تعدّ بيزا الإيطالية – بعد البندقية وجنوة – المدينة الثالثة التي حصل أهلها على اعتراف الإمبراطورية البيزنطية بسيادتهم على مدينتهم فجعلوا منها سنة 1085م “جمهورية مستقلة”.
وقد سعى البيازنة، أو البيزيون، مثلهم مثل الجنويين* والبنادقة*، للحصول على امتيازات تجارية من الإمبراطورية البيزنطية، وركزوا اهتمامهم على بلاد الشام، وكانوا الجماعة الإيطالية الثانية، التي لبت الدعوة للحروب الصليبية بعد الجنويين.
وقد حصل البيازنة سنة 1108م على امتيازات تجارية في إمارة أنطاكية، ومنحوا حياً خاصاً بهم في كل من أنطاكية واللاذقية، مع كنيسة ومستودعات في اللاذقية، فضلاً عن تخفيض ما يدفعون من الرسوم الجمركية والضرائب في المدينتين أو إعفائهم منها.
وقد نال البيازنة هذه المنح لمساعدتهم تانكريد صاحب أنطاكية على احتلال اللاذقية في عام 502هـ/1108م . وجددت هذه الامتيازات فيما بعد، وتم توسيع بعض جوانبها.
وحصل البيازنة على عدد من الامتيازات في مملكة القدس اللاتينية*، فقد تم منحهم أحياء خاصة في مدينة القدس* كما منحوا ربع مدينة يافا*. وحصل هذا أيام الحملة الصليبية الأولى، أي سنة 493هـ/1099م ذلك أن البيازنة قدموا للفرنجة* مساعدات كبيرة في تحصين كل من القدس وبلدة يافا بعد احتلالهما.
وحصل البيازنة عام 551هـ/1156م على امتيازات في صور، وتملكوا خمسة بيوت فيها، ثم ملكوا حق إنشاء محكمة خاصة بهم في هذه المدينة. وفي سنة 552هـ/1157م منحهم أموري الأول كونت يافا وعسقلان منطقة في يافا لإقامة سوق بتجارتهم، وكنيسة مع بيوت سكنية، وأعفاهم من دفع نصف الرسوم الجمركية المفروضة في ميناء يافا.
لكن مكانة البيازنة في القدس لم تكن مساوية لمكانة الجنويين والبنادقة. وفي سنة 583هـ/1187م سنة معركة حطين* عقدت بين كونراد مونتفرات صاحب صور وملك القدس والبيازنة معاهدة منحوا فيها كثيراً من الامتيازات والإعفاءات الضريبية والجمركية في المدن والموانىء التي كانت داخله في مملكة القدس اللاتينية في مقابل تقديم مساعداتهم العسكرية لمواجهة صلاح الدين الأيوبي* وقد ظلت هذه المعاهدة قائمة تجدد باستمرار.
وحصل البيازنة أيضاً على امتيازات كثيرة في إمارة طرابلس حتى أصبح لهم محكمة بهم، وكان لهم في المدينة حصانة.
وقد تورط البيازنة في الخلافات الداخلية الصليبية، وكانوا دائماً على خصام مع منافسيهم الجنويين، فلما تفجر الصراع في عكا بين كونراد مونتفرات وغي لوزنيان بين عامي 586-587هـ/ 1190 – 1192م حول عرش مملكة القدس الذي قوّضه صلاح الدين وقف البيازنة إلى جانب غي لوزنيان في حين انضم الجنويون إلى خصمه. وقد انتهى الصراع بخسارة حليف البيازنة فطردوا من صور. وتبع ذلك صدام دموي في داخل مدينة عكا بين البيازنة والجنويين. وسعى ريتشارد قلب الأسد للتوفيق بين الفريقين المتخاصمين.
لكن عمر هذا الاتفاق لم يكن طويلاً، إذ سرعان ما انضم البيازنة إلى حليفهم القديم غي لوزنيان الذي غدا ملكاً على قبرص في مواجهة هنري شمباني سيد صور والجنويين. وانتهى الأمر بطرد البيازنة من صور وعكا وغيرهما، ولم يقدروا على العودة إلى أحبائهم إلا عام 592هـ/1195م حين تصالحت قبرص وصور.
وتجدد الصراع بين البيازنة والجنويين في القرن الثالث عشر الميلادي لما وصل الإمبراطور فردريك الثاني إلى فلسطين، فوقف البيازنة إلى جانبه، واشتبكوا سنة 629هـ/1231م مع الجنويين في عكا، وتجددت الاشتبكات بين الطرفين سنة 647هـ/1249م. وكان هذا الصراع في الشرق مظهراً من مظاهر الصراع في أوروبا وجانباً من جوانبه.
كان لوفاة فردريك الثاني سنة 648هـ/1250م أثر كبير في البيازنة، إذ أخذ شأنهم بين الفرنجة يضعف حتى أزيحوا عن مسرح الصراع والتنافس الذي خلا للبنادقة والجنويين.
المراجع:
– Atiya, A.S.: Crusade in the Later Middle Ages, London 1938.
– Bautier, R.: The Economic Development of Medieval Europe, London 1971.
– The deeds of the Franks (Eng. Trans.), A. Krey, London 1962.
– Latouche, R.: The Birth of Western Economy, London 1961.
– Pirenne, H.: MedivalCities (Eng. Trans.), Princeton 1939.
– Runiman, S.: A History of the Crusades, 3 vols. Cambridge 1954.