تقول التوراة بأن موسى هو ابن عمران، أحد أحفاد يعقوب* واسحق* وابراهيم*. وهو الأخ الأصغر لهارون ومريم. وينتسب إلى عشيرة “ليفي” أو “لاوي” العبرانية التي استوطنت مصر قبل ولادته بأجيال. وقد أبرزته نصوص العهد القديم قائداً أخرج بني إسرائيل من مصر وأعطاعهم شريعة أودعها التوراة*. ويوقت المؤرخون مولده في الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد في عهد الفرعون تحتمس الثالث* والأغلب في عهد رعمسيس الثاني.
وكان فرعون هذا لشكه في اخلاص الإسرائيليين له قد أصدر أوامره بقتل الذكور من أطفالهم مرة كل سنتين. وقد ولد هارون في عام المسامحة في حين ولد موسى في عام القتل، الأمر الذي دفع أمه إلى كتمان موعد ولادتها. وتمكنت بعد ذلك من اخفائه فترة من الوقت في طوف ربطته إلى جناح شجرة بالقرب من منزلها على شاطىء نهر النيل “وأوحينا إلى أم موسى أن أرضيعه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني” (القصص7). ويبدو أن حبل الطوف انقطع، أو أن والديه اضطرا إلى إرسال الطوف مع مياه النهر، فعثرت عليه ابنة فرعون، أو زوجته المدعوة تيرموتيس “فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحظنا” (القصص8)، وأطلقت عليه اسم موسى اما لأنها التقطته من الماء واللفظة تعني الماء والشجر، وإما لأن الكلمة تعني المولود بالمصرية القديمة.
وعندما رفض موسى أثناء جميع المرضعات اللواتي كلفن ارضاعه بدأت تيرموتيس تبحث في السوق العامة عمن تقوم بارضاع المولود فأرشدتها أخت موسى إلى أمها” فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن” (القصص 13). واعتذرت هذه عن الاقامة في القصر، الأمر الذي اضطر الأميرة إلى اعطائها موسى لارضاعه فتعلم في حجرها العبرية، في حين أشرفت تيرموتيس على تعليمه ورعايته حتى أصبح ضابطاً في جيش الفرعون وشارك في عدد من حملاته.
وعندما بلغ موسى أشده انتصر لواحد من الإسرائيليين في شجاره مع فرعوني “فوكزه موسى فقضى عليه” (القصص 15). وعندما أراد في اليوم التالي الانتصار لإسرائيلي آخر قال له الغريم: “يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس؟” (القصص19).
ولما شاع خبر مقتل المصري طلب الفرعون موسى فهرب باتجاه الشرق إلى أرض مدين “ولما توجه تلقاه مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل”(القصص 22). وهناك رأى بني الكاهن يثرون، أو النبي شعيب* حسب ما تروي بعض المصادر العربية، فسقى لهما مواشيهما فقربه شعيب منه وزوجه احداهما أو أصغرهما المدعوة صفورة التي ولدت له جرشون واليعازر.
وجاء في القرآن الكريم أنه عندما كان موسى يرعى “آنس من جانب الطور نارا” (القصص 29). وعندما قام للتأكد هتف به هاتف يحذره من الاقتراب “فلما أتاها نودي يا موسى. اني أنا ربك فاخلع نعليك انك بالوادي المقدس طوى (طه 11، 12). وعرفه أنه اله ابراهيم واسحق ويعقوب، ودعاه إلى إخراج الإسرائيليين من مصر، وأخبره بأنه واياهم سيعيدونه في هذا الموضع، وزوده ببعض المعجزات. ولما قال موسى مخاطباً ربه: “رب أرني أنظر إليك قال لن تراني” (الأعراف 143) وطلب أن يكون أخوه هارون سنداً له لما اتصف به من حذاقة اللسان” واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي” (طه 29، 30) ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين” ( المؤمنون 45). وعاد بعد الاستجابة له إلى الكاهن النبي شعيب طالباً السماح له بالعودة إلى مصر لزيارة أهله من غير أن يطلعه على ما جرى.
ويوقت المؤرخون زيارة موسى بعد موقعة قادش بين المصريين والحثيين* بقليل، ولهذا يرجحون أن الفرعون الذي كان يحكم مصؤ هو رعمسيس الثاني. وقد رفض طلب موسى السماح للإسرائيليين بمغادرة مصر إلى كنعان* (سورية الجنوبية الساحلية).
وتذكر الروايات أن موسى تمكن بعد عناء وأمراض ومجاعات حلت بمصر ومقابلات مع فرعون اختلط فيها الاقناع بالتوحيد مع أعمال البحر. تمكن من انتهاز فرصة مؤاتية للخروج بقومه سراً بعد أن تزودوا بما لهم وبما للمصريين أيضاً، الأمر الذي أثار حفيظة رعمسيس فندم على تساهله معهم قبل خروجهم.
وتقدر هذه الروايات عدد المغادرين مع موسى بخمسة عشر ألفا. وقد تعرضت هذه الجموعات لعدد من الصعوبات أهمها قسوة المناخ وتمرد الذين ساءهم هذا الخروج ومطاردة جيش فرعون لهم حتى ساحل البحر الأحمر. ومع تزايد شكوى الإسرائيليين طلب موسى إلى ربه أن يعينه على الخروج بقومه من هذا المأزق. فأوحى الله إلى موسى “أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى” (طه 77)، في حين هلك المصريون المطاردون بعودة مياه البحر إلى حالتها الطبيعية “فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم” (طه 78).
ويذكر سفر الخروج بالتفصيل صعود موسى إلى طور سيناء في صيغة شاعرية، ويطلق على نتيجته اللقاء المساواة اسم “ميثاق أو عهد سيناء”.
ويجمع المؤرخون على أن من أبرز صفات موسى في قيادته الإسرائيليين في تلك المرحلة التأسيسية اهتمامه، بل ولعه بشؤون قومه، وتحمله الكثير في سبيلهم رغم عنادهم المستمر وثورتهم في آخر الأمر عليه وعلى ما يدعو إليه من عبادات. وانصرافهم إلى عبادة عجل “ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتهم العجل من بعده، وأنتم ظالمون” ( البقرة 92).
وعندما هبط موسى من طور سيناء بعد أربعين ليلة قضاها في حضرة ربه، ووجد بني إسرائيل يعبدون العجل “ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات” (النساء 153). غضب وكسر اللوحين، ثم صعد مرة أخرى إلى الجبل وعاد حاملاً لوحين جديدين كتبت عليهما وصايا الرب فوضعهما في تابوت العهد. “ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون” ( الأعراف 154). وتحتوي الألواح على الوصايا العشر التي تحدد العلاقات وتوجز كثيراً من تعاليم العهد القديم. ولعل من أبرز ما جاء فيها تقسيم المجتمع الإسرائيلي إلى عدد من الأسباط “وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمما” الأعراف 160).
ويذكر “سفر العدد” أنه بعد نجاح الإسرائيليين في اجتياز سيناء اتخذ موسى لنفسه زوجاً ثانية رغم معارضة مريم وهارون، وأنه عرض في الفترة نفسها على قومه الاتجاه شمالاً إلى كنعان فقوبل عرضه بتردد مرير. ورغم استيائه طلب عبور نهر الأردن، ولكن مملكتي آدوم ومآب حليفتي المدنيين* رفضتا عبور أراضيهما، الأمر الذي اضطره إلى التسلل شرقاً فالاتجاه شمالاً.
ويبدو أن الإسرائيليين أصبحوا بعد اقامتهم عبر الأردن خطراً أثار فزع المآبيين والمدينيين الذين استدعبوا الكاهن السوري “بعل عام” لاستمطار اللعنات على الإسرائيليين واهلاكهم. ولكنه بدلاً من ذلك باركهم لسبب مجهول وان كان يعتقد أن الكاهن من أتباع يهوه)، الأمر الذي شجع موسى على تدبير هجوم موفق على المدنيين قبل موته بمدة قصيرة.
وتقول التوراة بأن موسى صعد من معسكره في وادي الأردن إلى نقطة مشرفة من جبل بيسغاPisagh أو جبل “نبو” حيث أطل على أرض الميعاد ولم يعد إلى قومه اطلاقاً. وبقيت ظروف اختفائه غامضة.
المراجع:
- القرآن الكريم.
- جورج بوست: قاموس الكتاب المقدس، بيروت 1971.
- M.: Moses, New York 1958.
- Newman, M.L.Jr.: The People of the Covenant, 1962.
- Stamn , S. and Andrew, M.E.: The Ten Commandments in Recent Research, 1967.