آرييه إلياف يهودي ولد في روسيا عام 1921 وهاجر مع أسرته إلى فلسطين وعمره ثلاث سنوات. انضم أيام الانتداب البريطاني إلى صفوف الهاغاناه* وتقلد بعد قيام دولة الاحتلال عدة مناصب عسكرية وسياسية، كما درس التاريخ والإجماع في الجامعة العبرية. وقد أصبح عام 1977 زعيماً لكتلة “شلي” التي تملك مقعدين في الكنيست* يشغل أحدهما إلياف نفسه.
أصدر إلياف عدة كتب منها “أرض الظبي” الذي نشره عام 1974 وضمته مشروعاً لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي ركز فيه على وجوب حل المشكلة الفلسطينية لأنها أساس الصراع. وقد أثارت أفكار إلياف في حينها ضجة كبيرة في الأوساط الصهيونية رغم أنها لا تخرج عن إطار الإيديولوجية الصهيونية ونظراتها العامة، لأنه طرح مسألة الاعتراف بالشعب الفلسطيني في حين تنكر القيادات الإسرائيلية وجود هذا الشعب.
وتتلخص أفكار إلياف التي عرضها في كتابه والتي أصبحت تعرف باسم “مشروع إلياف” حول ثلاث قضايا.
1) المشكلة الفلسطينية: فهو يرى أن إنكار وجود مشكلة فلسطينية أو فلسطينيين لا يمكن أن يساعد (إسرائيل). وأي حل دائم أو مؤقت مع الدول العربية بدون حل المشكلة الفلسطينية لن ينهي النزاع العربي – الإسرائيلي ولن تحصل (إسرائيل) بواسطته على السلام الحقيقي. فعلى (إسرائيل)، كما يقول إلياف، أن تواجه المشكلة بشكل مباشر. “فالفلسطينيون عاشوا هنا ثلاثة عشر قرناً، ولم يكونوا عابري سبيل”. “وهم اليوم يعيشون بيننا وداخل حدودنا، ونحن الآن مسؤولون عن نحو مليون منهم. ومن بينهم خرج وما زال يخرج ألد أعدائنا. وقدرنا أن نستمر في العيش معهم دائما”.
إن ضم المناطق المحتلة إلى (إسرائيل) يخلق مشكلات أمنية وديمغرافية وأخلاقية وديمقراطية كثيرة” وفي مقابل السلام الدائم على إسرائيل أن تتنازل عن جزء من حقوقها التاريخية”. ويجب أن تبادر إلى إعلان استعدادها لإعادة معظم الضفة الغربية وقسم من قطاع غزة إلى العرب الفلسطينيين (وليس الانسحاب منه) بحيث يمكن إقامة دولة مستقلة مع الأردن تترك لهم حرية شكل الحكم فيها واسمها (أردنية – فلسطينية أو فلسطينية – أردنية أو غير ذلك). وهذا في نظره خير من إنشاء دولة صغيرة في الضفة الغربية وأجزاء من قطاع غزة، لأنها لا تحل مشكلة الفلسطينيين، إذ سيكون نصفهم تقريباً خارج هذه الدولة ولن يعدوا ذلك حلاً لمشكلتهم.
ويجب أن تفرض هذه الدولة قيوداً تتعلق بأمن (إسرائيل) منها أن يحال بين القوات العربية وعبور نهر الأردن. كذلك فصل قطاع غزة عن مصر ومنع أي نشاط عسكري فيه، وتجريد الضفة وقطاع غزة من السلاح، لا بضمانات الاتفاق المكنونة بل بضمانات عملية يجسدها إشراف إسرائيلي أو مراقبة مشتركة من الدولتين إلى أن تترسخ دعائم السلام النهائي وتصبح العلاقات بين الدولتين طبيعية.
ويعارض إلياف سياسة الأمر الواقع في إقامة المستعمرات في المناطق المحتلة. أما المستعمرات القائمة في الضفة الغربية فيرى إلياف أن يضم بعضها رسميا ونهائياً إلى (إسرائيل) في ختام المفاوضات، وأن يحول قسم آخر إلى قواعد مؤقتة للقوات العسكرية ودوريات المراقبة الأمنية التي سينص على إنشائها في اتفاقيات السلام.
أما القسم الثالث فيبقى ضمن حدود الدولة الأردنية – الفلسطينية الجديدة. فالعلاقات الوثيقة التي ستنشأ بين الدولتين سوف تسمح بوجود يهود تتطلب أعمالهم الاستيطان المؤقت أو الدائم في أرض الدولة العربية.
ويرى إلياف أن إقامة الدولة العربية الفلسطينية – الأردنية إلى جانب (إسرائيل) يمكن أن يخفف حدة المشكلة السيكولوجية العرب (إسرائيل). فهؤلاء، حسب قوله، يواجهون مشكلة مزعجة بالنسبة إلى هويتهم، فهم من جهة جزء من الشعب الفلسطيني لا يرغبون في الاندماج مع اليهود، واليهود لا يريدون ذلك. ومن جهة ثانية هم مواطنون إسرائيليون. ويمكن لعرب (إسرائيل)، في حال إقامة دولة عربية فلسطينية – أردنية فقط تعيش بسلام مع (إسرائيل)، يمكنهم أن يشعروا بأنهم رعايا إسرائيليون وأنهم امتداد للشعب الفلسطيني ذي الهوية الخاصة في آن واحد. وقد يختار بعضهم الانتقال مؤقتاً أو نهائياً إلى الدولة الجديدة. ثم يقول “ويمكن الافتراض بأن معظم العرب سيظلون معنا ويشكلون جسراً بين الدولتين، كما يشكل اليهود في المستعمرات القائمة في الدولة العربية جسراً مماثلا”. ويتصور إلياف أن “إسرائيل” والدولة العربية الجديدة سوف تقيمان مع الزمن سوقاً مشتركة قد تجران إلى المشاركة فيها دولاً أخرى عربية وغير عربية”.
أما بالنسبة إلى مشكلة اللاجئين فإن إلياف يدعو إلى عدم النظر إليها على أنها مشكلة تخشاها، فقد يكون فيها حسب رأيه بركة ونفع يستفاد منه. فالمليون لاجىء هم احتياطي من الأيدي العاملة الماهرة التي تستطيع بناء تجمعات مدنية وصناعية جديدة إذا توفر لها التمويل اللازم. وعلى (إسرائيل) أن تساهم في ذلك التمويل الفردي الجماعي. كذلك على دول النفط العربية الغنية والأوساط المالية الدولية أن تساهم أيضاً. وفي إمكان (إسرائيل) أن تبدأ منذ الآن بخطوات عملية في التعامل الجدي مع مشكلة اللاجئين بأن تزيل المخيمات القائمة وتسكن اللاجئين في مساكن عصرية وأحياء جديدة حول مدن قطاع غزة والضفة الغربية. ولا ينسى إلياف أن يشير إلى أن على (إسرائيل) مطالبة الدول العربية في المستقبل بتعويضات عن أملاك اليهود الذين هاجروا منها إلى (إسرائيل).
وحول موضوع القدس يقول إلياف بعد أن يستعرض مكانة القدس لدى اليهود والعرب. إن على (إسرائيل) أن توضح بعض الأمور منها:
(1) إن القدس الموحدة هي عاصمة (إسرائيل) وستظل كذلك. ولن تقبل (إسرائيل) بإعادة تقسيمها وعودتها إلى الحكم العربي.
(2) إن المسلمون يستطيعون أن يصلوا في مساجدهم في القدس. ولحل المشاكل المعقدة بالنسبة إلى الأماكن المقدسة يمكن إيجاد شكل من أشكال “فتكنة” هذه الأماكن (أي إعطائها وضعاً شبيها بوضع الفاتيكان في روما)، وتحديد منطقة مقدسة تتلقى خدماتها من المدينة، ولكن تحظى بنوع من الإدارة الذاتية الدينية.
(3) من الناحية العربية هناك طابع قومي لمشكلة القدس يمكن حله بخلق ممر إقليمي من الدولة الأردنية – الفلسطينية عندما يحل السلام، وهذا الممر يقود إلى منطقة الآثار الإسلامية المقدسة التي يمكن أن توضع تحت سيطرة الدولة الإسلامية.
(4) يجب أن نوضح للعرب والعالم أننا سنبحث مشكلة القدس في نهاية عملية التصالح والسلام فقط لا في بدايتها.
2) التسوية مع مصر: يقرر إلياف أن الصهيونية لم تدع يوماً أن لها حقوقا تاريخية في سيناء التي هي أراض خاضعة للسيادة المصرية. فالمسألة إذن محصورة بين (إسرائيل) ومصر. وليست مسألة حقوق تاريخية وإنما هي مسألة أمن “ذات أهمية حيوية لوجودنا”.
وإذا حدث السلام بين مصر و(إسرائيل) وقامت علاقات طبيعية فإنه، فيما عدا نوعاً من الوجود الإسرائيلي في مضائق تيران، يجب علينا أن نعيد شبه جزيرة سيناء إلى مصر على مراحل، بعد أن تكون قد جردت كلياً من السلاح ووضعت تحت مراقبة مشتركة وضمانات دولية وثنائية.
3) التسوية مع سورية: يصف إلياف السوريين بأنهم أكثر الشعوب العربية عداء (لإسرائيل) ولكنهم واقعيون. ويرى في هذه الواقعية الأمل في إمكانية التوصل إلى حل بين سورية و(إسرائيل). ويضيف إلياف: من أجل ذلك يجب أن تبلور موقفاً واضحاً بالنسبة إلى هضبة الجولان*. يجب أن تحفظ (إسرائيل) بالسيطرة العسكرية على هذه السلسلة الجبلية، وأن يسمح في الوقت نفسه للسوريين بإعادة سكانها المهجرين أو بعضهم على الأقل.
ويتطلب هذا الحل، شأنه شأن الحلول في الجبهات الأخرى، مفاوضات وتوقيع معاهدة سلام وخطوات مرحلية وتجريداً كاملاً من السلاح وضمانات دولية وثنائية ورقابة مشتركة. ومصير مستعمرات الجولان سيكون مستعمرات الضفة الغربية وقطاع غزة، فمع حلول السلام سيتحول قسم منها إلى قواعد للدوريات والقسم الآخر إلى جزء من سورية المسألة (لإسرائيل) والقسم الثالث سيضم إلى (إسرائيل).
أما بالنسبة إلى لبنان فلن تكون هناك مشكلة في توقيع معاهدة سلام معه بعد توقيع معاهدات سلام مع مصر والفلسطينيين والأردن وربما سورية. وكل ما يريده إلياف هو إقامة حدود مفتوحة في رأس الناقورة*. ومرجعيون ونقاط أخرى، وعبور البضائع والناس من الجانبين.
المرجع:
– Eliav, L.: Land of The Hart: Israelis, Arabs, The Territories, and A Vision of The Future. Philadelphia, 1974.