ألقى رئيس مجلس السوفييت الأعلى ليونيد بريجينيف يوم 15/9/1982 خطاباً بين فيه المبادىء التي يرى الاتحاد السوفييتي أن يقوم عليها “السلام العادل والرابح في الشرق الأوسط”.
وقد جاء خطاب الرئيس السوفييتي وكان العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي بدأ يوم 6/6/1982 ما يزال مستمراً. كما أن مشروعه للسلام هذا جاء بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من مدينة بيروت الغربية، وبعد نحو أسبوعين من إعلان الرئيس الأمريكي رونالد ريغان مشروعه للسلام في الشرق الأوسط (رَ: ريغان، مشروع)، وبعد نحو أسبوع من انعقاد مؤتمر القمة العربي الثاني عشر*.
لهذا كان من الطبيعي أن يحيي الرئيس السوفييتي للشعب الفلسطيني، وأن يؤكد أنه “لم يتسن لهم (للإسرائيليين) أن يلغوا القضية الفلسطينية، أو أن يقضوا عليها، لا بالسيف ولا بالنار.
وعلى عكس ذلك فإن بطولة الفلسطينيين في المعارك ضد قوات العدو المتفوقة عدة مرات رفعت من سمعة منظمة التحرير الفلسطينية* ووزنها السياسي”.
وكان من الطبيعي أيضاً أن ينادي المشروع السوفييتي بأن تكون الخطوة الأولى والضرورية في البحث عن السلام في الشرق الأوسط هي انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان.
لم يلجأ الرئيس السوفييتي إلى الرد على مشروع الرئيس الأمريكي أو التعليق عليه إلا في أمر واحد هو المتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية. فقد قال الرئيس بريجينيف: “إن إدارة واشنطن إذ تعارض إقامة الفلسطينيين دولة خاصة بهم تشكك في الأساس القانوني لوجود إسرائيل أيضاً، ذلك لأن القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة عام 1947 كان ينص على تأسيس دولتين ذاتي سيادة عربية ويهودية، على أراضي فلسطين التي كانت تحت الانتداب. ولم يلغ أحد هذا القرار، ولا يحق لأحد إلغاؤه. ومن التهور الاعتقاد بأنه يمكن تنفيذ ذلك الجزء من هذا القرار الذي يتعلق بإقامة دولة يهودية، وتجاهل الجزء الآخر الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية عربية تجاهلاً أبدياً (رَ: تقسيم فلسطين).
وقال الرئيس بريجينيف إن “السلام العادل والراسخ في الشرق الأوسط” يجب أن يقوم على مبادىء ستة تنسجم مع القواعد العامة للقانون الدولي، ومع قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين والشرق الأوسط. وهذه المبادىء هي:
1) تطبيق مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الآخرين عن طريق العدوان. “ويعني هذا ان تعاد إلى العرب جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967، أي مرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي اللبنانية. كما يجب أن تعلن حدود بين إسرائيل وجيرانها العرب ثابتة وغير قابلة للتغيير”.
2) “وجوب تأمين الحق الثابت للشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولة مستقلة خاصة به عملياً في الأراضي الفلسطينية التي سوف يتم تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، أي الضفة الغربية وقطاع غزة. كما يجب لتكوين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، أو الحصول على تعويض مناسب لممتلكاتهم المتروكة، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة”.
3) إعادة الجزء الشرقي من القدس إلى العرب، وهو الجزء الذي احتلته (إسرائيل) سنة 1967، “والذي ينبغي أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية”. ويجب أن تؤمن حرية ممارسة الشعائر الدينية للأديان الثلاثة في مدينة القدس.
4) “وجوب تأمين حق جميع دول المنطقة في الوجود والتطور المسلمين والآمنين، وذلك بشرط مراعاة مبدأ التعامل بالمثل، لأنه لا يمكن ضمان أمن البعض بانتهاك أمن الاخرين”.
5) وجوب إنهاء حالة الحرب وإحلال السلام بين الدول العربية و(إسرائيل). ويعني هذا “أن على جميع الأطراف المشاركة في النزاع، ومنها إسرائيل والدولة الفلسطينية، أن تلتزم بالاحترام المتبادل لسيادة واستقلال ووحدة أراضي بعضها بعضاً، ويحل النزاعات الناشئة بينها بوسائل سلمية “وعن طريق المفاوضات”.
6) وجوب إعداد وإقرار ضمانات دولية للتسوية. ويمكن أن يقوم بمهمة الضامنين للتسوية “الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن أو المجلس كله بصورة عامة”.
وقال الرئيس بريجينيف في ختام خطابه: “إن هذه التسوية الشاملة والعادلة فعلاً والثابتة حقاً لا يمكن إعدادها وتحقيقها إلا بواسطة الجهود الجماعية بمشاركة جميع الأطراف ذات الشأن، ومنها بالطبع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني”.
رحّبت بعض الحكومات العربية بالمشروع السوفييتي بتصريحات أمثل بها بعض المسؤولين وأشاروا فيها إلى ما في المشروع من مبادىء إيجابية. وكذلك فعلت بعض أجهزة الإعلام العربية.
أما في (إسرائيل) فقد اكتفت الحكومة وأجهزة الإعلام بنقد المشروع السوفييتي ورفضه.
المرجع:
– نشرة وكالة “نوفوستي”: العدد 4520، بتاريخ 16/9/1982، دمشق.