من أكبر أودية جنوب فلسطين طولاً ومساحة حوض. ومن أهمها لكونه فاصلاً تضاريسنا واضحاً في هضبة النقب* يقسمها إلى وحدة شمالية وأخرى جنوبية. وهو من أبرز الروافد اليسرى لوادي عربة. يحمل إليه مياه السيول الجارية في معظم منطقة وسط وجنوب النقب، إضافة إلى تصريفه مياه سيول مساحة كبيرة من شرق شبه جزيرة سيناء، بين العقبة* في الجنوب وجبل سماوي في أقصى الشمال. ويدخل وادي جرافي الحدود الفلسطينية شمال الكنتيلة في سيناء.
تشكل جبال البيار في الجنوب، وأم وناد في الجنوب الشرقي، وجبل الحمرا في الشرق، وجبل خشم الطارف في الشمال الغربي والغرب، تشكل المرتفعات والجبال المحيطة بمنخفض واسع تنحدر إليه مياه سيول عشرات الأودية الجافة المكونة للمجرى الأعلى لوادي جرافي في سيناء غرب منطقة العقبة. وتراوح ارتفاعات الجبال المذكورة بين 860م و1.026م، في حين يبلغ الارتفاع المتوسط للحوض المذكور ما بين 675م و725م. ويخرج الوادي من هذا المنخفض متجهاً شمالاً، وماراً بين كتلتي جبل الحمرا وجبل خشم الطارف، ومخترقاً هضبة سيناء الشرقية المحاذية للحدود، حتى يصل إلى موقع الكنتيلة قاطعاً مسافة 40 كم بعد خروجه من المنخفض. وتساير الوادي في هذا القطاع وأودية كثيرة، تتجه شمالاً أيضاً لترفد وادي التمراني القادم من الجنوب الغربي لسيناء رافداً وادي جرافي عند الحدود الفلسطينية – المصرية. وهنا ينتهي المطاف بالأودية القادمة من سيناء من جميع الاتجاهات (ولا سيما الشمالية والغربية والجنوبية الغربية) في وادي جرافي الذي يصبح اتجاهه شمالياً شرقياً بعد موقع الكنتيلة. ومن أشهر هذه الأودية وادي خداخد ووادي أم حلوف.
إن القطاع الآنف الذكر من وادي جرافي الذي يقدر طوله بنحو 80كم يقع خارج الحدود السياسية* لفلسطين، وهو يشكل المجرى الأعلى وجزءاً من المجرى الأوسط لكامل وادي جرافي. وينصف باتساع واضح قد يصل إلى كيلومتر واحد، وبعمق قليل لا يتجاوز بضعة أمتار، كما تقل على جوانبه الحافات الجرفية الواضحة لأنه يسير في منطقة صخور طرية – لينة مؤلفة من الأنقاض والإرسايات وغطاء الحمادة من الحقبة الرابعة الجيولوجية.
يدخل وادي جرافي أراضي فلسطين من موقع لا يتجاوز ارتفاعه 475م، ويسير على امتداد محور عام يتجه شمالاً شرقياً مع تعرجات ومنعطفات واضحة على طول مجراه مسافة 38كم، حتى يصل قريباً من بشر عادة (رَ: الآبار أو ابن عودة). ويتعمق الوادي في هذا القطاع في صخور صحراء الجرافي المؤلفة من الحجر الحواري – الكلسي العائد للكريتاسي الأعلى (السانتون والكامبان)، وتتخلله مسافات من الصوان. فالوادي يحفر مجراه في الصخور الصلبة نسبياً في صحراء الجرافي، وتظهر حافاته على شكل جروف قائمة نحو الشمال الشرقي. وكلما تعمق الوادي تناقص اتساعه، فلا يتجاوز عرضه 300 م أو100م باتجاه بئر عادة حيث يرسم الوادي خوانق واضحة. ويلاحظ في هذا القطاع تناقص بينّ في عدد الأودية السيلية الرافدة لوادي جرافي وأهميتها بالمقارنة مع شبكة الأودية الكثيفة التي ترفده في القطاع الأول قبل الحدود.
يتجه وادي جرافي من شمال بئر عادة نحو الشرق بعد التقائه برافد هام قادم من غرب الشمال الغربي هو وادي آبار النقب*. ثم يخرج من المجرى الأوسط ويدخل مجراه الأدنى شاطراً هضبة النقب إلى جزء شمالي وآخر جنوبي. تأثر وادي الجرافي في مجراه الأدنى بالوضع البنائي السائد في تضاريس المنطقة، والمتمثل بخط صدع (انكسار) رئيس كبير يقطع هضبة النقب من موقع بئر المعين في أقصى الغرب حتى قمة جبل أبو شفاعة المطل على وادي عربة والحدود الفلسطينية – الأردنية في أقصى الشرق. وقد فرض هذا الصدع على وادي جرافي خط سيره المذكور. ويتابع الوادي سيره بعد التقائه بوادي آبار النقب شرقاً حتى مرتفعات جرافي، ويتلقى قبلها رافداً أيسر هاماً آخر هو وادي عديد على بعد 7 كم من مصب وادي آبار النقب. وفي هذا القطاع القصير يتسع الوادي حتى يصل عرضه إلى نحو كيلومتر، ثم يضيق إلى أقل من 100م، وتشرف عليه جوانبه بجروف صخرية قاسية.
وبعد 6 كم من مرتفع جرافي، وإلى الشمال الغربي من جبل أبو حمد، يخرج الوادي من المرتفعات الوعرة المخددة بالمجاري السيلية ليدخل أرضاً سهلية منبسطة مثلثة الشكل، رأسها في الغرب وقاعدتها في الشرق والشمال الشرقي عند وادي عربة، تشكل سهلاً يرجع نشوؤه إلى تباعد التلال والمرتفعات المشرفة على وادي جرافي في كتلة جبل حدود في الشمال وجبل أبو حمد وامتداده الشرقي في جبل أبو شفاعة في الجنوب. ومع انبساط الأرض وانفراجها تنفرش أرض الوادي ليزيد عرضها على كيلومتر. ويصبح محور سير الوادي شمالياً شرقياً مسافة 17 كم حتى يلتقي أخيراً بوادي عربة في مصب يبلغ عرضه 1.100م. ويتميز وادي جرافي في هذا القطاع بكثرة تفرعاته وتعرجها على أرض السهل المنبسطة، وبتلقيه سيول وادي البها الذي يرفده من الجنوب قبل كيلومترين من التقائه بوادي عربة.
وهكذا يقطع وادي جرافي مسافة 67كم بعد الحدود الفلسطينية. وهو يدخلها على ارتفاع 475م، وينتهي في مصبه على ارتفاع 75م فوق مستوى سطح البحر، أي بفارق 400م، وانحدار عام قدره 168:1 تقريباً. أما طول الوادي الكامل فيبلغ 147كم، بفارق ارتفاع عام يصل إلى 700م بين بداياته ومصبه وبانحدار قدره 210:1. أما أشد أجزاء الوادي انحداراً فهو المجرى الأوسط الذي تعمق في صخوره. وفيما عدا ذلك يحفر وادي جرافي طريقه ضمن توضعاته وترسباته من إرسايات وأنقاض الحقبة الرابعة الجيولوجية التي تغطي قاعه، وتنفرش على أرض سهل البها عند مصبه.
أما نظام جريان المياه في وادي جرافي فتتحكم فيه تحكماً مباشراً الأوضاع المناخية الصحراوية السائدة في منطقة حوضه حيث تنعدم العيون والينابيع. فدرجات الحرارة السنوية المتوسطة في المنطقة تراوح بين 23 درجة مئوية و25 درجة مئوية، وترتفع في شهر آب الى متوسط شهري بين 30 و32 درجة مئوية. أما متوسط شهر كانون الثاني فلا ينخفض عن 12 درجة مئوية – 14 درجة مئوية. ولا تتجاوز كميات الأمطار السنوية 100 مم، ويبلغ متوسطها نحو 50مم. ويقابل هذا تبخر مرتفع يراوح بين 1800 و2.100 مم سنوياً. وبعكس ذلك كله طبيعة المناخ الصحراوي (رَ: المناخ) المسيطر على هذا الجزء من فلسطين بصورة جلية. ولهذا فإن نظام الجريان في وادي وحوض جرافي سيلي غير منتظم، يرتبط بزخات الأمطار المفاجئة في فصل الشتاء. ويندر أن تعم الأمطار أجزاء الوادي كلها. فوادي جرافي هو نموذج مثالي للأودية الصحراوية في فلسطين.
وحوض وادي جرافي الصحراوي من أفقر مناطق فلسطين على الإطلاق، فسطح الأرض صخري حجري وعر، والمياه معدومة، باستثناء بعض الآبار القديمة القليلة العذوية. والمناخ* قاس متطرف في قاريته وجفافه. كما أن طرق المواصلات فيه مقتصره على بعض الدروب والمسالك الضيقة، إلى جانب طريق واحدة تقطع مجرى الوادي وتصل بين بئر السبع* وخليج العقبة. أما الثورات الباطنية فتقتصر على وجود كميات محدودة من الفوسفات* والنحاس* ليست لها أهمية اقتصادية تدعو إلى استثمارها. ولذا كانت منطقة الوادي والمساحات المحيطة بها مسرحاً لتنقل القبائل العربية وقطعان الأغنام والجمال منذ القدم. وتعتبر المنطقة حرماً لقبيلتي الأحيوات والسعيديين، إضافة إلى امتداد مجال تجوال قبيلة العزازمة في الشمال الى منطقة الجرافي. وهكذا، فإن المنطقة ذات كثافة سكنية تقل عن شخص واحد في الكيلومتر المربع، وهي خالية من آثار تجمعات سكانية سابقة، فهي صحراء طبيعياً، وبشرياً، واقتصادياً.