عقب قرار مؤتمر القمة العربي الأول (كانون الثاني 1964) القاضي بالعمل على ابراز الكيان الفلسطيني وتكليف أحمد الشقيري* الاتصال بالفلسطينيين لتحقيق هذا الغرض، وبعد سلسلة من الاتصالات الواسعة أجراها الشقيري مع التجمعات الفلسطينية في الدول العربية، عقد المجلس الوطني الفلسطيني* (المؤتمر الوطني الفلسطيني) دورته الأولى بالقدس في الفترة الممتدة من 28/5/ إلى 2/6/1964، وأعلن خلالها عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية* والمصادقة على الميثاق القومي الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
احتوى الميثاق القومي الفلسطيني على مقدمة وتسع وعشرين مادة متسلسلة من غير تبويب. والمقدمة عرض موجز للتاريخ النضالي للشعب الفلسطيني “الذي خاض معارك ضارية متصلة من أجل الحفاظ على وطنه والدفاع عن شرفه وكرامته، والذي قدم عبر السنين قوافل متتابعة من الشهداء الخالدين. وسطر أروع صفحات البذل والتضحية والفداء”.كما تضمنت وصفا للمحن والمصاعب التي تعرض لها هذا الشعب عبر مراحل نضاله المختلفة من قبل “قوى الصهيونية العالمية والاستعمار … فلما استكان أو لانت له قناة”. وأكدت تصميم الشعب الفلسطيني” الذي آمن بعروبته وبحقه في استخلاص وطنه وتحقيق حريته وكرامته” على “السير قدما على طريق الجهاد المقدس حتى يتحقق له النصر النهائي”.
وعرضت الأسباب التي دعت الشعب العربي الفلسطيني إلى وضع هذا الميثاق واعلانه والقسم على تحقيقه. ورأت أنها جاءت “استناداً إلى حقنا في الدفاع عن النفس واسترداد الوطن السليب بكامله وهو الحق الذي أقرته الاعراف والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة، وتطبيقاً لمبادىء حقوق الانسان، وادراكاً منا لطبيعة العلاقات السياسية الدولية، بمختلف أبعادها ومراميها، واعتباراً للتجارب التي حلت في كل ما يتعلق بأسباب النكبة وأساليب مجابهتها، وانطلاقاً من الواقع العربي الفلسطيني، ومن أجل عزة الانسان الفلسطيني وحقه في الحياة الحرة الكريمة، وشعوراً منا بالمسؤولية القومية الخطيرة الملقاة على عاتقنا”.
وتناولت مواد الميثاق القومي الفلسطيني عدداً من القضايا. فقد تحدثت المادة الأولى عن عروبة فلسطين وبينت أن “فلسطين وطن عربي تجمعه روابط القومية العربية بسائر الأقطار العربية التي تؤلف معها الوطن العربي الكبير”. ونصت المادة الثانية على أن “فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة اقليمية لا تتجزأ”. وجاء في المادة الثالثة أن “الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه، وهو جزء لا يتجزأ من الأمة العربية يشترك معها في آمالها وآلامها، وفي كفاحها من أجل الحرية والسيادة والتقدم والوحدة”.
وعن حق تقرير المصير نصت المادة الرابعة على أن “شعب فلسطين يقرر مصيره بعد أن يتم تحرير وطنه وفق مشيئته وبمحض ارادته واختياره”. وقالت المادة العاشرة: “وبعد أن يتم تحرير الوطن يختار الشعب الفلسطيني لحياته العامة ما يشاء من النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، وإلى أن تتم عملية التحرير والعودة” يكون الفلسطينيين ثلاثة شعارات: الوحدة الوطنية، والتعبئة القومية، والتحرير.
تناولت المادة الخامسة منم الميثاق موضوع الشخصية الفلسطينية “فقررت أنها “صلة أصلية لازمة لا تزول، وهي تنقل من الآباء إلى الآبناء”. كما نص الميثاق في مادته الحادية عشرة على أن من واجب الشعب الفلسطيني “في هذه المرحلة من كفاحه أن يحافظ على شخصيته الفلسطينية ومقوماتها، وأن ينمي الوعي وجودها وأن يناهض أياً من المشروعات التي من شأنها اذابتها أو اضعافها”. وعرفت المادة السادسة الفلسطينيين بأنهم “المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون اقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947، سواء من أخرج منها أو بقي فيها. وكل من ولد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها هو فلسطيني”. وعرفت المادة السابعة اليهودي الفلسطيني فقالت “اليهود الذين من أصل فلسطيني يعتبرون فلسطينيين اذا كانوا راغبين في أن يلتزموا العيش بولاء وسلام في فلسطين”.
عالجت المادة الثامنة موضوع تنشئته توعية الجيل الفلسطيني فنصت على “ان تنشئة الجيل الفلسطيني تنشئة عربية قومية واجب قومي رئيسي. ويجب اتخاذ جميع وسائل التوعية والتثقيف لتعريفه بوطنه تعريفاً روحياً عميقاً بشدة على الدوام إلى وطنه شيئاً ونيفاً راسخاً”.
أما عن موضوع الانتماء الحزبي للفلسطينيين فقد عبرت المادة التاسعة من الميثاق عن موقف معين تجاهه بقولها ان “المذاهب العقائدية، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية لا تشغل أهل فلسطين من واجبهم الأول في تحرير وطنهم. والفلسطينيون جميعاً جبهة وطنية واحدة يعملون لتحرير وطنهم بكل مشاعرهم وطاقاتهم الروحية والمادية”.
ووضحت المادة الثانية عشرة العلاقة بين الوحدة العربية وتحرير فلسطين قائلة “الوحدة العربية وتحرير فلسطين هدفان متكاملان يهيىء الواحد منهما تحقيق الآخر. فالوحدة العربية تؤدي إلى تحرير فلسطين، وتحرير فلسطين يؤدي إلى الوحدة العربية والعمل لهما يسير جنباً إلى جنب”.
وفي معرض تأكيد القضية الفلسطينية تأكيد أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة إلى الوجود العربي نصت المادة الثالثة عشرة “أن مصير الأمة العربية، بل الوجود العربي ذاته، رهن بمصير القضية الفلسطينية” ولذلك اعتبرت المادة الرابعة عشرة “أن تحرير فلسطين … هو الواجب قومي تقع مسؤولياته كاملة على الأمة العربية بأسرها حكومات وشعوباً، وفي طليعتها الشعب العربي الفلسطيني. ومن أجل ذلك فان على الأمة العربية أن تعبىء جميع طاقاتها العسكرية والمادية والروحية في سبيل تحرير فلسطين، وعليها بصورة خاصة أن تبذل للشعب العربي الفلسطيني العون والتأييد وتوفير الوسائل والفرص الكفيلة بتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه”.
وبالنظر إلى المنزلة التي يتمتع بها فلسطين في الدبابات التوحيدية الثلاث، اليهودية والمسيحية والاسلامية، نصت المادة الخامسة عشرة على “أن تحرير فلسطين، من ناحية روحية، يهىء للبلاد المقدسة جواً من الطمأنينة والسكينة، تصان في ظلاله جميع المقدسات الدينية وتكفل حرية العبادة والزيارة للجميع من غير تفريق ولا تمييز، سواء على أساس العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين. ومن أجل ذلك فان أهل فلسطين يتطلعون إلى نصؤة جميع القوى الروحية في العالم”.
وعلى الصعيد الدولي وضحت المادة السادسة عشرة “أن تحرير فلسطين من ناحية دولية، هو عمل دفاعي تقتضيه ضرورات الدفاع عن النفس كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة”. وانطلاقاً مما أقره المجتمع الدولي ممثلاً في المنظمة الدولية “فان الشعب الفلسطيني الراغب في مصادفة جميع الشعوب يتطلع إلى تأييد الدول المحبة للحرية والعدل والسلام لاعادة الأوضاع الشرعية إلى فلسطين، واقرار الأمن والسلام في ربوعها، وتمكين أهلها من ممارسة السيادة الوطنية والحرية القومية”.
أعادت المادتان السابعة عشرة والثامنة عشرة من الميثاق التأكيد على رفض الشعب العربي الفلسطيني لقرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 (رَ: تقسيم فلسطين)، ولوعد بلفور*، ولصك الانتداب* الذي أقرته عصبة الأمم* وما ترتب عليهما. فقد نصت المادة السابعة عشرة على “أن تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947، وقيام إسرائيل باطل من أساسه، مهما طال عليه الزمن، لمغابرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه، ومناقضته للمبادىء العامة التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة. وفي مقدمتها حق تقرير المصير”. وقالت المادة الثامنة عشرة: “يعتبر باطلاً كل من وعد بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما”. وفي مواجهة مزاعم الدعاوى والروابط التاريخية والروحية التي تعتمدها الصهيونية* أساساً لإقامة كيانها العدواني في فلسطين نصت المادة ذاتها على أن “دعوى الروابط التاريخية أو الروحية بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع حقائق التاريخ ولا مع مقومات الدولة في مفهومها الصحيح”. وقدمت المادة شرحاً لوجهة النظر الفلسطينية تجاه المسألة اليهودية فذكرت “أن اليهودية بوصفها ديناً سماوياً ليست قومية ذات وجود مستقل. وكذلك فان اليهود ليسوا شعباً واحداً له شخصيته المستقلة وانما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها”.
وعرفت المادة التاسعة عشرة الصهيونية بأنها “حركة استعمارية في نشوئها،عدوانية وتوسعية في أهدافها، عنصرية تعصبية في تكوينها، فاشستية بمراميها ووسائلها. وان إسرائيل بوصفها طليعة هذه الحركة الهدامة وركيزة للاستعمار مصدر دائم للقلق والاضطراب في الشرق الأوسط خاصة، وللأسرة الدولية بصورة عامة. ومن أجل ذلك فان أهل فلسطين جديرون بعون الأسرة الدولية وتأييدها”. ولذلك نصت المادة العشرون على “أن دواعي الأمر والسلم ومقتضيات الحق والعدل تتطلب من الدول جميعها حفظاً لعلاقات الصداقة بين الشعوب واستبقاء لولا المواطنين لاوطانهم أن تعتبر الصهيونيةحركة غير مشروعة وأن تحرم وجودها ونشاطها”.
تطرق الميثاق إلى موضوع سياسة التعايش السلمي فقررت المادة الحادية والعشرون فيه ما يلي “يؤمن الشعب الفلسطيني بمبادىء العدل والحرية والسيادة وتقرير المصير والكرامة الانسانية وحق الشعوب في ممارستها ويؤيد جميع المساعي الدولية التي تهدف إلى اقرار السلم على أساس الحق والتعاون الدولي الحر”. وتبعتها المادة الثانية والعشرون قائلة: “يؤمن الشعب الفلسطيني بالتعايش السلمي على أساس الوجود الشرعي اذ لا تعايش مع العدوان ولا سلم مع الاحتلال والاستعمار”.
أما مسؤوليات منظمة التحرير الفلسطينية فقد قالت المادة الثالثة والعشرون في شأنها: “تحقيقاً لأهداف هذا الميثاق وسيادته تقوم منظمة التحرير الفلسطينية بدورها الكامل في تحرير فلسطين وفق النظام الأساسي لهذه المنظمة”.
ورغبة في ارضاء بعض الأطراف العربية التي وضعت شروطاً لقبول منظمة التحرير الفلسطينية قررت المادة الرابعة والعشرون بشأن السيادة على الأرض الفلسطينية أن “لا تمارس هذه المنظمة أية سيادة اقليمية على الضفة الغربية في المملكة الأردنية الهاشمية ولا قطاع غزة ولا منطقة الحمة. وسيكون نشاطها على المستوى القومي الشعبي في الميادين التحريرية والتنظيمية والسياسية والمالية”. ولكن المادة الخامسة والعشرين نصت على أن “تكون هذه المنظمة مسؤولة عن حركة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل تحرير وطنه في جميع الميادين التحريرية والتنظيمية والسياسية والمالية وسائر ما تتطلبه قضية فلسطين على الصعيدين العربي والدولي”.
وحول علاقة منظمة التحرير بالدول العربية أوجبت المادة السادسة والعشرون أن “تتعاون منظمة التحرير مع جميع الدول العربية كل حسب امكانياتها، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة عربية”.
ونصت المادة السابعة والعشرون على أن “يكون لهذه المنظمة علم وقسم ونشيد. ويقرر ذلك كله بموجب نظام خاص”.
وحددت المادة الثامنة والعشرون النظام الأساسي للمنظمة بقولها: “يلحق بهذا الميثاق نظام يعرف بالنظام الساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتحدد فيه كيفية تشكيل المنظمة وهيئاتها ومؤسساتها، واختصاصات كل منها، وجميع ما تقتضيه الواجبات الملقاة عليها بموجب هذا الميثاق”.
أما الاجراءات المتعلقة بتعديل الميثاق القومي الفلسطيني فقد تناولتها المادة التاسعة والعشرون فنصت على أن “لا يعدل هذا الميثاق إلا بأكثرية ثلثي أعضاء المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في جلسة خاصة يدعى إليها من أجل هذا الغرض”.
المراجع:
- راشد حميد (اعداد): مقررات المجلس الوطني الفلسطيني 1964-1974، بيروت 1975.
- فيصل حوراني: الفكر السياسي الفلسطيني (1964-1974): دراسة للمواثيق الرئيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بيروت 1980.
الميثاق القومي للشباب فلسطين:
رَ: الشباب العربي الفلسطيني (مؤتمر -)
الميثاق الوطني الفلسطيني (1922):
رَ: المؤتمر العربي الفلسطيني