هو الاسم الذي أطلقه المؤرخ المصري مانيثون (من عهد البطالمة* في القرن الثالث قبل الميلاد) على الحكام الآسيويين الذين سيطروا على مصر من سنة 1730 حتى سنة 1520 ق.م. تقريباً. وقد قال في غارة الهكسوس على مصر: “لاأعرف لماذا هبت رياح الغضب الآلهي علينا حتى تحاسر فجأة أناس من أصل غير معروف جاءوا من آسيا فأغاروا في عهد الملك توتيمانوس على بلادنا مصر. واستطاعوا بسهولة ودون قتال أن يستولوا عليها. وقد أسر هؤلاء القوم زعماء البلاد، وأحرقوا المدن بصورة وحشية، وهدموا معابد الآلهة، وعاملوا السكان بمنتهى القساوة فقتلوا بعضهم وساقوا النساء والأطفال إلى العبودية … كان يطلق على جميع هؤلاء القوم اسم “الهكسوس” الذي يعني الملوك الرعاة، لأن كلمة “هيك” في اللغة المقدسة تعني الملك، وكلمة “سوس” يقصد بها في اللغة العامية الراعي. ومن اجتماع الكلمتين تألف اسم “الهكسوس 1”.
ان ما يدعيه مايتون عن اشتقاق كلمة الهكسوس ليس صحيحا على الاطلاق. فاذا كانت كلمة “حيفا” تفيد حقا في اللغة المصرية القديمة الرئيس أو الأمير فان الكلمة الثانية “سوس” لا ترجع في الأصل إلى “شاسو” أي البدو أو الرعاة بل هي مختصرة من كلمة “خاسوت” التي تعني البلاد الأجنبية. وبما يؤيد ذلك أن تعبر “حيفا –خاسوت” يطلق منذ عهد السلالة الثانية عشرة (2000 ق.م.) على رؤساء القبائل الذين كانوا يعيشون في فلسطين وبادية الشام ويزورون الولاة المصريين في منطقة بني حسن ويقدومون اليهم الهدايا. ولذلك يتفق الباحثون في تاريخ مصر على أن كلمة “هكسوس” تعني حكام البلاد الأجنبية.
وقد اختلف المؤرخون في أصل الهكسوس والبلاد التي قدموا منها. فيروي يوسيفوس أن هناك من كانوا يعدون الهكسوس من العرب. وتقول رواية أخرى يقبلها مانيثون انهم من الفينيقيين*. وقد حاول يوسيفوس أن يكتشف علاقة بين اللهكسوس وأجداد اليهود فقال أن كل الدلائل تشير إلى أن قصة يوسف* واخوته قد حدثت في عهد الهكسوس، وأنه لا يستبعد بأن يكون خروج موسى* وبني إسرائيل من مصر قد رافق طرد الهكسوس من البلاد. ولكن ليس هناك وثائق تؤيد مثل هذه الدعوى.
ان ما يمكن تأكييده بالاستناد إلى الشواهد التاريخية هو أن استيلاء الهكسوس على مصر لم يتم في شكل غارة بربرية مفاجئة كما يصفها مانيثون. فالتنقيبات الأثرية لا تشير إلى أعمال التخريب والابادة، ولا تدل على وقوع تبدل جوهري في تكوين السكان والعادات والتقاليد والطقوس الجنائزية. والحقيقة أنه لم تكن هناك غارة بالمعنى الصحيح بل حدث تسلل بطيء وتغلغل تاريخي. ومن المؤكد كذلك أن الغزاة الذين استولوا على مصر لم يكونوا ينتسبون إلى عرق واحد. فجميع الظواهر تدل على أنهم كانوا خليطا من أقوام مختلفة أكثرهم من الساميين: العموريين* والكنعانيين*، ولكن كان بينهم أيضا بعض الأقوام الآسيوية الأخرى. وقد اعتاد المصريون مشاهدة أفراد أو جماعات صغيرة من هؤلاء الآسيويين يتسللون إلى وادي النيل طلبا للرزق. وكانوا يطلقون عليهم أسماء مختلفة مثل “عامو” و”ستيتيو” و”رتينو”. ويقصد بها أحيانا البلاد، وأحيانا أخرى للقبائل. ومن المعروف أن بلاد الشرق الأدنى تعرضت منذ الألف الثاني قبل الميلاد إلى هجمات القبائل الهندية – الأوروبية من الشمال والشرق، وإلى هجرة جماعات منهم إلى الجنوب. مثل الحثيين* الذين استقروا في الأناضول، ثم الكاشيين الذين استولوا على بابل وحكموها أكثر من خمسة قرون (1700 – 1175 ق.م.) فالحوريين* الذين أسسوا فيما بعد مملكة “ميتاني” في شمال ما بين النهرين. ويبدو أن موجات من هؤلاء المهاجرين بلغت سورية وفلسطين ودفعت قسما من سكان هذه لبلاد الذين احتفظوا بهم إلى دخول مصر معهم.
كانت مصر اذ ذاك في حالة فوضى واضطراب بعد انقراض المسألة الثانية عشرة (حوالي 1785 ق.م.) وقيام السلالة الثالثة عشرة (1786-1633 ق.م.) التي تعاقب ملوكها بسرعة وكثرت فيها الفتن والثورات فتفككت أوصال المملكة واستقلت الباشا العربية تحت حكم السلالة الرابعة عشرة (1786-1213 ق.م.). وقد استفادت جماعات الهكسوس التي كانت قد تسللت واستقرت إلى مختلف أنحاء الدلتا الشرقية من ضعف الحكومة المصرية المركزية فاستولت على موقع المدينة القديمة (حت – وعرة) أي (آواريس) في الدلتا الشرقية. وكان هناك معبد للاله “سيت” فقام الهكسوس باعادة بنائه وتوسيعه لأنهم رأوا في هذا الاله المصري القديم، وهو أخ وعدو لأوزيرس، تجسيدا للاله “بعل” أو (رشف) عند الساميين، وأخذوا يهتمون بطقوس عبادة “سيت” أو “سوتخ” ويعملون على تطويرها.
وقد وافق الباحثون إلى تحديد التاريخ الذي أعيد فيه بناء المعبد في أواريس بعد أن عثر في مدينة “نابلس” التي أنشئت مكان أواريس على المسافة المعروفة باسم: “صلة العام 400″، أي المسلة التي نصبت بمناسبة الاحتفال بذكرى مرور 400 سنة على اعادة بناء المعبد. وقد نصبت المسلة بأمر من رعمسيس الثاني، ولكن الاحتفال كان قد جرى قبل ذلك في عهد حرمحب حوالي سنة 1320 ق.م. ومن هناك يستنتج ان اعادة بناء المعبد من قبل الهكسوس تمت حوالي سنة 1720ق.م.
وبعد الاستقرار في أواريس استولى الهكسوس تدريجيا على أكثر مقاطعات الدلتا. واستطاعوا بعد 46 سنة أن يدخلوا العاصمة ممفيس حوالي 1674 ق.م. وأن يجلسوا على العرش واحدا من زعمائهم سماه مانيثون “ساليتيس”، وسيأتي ذكره في بردية “تورينو” باسم “ماي ايب رع شيشي”. ومع هذا الملك بدأ حكم السلالة الخامسة عشرة اذ عد الهكسوس أنفسهم الملوك الشرعيين منذ ذلك التاريخ وبسطوا سلطانهم على بلاد مصر كلها، وان ظل أمراء طيبة يتمتعون في الجنوب بشيء من الحكم الذاتي.
يقول مانيثون: “ان الملك ساليتيس (أي شيشي) أخذ يجمع الضرائب* من الاقليميين الشمالي والجنوبي، كما أنشأ ثكنات وقواعد عسكرية في أهم الأماكن. ثم قام، قبل كل شيء، بتحصين المنطقة الشرقية خوفا من أن يزداد الأشوريين قوة ويطعموا في مملكته ويهاجموها. ولذلك أقدم على اعادة بناء مدينة ذات موقع ممتاز إلى الشرق من فرع النيل البوباسطي تسمى حسب التقاليد الدينية القديمة “جت – وعرة” أي آورانيس، فحصنها بأسرار متينة جدا وأسكن فيها حوالي 240 ألفا من الجنود المجهزين بأسلحة ثقيلة تتولى الحراسة. وكان الملك يأتي إلى هذه المدينة في الصيف لتوزيع القمح* على الجنود ودفع رواتبهم والعناية بتدريبهم ولاجراء التمارين والاستعراضات العسكرية التي تزرع الرعب في نفوس الأجانب….”.
وقد تعاقب على عرش مصر عدد من ملوك الهكسوس، ألا أن هناك اختلافا كبيرا في الروايات التي تتذكر أسماؤهم. وبلغ عدد الأسماء التي عثر عليها منقوشة على قطع صغيرة من الأواني الفخارية والجعلان، أو مكتوبة على بردية تورينو وغيرها، 23 اسما. وكان بعض هؤلاء الحكام يطلق على نفسه لقب “ملك الشمال والجنوب”، وآخرون لقب “حقا –خاسوت” أو لقب “الاله ايطب” أو لقب “ابن الشمس”. ولقد ذهب الباحثون بعد مقارنة المصادر المختلفة إلى أن الأسرة الخامسة عشرة (1674-1567 ق.م.) تضم ستة ملوك اصطلح على تسميتهم الهكسوس الكبار، في حين أطلق على الأمراء الآخرين الذين كانوا يحكمون في الوقت ذاته بعض القاطعات اسم الهكسوس الصغار.
ويبين التدقيق في الأسماء المتناقلة أن بعضها سامي محص مثل “يعقوب – هر” أو “يعقوب – ايل” أو “عناة –هر” نسبة إلى الالاهة عناة. وينطبق ذلك على موظف كبير اشتهر ب “الخازن” وكان اسمه “حور”.
واشتهر بين ملوك الهسكسوس الملك “خيان” الذي يطلق عليه يوسيفوس اسم “يانناس”، وقد بقي في الحكم حوالي خمسين عاما.
وهناك عدد كبير من الآثار نقش عليها اسم هذا الملك عثر عليها في مختلف أنحاء مصر وخارج وادي النيل كجزيرة كريت. وبالاستناد إلى هذه اللقى ذهب بعضهم إلى أن الهكسوس كانوا يحكمون امبراطورية شاسعة تشمل الشرق الأدنة كله. ولكن الباحثين تخلوا في الوقت الحاضر عن هذه الدعوى لأن الآثار المذكورة يمكن أن تكون قد انتقلت عن طريق التجارة*.
خلف خيان على العرش “أبوفيس الأول” الذي ظل في الحكم أكثر من أربعين عاما. وكان علاقاته حسنة بأمراء طيبة. بل يبدو أنه زوج ابنته الأميرة “حريت” من أحد هؤلاء الأمراء.
وقد اتخذ ملوك الهكسوس ألقابا مصرية ينسبون فيها أنفسهم إلى الاله رع فكان خيان يسمى “سااوسران رع”، وأبو فيس يلقب “عااوسر رع”. وكان حمودي آخر ملوك السلالة الخامسة عشرة يلقب “عاسهر رع”.
ولايمكن في الحقيقة وصف عهد الهكسوس بالانحطاط والهمجية كما فعل مانيثون لأن الهكسوس احترفوا تقاليد المصريين واقتبسوا حضارتهم وعبدوا آلهتهم واستخدموا الكتابة الهيروغليفية واعتمدوا على الموظفين المصريين في ادارة شؤون الدولة، يبدو أن كثيرين من سكان البلاد كانوا يتعاونون عن طيب خاطر مع الهكسوس الذين اعتنوا بتشييد الأبنية والمعابد التي تتم على ذوق فني وان كانت لا تبلغ مستوى أمثالها من عهد الملكية الوسطى. ويرجع الفضل كذلك إلى عهد الهكسوس في المحافظة على كثير من النصوص الأدبية والعلمية التي كان ملوكهم يشجعون على استنساخها ونشرها.
ان عهد الهكسوس في مصر لم يكن نكبة على البلاد بل أفادها من وجوه كثيرة. فقد نشأت علاقات عملية وتجارية وثقافية بين المصريين وسكان الشرق الأدنى. ولم تنقطع هذه العلاقات بعد خروج الهكسوس وقيام المملكة الحديثة بل ازدادت اتساعا وتوثقا. وقد ساعد الاختلاط بالآسيويين (الأجانب) على تحرير المصريين من “مركب العظمة” الذي جعلهم ينعزلون في وادي النيل ويستكبرون على جيرانهم. ويضاف إلى ذلك ما جاء به الهكسوس من عناصر مادية جديدة. فقد انتشرت الخيول في عهدهم رغم استخدامها في المركبات الحربية. وشاع استعمال ابرونز الذي ساعد على صنع أدوات وأسلحة متفوقة. واقتبس المصريون من الهكسوس صناعة الأقواس المركبة والسيوف المقوسة والخناجر والحراب البرونزية، واستخدام “الشادوف” في السقاية، وطريقة جديدة في النسيج، وبعض الآلات الموسيقية.
ولولا هذه الاجراءات العملية والخبرات الحربية التي اكتسبها المصريون في حرب التحرير مع الهكسوس لما تمكنت الملكية الحديثة من القيام بالفتوحات الكبيرة في فلسطين وسورية حتى الفرات.
وقد اتحدت مصر وفلسطين وسورية تحت حكم الهكسوس وتوطدت بينها العلاقات الحضارية، ولا سيما التجارية. واستمرت هذه العلاقات بعد اخراج الهكسوس واستيلاء المصريين على فلسطين وسورية.
ويتناقل المصريون مختلف القصص والأساطير عن حرب التحرير التي بناها أمراء طيبة من السلالة السابعة عشرة بقيادة “كاموس” الذي ثار على الهكسوس وتابعها أخوة “أحموس الأول” الذي أسس السلالة الثامنة عشرة وحكم من سنة 1570-1546 ق.م. وقد استطاع الاستيلاء على اواريس واخراج الهكسوس من مصر ومطاردتهم إلى ما وراء الحدود الشرقية. ثم داخل فلسطين وحاصر مدينة شاروحين (تل الفارعة) الواقعة في وادي غزة* فسقطت في يده بعد ثلاث سنوات.
المراجع:
- عبد الحميد زايد: مصر الخالدة، القاهرة 1966.
- نجيب مخائيل ابراهيم: تاريخ مصر والمشرق الأدنى القديم، ج1، القاهرة 1965.
- A.: Egypt of the Pharaohs, Oxford 1961.
- Van Seters.J.: the Hyksos. New Haven and London 1966.
- Z.: Les Hyksos et le Monde de la Bible, Paris 1956.