولوساطة الحكام العرب أثر في دفع اللجنة العربية العيا إلى إلغاء قرار المقاطعة في 6/1/1937.
استقال النشاشيبي ويعقوب فراج من عضوية اللجنة العربية العليا قبل أيام من إصدار اللجنة الملكية مشروع التقسيم في 7/7/1937. وعلى الرغم من أن حزب الدفاع الوطني لم يعلن صراحة موافقته على هذا المشروع ونشر في 11/7/1937 بياناً برفضه فقد كان معروفاً أن الحزب يميل إليه ويقترح الموافقة عليه بتشجيع من الأمير عبدالله أملاً في أن يتولى – بمساعدة بريطانيا – القيادة السياسية في فلسطين بعد إزاحة المفتي وحل اللجنة العربية العليا ونفي بعض أعضائها وفرار آخرين إلى لبنان وفيهم محمد أمين الحسيني. وإذا كان حزب الدفاع قد أظهر في مواقفه العلنية استنكارية للتقسيم ولإجراءات السلطات البريطانية القمعية ضد المقاومة الشعبية العنيفة للتقسيم وقاطع لجنة وود هيد* التي أرسلت في 27/4/1938 لدراسة مشروع التقسيم، فإنه قبل أن يتولى رجاله مناصب ورؤساء البلديات وأعضاء المجلس الإسلامي بتعيين من السلطة البريطانية بعد عزل المفتي وأنصاره، ورفض العودة إلى اللجنة العربية العليا، وأبدى استعداده للتفاهم مع السلطات البريطانية، وتفاوض معها لتشكيل لجنة عليا تحل مكان اللجنة السابقة ويتولى النشاشيبي رئاستها.
وكان لتجديد الثورة في 15/10/1937 أثره القوى في القضاء على نفوذ أنصار حزب الدفاع والحقاق السلطات البريطانية في إحلال الحزب ورئيسه على الزعامة والقيادة الوطنية. ولكن هذه السلطات استغلت الانتقادات التي كان يوجهها راغب النشاشيبي بعد خروجه إلى مصر، في أواخر سنة 1938 إلى قيادة الثورة، واتهامه المفتي بأنه يحول الثورة لمصلحته الشخصية، استغلت ذلك لشق الصفوف وضرب الثورة من الداخل، وتعاونت في ذلك مع بعض العملاء وبينهم أعضاء في حزب الدفاع على رأسهم فخري النشاشيبي الذي تحدى الحركة النضالية وبعث إلى المندوب السامي مذكرة في 14/11/1938 يعلن فيها الموافقة على الخطة البريطانية التي أعلنتها في 9/11/1938، وسعى إلى ضرب الثورة وتشويه مقاصدها بتنظيم مظاهرة من أعوانه توالي الإنكليز وتجاهر بالعداء للثورة، وبعد مؤتمر في بيته وآخر في بلدة يطة* (منطقة الخليل) للتنديد بالمفتي واتهام قادة الثورة بشتى التهم. وكذلك شكل فخري النشاشيبي برعاية السلطة البريطانية وإشرافها فصائل السلام* وهي عصابات مسلحة تتولى ملاحقة الثوار والوشاية بهم السلطات البريطانية، مما دفع قيادة الثورة إلى إصدار حكم بإعدامه لخروجه على إجماع الأمة وتعاونه مع السلطة البريطانية والصهيونيين وقد تم قتله في بغداد أثناء زيارته لها بدعوة من صديقه الإنجليزي في العراق نوري باشا السعيد.
ولم يستطع حزب الدفاع أن يكسب الرأي في البلاد، بل أثر فيه تأثيراً مضاداً فالتفت البلاد حول المفتي وأنصاره وتأكدت وحدة الشعب بزعامته. وكان المفتي، وهو ملتجىء إلى حرم المسجد الأقصى أو بعد قراره إلى لبنان، الأقوى والأكثر نفوذاً. ولذلك اضطرت بريطانيا إلى الانصياع لهذا وقبلت أن تتولى اللجنة العربية العليا من مقرها في لبنان تسمية أعضاء الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر المائدة المستديرة في لندن (رَ: الوفود الفلسطينية إلى لندن) ولكنها طلبت أن يضم إلى الوفود راغب النشاشيبي (وكان في مصر آنذاك) ويعقوب فراج.
تجمد نشاط حزب الدفاع، كغيره من النشاطات السياسية، خلال الحرب العالمية الثانية. وكان معظم الزعماء السياسين آنذاك خارج فلسطين. ولما أنشئت جامعة الدول العربية عام 1945 جرى السعي لإنشاء لجنة عربية عليا فلسطينية جديدة تضم رؤساء الأحزاب كما كان الأمر قبل الحرب. وقد تشكلت اللجنة أواخر عام 1945 وضمت بين أعضائها رئيس حزب الدفاع الوطني راغب النشاشيبي. ولكن التسوية لم تدم طويلاً إذ عاد للانتقال إلى صفوفها، فتشكلت “الجبهة العربية العليا”* وكانت تضم راغب النشاشيبي. وأسس الحزب العربي الفلسطيني برئاسة جمال الحسيني* “الجنة العربية العليا”. ثم عادت جامعة الدول العربية تحاول لم الصفوف خلال مؤتمر بلودان* 1946، وتم تشكيل “الهيئة العربية العليا”* من أربعة أشخاص يمثلون الجبهة واللجنة، ولم يكن بينهم راغب النشاشيبي أو ممثل لحزب الدفاع الوطني. وبذلك انتهى عملياً نشاط حزب الدفاع وتعزز موقف المفتي، ولا سيما بعد عودته من أوربا وترؤسه الهيئة العربية العليا.
المراجع:
– عبد الوهاب كيالي: تاريخ فلسطين الحديث، بيروت 1970.
– كامل محمود حلة: فلسطين والانتداب البريطاني 1922 -1939، بيروت 1974.
– بيان نويهض الحوت: القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917 – 1948، بيروت 1981.
– عيسى السفري: فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية، يافا 1937
– محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، بيروت 1959.
– أميل الغوري: المؤامرة الكبرى، اغتيال فلسطين، القاهرة 1955.
الدفاع والعمل (فرقة – الصهيونية):
رَ: الهاغاناه