أسفرت ثورة 1929* عن حقيقة أساسية، مؤداها أن القوات البريطانية في فلسطين لم تكن إلا لحماية اليهود، ولتحقيق المطامع الصهيونية في إنشاء الوطن القومي اليهودي. لذا صمم العرب على مواجهة الصهيونيين وبريطانيا بسلاح المقاطعة، الأمر الذي أثار قلقاً شديداً في الدوائر البريطانية. ومما زاد في قلقها أيضاً أن الثورة ضد الصهيونية، والسياسة البريطانية المماثلة لها، أخذت تشتعل خارج فلسطين، وظهرت بوادر تشكيل خلايا فدائية يصل إليها المتطوعون والأسلحة من الأردن وسورية ولبنان والعراق.
وقد وجدت بريطانيا نفسها إزاء ذلك مجبرة على العودة إلى سياسة كسب الوقت لتهدئة الخواطر المراوغة عن طريق اللجان والموفدين، فقامت بتشكيل لجنة رباعية للبحث في أسباب الاضطرابات ووضع التوصيات الكفيلة بمنع وقوعها مستقبلاً. وقد أطلق على هذه اللجنة اسم رئيسها ولتر شو. وهو أحد القضاة الإنكليز السابقين في ملقا (الملايو).
بدأت اللجنة عملها في أواخر تشرين الأول 1929، بيانات عن الموظفين والأراضي والهجرة والقوانين والتشكيلات اليهودية والعربية. ثم شرعت تعقد جلسات للاستماع إلى العرب واليهود. وقد عدت الوكالة اليهودية* ممثلة لليهود، واللجنة التنفيذية (اللجنة التي انتخبها المؤتمر العربي الفلسطيني* السابع في حزيران 1927، وعدد أعضائها 48 عضواً) ممثلة للعرب.
استمعت لجنة شو بإسهاب إلى وجهتي النظر: العربية واليهودية، واستمر عملها قرابة الشهرين، ثم غادرت فلسطين إلى لندن، حيث عكفت على وضع تقريرها الذي قدمته إلى وزير المستعمرات البريطاني في آذار 1930. وقد جاء هذا التقرير شاملاً لأسباب الاضطرابات، فقالت اللجنة إن السبب المباشر لها هو الأعمال الاستفزازية التي قام بها اليهود في 15/8/1929. وإمعان الوكالة اليهودية في توسيع اختصاصاتها، واعتقاد العرب أن قرارات سلطات الانتداب تتأثر غالباً بالاعتبارات السياسية لمصلحة اليهود.
أما توصيات اللجنة فهي باختصار:
1) أن تقوم بريطانيا بإصدار بيان صريح عن السياسة التي تنوي أتباعها في فلسطين. بحيث يتم تفسير المعنى المقصود بأحكام صك الانتداب* وخاصة ما يتعلق بصيانة حقوق الطوائف غير اليهودية في فلسطين.
2) أن تعود الحكومة البريطانية لتؤكد أن المركز الخاص الذي أعطى للوكالة اليهودية بموجب صك الانتداب لا يخولها الاشتراك في حكومة فلسطين، وأن يوضع تفسير دقيق لمعنى المادة الرابعة من صك الانتداب المتعلقة بمهمة الوكالة اليهودية.
3) أن تصدر الحكومة البريطانية بياناً صريحاً عن الهجرة اليهودية، وأن تدرس وسائل تنظيمها ومراقبتها لوضع حد لتكرار الزيادة في الهجرة كما وقع عامي 1925 و1926، وإيجاد طريقة يمكن بها أخذ رأي الهيئات غير اليهودية في مسائل الهجرة.
4) اتخاذ وسائل لحماية المزارعين العرب والحيلولة دون إجلائهم عن الأراضي التي يزرعونها، حتى لا تنشأ طبقة مستاءة من الأهالي الذين لا أرض لهم، والذين يؤلفون خطراً ينذر بوقوع الاضطرابات. فليس في فلسطين أرض زراعية واسعة ميسورة يمكن توطين المهاجرين فيها إلا بإخلالهم محل العرب الحاليين. لذلك لا بد من وضع القيود على انتقال الأراضي، ومن مساعدة الفلاحين العرب على تحسين أساليب زراعتهم، وإعادة فتح المصرف الزراعي لتأمين القروض لهم.
5) إيضاح أهمية قيام الحكم الذاتي في فلسطين، في تهدئة موجة السخط والاستياء التي تعم العرب. ولا يمكن تجاهل شعور الاستياء الواسع النطاق لدى العرب بسبب حرمانهم من الحكم الذاتي، مع أنه كان لهم – طبقاً للدستور العثماني نواباً في مجلس المبعوثان بالآستانة. فالشعب الفلسطيني متحد في مطالبة بحكومة نيابية، والفلاحون العرب يهتمون بالأمور السياسية أكثر من كثيرين من سكان أوروبا. وهذا الاستياء الناشىء عن حرمان العرب من قسط من الحكم الذاتي يزيد من مصاعب إدارة الانتداب، وكان سبباً مساعداً في وقوع الاضطرابات الأخيرة.
6) تشكيل لجنة دولية من قبل مجلس عصبة الأمم* لتحديد حقوق العرب واليهود في حائط المبكى.
كان تقرير لجنة شو بشكل عام إيجابياً، وقد قابله العرب بشيء من الارتياح المصحوب بالتحفظ. إلا أن الجو العام الذي أحدثه التقرير دفع اللجنة التنقيذية إلى إرسال وفد برئاسة موسى كاظم الحسيني* إلى لندن (رَ: الوفود العربية الفلسطينية إلى لندن) لشرح وجهة النظر العربية ومطالب الفلسطينيين بوقف الهجرة، وبيع الأراضي، وإنشاء حكومة وطنية. وقد منى الوفد بالإخفاق. ولكن تقرير لجنة شو كان سبباً من أسباب صدور الكتاب الأبيض لسنة 1930*.
المراجع:
– محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، صيدا وبيروت 1959.
– عبد الوهاب الكيالي: الموجز في تاريخ فلسطين الحديث، بيروت 1971.
– الأمانة العامة لجامعة الدول العربية: الوثائق الرئيسة في قضية فلسطين، القاهرة 1957.
– حسن صيري الخولي: سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، القاهرة 1973.