كانت القوات الصهيونية تسيطر على شريط ساحلي من حيفا* إلى رأس الناقورة*، في حين كانت قوات جيش الانقاذ* تسيطر على التلال الواقعة إلى الشرق في الجليل الغربي. وقد كانت القيادة الصهيونية تعمل على دعم مواقعها وزيادة مساحة احتلالها فقررت تطويق قوات جيش الانقاذ، ورسمت لذلك مخطط أسمته “ديكل” وكان يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية:
1) مهاجمة قواعد جيش الانقذ.
2) شل خطوط المواصلات.
3) احتلال مواقع دفاعية هامة لاحباط أي عملية هجومية تقوم بها قوات جيش الانقاذ.
4) إنشاء خط دفاعي قوي.
وتنفيذاً لمخطط “ديكل” تم تعيين حاييم لاسكوف لقيادة عملية احتلال الناصرة. وكانت قواته تتألف من كتيبة واحدة من لواء “كرملي” وثلاث كتائب من اللواء السابع واحدة منها مدرعة.
مقابل ذلك كانت القنوات العربية المكلفة الدفاع عن الناصرة مكونة من سرية مشاة تعاونها قوة من الشرطة الفلسطينية العربية عدد أفرادها 175 شرطياً، وحرس من أهل الناصرة المتسلحين عددهم نحو 200 مجاهد، إلى جانب 150 مجاهداً تابعين للهيئة العربية العليا* ومسلحين بعدد من الرشاشات والبنادق المضادة للدروع تولوا الدفاع عن القسم الغربي من المدينة. وكان في صفورية* التي تبعد مسافة 5 كم تقريباً إلى شمال الناصرة قوة من المجاهدين المحليين عدد أفرادها مائة مقاتل تقريباً، وكانت مرتبطة بالهيئة العربية العليا. كما كان لجيش الانقاذ في قرية شفا عمرو* فضيل واحد من ثلاثين مقاتلاً تقريباً من فوج حطين يساعده 120 مسلحاً من أبناء القرية. وعلى أساس هذه الترتيبات كانت حامية الناصرة قوية بالمقارنة إلى الحاميات في المواقع الأخرى. وقد حفرت الخنادق وأقيمت التحصينات وزرعت الألغام في بعض المناطق، ووضع قائد جبهة المنطقة خطة الدفاع عن الناصرة وفقاً لتوجهات القيادة وبالاتفاق مع القادة المحليين.
وفي 9/7/1948 استولت قوات العدو الصهيوني على مخفر أمامي يبعد مسافة 5 كم تقريباً عن الطريق الساحلي فسيطرت بذلك على طريق مواز عند أسفل التلال. وفي 11 تموز استولت قوات العدو على عدد من القرى العربية، فاستقر خط دفاعها على مسافة متقدمة نحو الشرق. وفي هذا الوقت قامت قوات جيش الانقاذ بشن هجوم مضاد باتجاه نهاريا* وعكا*. وعندما ظهر بوضوح أن القوات اللبنانية لن تقوم بشن أي هجوم ركز حاييم لاسكوف هجومه باتجاه قرية شفا عمرو، وهي الباب المؤدي إلى الناصرة، فسقطت في صباح 14 تموز. وخطط لاسكوف للاندفاع نحو الناصرة في محاولة لمهاجمة المدينة قبل أن يتضح الموقف لقائد جيش الانقاذ فوزي القاوقجي* فيقوم بدعم حاميتها. وفي الوقت ذاته وصلت قوة صغيرة من لواء غولاني إلى مستعمرة كفار هحورش لايهام القوقجي بأن هجوماً وشيكاً سيتم على الناصرة من جهة والجنوب.
غادرت قوة لاسكوف الرئيسة شفا عمرو مع آخر ضوء من نهار 15 تموز فوصلت إلى صفورية في الساعة 6,15 صباحاً وبدأ ـ معركتها. ووصلت في الساعة 9,25 من يوم 16/7/1948 برقية إلى مقر القاوقجي تستنجد به فأصدر أوامره فوراً بسحب سرية حطين والسرية اليمنية والسرية البندوية مع مصفحاتها من جهة الشجرة* وتوجهها بقيادة رئيس أركان الجبهة إلى الناصرة للحيلولة دون سقوطها. إلا أن القاوقجي تسلم من قائد قوة الانقاذ في الناصرة برقية في الساعة 11,30 جاء فيها: “الحالة خطرة، نوجد حركة يهودية من جهة طبرية* ربما تكون استعداداً للتقدم نحو المغار*. أرسلوا قوة للمحافظة على المغار التي تقع خلفنا”. وكان سقوط المغار بيد القوات الصهيونية يعني شطر جيش الانقاذ المنهك بالقتال في جهة الشجرة والناصرة إلى شطرين وامكان تديرهما.
وعلى الرغم من ضعف موقف جيش الانقاذ فقد تم سحب سرية من ترشيحا* التي كانت تدور فيها معركة حامية وأرسلت إلى المغار فالناصرة واشتبكت مع الدبابات الإسرائيلية على طريق الناصرة.
ووصلت على أثر ذلك برقية إلى قيادة جيش الانقاذ جاء فيها:
“صد الهجوم، غير أن العدو يبدي مقاومة شديدة. موقعنا جيد. ستقوم بهجوم باقي القرى. فوج الحسين والسرية اليمنية على جناح العدو الأيمن. والسرية البدوية – سرية سعدون – على الجناح الأيسر – سنوافيكم بالنتيجة”. إلا أن هذه النتيجة لم تتأخر. ففي الساعة 16,30 من يوم 15/7/1948 أقامت قوات المشاة الصهيونية مواقع على جانبي الأرض المرتفعة المسيطرة على الطريق الرئيس القادم من الشمال الغربي إلى الناصرة. وفي الساعة 17,15 قام الإسرائيليون بهجوم مضاد فدمروا مصفحات جيش الانقاذ، ولم يتمكن رجال المصفحات، بالرغم من البسالة التي أبدوها، من مجابهة الدبابات الثقيلة، ولكن لم يحاول أحمد منهم أن يترك مكانه. فشل الهجوم الإسرائيلي بعد أن تم توفير الدعم، واستمرت القنوات العربية في الدفاع عن الناصرة. إلا أنها أخذت تضعف تحت وطأة التفوق الساحق للقوات المعادية. وفي الساعة 17:40 دخلت طبيعة القوات الصههيونية المدينة من الجهتين الغربية والجنوبية وأصبحت القوات المدافعة هدفاً لنيران كثيفة فأخذت في الانسحاب وهي ممزقة، ولم يسلم من الجرحى إلا عدد قليل. وسقطت الناصرة في الساعة 18:15 بعد تسعة أيام من الصراع المرير والمعارك المستمرة.
المراجع:
- خيرية قاسمية (إعداد): مذكرات القاوقجي، بيروت 1975.
- صبحي الجابي (ترجمة): الحروب العربية الإسرائيلية، دمشق 1975.