وأصل اسمها “طور كرم”، أي جبل الكرم، لمغنى أرضها وجيرانها. وقد ظلت المدينة تعرف بهذا الاسم حتى القرن الثامن عشر الميلادي، حين حرف إلى طولكرم الذي تعرف به اليوم.
أ- الوضع الطبيعي:
1) الموقع: تقع طولكرم في الجزء الشرقي من منتصف السهل الساحلي* الفلسطيني، على بعد 15 كم من شاطىء البحر. حيث يلتقي السهل بأقدام مرتفعات نابلس. وقد أعطاها هذا الموقع المتوسط بين السهل والجبل أهمية تجارية وعسكرية، وكان له أثر كبير في نموها، فقد كانت منذ القديم محطة للقوافل التجارية، وسوقا تلتقي فيه منتجات الجبل والسهل. وكانت محطة عبور الغزوات الحربية بين مصر والشام. تربط طولكرم طرق معبدة بما حولها من مدن، كنابلس* وجنين* وقلقيلية* والخضيرة*. وكان يمر فيها خطان للسكة الحديدية، أحدهما امتداد لخط الشرق السريع العريض الذي ينتهي في القاهرة، وثانيهما فرع من خط سكة حديد الحجاز الضيق الذي يصل طولكرم بدمشق عن طريق جنين فالعفولة* فبيسان* وسمخ* وجسر المجامع والحمة* ودرعا، ثم دمشق.
2) الأرض: بنيت طولكرم فوق رقعة مرتفعة نسبياً عما حولها، تنحدر باتجاه الغرب من 125 إلى 55م. واختيار الموقع عند أقدام المرتفعات الجبلية يؤمن الدفاغ عن المدينة، ويوفر الأحجار للبناء، ويبعد المباني عن الأرض السهلية الصالحة للزراعة. والأرض من تكوينات الحقبة الرابعة الحديثة التي تتألف غالبيتها من الرمال الزاحفة من الغرب إلى الشرق. وتمر الأودية الجبلية المتجهة غرباً إلى البحر المتوسط في أراضي طولكرم، فتحمل إليها في مواسم الأمطار الغزيرة والفيضان كميات من الطمي والحصباء، ترسبها فوقها فتجددها. وتتكون من اختلاط الرمال بالترسبات الطمية تربة طفلية خصبة. وأراضي طولكرم، بالإضافة إلى هذا، غنية بالمياه الجوفية، تكثر فيها الآبار*، وتتدفق الينابيع على طول خط انتقاء السهل بالجبل.
3) المناخ*: تتميز مدينة طولكرم باعتدال مساحتها، إذ يهب عليها نسيم البحر فيجفف وطأة الحر. ولا يزيد متوسط درجات الحرارة في شهر آب، أشد الشهور حرارة، عن 27 درجة مئوية. وفي الشتاء يلطف جوار البحر البرد، فلا يهبط متوسط الحرارة في شهر شباط دون 13.5 درجة مئوية. ونسبة الرطوبة متوسطة، يتراوح معدلها في الصيف بين 40 و70 درجة مئوية. ويرتفع المعدل في الشتاء بين 70 – 85%.
أمطار طولكرم وافرة، تسمح بقيام زراعة ناجحة، وتغذي الخزانات الجوفية. ويزيد متوسط كمية الأمطار على 550 مم سنوياً، موزعة على نحو 30 يوماً في السنة. فأمطار طولكرم، كأمطار حوض البحر المتوسط، تميل إلى التركز وعدم الانتظام.
أ- النشأة وتطور النمو السكاني والعمراني: استيطان طولكرم قديم قدم الكنعانيين في فلسطين، وربما كان أقدم من ذلك. وتنتشر اليوم في سهل طولكرم قرى قائمة ودراسة كثيرة، معظمها كنعاني المنشأ، وورد ذكر بعضها في الكائنات الفرعونية، مثل قرية جت كرمل، وقرية مجدوليون التي يرجح أن تكون قرية المجدل* الواقعة شمال قرية زيتا*. وهناك قرية جلجال، وهي بلدة جلجوليا التي ينسب إليها القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين الجلجولي الشافعي.
وتوجد في المنطقة قرية خانيتان، التي قد تكون ايتان الواقعة في غرب قرية عتيل، وهي من أعمال طولكرم. وتوجد أيضاً أطلال قرية سوكور التي تقوم مكانها اليوم قرية شويكة* في ظاهر مدينة طولكرم الشمالي.
كانت قرية عرونة، أو عرون تقوم على تل عارة في قرية عارة الواقعة على الممر الجبلي المسمى بشمال طولكرم. وعلى بعد 5 كم إلى الغرب من طولكرم توجد خربة بورين، التي يحتمل أن تكون موضعاً لقرية أتورين الكنعانية التي أقام عليها الصهيونيون عام 1949 مستعمرة “بيراتايم”. ومن القرى الآرامية الموجودة في المنطقة قرية بلعا* (تعنى البالغة) وقرية ذنابة (بمعنى سفح الجبل أو طرفه) وقرية زيتا (ويدل الاسم على شجرة الزيتون وثمره وزيته) وكلها من قرى طولكرم.
وهناك مدن في منطقة طولكرم احتفظت بأسمائها التي عرفت بها في العهد الروماني، أو حرفت هذه الأسماء قليلاً مثل، قلقيلية Calecailea وجلجوليةGolgulis وبيت ليد*Lod وكفرساباCapharsaba وجت Gitta.
من القبائل العربية التي نزلت طولكرم قبل الإسلام، بنو بهراء من قضاعة*، وينتسب إليهم المقداد بن الأسود أحد صحابة رسول الله. وتوجد في حوران وشرق الأردن والبقاع وطولكرم وجنين عائلات تنسب إلى هذا الصحابي الجليل. وينسب إلى طولكرم الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي الذي تصدر للإفتاء في الجامع الأزهر، وكان أحد أكابر الحنابلة في مصر، وله نحو 70 مؤلفاً، وتوفي عام 1033، ومن علماء طولكرم حفيده يوسف بن يحيى بن مرعي الكرمي الذي درس في مصر، وتصدر للإفتاء في نابلس، وتوفي في عام 1078هـ، ومن علماء طولكرم أيضاً الشيخ علي منصور الكرمي، ولد عام 1230هـ ودرس في دمشق، تولى القضاء في بلده، وكان مرجعاً للحنابلة فيها، وتوفي عام 1315هـ.
زادت أهمية طولكرم في العهد العثماني عندما أصبحت مركزاً لقضاء بني صعب في أواخر القرن الماضي. ولعل هذه التسمية تعود إلى آل صعب الذين سكنوا جبل عامل في عهد صلاح الدين الأيوبي*، ويرجح أن يكون سلطانهم قد امتد إلى هذه الجهات.
أهم قبائل طولكرم، الحوارث نسبة إلى قبيلة حارثة من طيىء* القحطانية، وعرب العائد وهم من جذام* القحطانية، ويقميون في مسكة* وجلجوليا، وعرب البلاونة وهم من قضاعة القحطانية، ويقيمون في قرية أم خالد*، وعرب الحويطات وعرب الملالحة وعرب القطاطوة، وجميعهم يقيمون في غابة كفر صور، وعرب الرميلات، ويسكنون في مسكة والطيبة* وقلنسوة، وعرب البواركة ويسكنون في قرية كفرسابا، وعرب النصيرات ويقطنون في غابة كفر زيباد.
قدر عدد سكان طولكرم قبل الحرب العالمية الأولى بين 2.000 و3.000 نسمة. وكانت المدينة آنذاك صغيرة الرقعة، تمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. وقد بنيت بيوتها الجميلة ذات الأحجار البيضاء والأسقف القرميدية في الجانب الشرقي من الطريق المؤدية إلى خطة السكة الحديدية.
سارت طولكرم في طريق النمو، وزاد عدد سكانها فبلغوا عام 1931 نحو 5.368 نسمة يسكنون 960 بيتاً. ووصلوا عام 1945 إلى نحو 8.090 نسمة. وتعود هذه الزيادة خلال فترة الانتداب إلى هجرة جماعات من السكان من القرى المجاورة، كالطيبة وجيوس وكور وسفارين وكفر عيوش وقاقون، جذبتهم إليها بعضها الزراعية ونشاطها التجاري، والحركة العمرانية، ومساهمة البلدية في نشر التعليم، وتعميم شبكة توزيع المياه على البيوت.
وقد ضمت المدينة معملاً لصنع السجاد ومشفى ومدرسة زراعية ومدرستين للبنين والبنات.
وإذا كانت مدينة طولكرم قد تجنبت شر الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 فإنها فقدت، نتيجة مرور خط الهدنة بطرفها الغربي حسب اتفاقية رودس، ثلاث عشرة قرية تابعة لقضائها، و30.000 دونم من أراضيها الخصبة، وتدفق إليها سيل من لاجئي قرى قاقون والحوارث ومسكة وغيرها. وقد تأثؤت طولكرم بهذا الوضع الطارىء، الذي ألقى على عاتقها عبثاً يفوق طاقتها، فتوسعت رقعة المدينة من 1.672 دونماً عام 1945 إلى 2.400 دونم عام 1966، وأنشىء إلى جوارها مخيم للاجئين.
وصل عدد سكان طولكرم عام 1961 إلى 30.688 نسمة وامتد عمرانها 5 كم طولاً من الشمال إلى الجنوب، و3 كم عرضاً، حتى التحمت المدينة بقرية ذبانة في الشرق، وبقرية أرتاح في الجنوب الشرقي. وقد بلغ عدد أبنيتها 3.197 بناء، يتألف معظمها من طابق واحد.
حملت طولكرم بين سنتي 1948 و1967 مركزاً لقضاء يضم 42 قرية. واستمرت الهجرة إليها، لكن على نطاق ضيق. وقد قابلت ذلك هجرة معاكسة من طولكرم إلى المدن الكبيرة الأخرى، وإلى الأقطار العربية، هدفها البحث عن فرص عمل أوسع. ورغم هذه الهجرة المعاكسة الواسعة على معدل نمو السكان على حاله، لارتفاع معدل الزيادة الطبيعية عند سكان المدينة.
تأثرت طولكرم بحرب 1967*، كغيرها من مدن الضفة الغربية وقراها، فنزح عنها خلال الحرب عدد من سكانها. ولم تسمح سلطات الاحتلال إلا بعودة القلة القليلة منهم. لذلك هبط عدد سكان طولكرم إلى 15.177 نسمة أواخر 1967. وعلى الرغم من الاحتلال والإرهاب ازداد أبناء طولكرم ارتباطاً بأرضهم، مثلهم مثل غيرهم من أبناء الأرض المحتلة، فواصلوا اعمار مدينتهم وتطويرها باطراد، حتى غدا عدد سكان طولكرم عام 1997 23.921 نسمة. ونفذت المدينة الكثير من المشروعات، كبناء دار البلدية، وتعبيد الشوارع، وإنشاء ملعب بلدي، وسوق للخضار ومسلخ جديد ومنتزه حديث. وتوسعت في بناء المدارس، ونظمت العمران، واهتمت بشبكة المجاري، وبغيرها من المرافق العامة قامت السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1997 بتحويلها إلى محافظة.
ج- وظائف المدينة:
1) الوظيفة الزراعية: طولكرم مدينة زراعية منذ نشأتها حتى اليوم. وبالرغم من المنافسة ظلت الوظيفة الزراعية هي الأولى في المكانة والأهمية. وكانت أراضي طولكرم زهاء 32.610 دونمات، تمتد في السهل الساحلي الخصيب. وقد تعددت المحاصيل، فتركزت زراعة الحبوب* وبعض أشجار الفواكه والزيتون* في الأراضي الوعرة ومنطقة الشعراوية شمال طولكرم، وغلبت زراعة الحمضيات* والبطيخ والخضر* في السهول الغربية الخصبة. وكانت طولكرم تصدر البطيخ والحمضيات إلى المناطق الأخرى في فلسطين وإلى شرق الأردن.
وبعد عام 1948، ونتيجة لاتفاقية رودس (رَ: الهدنة الدائمة بين الأردن وإسرائيل، اتفاقية) استولى الصهيونيون على نحو 30.000 دونم من أراضي طولكرم الممتدة في السهل الغربي، فلم يتبق لأهاليها إلا التلال* الوعرة التي كانت فيما مضى مهملمة أو متروكة للرعي. وعلى الرغم من هذا أحسن أبناء طولكرم استغلال ما بقي لهم من أراض قليلة، فسووا جوانب المنحدرات، وحفروا الآبار، وزودوها بالمضخات الآلية الحديثة. وغطت بساتين الخضر والحمضيات واللوزيات والزيتون سفوح التلال، وأحاطت بالمدينة من كل جانب. ويعد محصول البندورة حالياً أهم محاصيل المدينة.
2) الوظيفة التجارية: تأتي في المرتبة الثانية بعد الوظيفة الزراعية. وقد ساعد موقع المدينة في منتصف السهل الساحلي من جهة، وفي بقعة متوسطة بين السهل والجبل من جهة ثانية، على تنشيط التجارة فيها. فهي سوق أبناء القرى المجاورة، يبيعون محاصيلهم فيها، ويتسوقون منها. وفي المدينة أسواق متخصصة، كسوق الخضر والصناعة والماشية. وتتركز المحلات في الحي التجاري وسط المدينة. وتعتقد في أطراف طولكرم سوق خاصة كل يوم سبت، يلتقي فيها أبناء المدينة ومن حولهم من أبناء القرى الأخرى.
لأبناء طولكرم المغتربين في الأقطار العربية الأخرى أثر كبير في ازدهار تجارة المدينة وعمرانها، بما يستثمرون من أموال يرسلونها، أو بما يحركون من نشاط عندما يعودون مع أسرهم في اجازات الصيف. وتشرف الغرفة التجارية على النشاط التجاري وتنظمه وتدفعه إلى الأمام.
3) الوظيفة الصناعية: في طولكرم ثلاثة مصانع لإنتاج الأقمشة القطنية والكتانية، وتنتج المدينة الدقيق والحلويات وزيت الزيتون ومشتقات الألبان، وتتم فيها تعبئة الحمضيات في الصناديق. وتجدر الإشارة إلى أن المعهد الزراعي في طولكرم يضم قسما لتعليب الخضر والفواكه والألبان. ويتولى المعهد أيضاً إنتاج أشتال الأشجار الحراجية والمثمرة ويبيعها للمزارعين.
وهناك صناعات أخرى مثل صناعة البلاط والطوب والأحذية. وقد كانت المدينة قبل عام 1967 تضم أربعة مولدات كهربائية، تزودها بحاجتها من التيار الكهربائي.
4) الوظيفة الإدارية: مدينة طولكرم مركز قضاء طولكرم، أحد أقضية نابلس. وتتبعه ناحية قلقيلية. وقد ضم عام 1910 أربعة وأربعين قرية. وكان يتألف في أواخر عهد الانتداب البريطاني من مدينة طولكرم، ومن سبعين قرية، فيها قلقيلية.
كانت مساحة القضاء 835كم2، انكمشت بعد عام 1948 إلى 333كم2. وبلغ عدد سكانها عام 1945 86.140 نسمة، أصبحوا عام 1961 83.600 نسمة، بسبب هبوط عدد القرى بعد عام 1948 إلى 42 قرية.
كان في المدينة قائم مقام مسؤول عن الأمور الإدارية والمالية ومشكلات الأمن ومشروعات القضاء المختلفة، كفتح الطرق وتأسيس المدارس. وفي طولكرم عدد من الدوائر الحكومية المسؤولة عن القضاء بأكمله، كدائرة الزراعة والحراج والبيطرة، ودائرة الصحة، ومديرية التربية والتعليم، والمحكمة الشرعية وغيرها.
5) الوظيفة التعليمية: شهدت طولكرم حركة تعليمية نشطة منذ أواخر العهد العثماني. وقد بلغ عدد المدارس في القضاء يومئذ 35 مدرسة وفي عام 1966 كان عدد المدارس 100 مدرسة، منها ثماني مدارس تابعة لوكالة غوث اللاجئين، وعشر مدارس خاصة.
وتضم هذه المدارس مجتمعة 24.057 طالباً. يضاف إليهم 261 طالباً يضمهم المعهد الزراعي في مدينة طولكرم نفسها، والذي يعد كلية جامعية لأبناء الضفة الغربية كلهم، ويقوم المعهد على مساحة 400 دونم.
وفي مدينة طولكرم اليوم أربع مدارس ثانوية، اثنتان للبنين، واثنتان للبنات. وأربع مدارس إعدادية موزعة التوزيع نفسه، وست مدارس ابتدائية للبنين، وأربع للبنات. وهناك ثلاث مدارس ثانوية خاصة.
6) الخدمات العامة: إلى جانب الصيدليات وعيادات الأطباء والمشفى الحكومي الذي يضم 50 سريراً، توجد في طولكرم ثلاث جمعيات نسائية، هي جمعية الهلال الأحمر، والاتحاد النسائي، وجمعية دار اليتيم. وهناك مراكز للأمومة والطفولة، ونواد راضية وثقافية، ورياض أطفال، ومدارس محو الأمية، وغرفة تجارية وصناعية.
المراجع:
– مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين ج1، ق1، ج3، ق2، بيروت 1965 و1971.
– ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج3، بيروت 1975.
– جميل الشنطي: محضر طبقات الحنابلة، ج4، دمشق 1339هـ.
– محمد المحيي: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، ج4، القاهرة 1284هـ.
– Les Guides Bleus: Syrie, Palestine, Paris 1932.
– Wilson, J.: Egyptian Historical Texts, Princeton 1950.
– الجهاز المركزي للإحصاء، السلطة الوطنية الفلسطينة، 1997.
ابن طولون: رَ: أحمد بن طولون
الطولونيون: رَ: العصر العباسي
الطيران (شركة – العربية):
رَ: الشرق (شركة – للطيران)
الطيبة (غابة -): رَ: غابة