قدر تقرير رسمي بريطاني نشره جون هوب سمبسون* عام 1930 أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في فلسطين – إذا استثئيت منطقة بئر السبع لاستحالة استقلالها – تبلغ 6.544.000 دونم يملك اليهود منها مليوناً واحداً، أي نسبة 14% ونتيجة لسياسة الحكومة المنتدبة أصبحت فيما بعد الأراضي الصالحة للزراعة التي يملكها العرب لا تكفي للمحافظة على مستوى لائق لمعيشتهم. وقد اضطر عدد كبير منهم إلى ترك أراضيهم، وأصبح 29% من العائلات العربية بدون أرض. ومن هذا يمكن إدراك مدى الخطر الذي كان يتهدد العرب في ضوء حقيقة أن الحركة الاستيطانية الصهيونية آنذاك حرمت استخدام العرب في مشاريعها. فقد جاء في دستور الوكالة اليهودية* “أن المبدأ العام الذي يتبع في جميع الأشغال أو المشاريع التي تقوم بها الوكالة أو تنشطها هو استخدام العمال اليهود فقط”. فالعربي لم يحرم من الأرض فقط بل منع من العمل فيها أجيراً”. هذا إضافة إلى الأوضاع السيئة التي كان الفلاح العربي يزرع تحتها، وللمتمثلة في إغراقه في الفقر والديون والضرائب وحرمان من المساعدات المادية والعلمية التي كان ينعم بها الفلاح اليهودي. وقد اعترف سمبسون في تقريره بأن “البلاد لا تتسع لكائن جديد” وإثر ذلك أصدرت الحكومة المنتدبة الكتاب الأبيض عام 1930، ونص على تحسين أساليب الزراعة لزيادة الفائدة من الأرض وحماية مستأجريها. ولكنه بقي حبراً على ورق (رَ: باسفيلد، كتاب – الأبيض 1930).
ازدادت أوضاع المزارعين العرب سوءاً بين عامي 1936 و1939 نتيجة قيام شعب فلسطين بثورته الكبرى والاضراب الشامل الذي واكبها (رَ: ثورة 1936 – 1939). ولقد قامت تلك الثورة احتجاجاً على استمرار تدفق المهاجرين وانتقال الأراضي العربية إلى اليهود، وإثقال كاهل الفلاح بالضرائب، وإهمال إنشاء المصارف الزراعية، مما جعل العرب يقعون فريسة لجشع المرابين الصهيونيين.
عندما اشتدت المعارك الحربية بين ثوار فلسطين من جهة والصهيونيين وحلفائهم الإنكليز من جهة أخرى، كادت الأمور تفلت من يد الدولة المنتدبة في وقت كانت فيه الحرب العالمية الثانية على الأبواب، وبريطانيا في أمس الحاجة لتحسين موقعها في المنطقة. لذلك عمدت الحكومة البريطانية – كعادتها – إلى إرسال لجنة تحقيق وإصدار توصيات لحل النزاع – وقد أرسلت هذه المرة لجنة بيل* عام 1937.
وما كاد تقرير بيل ينشر حتى عمت الثورة المسلحة جميع أنحاء فلسطين، في حين أعربت الدول العربية المجاورة لفلسطين من عدم ارتياحها للتقرير، فعادت بريطانيا لإصدار ما سمي الكتاب الأبيض عام 1939(رَ: ماكدونالد، كتاب – الأبيض 1939) محاولة منها لكسب العرب إلى جانبها في الحرب العالمية الثانية، أو على الأقل جعلهم على الحياد. وفي إثر هذا الكتاب أصدرت بريطانيا نظام انتقال الأراضي في 28/2/1940. وجاء هذا النظام تنفيذا لمادتين 16 و17 من الكتاب الأبيض. وهو بهدف إلى تخفيف حدة التوتر وحالات العنف في البلاد. وقد قسمت فلسطين بموجبه إلى مناطق هي:
1) المنطقة الأولى: تشمل المناطق الجبلية الفقيرة اقتصادياً والقسم الجبلي الداخلي ومنطقة الجليل الغربي وجزءاً من منطقة غزة وبئر السبع. وفي هذه المناطق يمنع انتقال الأراضي إلا إلى العربي الفلسطيني، مع وجود بعض الحالات الاستثنانية، إذ منح للمندوب السامي في البند (د) من المادة الثالثة سلطة تحوله السماح بنقل ملكية الأرض إلى غير العرب الفلسطينيين. وكثيراً ما استغل المندوب السامي هذه السلطة لنقل الأراضي إلى اليهود. وأمثلة ذلك كثيرة منها أن المندوب السامي أصدر أمراً “بالسماح بانتقال أية أرض” من أراضي قرية العنب (أبو غوش) “أو أي جزء منها أو أي حق فيها أو في القسم منهما لأي شخص ليس من العرب الفلسطينيين”.
2) المنطقة الثانية: وتشمل مرج ابن عامر* وشرقي الجليل والسهول الساحلية الممتدة من حيفا* والطنطورة* وجنوب الرملة إلى القسم الجنوبي من قضاء بئر السبع. وتقيد فيها عملية انتقال الأراضي التي يملكها الفلسطينيون العرب إلى اليهود بموافقة المندوب السامي. ومما يجدر ذكره أن لمندوب السامي كان يمنح موافقته لغير العرب بحجة توحيد أو توسيع أو تسهيل شؤون أي ممتلكات تكون في ذلك الحين يتصرف المنقول إليه، أو يتصرف طائفة خاصة، إذا كانت مجاورة لتلك الممتلكات، لأجل مشاريع العمران أو الإفراز. إضافة إلى أن المادة الرابعة من نظام انتقال الأراضي غير انتقال الأراضي التي يملكها العرب غير الفلسطينيين، كالعائلات اللبنانية والسورية، إلى اليهود.
3) المنطقة الثالثة: تشمل جميع مناطق البلديات، ومنطقة حيفا الصناعية، وبصورة عامة الساحل الفلسطيني من الطنطورة إلى الحد الجنوبي لقضاء الرملة. وهذه المناطق لا تطلق عليها القيود المفروضة على المنطقتين الأولى والثانية. فانتقال الأراضي فيها إلى اليهود كان مباحاً بلا قيد ولا شرط.
يرى المدقق في هذا النظام أنه اعتمد على نيات المندوب السامي وخوله سلطة السماح بانتقال الأراضي أو منعه. وقد جاءت الوقائع تؤكد أن المندوبين السامين لم يتركوا فرصة إلا أكدوا فيها، بالفعل لا بالقول فقط تعاملهم مع اليهود فسمحوا لهم بامتلاك الأراضي العربية. إلى جانب ذلك كانت الأراضي الزراعية الجيدة الموجودة في المنطقة الثانية التي هي ممتلكات للعرب غير الفلسطينيين أجازت المادة الرابعة من نظام انتقال الأراضي انتقالها. ولم يكف الصهيونيون بذلك كله بل تمكنوا، بمساعدة المندوب السامي وسلطته الواسعة، من امتلاك مساحات واسعة من الأراضي الأخرى في الأقسام المحظور نقل الملكية فيها إلى غير العرب. واستطاعت الشركات الصهيونية الاحتيال على نظام انتقال الأراضي للعرب الفلسطينيين، واتباع صندوق الكيرين كايمت* بين عامي 1940 و1947 حوالي 82.500 دونم في المناطق الأولى والثانية، إضافة إلى 70.000 دونم في المنطقة الثالثة.
المراجع:
– جلال يحيى: مشكلة فلسطين والاتجاهات الدولية، الإسكندرية 1965.
– عادل حامد الجادر: التشريعات البريطانية وتهويد فلسطين، مجلة مركز الدراسات الفلسطينية، العدد الثالث، كانون الأول 1975، بغداد 1975.
– عمر رشدي: الصهيونية وربيبتها إسرائيل، القاهرة 1965.
الإنجيل: رَ: المسيحية