هي الحرب العربية – الإسرائيلية الثالثة، ويطلق عليها أيضا اسم “عدوان الخامس من حزيران 1967” وقد قامت فيها قوات العدو الإسرائيلي بالهجوم على القوات العربية المصرية والسورية والأردنية. وترتيب الحرب باسم “الحرب العربية – الإسرائيلية الثالثة” يشير إلى أن كل حرب من الحروب ترتبط بالحرب التي سبقتها، لا في مجال السياسة الاستراتيجية أو في حجم القوى المشتركة في الحروب فحسب، وإنما أيضاً في مقدمات الحروب ونتائجها، وفي أساليب خوضهما على مستوى العمليات، وعلى مستوى الطرائق التكتيكية المستخدمة فيها.
أ- الاستراتيجية الإسرائيلية: استعدت (إسرائيل) لعدوان حزيران 1967 وفق الخطوط والمبادىء الاستراتيجية التالية:
1) الانطلاق من قاعدة قوية مأمونة: ومعنى ذلك قيام القوات الإسرائيلية بالعدوان، وعدم السماح للقوات العربية بتهديد القاعدة الإمبريالية – الصهيونية، لأن الكيان الصهيوني لا يستطيع احتمال هزيمة كبيرة تكون فيها نهايته، علاوة على أن الحجم الجغرافي المحدود والقلة في القدرة البشرية يشكلان نقطتي ضعف خطيرتين تتطلبان الحماية والاستعداد الدائم للقتال.
2) تطوير القدرة الحركية واستخدام القدرة القتالية للهجوم: وتأتي هذه الاستراتيجية استجابة لهدفين. أولهما تغطية نقاط الضعف التي سبقت الإشارة إليها، وثانيهما تحقيق هدف الصهيونية في توسيع حدود الأراضي المحتلة، على طريق تحقيق الحلم الصهيوني: – من النيل إلى الفرات – ومساعدة الكيان الصهيوني على الاضطلاع بدوره الوظيفي ضد المنطقة العربية، بما في ذلك عزل الأقاليم العربية بعضها عن بعض، واستنزاف قدراتها الاقتصادية، وتدمير قدراتها العسكرية، ووضع المنطقة في حالة ضعف مستمر لا تسمح بتعاظم القدرات العربية وتكاملها الى درجة تمكنها من التصدي للمطامع الصهيونية والإمبريالية في الوطن العربي.
3) وضوح الهدف: بحيث تحدد القيادة الإسرائيلية هدف المرحلة التالية للحزب، وتحشد القوى والوسائط الضرورية التي تناسب حجم هذا الهدف، ثم تضع خطة العمل السياسي لتغطية الهدف دولياً، كل ذلك بالتعاون مع الدوائر الاستعمارية والإمبريالية. وتأتي خطة العمليات متوافقة مع ظروف المعركة واحتمالات تطوراتها. ويرتبط وضوح الهدف لدى القيادة الإسرائيلية بثلاثة عوامل:
(1) المعرفة الدقيقة بالظروف الدولية.
(2) المعرفة الكاملة بالموقف على الجبهات العربية (وعلى مسرح العمليات بصورة خاصة).
(3) المعرفة الصحيحة للقوى والوسائط المطلوبة لضمان النجاح سياسياً وعسكرياً.
4) استراتيجية الحروب التشتيتية: وذلك بتطبيق مبادىء الحرب على الخطوط الداخلية بكفاية (المبادأة، والمباغتة، والاحتفاظ بالقوى، وأمن العمل)، بالإضافة إلى الالتزام بمبدأ الضربات الإجهاضية المسبقة. كل ذلك بهدف الإفادة من حرية العمل المطلقة والوصول بالحرب إلى فاعليتها القصوى. ومن الملاحظ أن هذه الاستراتيجيات المتكاملة هي التي تشكل أسس العقيدة القتالية للكيان الصهيوني.
ب- الاستراتيجية العربية: مقابل ذلك اتصفت الاستراتيجية العسكرية العربية بمجموعة من الصفات كان من أبرزها:
1) الالتزام الموقت بالعقيدة الدفاعية: نتيجة لاستمرار العدوانية الإسرائيلية من جهة، وللظروف المحيطة بالوطن العربي آنذاك من جهة أخرى. وقد تم التعبير عن هذه العقيدة بإقامة التنظيمات الدفاعية على امتداد الحدود العربية المتاخمة للأرض المحتلة على شكل خنادق قتالية، ومواقع للأسلحة وملاجىء، وقيادات ميدانية تحت الأرض، ومراكز مسلحة، ومستودعات، ومخازن، وملاجىء مضادة للقصف الذري.
2) انعدام التنسيق بين القيادات العربية: بسبب غياب وحدة القيادة السياسية والقيادة العسكرية، والاكتفاء بإطار اتفاق عام على موعد بدء الحرب، أو تنسيق التعاون أثناء مسيرة الأعمال القتالية إذا بدأ العدو الحرب. ونتج عن ذلك خوض المعارك على كل جبهة بمعزل عن الجبهات العربية الأخرى.
3) عدم وضوح الهدف لدى القيادات العربية: مما أدى إلى فقدان التوازن بين عوامل الصراع السياسي من جهة، وعوامل الصراع المسلح من جهة أخرى، وعدم الأخذ بهما كعاملين متكاملين، وإنما التعامل معهما كعاملين منفصلين. وكان من نتيجة ذلك زيادة الاعتماد على عوامل الصراع السياسي وإهمال بعض مبادىء الحرب الأساسية. وقد ساعدت الظروف السابقة، ومنها على سبيل المثال نجاح الجهد السياسي في حرب 1956 في إحباط النتائج العسكرية للعدوان على دعم هذا الاتجاه، الأمر الذي زاد من اعتماد القيادات السياسية العربية على وعود الدولتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي)، فكان من نتيجة ذلك كله فقد المبادأة العسكرية.
هذه أبرز أسس الاستراتيجيتين العربية والإسرائيلية. والأمر الواضح هو أن الأسس الاستراتيجية الإسرائيلية كانت مناقضة تماماً للأسس العربية، وأن الأسس الاستراتيجية التي سبقت الإشارة إليها قد تركت أثرها العميق في إدارة الحرب وطرائق العمليات والأساليب التكتيكية.
ج- العوامل غير المباشرة للحرب: تتألف العوامل غير المباشرة للحزب من مجموعة الظروف التي أحاطت بالمنطقة العربية، ومن أهمها تعاظم القدرة العسكرية العربية، ولا سيما على جبهتي مصر وسورية. وتعاظم المد الوطني والقومي الذي وجد تعبيراً عنه في ثورة 14 تموز 1958 في العراق، وفي انتصار ثورة الجزائر (1962)، ثم في قيام منظمة التحرير الفلسطينية* (أيار 1964) وبدئها الأعمال النضالية داخل الأرض المحتلة، وتعاظم قوة الثورة الفلسطينية.
ولعل أبرز هذه العوامل وأخطرها قيام منظمة التحرير الفلسطينية وانطلاق العمل الفدائي الفلسطيني. فقد برزت إلى الوجود، في مرحلة ما قبل عدوان1967، التنظيمات الفلسطينية المسلحة، وبدأت تقوم بغارات وعمليات فدائية جريئة داخل الأرض المحتلة، فقامت بـ35 عملية عام 1965، ارتفعت إلى 41 عملية عام 1966. وفي الشهور الخمسة الأولى التي سبقت عدوان حزيران شهدت (إسرائيل) 37 عملية فدائية. ولم يكن حجم العمل العسكري الفدائي في البداية كبيراً، بل كان على شكل عمليات صغيرة تشنها طلائع مسلحة تستخدم أساليب قتالية محدودة. وإذا كانت النتائج العسكرية والمادية لهذه العمليات لم تشكل تهديداً لوجود الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فإنها كانت ذات دلالات سياسية – عسكرية هامة، لأنها جسدت رفض شعب فلسطين الأمر الواقع، والإبقاء عليه كمجموعة من اللاجئين، وعبرت عن استقلال خطه السياسي، واستعداد تنظيماته الطليعية لاستخدام الكفاح المسلح وسيلة رئيسة من وسائل الصراع ضد الاحتلال الصهيوني، ورغبة هذه التنظيمات في تطوير أساليب الكفاح المسلح لتحقيق عدة أغراض، منها:
1) إبقاء شعلة النضال الفلسطيني متقدة رغم انخفاض حدة الصراع العسكري العربي – الإسرائيلي بعد حرب 1956.
2) الانتقال من العمل العسكري المحدود إلى حرب العصابات على نطاق واسع.
3) استقطاب أكبر عدد من القوى المناضلة العربية للمشاركة في الكفاح المسلح.
4) المشاركة في حركة التحرير الوطني العربي وفي تهيئة الجماهير للكفاح المسلح وتعبئة قواها للمعركة.
لقد أدركت (إسرائيل) مرامي هذه التنظيمات الطبيعية الطليعية الفلسطينية المسلحة، ووعت ما سيؤدي إليه استمرارها واتساع إطارها، وعزمت على مواجهتها والقضاء عليها قبل أن يستفحل أمرها وتبلغ مدى وعمقاً كبيرين فلا تستطع (إسرائيل) بعد ذلك مواجهتها.
يضاف إلى ذلك عامل هام آخر ناتج عن الارتباط العضوي بين الصهيونية و(إسرائيل) من جهة، ومطامع الإمبريالية في الوطن العربي من جهة أخرى، ولا سيما أن للطرفين مصالح مشتركة يريدان تحقيقها والحفاظ عليها في المنطقة. ويأتي في مقدمة تلك المطامع فرض وجود الكيان الصهيوني على العرب، والاعتراف به، ودمجه في المنطقة، وتأمين سلامة ذلك الكيان وأمنه عن طريق توسيع حدوده باحتلال أراض عربية جديدة، ومواجهة ما تسميه الصهيونية والإمبريالية النفوذ السوفييتي في المنطقة، والسعي إلى تقليصه. ولهذا قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بدراسة خطة العدوان الإسرائيلي، واختبرتها بالعقل الالكتروني (الكمبيوتر)، وأجبرت عليها بعض التعديلات في كانون الثاني 1967، وقامت الولايات المتحدة بتزويد (إسرائيل) بما تحتاج إليه من أسلحة ومعدات لتنفيذ خطة الهجوم.
د- العوامل المباشرة للحرب: برزت خلال سنوات ما قبل عدوان حزيران مطامع (إسرائيل) في ضم الأراضي المجردة من السلاح إليها، وهي الأراضي الواقعة في شمالي فلسطين. كما أن (إسرائيل) بدأت تحول مياه روافد نهر الأردن. وقد ردت الدول العربية على ذلك بأن أنشأت هيئة خاصة لاستثمار مياه تلك الروافد، فما كان من (إسرائيل) إلا أن أمعنت في تنفيذ ضم الأراضي المنزوعة السلاح وتحويل الروافد بقوة السلاح والاعتداءات المتتالية. وفي الوقت ذاته راحت تصعد عملياتها الاستفزازية بضرب الوسائط والمعدات التي كانت تعمل في المشروع العربي لتحويل روافد الأردن، والتحرش بالمزارعين السوريين، وزيادة حجم التحديات ضد القوات السورية، مما أدى إلى زيادة حدة الاشتباكات التي بلغت ذروتها في الاشتباك الجوي يوم 7/4/1967.
تواترت الأخبار عن التدابير العسكرية التي اتخذتها (إسرائيل)، وبخاصة ما يتعلق بحشدها لقوة 11 – 13 لواء على الحدود السورية، مما دفع مصر إلى الوفاء بالتزاماتها وفقاً لمعاهدة الدفاع المشترك السورية – المصرية التي تم التوقيع عليها في 4/11/1966. فأوفدت رئيس أركان قواتها المسلحة – اللواء محمد فوزي – إلى دمشق لتقدير الموقف على الطبيعة وتنسيق التعاون. وعندما عاد إلى القاهرة أعلنت مصر حالة التعبئة القصوى، وأخذت القوات المصرية تتحرك على شكل تظاهرة عسكرية اخترقت شوارع القاهرة يوم 15/5/1967 متوجهة نحو سيناء. ثم طلبت القيادة المصرية في يوم 16 أيار من قائد قوات الطوارىء الدولية في سيناء سحب قوات الأمم المتحدة. وقام الأمين العام للأمم المتحدة – يوثانت – بمجموعة من الاستشارات السريعة قرر على أثرها تلبية طلب مصر سحب تلك القوات في يوم 19 أيار. ثم أعلن الرئيس جمال عبد الناصر* يوم 23 أيار اغلاق مضائق نيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهكذا أزالت مصر آخر أثرين تبقيا من العدوان الثلاثي عام 1956. وقد اعتبرت (إسرائيل) إغلاق المضائق بمنزلة إعلان حرب. وهكذا أخذت تسرع في اتخاذ التدابير للبدء بالعدوان مطمئنة إلى تأييد الولايات المتحدة لخطتها. وقد بذل الأمين العام للأمم المتحدة جهوداً في القاهرة وتل أبيب بغية الحد من تدهور الموقف. وظلت اتصالات الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بمصر مستمرة، فقد طلب رئيسا الدولتين العظميين من الرئيس عبد الناصر ألا يكون البادىء بالقتال لإتاحة الفرصة أمام الجهود الدبلوماسية لحل النزاع بالطرق السلمية.
أخذ احتمال الحرب يسيطر. وشرعت القوات السورية والمصرية تتوجه نحو جبهات القتال، ووصلت فصائل من القوات الكويتية والسودانية والجزائرية إلى مواقع متقدمة على الجبهة المصرية يوم 24/5/1967. وظهر بوضوح أن (إسرائيل) ستقوم بالعدوان، مما دفع الملك حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية إلى التوجه إلى مصر يوم 30 أيار، وإلى عقد معاهدة دفاع مشترك، تم بموجبها وضع القوات المسلحة الأردنية تحت تصرف القيادة المشتركة، وأسندت قيادة القوات على الجبهة الأردنية للفريق عبد المنعم رياض (رئيس أركان القيادة المشتركة) الذي وصل إلى الأردن في اليوم الأول من حزيران 1967.
أما على الطرف الآخر فقد قامت (إسرائيل) بمجموعة من الإجراءات أظهرت نيات قادة الكيان الصهيوني في العدوان، مثل التعديل الوزاري واتخاذ بعض التدابير الاستثنائية. فعقد الرئيس جمال عبد الناصر اجتماعاً مع قادته يوم 2 حزيران طرحت فيه احتمالات قيام القوات الإسرائيلية بتوجيه ضربة استباقية مباغتة إلى القوات المصرية. لكن بعض القادة لم يدركوا خطورة الموقف، ولا سيما بعد أن قامت (إسرائيل) بمجموعة من الأعمال الخداعية المضللة، فلم تتخذ القيادة المصرية الاستعدادات المناسبة الكفيلة بإحباط العدوان الإسرائيلي. وفي ليلة العدوان (ليلة 4 – 5 حزيران) قابل السفيران الأمريكي والسوفييتي الرئيس عبد الناصر والتمسا منه عدم قيام مصر بدء الحرب. ولكن لم تمض سوى ساعات قليلة على ذلك حتى بدأت القوات الإسرائيلية الحرب.
هـ- الحرب على الجبهة المصرية: بدأ عدوان حزيران بضربة جوية كثيفة نفذتها القوات الجوية الإسرائيلية في الساعة 8:45 بتوقيت القاهرة من صباح يوم الاثنين 5/6/1967 على القواعد الجوية المصرية، وهي العريش وجبل لبني وبير جفجافة وبير تمادة شرقي القناة في سيناء، وأبو صوير وكبريت وفايد وغرب القاهرة وبني سويف في غربي القناة. واستمرت موجات الطائرات المغيرة حتى الساعة 11:45، وتمكنت من إخراج الطيران المصري من القتال. واستخدمت الطائرات في عملياتها نوعاً جديداً من القنابل ذات الرؤوس الباحثة من أجل تدمير المهابط وأرض المطارات وتخريبها لمدة طويلة. وتابعت القوات الجوية الإسرائيلية بعد ذلك غاراتها على المطارات في عمق الأراضي المصرية فهاجمت مطارات أنشاص وبلبيس في الساعة 11:45 ومطار الغردقة على البحر الأحمر في الساعة 12:15، ومطار الأقصر في صعيد مصر الساعة 12:30، وهاجمت بعد الظهر مطار القاهرة الدولي. وأصبح باستطاعة القوات الإسرائيلية، بعد ذلك، تطبق مخطط عملياتها (الذي حمل الاسم الرمزي: حركة الحمامة)، والبدء بالهجوم في ثلاث مجموعات قتالية هي: مجموعة تال، ومجموعة شارون، ومجموعة يوفه.
1) مجموعة تال: تكونت هذه المجموعة من اللواءين المدرعين السابع والثالث ولواء مظلين آلي ولواء مشاة آلي وخمس كتائب مدفعية وكتيبة مهندسين، بالإضافة إلى كتيبة دبابات مستقلة لدعم المظليين، وكتيبة دبابات ادعم لواء المشاة الذي سيهاجم قطاع غزة. وضمت هذه القوة نحو 300 دبابة و100 عربة مدرعة نصف مجزرة ونحو 60 مدفعاً. وكانت مهمة هذه المجموعة العمل أثناء المرحلة الأولى على اختراق نطاق الدفاع الأول عند الحدود، ومواجهة الفرقة الفلسطينية العشرين في خان يونس*، ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية واختراق مواقع الشيخ زويد وممر خروبة والوصول إلى العريش. ثم تنقسم إلى قسمين يتحرك القسم الثانوي منهما على المحور الشمالي في اتجاه رسالة والقنطرة، ويتحرك القسم الرئيس جنوباً في اتجاه بير الحفن فجبل لبني ليشارك مجموعة يوفه في تدمير الفرقة المصرية الثالثة، ثم يزحف على المحور الأوسط في اتجاه بير جفجافة ليدمر الفرقة المدرعة الرابعة، ويواصل بعد ذلك تقدمه نحو القناة في مواجهة الإسماعيلية.
2) مجموعة شارون: وقد تألفت من لواء مدرع ولواء مشاة وكتيبة مظليين ومجموعة مكونة من كتيبة دبابات ووحدة استطلاع ووحدة مشاة آلية وست كتائب مدفعية ووحدة مهندسي اقتحام ضمت هذه المجموعة 200 دبابة و100 عربة مدرعة نصف مجنزرة، و100 مدفع. وحددت مهمتها باختراق دفاعات أم قطف -أبو عجيلة التي كان يدافع عنها نصف فرقة المشاة الثانية المصرية، وفي الوقت نفسه يتم تثبيت النصف الآخر من الفرقة المتمركزة للدفاع عن قطاع القسمية بلواء إسرائيلي مدرع مستقل، إلى أن تنهي مجموعة شارون مهمة المرحلة الأولى فتقوم بعد ذلك – في المرحلة الثانية – بمهاجمة دفاعات القسمية من الشمال الغربي. وبعد تدمير هذه المواقع الدفاعية تتقدم الوحدات المدرعة والآلية من هذه القوة بسرعة في اتجاه نخل على المحور الجنوبي حيث تنصب كمينا لقوات مجموعة الشاذلي المدرعة وفرقة المشاة السادسة المصرية أثناء انسحابها المتوقع نحو ممر مثلا. وبهذا تتم هذه المجموعة مهمتها، ثم تشترك في عمليات النقدم الأخيرة نحو قناة السويس عبر ممري مثلا والجدي مع قوات يوفه.
3) مجموعة يوفه: تكونت من لواءين مدرعين يضم كل منهما كتيبة مشاة آلية ومدفعية ذاتية الحركة. وقد ضمت 200 دبابة و100 عربة مدرعة نصف مجنزرة. وكان واجب اللواء الأول من هذه المجموعة التحشد في المنطقة ما بين رفح* وأبو عجيلة على بعد 30 كم إلى الجنوب من مواقع رفح الدفاعية، والتقدم عبر وادي الحريضين، وهو مجرى ماء جاف يخترق كثبان الرمل التي لا تصلح لسير الآليات. ثم القيام بالهجوم على المواقع الدفاعية المصرية في بير الحصن، وصد الهجمات المضادة التي قد تقوم بها فرقة المشاة المصرية الثالثة من منطقة جبل ليني في اتجاه قوات تال أو قوات شارون. وأما اللواء المدرع الثاني لمجموعة يوفه فقد حشد في مؤخرة مجموعة شارون، وكانت مهمته تطوير الهجوم بعد اختراق مواقع أم قطف – وأبو عجيلة، والاندفاع عبر الثغرة للألتقاء باللواء الأول الزاحف من اتجاه بير الحفن عند جبل ليني، والإسهام في تدمير الفرقة الثالثة المصرية، ثم التقدم في اتجاه بير حسنة وبير تمادا وممر متلا للأشتراك في عملية تدمير الفرقة المدرعة المصرية الرابعة والقوات المنسحبة عبر ممر متلا.
وبالإضافة إلى هذه المجموعات الرئيسة الثلاث التي رسم لها أن تركز ضرباتها الأولى على المحورين الشمالي والأوسط، ثم تطوق المحور الجنوبي بمناورة اقتراب غير مباشر للقضاء على القوة الرئيسة المصرية هناك عن طريق قطع خطوط مواصلاتها والامساك بطرق انسحابها، كان هناك لواء مدرع مستقل حشد أمام القسيمة مهمته شغل القوة المصرية من دون التورط في قتال فعلي، وذلك لتثبيت قوات النصف الثاني من فرقة المشاة الثانية أثناء الهجوم على الصف الأول من الفرقة في أبو عجيلة. وكان هناك أيضا لواء مستقل مدعم حشد أمام الكونتلا لمشاغلة قوة الشاذلي المدرعة وفرقة المشاة السادسة المصرية الموجودة هناك إلى أن تصل قوات شارون إلى مؤخرتها عند نخل فيقوم بمطاردة هذه القوات أثناء انسحابها عبر طريق الكونتلا – التمد – نخل. وحشدت كتيبة مشاة مدعومة ببعض الوحدات الصغرى في إيلات* لحماية إيلات أثناء العمليات التي تجري بعيداً عنها. وحشدت القيادة الإسرائيلية أيضاً لواء مشاة وكتيبة مظليين وكتيبة دبابات ووحدات مدفعية في مواجهة قطاع غزة، بالإضافة إلى قوات الدفاع المحلي الموجودة داخل المستعمرات الاثنتي عشرة القائمة قرب القطاع، بهدف مهاجمة القطاع أثناء تنفيذ المرحلة الثانية من العمليات عقب اختراق دفاعات خان يونس من قبل قوات تال، مما يسمح لهذه القوات بتطوير عملياتها نحو عمق سيناء.
مقابل ذلك كانت القوات المصرية في سيناء تضم 90 ألف جندي مزودين ب 950 دبابة ومدفعاً ذاتي الحركة وقانص دبابات، ونحو ألف مدفع، بالإضافة إلى ألف ناقلة جنود مدرعة. وكانت هذه القوات موزعة على امتداد جبهة سيناء ضمن التنظيم والواجبات التالية:
1) الفرقة 20 فلسطينية من جيش التحرير الفلسطيني* للدفاع عن قطاع غزة، تدعمها كتيبة دبابات وبعض بطاريات المدفعية وتمركز قيادتها في خان يونس.
2) فرقة المشاة السابعة في قطاع رفح – العريش. وتتألف من 4 ألوية مشاة، لواءين في رفح، ولواء في ممر خروبة، ولواء في بير الحصن.
3) فرقة المشاة الثانية في قطاع أبو عجيلة – القسيمة. وتتألف من لواءي مشاة، أحدهما في أبو عجيلة والثاني في القسيمة، وفوجين مدرعيين لدعم لوادي المشاة.
4) فرقة المشاة الثالثة في قطاع جبل لبني – بير حسنة على المحور الأوسط في مؤخرة الفرقة الثانية. وتتألف من ثلاثة ألوية مشاة محمولة وفوج مدرع ولواءي مدفعية (تحتل النطاق الدفاعي الثاني على المحور الأوسط).
5) فرقة المشاة السادسة في قطاع الكنتلا – التمد – النخل على المحور الجنوبي، وتتألف من 4 ألوية مشاة محمولة، وفوج مدرع، ولواء مدفعية. وكانت مهمتها حماية طرق الاقتراب المؤدية إلى جنوب صحراء النقب* وميناء إيلات، وحماية طريق الاقتراب من السويس عبر ممر متلا.
6) مجموعة الشاذلي المكونة من لواء مدرع، ولواء مغاوير آلي، ولواء مدفعية. وقد تمركزت إلى الشمال الغربي من الفرقة السادسة بمهمة التعاون مع وحدات الفرقة السادسة لمهاجمة طريق بئر السبع – إيلات.
7) الفرقة المدرعة الرابعة في قطاع بير جفجافة – بير تمادة. وتتألف من لواءين مدرعين ولواء مشاة محمول ولواء مدفعية. وكانت مهمتها العمل كقوة احتياط استراتيجي للجبهة، وقد تمركزت قرب ممري جفجافة والجندي.
وكان يوجد لواء مغاوير في رسالة وبالوظة على المحور الشمالي الساحلي،ولواء مشاة آخر في جبل الطور على الساحل الشرقي لخليج السويس. بالإضافة إلى قوة كتيبتي مشاة في شرم الشيخ.
أفادت القوات الإسرائيلية من موقف القوات المصرية المنتشرة على مساحات واسعة، فوضعت خطتها على أساس تدميرها بضربات متتالية، وأفادت أيضاً من الموقف السياسي الذي وضع القوات العربية في مواقع الدفاع فرسمت خطتها على أساس هجومي يعتمد على تركيز القوات للحصول على التفوق وللإمساك بالمبادأة. وقد استطاعت القوات الإسرائيلية تنفيذ مخططها مع بعض التعديلات الثانوية. وتمكنت، بعد اختراق النطاق الدفاعي الأول، من التحول إلى المطاردة، فوصلت قوات مجموعة تال إلى القنطرة شرق في الساعة العاشرة من صباح اليوم الخامس للحرب (9/6/1967)، في حين كانت دبابات مجموعة يوفه قد وصلت إلى القناة بعد منتصف ليل 9/6/1967. وكانت مجموعة شارون قد وجهت بعض قواتها للوصول إلى القناة، فعملت المجموعات الثلاث على تنظيم قواتها على ضفاف القناة.
لم يكن تنفيذ المخطط العدواني – بالرغم من الظروف المتتالية – خالياً من العقبات. فقد خاضت القوات الفلسطينية في خان يونس معارك ضارية استشهد فيها القسم الأكبر من عناصرها من أجل صد الهجوم وإعاقة تقدم قوات العدو. ودافعت القوات الفلسطينية ومعها سكان المدينة وظل المدافعون يحاربون من شارع إلى شارع فسقط الكثير من الشهداء إلى أن سقطت المدينة في 10/6/67. كذلك خاضت القوات المصرية معارك دفاعية وقاتلت بعناد في رفح والمفرق وخروبة وأبو عجيلة والعريش ومضيق متلا وفي كل مكان من أرض سيناء.
قامت القوات البحرية الإسرائيلية بإغارات على الموانىء المصرية في إطار العدوان الشامل، فتقدمت المدمرة “يافو” ومعها ثلاثة زوارق طوربيد في ليلة 6 حزيران، ووصلت حتى مسافة 10 أميال من بور سعيد، ودفعت رجال الضفادع البشرية إلى العمل، ولكن الأسطول المصري كان قد سحب قطعه البحرية من بور سعيد، فلم يصادف رجال البحرية الإسرائيليون أية قطعة حربية مصرية وفشلوا في تنفيذ مهمتهم. وجاءت غواصة إسرائيلية تحمل مجموعة أخرى من الضفادع البشرية أنزلتها على بعد 4 كم من الإسكندرية لتدمير القطع البحرية المصرية، إلا أن رجال البحرية المصرية ألقوا القبض على قوة الإعارة الإسرائيلية وأسروا أفرادها.
كانت خسائر القوات المسلحة المصرية في حرب 1967 فادحة بنحو 10 آلاف شهيد ومفقود، ونحو 80% من أعتدة الجيش المصري، بينها 800 دبابة وقانص، وحوالي 450 مدفعاً، ونحو 10 آلاف مركبة من مختلف الأنواع. وأما المصادر الإسرائيلية فتزعم أن خسائرها في سيناء بلغت 375 قتيلاً و800 جريح و3 طيارين بالإضافة إلى تدمير 61 دبابة.
و- الحرب على جبهة الأردن: ادعت (إسرائيل) أن اشترك الأردن مع مصر هو سبب ما تعرض له الأردن من عدوان. إلا أن الوقائع تدحض هذه المزاعم وتؤكد أن مخططات الهجوم الصهيوني على الضفة الغربية من فلسطين قد أعدت مسبقاً. وكانت هذه المخططات تعتمد على احتلال الضفة الغربية ومدينة القدس* القديمة على أساس توجيه ضربة رئيسة إلى شمالي القدس للسيطرة على مجموعة التلال الحيوية التي تسهل عملية تطويق المدينة والإشراف على طريق التقدم نحو نهر الأردن*، وتفتح طريق التقدم شمالاً نحو نابلس* عبر رام الله*. واتخذت هذه الضربة شكل تقدم على ثلاثة محاور: الأول من منطقة الشيخ عبد العزيز نحو النبي صموئيل، والثاني من تل الرادار نحو النبي صموئيل حيث تلتقي القوتان وتتوجهان شرقاً إلى بيت حنينا لقطع طريق القدس – رام الله، ثم تفترق القوتان لتتوجه إحداهما جنوباً نحو شمال القدس، والأخرى تتجه شمالاً نحو رام الله. وأما المحور الثالث للتقدم فينطلق من اللطرون ثم يتجه شرقاً نحو رام الله حيث يتم اللقاء مع القوة القادمة من بيت حنينا ومن رام الله ، لتتوجه قوة نحو نابلس شمالاً، وتتوجه قوة أخرى إلى الجنوب الشرقي نحو أريحا* الواقعة بين القدس ونهر الأردن. في الوقت نفسه كان على قوة إسرائيلية أن تطوق القدس من الجنوب بعد الاستيلاء على قرية صور باهر ثم تقتحم المدينة من جهة الشرق. وقد أسندت هذه المهام القتالية إلى قيادة الجبهة الوسطى الإسرائيلية التي شكلت مجموعة قتالية ضمت لواء مدرعا ولواء مظليا و3 ألوية مشاة. أما مواجهة الجيش الأردني واحتلال الضفة الغربية فقد ألقيا على عاتق قوة من لواءين مدرعين ولواءي مشاة وكتيبة دبابات مستقلة ووحدات مساندة أخرى تضم كتيبة استطلاع مدرعة و3 كتائب مدفعية وكتيبة هندسة و8 كتائب ناحال و3 حاميات دفاع إقليمي.
مقابل ذلك كان التنظيم الدفاعي للأردن يضم 6 ألوية مشاة ولواءين مدرعين، وكان توزيعها صباح يوم العدوان على النحو التالي:
1) لواء المشاة 25 مع كتيبة دبابات في منطقة جنين*.
2) لواء المشاة الأميرة عاليه في منطقة نابلس وطولكرم* وقلقيلية.
3) لواء المشاة الهاشمي في منطقة رام الله.
4) لواء المشاة علي بن أبي طالب في منطقة القدس.
5) لواء المشاة حطين في منطقة الخليل*.
6) لواء المشاة 27 بين أريحا والقدس.
7) اللواء المدرع 60 في منطقة خان الأحمر غرب أريحا.
8) اللواء المدرع 40 في منطقة جسر دامية.
وكان هناك لواء مشاة آخر موزع بين عمان والعقبة في الضفة الشرقية، ثم لواء الحرس الملكي في عمان. وكان على الجبهة الشرقية، بالإضافة إلى القوات الأردنية، قوات عربية تتكون من لواء مشاة عراقي آلي كان يتمركز في المفرق وانتقل إلى جسر دامية بعد ظهر يوم 5 حزيران، ومن كتيبتي صاعقة مصريتين (مغاوير) وصلتا إلى مطار عمان يوم 3 حزيران فألحقت إحداهما بلواء المشاة 25 في جنين، وألحقت الثانية باللواء الهاشمي في منطقة رام الله. هذا بالإضافة إلى لواء سعودي غير كامل – من قوة المشاة – وصلت طلائعه يوم 6 حزيران إلى الدورة وبقي هناك دون أن يشترك في الحرب. وكذلك اللواء المدرع السوري 17 الذي وصل إلى الأراضي الأردنية مساء يوم 7 حزيران ولم يشترك في القتال الذي دار على الجبهة الأردنية. وكانت القوة الأردنية بمجموعها مكونة من 250 دبابة و250 ناقلة مدرعة و200 مدفع ميدان.
بدأت قوات العدوان الإسرائيلي عملياتها على الجبهة الأردنية بعد أن وجهت ضرباتها إلى سلاح الجو الملكي الأردني فدمرت 32 طائرة “هوكر هنتر” في مطاري عمان والمفرق. وقد استفاد مخطط العمليات الإسرائيلي من نقاط الضعف المماثلة لنظيرتها على الجبهة المصرية، وأبرزها انتشار القوات على مساحة جغرافية واسعة تمتد مسافة 650 كم تقريباً. واستفاد أيضاً من المباغتة للقضاء على القوات الجوية والانفراد بحرية العمل العسكري في جو من التشتيت الكامل. وقد حدثت معارك دامية في القدس بين المدافعين عن المدينة ولواءي المظليين ومجندي القدس الإسرائيليين يومي 5 و6 حزيران. وبينما كانت المعارك محتدمة في القدس كان لواء مشاة إسرائيلي تدعمه وحدة دبابات شيرمان يهاجم ممر باب الواد الضيق ومركز شرطة اللطرون المحصن، ويستولي عليهما في صباح يوم 6 حزيران. وتقدمت وحدة استطلاع بعد ظهر اليوم ذاته في اتجاه الجنوب على طريق رام الله، واستولت على مطار القدس (مطار قلندية)، على حين اشتركت في مساء اليوم نفسه وحدات اللواء مع كتيبتي دبابات في معركة القدس. في تلك الفترة كانت وحدات لواء المشاة 25 الأردني تقاوم هجمات القوات الإسرائيلية على محاور التقدم الثلاثة، محور حيفا* – جنين، ومحور عين السهلة – يعبد*، ومحور زرعين – جنين، ودارت أقسى المعارك في الساعة الثالثة من صباح 6 حزيران عندما تقدمت القوات الإسرائيلية من سهل عرابة في اتجاه جنين، إذ استطاعت القوات الأردنية المتمركزة بصورة جيدة والمدعومة بقوة 15 دبابة تقريباً إحباط الهجوم وتدمير 8 دبابات إسرائيلية. ولكن القوات الإسرائيلية كررت هجماتها واستطاعت اختراق المواقع الأردنية في الساعة السابعة من صباح 6 حزيران، فانتقل الصراع إلى شوارع جنين التي تعرضت لهجوم من كل الجهات، مما أرغم المقاومة على الانسحاب. وفي قطاع اللواء المدرع الأردني الأربعين دارت معارك عنيفة في قباطية بدأت في الساعة 4:30 من يوم 6/6/1967، واستمرت المعارك حتى بعد الظهر، وتكبدت القوات الإسرائيلية خسائر فادحة، واضطرت إلى التوقف وإعادة الهجوم مرات عديدة إلى أن ضعفت القوة المدرعة الأردنية ووجدت نفسها مهددة بالتطويق، فانسحبت إلى الضفة الشرقية للأردن. ودارت معارك مماثلة في عرابة، إلا أن التفوق الإسرائيلي أدى إلى إضعاف المقاومة، واضطرها إلى الانسحاب في مساء 6/6/1967. وقد قام الفلسطينيون من أبناء الضفة الغربية بذل الجهد في مقاومة العدوان، والاشتراك في القتال إلى جانب القوات الأردنية، مما كان له أكبر الأثر فيما نزل بالقوات الإسرائيلية من خسائر. وقد قدرت خسائر الأردنيين بنحو 6.094 شهيداً و 792 جريحاً، وخسارة 150 دبابة. وفقدت كتيبتا المغاوير المصريتان في عملياتهما بالقرب من مطار اللد ومن مدينة الرملة* نحو 40 شهيداً و40 أسيراً من مجموع قوتهما البالغة 240 جندياً. مقابل ذلك زعم الإسرائيليون أنهم خسروا على الجبهة الأردنية نحو ثلاثمائة وقتيلين، و 1.453 جريحاً فقط.
ز- الحرب على الجبهة السورية: وضعت القيادة الإسرائيلية مخططها على أساس أن تبدأ العمليات على الجبهة السورية بعد الانتهاء من تدمير جيشي مصر والأردن. ولم يكن لدى قيادة المنطقة الشمالية الإسرائيلية سوى لواء مشاة واحد ولواء مدرع واحد. وعقب انتهاء العمليات الحربية في الجبهة الأردنية دفعت الألوية المدرعة الثلاثة التي كانت مشتركة في القتال هناك إلى الجبهة السورية ونقلت إليها لواء المظليين الذي اشترك في معركة القدس ولواء مشاة آخر وعدداً من الوحدات الأخرى، بحيث أصبح لدى القيادة الشمالية، عشية بدء الهجوم على الجولان* يوم 9/6/1967، قوة 4 ألوية مدرعة وكتيبة دبابات مستقلة ولواء مظليين وكتيبة مظليين مستقلة و3 ألوية مشاة (أحدها آلي وهو لواء غولاني) وكتائب مدفعية ونقل تضم بمجموعتها 30 ألف جندي و250 دبابة تقريباً.
مقابل ذلك كان عند السوريين خمسة ألوية مشاة ولواءا مشاة آليان ولواءان مدرعان.وكانت هذه القوة موزعة، منها لواء المشاة الحادي عشر في القطاع الشمالي (محور بانياس – القنيطرة)، ولواء المشاة الثمانون في القطاع الأوسط (جسر بنات يعقوب – واسط القنيطرة)، ولواء المشاة التاسع عشر في القطاع الجنوبي (محور فيق – العال – القنيطرة)، ولواء المشاة 123 في منطقة مسعدة (في عمق القطاع الشمالي)، ولواء المشاة 90 شمالي القنيطرة، ولواء المشاة 32 في منطقة البطيحة جنوبي القنيطرة، واللواء المدرع 70 غربي القنيطرة على المحور الأوسط. وكان اللواء المدرع 17 ولواء المشاة الآلي 25 في الاحتياطي العام شرقي القنيطرة. وكان لدى كل لواء مشاة كتيبة دبابات ت – 34، وقانصات الدبابات س. يو:100. وكانت هناك نحو 30 دبابة بانزر ألمانية قديمة موزعة في مواقع ثابتة كمدافع مضادة للدبابات (معظمها في القطاع الشمالي). وبلغ مجموع القوة السورية في الجولان نحو 260 دبابة وقانصاً، ونحو 265 مدفعاً ثقيلاً (من عيار 122 مم وحتى 152مم)، ونحو 100 مدفع مضاد للطائرات. وكانت هذه القوات، وخاصة الموجودة منها في الخطوط الدفاعية المتقدمة، متمركزة داخل مواقع دفاعية محصنة، تضم شبكة من الخنادق ومراكز للرصد والرمي وملاجىء تحت الأرض مشيدة بالإسمنت المسلح، ومراكز قيادة محمية ضد قصف الطائرات والمدفعية، وتحيط بالمواقع شبكات كثيفة من السياج الشائك وحقول الألغام والموانع الإسمنتية المضادة للدبابات. وكانت المناطق التي تدافع عنها ألوية النسق الأول واسعة (طول جبهة اللواء الواحد نحو 20كم).
وضعت القيادة الإسرائيلية مخطط عملياتها على أساس:
1) قيام الكتلة الرئيسة من اللواء المدرع بخرق الدفاعات السورية عند موقع بحيرة طبرية، والتقدم بسرعة نحو زعورة لمهاجمة موقع القلع من الشمال مع مشاغلته جبهياً بقوة أخرى من اللواء ذاته من اتجاه موقع سراديب إلى الشمال الغربي منه. وبعد الاستيلاء على القلع يتقدم اللواء المدرع جنوباً إلى واسط، ومن هناك يزحف غرباً للاستيلاء على القنيطرة.
2) وفي الوقت ذاته يقوم لواء غولاني بتأمين الجناح الشمالي لهجوم اللواء المدرع باحتلال موقعي تل الفخار والعزيزيات وتطهير منطقة بانياس، تدعمه في عملياته هذه سريتا دبابات شيرمان من اللواء المدرع المذكور. وقررت القيادة الإسرائيلية توجيه بعض الضربات الثانوية على المحور الأوسط تجاه مواقع راوية وتل هلال وعشمورة والدرباشية وجليبينه بوحدات مختلطة من لواء مشاة وفوج مظليين ولواء مدرع، وذلك بهدف تثبيت القوات الرئيسة وتحويل انتباهها عن اتجاه الهجوم الرئيس. وأما في الجنوب فقد خطط الإسرائيليون لتوجيه ضربة رئيسة أخرى يتم تنفيذها بعد بدء الهجوم في القطاع الشمالي، وتقوم بها قوة تضم لواء مدرعاً ولواء مشاة محمولاً وفوج مظليين منقولاً بطائرات عمودية (هيليوكوبتر) يتم إنزاله في العمق على المحور الجنوبي في كل من فيق والعال والبطيحة. وتعاون قوات هذه المجموعة قوة مدرعة من قوات المحور الأوسط تتقدم من الدرباشية جنوباً نحو البطيحة. وتتقدم قوة مدرعة أخرى من قوات المحور الأوسط من راوية إلى واسط، ثم تتجه نحو القنيطرة مروراً بكفر نفاخ لدعم عمليات القوات المدرعة الزاحفة نحو القنيطرة من القلع.
بقيت الجبهة السورية حتى يوم 9 حزيران شبه متوقفة، باستثناء بعض الهجمات الجوية التي قامت بها الطائرات السورية في الساعة 11:45 من يوم 5 حزيران على مصافي البترول في حيفا ومطار مجدو. وقد ردت الطائرات الإسرائيلية في الساعة 12:15 من اليوم ذاته بهجوم أسفر عن تدمير 60 طائرة سورية من مختلف الأنواع في مطارات دمشق والمناطق المحيطة بها. وانسحبت بقية الطائرات السورية إلى الشمال. كذلك قامت وحدات سورية احتياطية بعدد من الهجمات الثانوية على بعض المستعمرات القريبة من الحدود.
بدأت القوات الإسرائيلية هجومها البري في الجبهة السورية فجر يوم 9 حزيران بقصف جوي مركز على المواقع الدفاعية الأمامية، وذلك بعد أن تم حسم الموقف العسكري نهائياً على الجبهتين المصرية والأردنية. وقد اصطدمت القوات الإسرائيلية عند تنفيذها لمخططها العدواني بمقاومة شديدة، ولا سيما أمام المواقع الدفاعية، وفي القلع حيث تم تدمير 40 دبابة إسرائيلية، وأصيب قائد اللواء المدرع بجراح ودمرت دبابة وقتل معاونه وعدد من قادة السرايا. وتكرر الصراع العنيف في زعورة وتل الفخار، وانقضى اليوم الأول للعدوان دون أن يحقق العدو أي تقدم يذكر، باستثناء اختراق بعض المواقع الأمامية.
وفي يوم 10/6/1967 تابع جيش العدو هجومه. ثم توقف القتال في الساعة 18:30 من اليوم نفسه بعد الاستيلاء على القمم الجنوبية لجبل الشيخ وشمالي الجولان كله حتى النخيلة عند الحدود اللبنانية. وخسرت سورية نحو ألف شهيد و560 أسيراً مقابل مقتل 152 إسرائيلياً وإصابة 306 جنود بجراح. وخسرت سورية 70 دبابة واستولى الإسرائيليون على 150 دبابة. وخسرت (إسرائيل) أكثر من 100 دبابة وناقلة.
ح- نتائج الحرب في الجانب الإسرائيلي:
1) سياسياً: برهنت (إسرائيل) للدول العربية وللامبريالية الأمريكية على قدرتها المتفوقة التي يمكن استخدامها للمحافظة على المصالح الغربية في المنطقة العربية، ومنها المصالح النفطية والعمل ضد النفوذ السوفييتي.
2) عسكرياً: حققت (إسرائيل) أهدافها في الحرب، ولم تلتزم بوقف إطلاق النار حتى تم لها تحقيق تلك الأهداف، وكان من أبرز ما حققته السيطرة على مساحات كبيرة من الأرض العربية تزيد كثيراً على ما سبق لها احتلاله في حرب 1948، إذ كانت مساحة الأرض المحتلة من فلسطين في حدود 20.700 كم2، فضمت إليها سيناء 61.198 كم2، وقطاع غزة 263 كم2، والضفة الغربية 5.878 كم2، والجولان 1.150 كم2. وبذلك أصبح مجموع الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني 89.359 كم، أي بزيادة أربعة أضعاف ما كانت تحتله عند إقامة هذا الكيان. وفتحت (إسرائيل) مضائق تيران، وسيطرت على شرم الشيخ، وضمنت لنفسها حماية الملاحة في خليج العقبة.
3) اقتصادياً: سيطرت (إسرائيل) على المصادر النفطية في سيناء (حتى ربيع عام 1982) وعلى موارد المياه في المرتفعات السورية والضفة الغربية، وأصبح باستطاعتها تطوير عملية الهجرة والاستيطان في الأراضي العربية المحتلة. وعلاوة على ذلك أصبح باستطاعتها استغلال اليد العاملة العربية – الرخيصة نسبياً – لمشاريعها العمرانية والزراعية.
4) جيواستراتيجيا: تحسن الوضع الجيواستراتيجي (لإسرائيل) باقترابها من العواصم العربية (عمان ودمشق والقاهرة)، وتقلصت الحدود مع الأردن من 650 كم إلى 480 كم (من بينها 83.5 كم طول البحر الميت)، وازداد بذلك العمق الاستراتيجي (لإسرائيل). وكسبت أوراقاً للمساومة لسيطرتها على الأرض العربية، وأقامت حدودها الجديدة عند موانع أرضية حاكمة (قناة السويس – نهر الأردن – مرتفعات الجولان)، ولا أثر ذلك في الروح المعنوية للمقاتلين الإسرائيليين وقياداتهم حتى بات في تصورهم أنهم يستطيعون فرض إرادتهم وتحقيق مطامع (إسرائيل) في الوطن العربي.
ط) نتائج الحرب في الجانب العربي:
1) سياسياً: أيقظت النكسة الأليمة الوجدان العربي، وهزته، ونبهت الشعور القومي إلى الخطر الذي بات يتهدد كل العرب. وانعكس ذلك على التحرك العربي الذي أخذ اتجاهات عملية لإزالة آثار النكسة، ودعم مواقع الصمود، والاعتماد على الأصالة الذاتية للأمة العربية، وتمت ترجمة ذلك في اجتماعات القمة العربية المتتالية التي أتاحت الإعداد للجولة التالية (الحرب العربية – الإسرائيلية 1973). هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كشف شكل العدوان وطريقته وهدفه أمام العالم كله المزاعم الصهيونية – والإمبريالية – التي كانت تستجدي العطف الدولي، وتحصل على دعمه بحجة (إسرائيل) الضعيفة أمام العرب الذين يتهدونها، مما أكسب العرب عطفاً دولياً ساعدهم فيما بعد على عزل (إسرائيل) عالمياً، وكان لذلك دوره الكبير في تغيير أسس الاستراتيجية لطرفي الصراع العربي -الإسرائيلي.
2) عسكرياً: تعرضت القوات العربية لخسائر كبيرة في عدوان حزيران (بالقوى والوسائط)، غير أن هذه القوات تحركت بسرعة لإعادة تنظيم قدراتها وإمكاناتها، واستطاعت خلال فترة وجيزة أن تعود أقوى مما كانت عليه، وذلك بفضل الدعم العربي المادي، ويفضل دعم الاتحاد السوفييتي بوسائط القتال. وعلاوة على ذلك دفعت مرارة النكسة الجماهير العربية وحكوماتها وقواتها المسلحة للعمل الدؤوب من أجل إعادة بناء القدرة القتالية والاستعداد للثأر. وأظهر عدوان حزيران عجز الإدارة العسكرية الإسرائيلية عن إخضاع العرب، فعلى الرغم من حجم الانتصار العسكري الكبير، زاد التصلب العربي في مقاومة التحدي المفروض، وخرج العرب من هذه الحرب وهم أكثر تصميماً على متابعتها بدلالة قرارات مؤتمر القمة في الخرطوم (رَ: القمة العربية، مؤتمرات)، وحرب الاستنزاف على جبهة السويس، وبدلالة متابعة الاستعداد للجولة التالية. وبذلك لم تتمكن (إسرائيل)، رغم انتصارها العسكري، من فرض هدفها السياسي وهو حمل العرب على الاعتراف بها والإقرار بوجودها. وكانت هذه النتائج بمجموعها بعض العوامل التي أدت إلى الحرب العربية – الإسرائيلية الرابعة، حرب تشرين الأول 1973*.
المراجع:
– حسن مصطفى: حرب حزيران 1967، بيروت 1973.
– أمين النفوري: توازن القوى بين العرب وإسرائيل، دمشق 1968.
– هيثم كيلاني: المذهب العسكري الإسرائيلي، بيروت 1969.
– David Kimche : The Sandstorm, London 1968.
– Eric Rouleau, Jean – Francis Held, Jean et Simon Lacouture: Israel et les Arabes, Le 3e Combat, Paris 1967.
– Institute For Strategic Studies: Israel and The Arab World (The Crisis of 1967), London 1967.
– Michael Ban Zohar: Histoire secrete de la Guerre D’Israel, Paris 1968.
– Shmuel Seguev: La guerre le six Jours, Paris 1967.
– Walter Laquet: The Road to Jerusalem, New York 1968.