في الوقت الذي كانت معالجة المرضى والاستطباب يجريان في البيوت أو عيادات الأطباء كانت الخدمات الطبية* تجري بانتظام في مستشفيات وجدت في القدس* منذ القرن العاشر الميلادي. وسيقتصر البحث هنا على الفترة الواقعة بين عامي 1850 و1950.
ويمكن تقسيم انشاء المستشفيات خلال هذه الحقبة إلى ثلاث فترات هي:
أ- المستشفيات بين عامي 1850 و1900: تميزت هذه الفترة بوجود عدد قليل من المستشفيات التي كانت تشرف عليها الدولة والسلطات الادارية المحلية في عدد من مدن فلسطين من جهة، وبانشاء عدد من المستشفيات التطوعية للارساليات التبشيرية والخيرية الأوروبية من جهة أخرى. ففي هذه الفترة كان هناك ستة مستشفيات عامة موزعة على النحو التالي:
1) المستشفى الحكومي في القدس، وكان يضم 90 سريرا.
2) المستشفى الحكومي في حيفا الذي وصل فيه عدد الأسرة الى 85 سريرا.
3) مستشفى يافا الذي ضم حوالي 60 سريرا.
4) مستشفى نابلس القديم الذي كان يضم 40 سريرا.
5) مستشفى غزة الذي اقتصر عدد الأسلاة فيه على 20 سريرا.
6) مستشفى عكا القديم، وكان يضم 18 سريرا.
ولم يكن في هذه المستشفيات خلال تلك الفترة أقام متخصصة بحالات الولادة والجراحة. وكان في مستشفى حيفا والقدس عدد من الغرف للمجالات التي تستدعي عزل المصابين بالأمراض المعدية.
وخلال هذه الفترة زاد نشاط الارساليات التبشيرية فاكثرت من انشاء المدارس أو المستشفيات التطوعية أو الاثنين معا. وقد زاد هذه ما أنشأته من هذه المستشفيات على 25 مستشفى موزعة على أكثر من عشر مدن فلسطينية. وأنشأت هذه المستشفيات الارساليات المسيحية والخيرية الوافدة من فرنسا وايطاليا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. واشتهر من بين هذه المستشفيات مستشفى العيون البريطاني في القدس وكان يدعى مستشفى القديس يوحنا. كما اشتهرت المستشفيات الفرنسية والايطالية في يافا* والقدس وبيت لحم* والناصرة* وقد ظلت تقدم الخدمات الطبية الخاصة طوال سنين كثيرة. وأنشأت الجمعيات المسيحية الفرنسية بي 1870 و1880م أربعة مستشفيات أولها المستشفى الفرنسي في القدس الذي ضم 120 سريرا وتم بناؤه سنة 1874م. والثاني المستشفى الفرنسي بيافا الذي تم افتتاحه سنة 1876 وكان يضم 90 سريرا. والثالث مستشفى بيت لحم وكان يضم 70 سريرا. والرابع مستشفى الناصرة وقد ضم في البداية 56 سريرا.
وقامت جمعيات ألمانية مختلفة بانشاء مستشفيات كان أولها في القدس واتسع ل53 سريرا، وثانيها في حيفا وقد ضم 40 سريرا. وثالثها في يافا وقد ضم 20 سريرا. بالإضافة إلى مستشفى تطوعي قديم عرف بمستشفى القديس يوحنا وأنشىء في القرن الخامس عشر الميلادي في مدينة القدس. وقد تطور هذا المستشفى وغدا مختصا بمعالجة العيون.
ب- المستشفيات بين عامي 1901و1930: تميزت هذه الفترة بنوعين من النشاط المتصل باقامة المستشفيات أولهما انشاء عدد جديد من المستشفيات الحكومية والتطوعية وثانيهما تحديث وتحسين وتوسيع الخدمات التي كانت تقدم في المستشفيات كتخصيص غرف للولادة وأخرى للعمليات الجراحية، وزيادة الغرف المخصصة للأمراض المعدية.
ومن المستشفيات الجديدة التي أنشئت في هذه المرحلة المستشفى الوطني في نابلس الذي أقيم في منطقة مطلة من الجبل الشمالي على المدينة تقع خارج البلدة القديمة. وكان في نابلس* مستشفى قديم. ولكن ازدياد حاجة السكان إلى الخدمات الطبية في مدينة نابلس وضواحيها دعت المواطنين للقيام بحملة تبرعات أدت في النهاية إلى انشاء مستشفى حديث سمي المستشفى الوطني. وقد بدأ العمل في المستشفى بستين سريرا وغرفة عمليات وجناح للولادة. وأجريت فيه عدة توسعات شملت اضافة عدد من الأسرة للحالات المعدية سنة 1934، كما أنشئت فيه مدرسة للممرضات في العام نفسه. وفي سنة 1940 أضيف جناح جديد إلى المستشفى وزيد عدد الأسرة فيه، كما جرى تحديث تجهيزاته من خدمات جراحية وتوليد وغرف للأمراض المعدية. ونتيجة لهذه التوسعات أصبح عدد الأسرة فيه 144 سنة 1948. وكان هذا المستشفى يقدم الخدمات الطبية لجميع مدينة نابلس بالإضافة إلى القرى والمدن الصغيرة المحيطة بالمدينة. وقد زاد عدد المرضى الذين تمت معالجتهم في المستشفى من بضع مئات في العشرينات إلى 1,210 مرضى سنة مرضى سنة 1931 و2,273 سنة 1938 و3,364 سنة 1946. وكان المستشفى في بداية عهده بادارة السلطات المحلية في مدينة نابلس، ولكنه انتقل إلى اشراف الحكومة المباشرة سنة 1910 وظل كذلك إلى نهاية عهد الانتداب.
وقد قامت عدة جمعيات بريطانية خلال هذه الفترة بانشاء سبعة مستشفيات في مدن فلسطين المختلفة: ثلاثة في نابلس ويافا وغزة، والمستشفى الاسكتلندي في طبرية، ومستشفى جمعية أديرة في الناصرة، ومستشفى مار لوقا في الخليل. ومستشفى الارسالية الكنائسية لليهود في القدس.
كما أنشأ الاتحاد الوطني الايطالي في تورينو مستشفيين: الأول في القدس بسعة 60 سريرا، وقد بدأ العمل فيه سنة 1908، والآخر في حيفا، وقد ضم 50 سريرا وبدأ العمل فيه سنة 1912.واشتمل كل من هذين المستشفيين على وحدة جراحية حديثة.
أنشأت الحكومة مستشفيين اضافين أولهما في صفد*، وقد خصص للأمراض الصدرية وكان يضم 28 سريرا، وثانيهما في تل أبيب* وقد بدأ العمل فيه بسعة 125 سريرا. كما قامت أيضا بانشاء مستشفى كبير للأمراض العقلية في بيت لحم ضم في بداية عمله مئة سرير.
سمحت حكومة الانتداب البريطاني لعدد من الجمعيات الأمريكية والصهيونية بانشاء تسعة مستشفيات لليهود فقط، وكان عددهم قد بدأ يتزايد خلال هذه الفترة نتيجة سماح السلطات لهم بالهجرة إلى فلسطين (رَ: الهجرة الصهيونية إلى فلسطين). وكانت هذه المستشفيات كما يلي: خمسة في القدس وواحد في كل من صفد والعفولة* وطبرية*.
ج- المستشفيات بين عامي 1930 و1948: تميزت هذه الفترة بصورة عامة بنشاط الحكومة والسلطات الادارية المحلية في توسيع وتحديث المستشفيات الحكومية العامة في مختلف أنحاء فلسطين.كما تم انشاء عدد من المستشفيات الصغيرة في عدد من مدن فلسطين.
فقد أنشأ الدكتور فؤاد الدجاني سنة 1934 أول مستشفى جراحي خاص في يافا. وجرى توسيع المستشفى الوطني بنابلس سنة 1934 فأضيفت اليه وحدة للولادة و16 غرفة للأمراض المعدية. كما أنشىء فيه مدرسة للممرضات. وفي عام 1944 زيد عدد الغرف في المستشفى بحيث أصبح يتسع لنحو 144 سريرا.
كذلك جرى توسيع المستشفى الحكومي بتل أبيب فأضيف إليه 60 سريرا سنة 1934، و50 سريرا سنة 1935، وأصبح عدد الأسرة فيه سنة 1938 زهاء 300 سرير.
وأنشىء سنة 1936 مستشفى كان يضم 60 سريرا لليهود في مستعمرة بتاح تكفا* باشراف جمعية كويات حوليم. وأنشأت الحكومة البريطانية بالتعاون مع السلطات الادارية المحلية أربعة مستشفيات في مدن فلسطين التي لم يكن فيها مستشفيات، الأول في الرملة* (1939) وكان يتسع لنحو 20 سريرا، والثاني في طولكرم* (1944) وكان يضم 20 سريرا، والثالث في بئر السبع* (1938) وكان فيه ثمانية أسرة، والرابع في جنين* (1944) وكان يتسع لنحو 20 سريرا.
وقد افتتح المستشفى الحكومي الجديد بحيفا سنة 1938 وحل محل المستشفى الحكومي القديم الذي أصبح عاجزا عن القيام بالخدمات الطبية للسكان. وقد ضم عند افتتاحه 220 سريرا كان منها 88 للحالات العامة و76 للأمراض المعدية، و30 غرفة خاصة و26 سريرا للنسائيات والولادة. واحتوى المستشفى على غرف حديثة للعمليات الجراحية وصيدلية وعيادات خارجية، كما كان مزودا بسيارات اسعاف لنقل المرضى داخل مدينة حيفا ومن خارجها. وعلى أثر افتتاحه أقفل المستشفى القديم في عكا وأصبحت الخدمات الطبية تقدم في المستشفى الجديد لجميع المناطق المحيطة بحيفا. وقد وصفت التجهيزات التي زود بها المستشفى آنئذ بأنها تضاهي ما في المستشفيات الأوروبية الحديثة.
بني المستشفى في موقع جميل يطل على البحر المتوسط ويستقبل هواء البحر الغربي النقي في الصيف. وقد بلغ عدد الذين أدخلوا المستشفى عام افتتاحه 3,175 مريضا كان منهم 509 من الصهيونيين و2,636 من العرب وثلاثون من البريطانيين. وكان عدد الذين تمت معالجتهم عام 1946 نحو 7,355 مريضا منهم 893 صهيونيا و46 بريطانيا والباقون من العرب بينهم 276 من سورية ولبنان وشرق الأردن ومصر.
المراجع:
- مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، بيروت 1970-1976.
- The Colonial Office: Palestine and Trans-Jordan, Reports for the Years 1931, 32, 33, 34, 35, 36, 37, and 38.
- Harry Charles Luje and Edward Keith-Roach: Handbook of Palestine and Trans-Jordan, London 1930.
المستعمرات اليهودية (شرطة -):
رَ: جيش الدفاع الاسرائيلي