هي الخطة التي وضعتها قيادة الهاغاناه* لإدارة عمليات ما سمي “حزب الاستقلال” ومعاركها في عام 1948 (رَ: حرب 1948). وقد اتمت وضعها في مطلع شهر آذار عام 1948 ونفذتها في أوائل الشهر التالي. ونظراً لارتباط هذه الخطة واعتمادها أساساً على الإنجازات التي حققتها الخطط السابقة لا بد من استعراض سريع لما سبقها من خطط، وهي:
1) الخطة أ: وضعتها قيادة الهاغاناه في شهر آب عام 1943، وتنص على استكمال شبكة المستعمرات الدفاعية لتغطي ساحل البحر المتوسط من الناقورة* على الحدود اللبنانية شمالاً حتى رفح* على حدود مصر جنوباً، مع التوسع في مستعمرات وادي الأردن حتى البحر الميت*، وإنشاء مستعمرات أخرى في مناطق بيت لحم* والخليل وبئر السبع*. وقد قدرت الخطة أن يبلغ عدد هذه المستعمرات 243 مستعمرة كل منها قادرة على الدفاع الذاتي بقوى الحرس المحلي، كما تتعاون فيما بينها. وقد خطط لتشكل هذه المستعمرات ثلاثة خطوط دفاعية متكاملة: خط خارجي وآخر داخلي وبينهما المستعمرات الوسطي.
2) الخطة ب: بعد أن تم تنفيذ القسم الأعظم من المستعمرات التي نصت عليها الخطة “أ” وضعت قيادة الهاغاناه الخطة “ب” في شهر أيلول 1945. وتتضمن العمليات العسكرية الواجب تنفيذها إذا تعرضت المستعمرات الصهيونية لأي هجوم عربي، وذلك بقوى المستعمرات نفسها وبالتعاون فيما بينها. وألحت هذه الخطة على ضرورة المحافظة على ضمان حرية التنقل بين مجموعات المستعمرات ليسهل تعزيز كل واحدة تتعرض للهجوم.
3) الخطة ج: وضعت هذه الخطة في شهر أيار عام 1946 بعد أن تم استكمال شبكة المستعمرات وأمنت القوى والوسائط اللازمة للدفاع عن كل منها وخطط التعاون فيما بينها. وقد نصت هذه الخطة الجديدة على البدء بعمليات الضغط على عرب فلسطين في مختلف أنحاء البلاد لإبعادهم عن المناطق المجاورة للمستعمرات الصهيونية وتأمين حرية التنقل بين المستعمرات التي تشكل خطوط دفاعية متكاملة، وكذلك بين المستعمرات الموجودة داخل المناطق العربية.
4) الخطة يوشع: بعد صدور قرار التقسيم (رَ: تقسيم فلسطين) وإعلان بريطانيا نيتها الجلاء عن فلسطين وضعت الوكالة اليهودية* في مطلع عام 1948 الخطة “يوشع”. وهي تتضمن التدابير الواجب اتخذها من قبل السلطات الصهيونية، سواء المحلية أو المركزية، لوراثة كل ما تتخلى عنه سلطات الانتداب البريطاني من أرض وموارد وثروات وخدمات عامة ومؤسسات وأجهزة إدارية. وقد حددت هذه الخطة طرق التنفيذ بشكل مفصل، مع ترك الحرية لكل قيادة محلية بالتصرف الفوري وفق مبادىء الخطة العامة حتى لو لم تكن قد وردت تعليمات خاصة بقطاعها. وقد استمر العمل بهذه الخطة جنباً إلى جنب مع الخطط العسكرية حتى ثم تشكيل الهيئات الرسمية الإسرائيلية المركزية.
ومع انتهاء مرحلة الدفاع الثابت وتزايد القدرات العسكرية الصهيونية واقتراب موعد جلاء القوات البريطانية وضعت الخطة “دال” الهادفة إلى إقامة (دولة إسرائيل) بقوة السلاح.
5) الخطة دال :في الوقت الذي كان الجدل دائراً في مجلس الأمن الدولي حول مستقبل فلسطين العربية كانت قيادة الهاغاناه تضع اللمسات الأخيرة على خطتها العسكرية الهادفة إلى الاستيلاء على فلسطين. وقد أتمتها في مطلع شهر آذار عام 1948 وتركت تحديد مسافة البدء بتنفيذها للوكالة اليهودية التي ربطت ذلك بالعوامل التالية:
(1) جلاء القوات البريطانية بالقدر الذي لا تستطيع معه التدخل في سير الأحداث بفعالية.
(2) استكمال إجراءات التعبئة والحشد بالقدر الذي يضمن نجاح التنفيذ.
(3) وصول الأسلحة والمعدات المشتراة من أوروبا.
وكان على قوات الهاغاناه بموجب هذه الخطة السيطرة على المنطقة المخصصة للدولة الصهيونية بموجب قرار التقسيم، والدفاع عن حدودها وعن مجموعة المستعمرات والسكان الصهيونيين الموجدين خارج هذه الحدود، والاستعداد للتصدي “للأعداء” العاملين من قواعد خارج المنطقة الإسرائيلية أو داخلها. ولتنفيذ ذلك وحب على القوات الصهيونية القيام:
(1) باحتلال مراكز ومواقع حيوية داخل المدن والريف ضمن حدود “الدولة” وخارجها.
(2) بإخلاء فلسطين من أكبر قدر ممكن من سكانها العرب.
(3) باحتلال قواعد متقدمة لحرمان العرب من استخدامها.
(4) بتأمين حرية المواصلات داخل حدود الدولة الصهيونية، وكذلك بينها وبين مراكز التجمع الصهيونية الموجودة خارجها، بالسيطرة على شبكة المواصلات الرئيسة في فلسطين واحتلال الموانىء والمطارات ضمان لاستمرار وصول المهاجرين والأسلحة والمعدات الحربية من الخارج.
(5) بالاستعداد للدفاع ضد كل غزو تقوم به القوات النظامية أو غير النظامية.
ويلاحظ أن هذه المهام كلها تصنيف بالروح العدوانية، إذ تطالب القوات الصهيونية بالعمل خارج المنطقة الصهيونية بحجة الوصول إلى قواعد متقدمة لحرمان “العدو” من استخدامها سواء أكان هذا العدو نظامية أم غير نظامي. وهذا يعني العمل داخل المنطقة العربية بل داخل حدود الدول العربية المجاورة لكونها الوحيدة التي تملك قوات نظامية. هذا بالإضافة إلى ممارسة الضغط على السكان العرب لإجبارهم على ترك أراضيهم والنزوح إلى خارج فلسطين. ومن هنا جاءت عمليات الإرهاب الوحشية والتهجير الإجباري الجماعي (رَ: تهجير عرب فلسطين، سياسة).
في مطلع شهر نيسان 1948 اتخذ مجلس المنظمة الصهيونية العالمية* قراراً ببدء الحرب السافرة ضد العرب وإقامة (الدولة اليهودية) بقوة السلاح فأعلن التعبئة العامة وتنظيم السيطرة على البلاد. وقد تضمنت قراراته ما يلي:
1) استدعاء كل صهيوني قادر على حمل السلاح.
2) استغلال مختلف وسائل النقل البرية والبحرية والجوية لجلب المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية والمهاجرين.
3) تنظيم الاقتصاد الحربي بالسيطرة على الصناعة* والتجارة* والزراعة*، وفرض الرقابة على المواد الغذائية والخدمات بما يحفظ للقوة العسكرية قدرتها على مواصلة القتال.
4) إقامة سلطة مركزية عليا موحدة (حكومة موقتة) تكلف تنظيم الموارد البشرية وحصرها وتشرف على قيادة القوات وتوجيه القوى العاملة.
5) عدم الوقوف عند حدود الدفاع بل الانتقال إلى الهجوم على كافة الجبهات لا دخل حدود (الدولة اليهودية) وحدود فلسطين فحسب بل حينما وجد العدو.
وكان هذا القرار إيذاناً الخطة “دال”. وهكذا، ومنذ مطلع شهر نيسان 1948، انتقلت المبادأة إلى أيدي القوات الصهيونية، وتمكنت خلال شهر نصف، أي حتى موعد جلاء القوات البريطانية رسمياً في 15/5/1948، من السيطرة على كامل المنطقة المخصصة بموجب قرار التقسيم (للدولة اليهودية) وعلى مناطق عدة خارجها، وأصبحت على أتم استعداد للتصدي للقوات العربية التي أعلنت مسبقاً قرارها بالتدخل لنجدة عرب فلسطين اعتباراً من ذلك التاريخ. وقد ساعد على ذلك إسراع الحكومة البريطانية بسحب قواتها قبل الموعد المحدد تاركة الحبل على الغارب للصهيونية تفعل ما تشاء في فلسطين.
وفي الوقت الذي كانت الخطة يوشع تطبق بالاستيلاء على كل ما تتخلى عنه السلطات البريطانية بدأت قوات الهاغاناه بتطبيق الخطة دال التي تضمنت شقاً دفاعياً وآخر هجومياً وثالثاً إرهابياً لتنفيذ فكرة الخطة.
1) الشق الدفاعي:
(1) تقوم كل مستعمرة بالدفاع الذاتي عن نفسها حتى آخر طلقة.
(2) تعتبر أرض إسرائيل (فلسطين) وحدة دفاعية واحدة.
(3) تقام ثلاثة خطوط دفاعية: الأول يمر بالمواقع التالية: يبنة* (24 كم جنوب يافا*) – اللطرون – قلقيلية* – طولكرم* – جنين* – الناصرة* – بحيرة طبرية* – بحيرة الحولة* – رأس الناقورة – ويمر الثاني ب: يبنة – رحبوت* – ريشون لتسيون* (عيون قارة) – بيت دجن – ويلهلما (طيرت يهوداه) – رأس العين* – العفولة* – حيفا*. أما الثالث فيمر بـ يافا – رامات غان* – هرتسليا* – الخضيرة* – عتليت* – حيفا.
وتعمل في الوقت نفسه مختلف المستعمرات البالغ عددها 297 مستعمرة على تحقيق ما يلي:
(1) فصل المناطق العربية عن البحر المتوسط.
(2) ضد الهجمات العربية على كافة الجبهات وامتصاصها، واستنزاف قدرات العرب في عمليات حصار توطئة لانتزاع المبادأة والتحول إلى الهجوم.
(3) الاحتفاظ بالطرق آمنة وصالحة للتحرك.
(4) العمل كقاعدة انطلاق للهجوم الذي ستشنه القوات الميدانية.
2) الشق الهجومي: بعد تأمين حرية المواصلات وجلب أكبر عدد من العرب نحو المستعمرات الصهيونية ومشاغلهم حولها لتنطلق قوات الهاغاناه من مناطق التجمع داخل المستعمرات وتشن الهجمات على جميع الجبهات بهدف تنفيذ المهام التي نصت عليها الخطة، أي الاستيلاء على عدد من المواقع الاستراتيجية الهامة، والسيطرة على شبكة المواصلات الرئيسة، واحتلال مساحات كبيرة من الأراضي بالحركة والمناورة بالقوات، مع تركيز خاص على الاستيلاء على مدينة القدس* لأنها “قلب الدولة وعاصمتها الأبدية” وتأمين الطرق بينها وبين تل أبيب* عبر باب الواد.
3) الشق الإرهابي: وقد تولته عصابات الأرغون واشتيرن*، والغاية منه إشاعة الذعر بين عرب فلسطين، بارتكاب المذابح الجماعية لتفريغ فلسطين من سكانها لتحقيق “النقاء العنصري للدولة اليهودية” (رَ: الإرهاب الصهيوني).
المراجع:
– مركز الدراسات السياسة والاستراتيجية بالأهرام: العسكرية الصهيونية، المجلد 1، القاهرة 1972.
– حسن البدري: الحرب في أرض السلام، القاهرة 1972.
– Dupuy, T.N.: Elusive Victory, New York 1978.