كانت مدينة صفد* تسيطر على محاور الطرق الواصلة بين الساحل والجليل الشمالي والجليل الشرقي، لذلك اتصلت فيها المعارك الدامية مع قوات العدو الصهيوني. ثم نظمت القيادة الصهيونية عملية عسكرية واسعة لاحتلال صفد أطلقت عليها اسماً رمزياً هو “يفتاح”.
كانت القوات البريطانية أثناء انسحابها من فلسطين تعمل على تسليم المناطق الحساسة والمواقع الاستراتيجية الهامة إلى الصهيونيين (في حدود التقسيم). وعلى هذا الأساس، وبعد صراع مر تم تسليم حيفا* إلى العصابات الصهيونية في 23/4/1948، وأصبح استطاعة القوات الصهيونية تنظيم نفسها وتوجيه ضرباتها إلى المواقع الحصينة الهامة الأخرى كصفد. وكان القتال في صفد مستمراً منذ كانون الأول 1947 وحتى أوائل شهر نيسان 1948، إلا أن هذا الصراع لم يتعد شكل الاشتباكات الخفيفة وأعمال القنص والكمائن ضد السيارات والقوافل. وكان مجموع السلاح لتوافر في أيدي المجاهدين الفلسطينيين في صفد منذ بدء القتال حتى نهايته. بما في ذلك ما أرسلته لجنة دمشق وما تمكن أهل صفد من شرائه، لا يزيد على ثلاثمائة بندقية، بعضها فرنسي وبعضها الآخر إنكليزي وثلاثة مدافع هاون وكمية قليلة من الذخائر. وكان المقدم في الجيش السوري أديب الشيشكلي، قائد فوج اليرموك الأول التابع لجيش الإنقاذ*، هو قائد القطاع الذي يضم صفد.
انسحبت القوات البريطانية من صفد في 16/4/1948 ودخل العرب المدينة فاحتلوا القسم الأكبر منها، بالإضافة إلى تمركزهم في النقاط الحيوية كالقلعة ومركز الأشرطة وبيت شلقا. وكان عدد أفراد القوة العربية حوالي 600 مقاتل، منهم 470 من الفلسطينيين و130 من جيش الإنقاذ. وقد عملت القوة العربية على دعم مواقعها باحتلال مركز الشرطة في وادي الحولة ومركز الشرطة في النبي يوشع*.
وفي مساء 14 نيسان تسللت فصيلة من البالماخ* إلى صفد من قاعدتها في جبل كنعان. وتولى قائد هذه الفصيلة مهمة السيطرة على الحي اليهودي في المدينة. وتنظيم المقاومة فيه (وكان هذا الحي يبعد 50 م عن قبعة الجبل حيث يقوم القطاع العربي). وعلى أثر ذلك حاولت قوة من لواء غولاني الصهيوني الاستيلاء على النبي يوشع، وفي مساء 14 نيسان تسللت فصيلة من البالماخ* إلى صفد من قاعدتها في جبل كنعان. وتولى قائد هذه الفصيلة مهمة السيطرة على الحي اليهودي في المدينة.وتنظيم المقاومة فيه (وكان هذا الحي بعد 50 م عن قمة الجبل حيث يقوم القطاع العربي). وعلى أثر ذلك حاولت قوة من لواء غولاني الصهيوني الاستيلاء على النبي يوشع، لكن القوات العربية أحبطت هذه المحاولة. ثم حاولت وحدة من البالماخ، بعد بضعة أيام، القيام بهجوم ليلي على المواقع نفسه. لكن التقدم إلى نقطة الانطلاق استغرق وقتاً أطول مما خطط له، فاضطرت هذه الوحدة أن يهاجم قبل أن تتمكن من إعادة تجميع عناصرها. فحلت في صفوفها خسائر كبيرة، وألغي الهجوم بعد أن سقط 28 مقاتلاً من هذه الوحدة.
وبناء على نتائج الموقف العام في الجليل الأعلى غرست القيادة الصهيونية على تنفيذ عملية “يفتاح”، وحددت لها الأهداف التالية: “الاستيلاء على المواقع العربية الهامة. وتحقيق السيطرة على المحاور الرئيسة، وتنظيم الجليل للدفاع ضد هجوم الجيوش العربية المتوقع”.
تولى بيغال آلون، قائد البالماخ، قيادة العملية، وتم تدعيمه بكتيبة من قوات الهاغاناه*، كما تم تحديد موعد بدء العمليات بعد انسحاب القوات البريطانية من الجليل الشرقي كله. وأخذت الهاغاناه بتصعيد عملياتها الهجومية، ونجحت في الاستيلاء على مركز الشرطة في روشبينا. ثم انتقلت إلى بيريا* وعين الزيتون*، فتمكنت من الاستيلاء عليهما في اليوم الأول من أيار. وباحتلال هاتين القريتين العربيتين أصبح باستطاعته قوات العدو الصهيوني عزل صفد عن بقية المدن العربية، كما أصبح باستطاعته هذه القوات فتح يمر إلى الحي اليهودي في صفد. وفي الثالث من أيار وصلت كتيبة بالماخ ثانية إلى صفد، كما استمر تدفق الامدادات والنجدات العسكرية بحيث وصلت إلى صفد يومي 5 و6 أيار 172 سيارة عسكرية محملة بالقوات ووسائط الدعم.
في هذه الفترة بقي القتال مستمراً حول صفد. وبدأت الذخائر في التناقص بين أيدي المجاهدين العرب، فأخذ أديب الشيشكلي يلح في طلب الدعم من قائد جيش الإنقاذ، الذي كان يفتقر هو نفسه إلى الدعم. وأرسل أهل صفد وفداً إلى دمشق لكن جهودهم لم تفلح في تأمين دعم يذكر. وتوجه أديب الشيشكلي ذاته إلى دمشق لطلب الدعم. وأثناء ذلك كانت مدافعه تدك مواقع القوات الصهيونية مما أثار حماسة المجاهدين، ودفعهم إلى الإقدام على المعركة. واشترك عدد من العراقيين بمدافعهم، فأسهموا بتدمير قسم كبير من مقاومة البالماخ في الحي اليهودي.
وتقدمت قوات العدو الصهيوني في 6 أيار إلى صفد ذاتها، وهاجمتها، تدعمها مدافع الهاون. لكنها لم تحرز سوى تقدم قليل، لأن القتال كان عنيفاً. وتكررت العملية يوم 8 أيار إذ هاجمت قوات العدو مواقع في صفد على ثلاثة أنساق، ونجحت المقاومة العربية في إحباط الهجوم. واستأنف العرب قصف موقع العدو يومي 9 و10 أيار وكانت الرمايات في هذه المرة أشد فتكاً وأكثر إحكاماً، وكانت القذائف تزرع الموت والدمار حيث تتساقط. وظهر أن العرب سينجحون في المحافظة على المدينة، مما دعا بيغال آلون إلى أن يتولى بنفسه قيادة القوات الصهيونية التي بلغ حجمها نحو خمسة آلاف مقاتل. وكانت هذه القوات مسلحة بأسلحة كثيرة، بينها عدد غير قليل من مدافع “الفيات”. وعند غسق العاشر من أيار هاجم الصهيونيون مرة ثانية، والتحم الفريقان في كل مكان. ولا سيما في عمارة البوليس. واستمر القتال ليلاً في جو ماطر من دار إلى دار، ومن غرفة إلى غرفة. وقد استعمل الطرفان السلاح الأبيض عندما سكت صوت المدافع ونفدت ذخائر العرب وهكذا سقطت عمارة البوليس في صباح 11 أيار. ولم تلبث أن سقطت المواقع القوية الثلاثة في المدينة بيد القوات العدو الصهيوني. وفي 12/5/1948 أخلى العرب مركز الشرطة الواقع على الطريق إلى جبل عمان. وسقط من العرب أثناء معركة صفد مائة شهيد، في حين بلغت خسائر قوات العدو الصهيوني أكثر من ثمانمائة وخمسين قتيلاً.
المراجع:
– عارف العارف: النكبة، ج1، بيروت 1956.
– صبحي الجابي (ترجمة): الحروب العربية – الإسرائيلية، دمشق 1975.
– صالح مسعود بويصير: جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن، بيروت 1968.
الصفدي: رَ: إبراهيم بن أحمد بن ناصر الباعوني
رَ: أحمد بن محمد بن يوسف الخالدي
رَ: أحمد بن موسى بن خفاجا.
رَ: حسن بن محمد بن بدر الدين بن حامد
رَ: خليل بن أيبك الصفدي
رَ: عبد القادر بن محمد الصفدي