كان أكثر سكان طبرية عام 1947 من اليهود. وكان عددهم نحو 6.000 يهودي، بينهم عدد كبير من المحاربين المدربين. أما العرب فقد بلغ عددهم حسب إحصاء عام 1945 نحو 5.000 نسمة فقط، ولم يكن بين أيديهم، يوم صدور قرار التقسيم، شيء من السلاح. ولما نشب القتال بين العرب واليهود راح عرب طبرية يبحثون عن السلاح في كل مكان. وقد أرسلت إليهم اللجنة العسكرية* من دمشق 25 بندقية في مطلع كانون الأول 1947، ثم أتبعتها في الشهر نفسه بست وثلاثين بندقية أخرى مع قبل من العتاد.
بلغ عدد المقاتلين في الأسبوع الأول من نيسان 1948 زهاء 50 عربياً مسلحين بالبنادق العادية وحدها، في مواجهة أعداد كبيرة من المحاربين الصهيونيين من مختلف المنظمات الإرهابية. ثم أخذ عدد المقاتلين العرب يزداد حتى بلغوا مائة مقاتل. وتألفت في العاشر من نيسان لجنة قومية حملت المسؤولية، وقامت بتدمير شؤون الدفاع عن الأحياء العربية. وانتدبت اللجنة كامل الطبري ليكون قائداً للمناضلين. وقد قوى ذلك كله البروج المعنوية عند الأهلين، وزادها قوة وصول عدد من المجاهدين من دمشق، ويحملون معهم بعض الرشاشات الخفيفة، ومدفع هاون واحداً. لكن الذخيرة كانت قليلة.
كان القتال قد نشب عنيفاً بين العرب والصهيونيين، واستمر من 11 إلى 14/3/ 1948، ثم تهادن الفريقان شهراً. وأخذ الصهيونيون، خلال هذه الهدنة، يستعدون. وبدأ الموقف يتأزم في الأسبوع الثاني من نيسان، فاستنجدت حامية طبرية العربية بمناضلي الناصرة، فأنجدهم هؤلاء بمجموعة مختارة يقودها محمد العورتاني من ضابط الجيش الأردني، وبمجموعة أخرى يقودها دياب الفاهوم، وتبعتهما قوة ثالثة عدتها 45 مناضلاً بقيادة المناضل أبو الرب، وصلت إلى طبرية يوم 15 نيسان.
قدر عدد المقاتلين الصهيونيين في طبرية بألف مقاتل من يهود طبرية والمستعمرات المجاورة. وكانوا مسلحين بالأسلحة الآلية الحديثة، ولديهم كميات كبيرة من الذخيرة.
بدأت المناوشات في الأسبوع الثاني من نيسان. وحاول الصهيونيون القيام بهجمات محدودة، صدها المناضلون العرب ببسالة، وأبلوا بلاء حسناً، ووقفوا سداً منيعاً في وجه الأعداء المهاجمين، وردوهم على أعقابهم، وظلوا يسيطرون على الموقف في الأحياء العربية.
ثم قام الصهيونيون في ليلة 15-16/4/1948 بهجوم كبير قوامه 400 مقاتل، وقد قابلهم 200 من المناضلين العرب. واستمر القتال حتى صباح 16 نيسان، حين تدخل الإنكليز فمنعوا التجول في المدينة، وأمروا بهدنة مدتها ثلاثة أيام. وطلبوا من رجال الهاغاناه* مغادرة مراكزهم القريبة من المواقع العربية. لكن هذا الطلب ألغي بأمر حاكم المنطقة البريطاني إيفانس.
شن الصهيونيون في اليوم الثالث للهدنة، وقبل أن تنقضي، هجوماً مركزاً على الأحياء العربية. جندوا له قوات كبيرة جيدة التسليح. وقد اشتد القتال، إلى أن تغلب الصهيونيون على العرب المدافعين، واحتلوا فندق كروسمان الكبير المعروف، ومعظم البنايات الضخمة، ومنها بناية بنك باركليس، وسيطروا على جزء كبير من الأحياء العربية. وقتلوا عدداً من العرب. لكن مقاومة المناضلين العرب لم تتوقف، على الرغم من نقص الذخيرة وتفوق العدو الكاسح عليهم عدداً وعدة. واستؤنف القتال صباح التاسع عشر من نيسان، ولم يدم طويلاً حتى تمكن الصهيونيون من دخول الحي العربي والاستيلاء عليه.
وقد دب الذعر في قلوب أبناء المدينة، وكانت قد وصلتهم في العاشر من نيسان أنباء المذبحة التي نفذها الصهيونيون في قرية ناصر الدين، حين أحرقوا منازلها، وقتلوا الكثيرين من رجالها ونسائها وأطفالها (رَ: ناصر الدين، مذبحة). لذلك راح سكان طبرية يرحلون عن المدينة، يدفعهم إلى ذلك العدو الصهيوني، ويسهل لهم الأمر رجال الجيش البريطاني كما جرت العادة، ووفق ما رسم الطرفان من خطة لتهجير العرب وتفريغ المنطقة من سكانها. أما من تبقى من المقاتلين، فقد انسحبوا إلى قرى المغار* ولوبية* وحطين* في قضاء طبرية.
المراجع:
– عارف العارف: النكبة، بيروت 1956.