(405 – 487هـ)
(1014 – 1094م)
ولقبه الذي شهر به “أمير الجيوش”. أصله من الأرمن، وعرف بالجمالي لأنه كان مملوكاً لجمال الدين بن عمار الكتامي المتغلب على طرابلس الشام.
تدرج بدر الجمالي في خدمة الفاطميين، وكان يظهر الطاعة والموالاة للخليفة الفاطمي المستنصر، وظل مخلصاً له حتى النهاية.
تولى بدر الجمالي ولاية دمشق مرتين: في سنة 455هـ/ 1063م لمدة عام، ثم في سنة 458هـ/ 1066م لمدة عامين. وكانت أحوال الشام مضطربة لأن أهل البلاد كانوا يكرهون الفاطميين ويقاتلون عساكرهم (رَ: الفاطميون) فكانت الفتن والثورات لا تنقطع، وليس من سلطة عليا تحول دون أعمال السلب والنهب. وكان المتغلبون في مختلف الأبعاد يغتصبون الحكم، مثل ابن حمدان في حلب، وابن عمار في طرابلس الشام، وابن أبي عقيل في صور، وابن حيدرة الكتامي في دمشق. وكانت قبائل البدو بقيادة أمراء بني طيء يعيثون فساداً في فلسطين كلها.
وقد حاول بدر الجمالي إصلاح الفساد وتدبير الأمور، ولكنه اصطدم “بالعسكرية” الذين خربوا قصر الوالي وأضرموا فيه النيران. كما امتد الحريق مرة إلى المسجد الأموي حتى لم يبق منه إلا حيطانه. فاضطر الوالي إلى الهرب، وتحصن في عكا* وصور حتى استدعاء المستنصر إلى القاهرة سنة 466هـ/ 1074م.
ولم تكن الحالة في مصر أفضل منها في الشام. فقد ابتليت الديار المصرية بالقحط والغلاء مدة سبع سنين (457 – 464هـ/ 1065 – 1072م) كما كان قد اجتاحها الطاعون العظيم الذي أودى بحياة خلق كثير ( 455هـ/ 1063م).
كذلك قاسى الناس الشدائد من استيلاء ناصر الدولة الحسن بن الحسين الحمداني على الحكم في القاهرة وانفراده بالسلطة حتى صار الخليفة المستنصر كالمحجور عليه.
ولما قتل بعض المماليك الأتراك ناصر الدولة في سنة 465هـ أخذ المستنصر يفكر في المخلصين من رجال دولته لمعالجة الأمر، فوصفوا له بدراً الجمالي المشهور بالقوة والدهاء فاستدعاه من عكا للاستعانة به على تجاوز المحن التي ألمت بالبلاد.
قال المؤرخون: “إن وصول بدر كان اول سعادة المستنصر وآخر قطوعه”. وفي الواقع فقد سكنت الفتن بعد أن تولى بدر الجمالي تدبير الأمور، وقتل عدداً من كبار الأمراء والمتقدمين والأجناد ورؤوس الفتنة، وكافأه المستنصر على ذلك بأن قلده “وزارة السيف والقلم، وجعل له قضاء القضاة والتقدم على الدعاة”.
كان بدر الجمالي يطمح إلى الاستيلاء على بلاد الشام وفلسطين وإعادتها إلى سيادة الفاطميين. لذلك جهز جيشاً إلى دمشق في سنة 480هـ/ 1088م. ولكنه لم يظفر بها إذ كان تملكها تاج الدولة تتش أخو السلطان السلجوقي ملكشاه. وفي سنة 482هـ/ 1090م أرسل جيشاً آخر بقيادة نصير الدين الجيوشي فاستولى على صور وصيدا وعكا، ثم تقدم إلى بعلبك وخطب للمستنصر، ولكنه لم يتمكن من الاحتفاظ بها طويلاً.
لم يكتب لجهود بدر الجمالي لاستعادة الشام النجاح. لأن دولة الفاطميين التي دب إليها الضعف اصطدمت بقوة جديدة عظيمة أقبلت من الشرق هي الدولة السلجوقية (رَ: السلجوقيون).
برهن بدر الجمالي على مهارة سياسية ومقدرة كبيرة في إدارة شؤون مصر خلال وزارته التي استمرت أكثر من عشرين عاماً، وجمع فيها أموالاً طائلة، وخلف بعض الآثار العمرانية في الإسكندرية وعسقلان.
وقد تزوج المستنصر ابنة بدر الجمالي ورزق منها ولداً سماه أحمد. وهو الذي تولى الخلافة بعد موت المستنصر (487هـ/ 1094م) باسم المستعلي بأمر الله. وقام بتدبير أمره خاله الأفضل شاهنشاه الذي تولى الوزارة بعد موت والده بدر الجمالي.
المراجع:
– ابن الأثير: الكامل في التاريخ، القاهرة 1303هـ.
– الذهبي: سير النبلاء، دمشق 1941.
– ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، القاهرة 1932.
– ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق، بيروت 1908.