كان في فلسطين عام 1935 ستة أحزاب سياسية هي:
1) الحزب العربي الفلسطيني* (المعروف بحزب المفتي) برئاسة جمال الحسيني*.
2) حزب الدفاع الوطني (المعروف بحرب المعارضين) برئاسة راغب النشاشيبي*.
3) حزب الاستقلال*، وأمينه العام عوني عبد الهادي*.
4) حزب مؤتمر الشباب برئاسة يعقوب الغصين*(رَ: الشباب العربي الفلسطيني، مؤتمر).
5) حزب الاصلاح* برئاسة حسين فخري الخالدي*.
6) حزب الكتلة الوطنية* برئاسة عبد اللطيف صلاح*.
فضلاً عن منظمات وجمعيات عمالية وغيرها. وعن المجلس الإسلامي الأعلى* برئاسة الحاج محمد أمين الحسيني*.
وكانت الأحزاب السياسية الفلسطينية مختلفة متاجرة رغم اشتداد المخاطر وأعمال الصهيونيين الإرهابية، مما حرم الشعب من قيادة سياسية جماعية موحدة، علماً بأن الحزب العربي الفلسطيني، وهو حزب الأكثرية، كان يتولى قيادة الحركة الوطنية وأن المفتي الحاج محمد أمين الحسيني كان زعيم الأمة يدير شؤونها السياسي والوطنية عن طريق المجلس الإسلامي الأعلى. إلا أن استمرار التناحر والاختلاف بين الأحزاب حال دون وحدة الكلمة والعمل في صفوف الشعب الفلسطيني.
وفي تشرين الثاني 1925 قام الشيخ عز الدين القسام* بثورته (رَ: ثورة 1935) التي انتهت باستشهاده ونفر مؤمن من اخوانه. وترك هذا الحادث التاريخي رد فعل عميقاً في أوساط الشعب الفلسطيني فنادى ابناؤه على اختلاف فئاتهم وأحزابهم بوجوب توحيد الجهة الداخلية وإنشاء زعامة مركزية للحركة الوطنية تكون فوق الأحزاب والجماعات. وبناء على ذلك وجه الحزب العربي الفلسطيني دعوة إلى الأحزاب القائمة للعمل على توحيد الجهة الداخلية. ونتيجة لمساع وجهود بذلت بهذا الصدد تم الاتفاق على إنشاء ما عرف بـ “لجنة رؤساء الأحزاب لقيادة الحركة الوطنية. وقد اشترك في هذه اللجنة رؤساء الأحزاب الستة. ولكن هذه اللجنة لم تعمر طويلاً. فقد نشبت الاختلافات الحزبية من جديد وقضت عليها.
بقيت البلاد طوال الأشهر الخمسة الأولى من عام 1936 بدون زعامة موحدة أو مشتركة. وظل الحزب العربي الفلسطيني القوة السياسية الأولى الملموسة في فلسطين، بينما كانت المنظمات السرية (وقوات جيش الجهاد المقدس)* تعد العدة لمواجهة الأعمال الإرهابية الصهيونية وإعلان الثورة بتوجيه من المفتي.
تأزمت الأوضاع في البلاد في النصف الثاني من شهر نيسان 1936 ونشب قتال بين العرب والصهيونيين بلغ ذروة حدثه في اصطدامات دامية وقعت في يافا أيام 16 و17 و18/4/1936. وفي 19 نيسان أعلن أهل يافا الاضراب، فوجه الحزب العربي الفلسطيني دعوة إلى البلاد للاضراب العام. ولبى الشعب الدعوة فأصبحت فلسطين يوم 20 نيسان عضوية من أقصاها إلى أقصاها. وفي الوقت نفسه دعا الحزب العربي الفلسطيني وحزب الاستقلال وبعض أعيان نابلس إلى تشكيل لجان قومية* في مختلف مدن فلسطين ومراكز الأقضية للإشراف على الاضراب وتنفيذه. وتشكلت هذه اللجان بسرعة مدهشة فعمت فلسطين بأسرها يوم 22 نيسان. وساد البلاد شعور عميق وقوي بضرورة توحيد الجبهة الداخلية وإنشاء زعامة مركزية للحركة الوطنية والجهاد. وقامت في البلاد مظاهرات شعبية صاخبة تطالب بقيادة موحدة وتنادي بوجوب تولى الحاج محمد أمين الحسيني هذه الزعامة ومواجهة الحكم البريطاني علانية: وأمت القدس* وفود من مختلف أنحاء فلسطين فاتصلت بالمفتي وبزعماء الأحزاب لإنشاء مثل هذه القيادة.
وفي 25/4/1936 تحددت المظاهرات في القدس خاصة وسائر أنحاء فلسطين عامة منادية بالمطلب ذاته. فعقد في اليوم نفسه في مقر اللجنة القومية بالقدس مؤتمر وطني عام ضم رؤساء الأحزاب وممثلين عن جميع اللجان القومية* في البلاد. ويعد التداول والبحث اتفق المؤتمرون بالاجماع على وجوب تشكيل لجنة لقيادة الحركة الوطنية تمثل الشعب الفلسطيني وتسمى اللجنة العربية العليا لفلسطين وتسند رئاستها إلى الحاج محمد أمين الحسيني. وتوجه وفد عن المؤتمر إلى المجلس الإسلامي الأعلى فأبلغ المفتي قرار المؤتمر فنزل عند رأي الشعب وذهب مع الوفد إلى مكان المؤتمر. وبعد مباحثات ومشاورات تم تشكيل اللجنة العربية العليا لفلسطين برئاسة الحاج محمد أمين الحسيني وعضوية: جمال الحسيني وألفريد روك* عن الحزب العربي الفلسطيني، وراغب النشاشيبي ويعقوب دراج* عن حزب الدفاع الوطني، وعوني عبد الهادي عن حزب الاستقلال، وحسين فخري الخالدي عن حزب الاصلاح، وعبد اللطيف صلاح عن حزب الكتلة الوطنية ويعقوب الغصين عن حزب مؤتمر الشباب، وأحمد حلمي عبد الباقي* عن المستقلين.
وانتخب عوني عبد الهادي أمينا للسر، وأحمد حلمي عبد الباقي أميناً للمال، وضم فيما بعد إلى عضوية اللجنة كل من محمد عزة دروزة وفؤاد سابا.
عقدت اللجنة الجديدة مساء يوم تشكيلها أول اجتماع لها وقررت “دعوة الشعب العربي الفلسطيني إلى مواصلة الاضراب العام حتى تبذل الحكومة سياستها وتغير موقفها، على أن تكون البادرة الأولى لهذا التبديل وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين”.
واعترفت البلاد باللجنة العربية العليا لفلسطين والتفت حول زعامتها،ووضعت اللجان القومية نفسها تحت تصرفها فاعتبرتها هذه مكاتب فرعية تابعة لها وقدمت لها وقدمت لها مساعدات مالية لتكون قادرة على الاصطلاح واجباتها وتحمل مسؤولياتها.
وأنشأت اللجنة العربية العليا لفلسطين مكتباً رئيساً لها في القدس وعينت عددا من الشبان المثقفين للعمل فيه. وتولت اللجنة جمع المال من الشعب الفلسطيني، وبعثت الوفود إلى البلاد العربية والإسلامية للدعاية للقضية فيها وجمع التبرعات منها، في حين سارع المهاجرين العرب إلى إرسال مساعدات مالية إلى اللجنة. وقد استطاعت هذه القيام بواجباتها وتأدية أعمالها بفصل دعم الشعب الفلسطيني ومهاجرين العرب للقضية الفلسطينية.
نظمت البلاد الحركة الوطنية تنظيماً جيداً، وكانت على اتصال مستمر بقادة البلاد وزعمائها وباللجان القومية، وقام رئيسها وبعض أعضائها بعدة جولات في البلاد للاتصال بالشعب وحثه على الصمود وعرض حقيقة الأوضاع عليه. وعقدت اللجنة العليا سلسلة مؤتمرات في القدس لممثلي اللجان القومية لدراسة شؤون القضية وتطوراتها وأوضاع الاضراب الذي أشرفت عليه وعملت على تفوقه وتعزيزه.
ومع تولي المفتي قيادة الحركة الوطنية جهازاً أعلن تشكيل قوات جيش الجهاد المقدس وعين عبد القادر الحسيني* قائداً لها. ثم أعلن الجيش في 7/5/1936 الثورة (رَ: ثورة 1936-1939) موقع على اللجنة العربية العليا عبء جديد وتولت الإشراف على الثورة وتوجهها وتزويد المجاهدين بالسلاح والمال.
وكانت هذه الثورة والاضراب الكبير الذي رافقها من أخطر وأهم الأحداث التي واجهتها اللجنة وعالجتها بروح وطنية عالية ووحزم وحكمة. وقد استجابت اللجنة نتيجة ظروف وأسباب معينة لسداء الملوك العرب يوم 11/10/1936 إلى الشعب الفلسطيني للإخلاد إلى السكينة. فأذاعت في اليوم التالي بياناً دعت فيه الشعب إلى وقف الثورة وإنهاء الاضراب استجابة لنداء الملوك وأمير شرقي الأردن (رَ: نداء الملوك والرؤساء العرب للشعب الفلسطيني). وقد لبى الفلسطينيون نداء الجنة العربية العليا فوراً. وفي 13/10/1936 لبى الاضراب العام الذي استمر 176 يوماً وأوقفت أعمال الثورة بعد 161 يوماً وعادت الحياة إلى سيرتها الأولى في البلاد.
وبانتهاء الاضراب والثورة انصرفت اللجنة إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية من الناحية السياسية فواصلت الاتصال بالحكومة البريطانية والحكومات الأجنبية مطالبة باستقلال فلسطين وحريتها، وبالدول العربية والإسلامية لتأييد الشعب الفلسطيني في موقفه والضغط على بريطانيا لانصافه. وبعثت اللجنة بعدة وفود سياسية ودعائية إلى الدول الأوروبية والأمريكية والغربية والإسلامية وانصرفت هي إلى تعزيز الجبهة الداخلية ومقاومة ما كان الأعداء يبذلونه من جهود ومساع لضم وحدتها.
وقد رفضت اللجنة العربية العليا فكرة لجنة التحقيق الملكية (رَ: بيل، لجنة) التي أعلنت بريطانيا عزمها على إرسالها إلى فلسطين، وأكدت أن قضية فلسطين لا تحتاج إلى تحقيق جديد، وأن مطالب أهلها مشروعة. ولما عينت الحكومة البريطانية هذه اللجنة برئاسة اللورد بيل احتجت اللجنة العربية على فكرة تشكيلها وأصرت على وجوب صدور قرار من الحكومة البريطانية بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين ريثما تنتهي اللجنة الملكية من أبحاثها. ولما رفضت الحكومة البريطانية هذا الطلب قررت اللجنة العربية مقاطعة لجنة التحقيق فتدخلت الدول العربية من جديد وأقنعتها بالعدول عن قرار المقاطعة ووجوب التعاون مع اللجنة الملكية.
شكلت اللجنة العربية عندئذ لجانا سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وقانونية وتاريخية لإعداد لعرض القضية على اللجنة الملكية وشرح مطالب العرب وجوه الحق فيها. ودافع رئيسها وبعض أعضائها وبعض زعماء البلاد عن حقوق الشعب الفلسطيني أمام اللجنة، وقامت بتنسيق الدراسات والبيانات التي قدمها الجانب العربي وأجازتها.
وفي ربيع عام 1927 وردت أنباء من لندن تفيد أن لجنة بيل ستوصي بتقسيم فلسطين فبادرت اللجنة العربية الى اعلان رفضها لكل مشروع بوضع تقسيم فلسطين وتقسيمها على مقاومته. وقام المفتي وبعض زملائه بزيارات للدول العربية والإسلامية بهذا الشأن.
وفي تموز 1937 صدر تقرير اللجنة الملكية الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق: دولة يهودية، ومنطقة انتداب بريطاني، ومنطقة عربية تضم إلى شرق الأردن.
رفضت اللجنة العربية العليا والفلسطينيون كافة مشروع التقسيم، وأكد المفتي أن المجاهدين سيعودون إلى الكفاح المسلح إذا لم تسحبه الحكومة البريطانية. وفي الوقت نفسه أخذت اللجنة تعمل على إعادة تنظيم صفوف المجاهدين والتمهيد لعودة من كان خارج البلاد من قادتهم وزعمائهم. وعبثاً حاول الانكليز اقناع المفتي بالتعاون معهم. ونقموا عليه نقمة عظيمة. وفي 19/7/1937 هاجمت قوة كبيرة من رجال الجيش والشرطة دار اللجنة العربية العليا في القدس للقبض على المفتي وإبعاده إلى جزيرة موريتوس في المحيط الهادي. ولكن المفتي استطاع الافلات من هذه المحاولة البريطانية والتجأ إلى المسجد الأقصى*.
وانطلقت الحكومة البريطانية تلاحق رجال الحركة الوطنية وتمثل نشاط اللجنة العربية العلنية واللجان القومية، وأعادت العمل بأنظمة الطوارىء والقوانين الاستثنائية. واعتمدت بصورة خاصة على حاكم اللواء الشمالي المستر أندروز لجعل العرب على القول بالتقسيم. وقد ظلت الجماهير متماسكة وملتفة حول اللجنة رغم أنسحاب مندوبي حزب الدفاع الوطني منها. وكان رئيس اللجنة قد اختار الإقامة في ساحة المسجد الأقصى حيث كان يعقد الاجتماعات ويوالي الاتصالات بأعضاء اللجنة العليا واللجان القومية وسائر ممثلي الشعب.
واستفحلت شرور أندروز وتدخلاته للترويج للتقسيم، وتفاقم تعاونه مع الصهيونيين لفرضه فاحتج العرب على مواقفه. وفي 29/9/1939 اغتال بعض المجاهدين أندروز في الناصرة وتلوا حارسه وخرجوا بعض مراقبيه فهب الانكليز للانتقام ووجدوا في اغتيال أندروز فرصة جديدة لإرهاب العرب وإكراههم على القبول بالتقسيم. وبعد مرور يومين على الاغتيال حلت الحكومة اللجنة العربية العليا لفلسطين واعتبرتها منظمة إرهابية غير شرعية. كذلك حلت جميع اللجان القومية والمحلية واعتقلت نحو 700 فلسطيني من العلماء والزعماء والقضاة والشبان الوطنيين، واستطاعت القبض على أربعة من أعضاء اللجنة العليا هم أحمد حلمي عبد الباقي، وحسين فخري الخالدي، وفؤاد سابا، ويعقوب الغصين، وأبعدتهم إلى جزر سيشيل. وأما سائر أعضاء اللجنة فقد اختفوا من وجه السلطات البريطانية.
وحلت الحكومة البريطانية في الوقت نفسه المجلس الإسلامي الأعلى، وعزلت الحاج محمد أمين الحسيني من منصبه الديني في البلاد، ووضعت يدها على هذه المؤسسة الدينية، وعينت البريطاني “كيركبرايد” رئيساً للجنة إسلامية تحل مكان المجلس الإسلامي. وحاولت الحكومة القبض على المفتي ولكنه استطاع، بعد ذلك نحو ثلاثة أشهر في المسجد الأقصى، الإفلات ومغادرة القدس سراً إلى بيروت.
طلبت الحكومة البريطانية من السلطات الفرنسية المنتدبة في لبنان تسليمها المفتي فهاج الرأي العام في لبنان والأقطار العربية والإسلامية وطالب بعدم تسليمه. ونزلت فرنسا عند رغبة الرأي العام العربي والإسلامي فسمحت للمفتي بالإقامة في لبنان كاللاجىء سياسي. وفرضت عليه حراسة مشددة ومراقبة قاسية، ومنع الناس من زيارته في بيته. على أن زعماء لبنان ظلوا يضغطون على الحكومة الفرنسية لاطلاق حرية العمل السياسي للمفتي ورفع كل رقابة سياسية وعسكرية عنه. وفي تشرين الثاني 1937 خففت السلطات الفرنسية كثيراً من القيود المفروضة على المفتي فأخذ كبار اللبنانيين والعرب يوالون زيارتهم له، وصار في استطاعة الفلسطينيين الاجتماع به. وكان عدد من أعضاء اللجنة العربية العليا واللجان القومية والزعماء الوطنيين قد تمكنوا من مغادرة فلسطين سراً فالتحقوا به واستأنفوا العمل الوطني والسياسي باسم “اللجنة العربية العليا لفلسطين”. واستأنف المجاهدون في فلسطين الثورة التي كانوا قد أوقفوها في تشرين الأول 1936 وعاودوا خوض المعارك مع الأعداء.
جدد المفتي واللجنة العليا والمجاهدون رفضهم لمشروع التقسيم وعزموا على مواصلة الكفاح حتى تعود الحكومة البريطانية عنه. وحيال اتساع نفوذ اللجنة العربية العليا وتأثيرها السياسي في الأقطار العربية، ورفض الشعب الفلسطيني التخلي عنها. وتفاقم الثورة وعجز السلطات البريطانية من القضاء عليها، بعثت الحكومة البريطانية في تشرين الثاني 1938 لجنة فنية بريطانية هي لجنة وود هيد* لدرس إمكانية قرار التقسيم.
وأعلنت الحكومة البريطانية على ضوء تقرير لجنة وود هيد أنها قررت العدول على قرار التقسيم والدعوة إلى مؤتمر مائدة مستديرة يعقد في لندن في أواخر عام 1938 ويحضره مندوبون عن الدول العربية وفلسطين لبحث القضية الفلسطينية وإيجاد حل لها. ووجهت الدعوة إلى كل من سورية ومصر ولبنان والعراق واليمن والسعودية وشرق الأردن لايفاد مندوبيها إلى المؤتمر (رَ: لندن، مؤتمر 1939). ولم توجه الحكومة البريطانية دعوة إلى اللجنة العربية العليا بل دعت عدداً من زعماء فلسطين بينهم أعضاء في اللجنة. ولك الفلسطينيين رفضوا أن يمثلهم في لندن سوى وفد ستتجه اللجنة العربية العليا. ووقفت الدول العربية إلى جانب الفلسطينيين وهددت بمقاطعة مؤتمر لندن إذ لم توجه الدعوة إلى اللجنة العربية العليا لإرسال وفد فلسطيني إليه. وأخيراً اضطرت الحكومة البريطانية إلى توجيه دعوة رسمية إلى رئيس اللجنة العربية العليا لإرسال وفد عنها إلى لندن فاختار الوفد الذي اشترك في مؤتمر المائدة المستديرة إلى جانب وفود الدول العربية وممثلي الحكومة البريطانية. ولكن هذا المؤتمر مني بالفشل بسبب الضغط الأمريكي وتلون السياسة البريطانية والنفوذ اليهودي فعاد الوفد الفلسطيني إلى بيروت وقدر أن يواصل الفلسطينيون جهودهم حتى تعود بريطانيا عن سياستها وتلبي مطالب الشعب الوطنية.
وبعثت اللجنة العربية بسلسلة من الوفود إلى أنحاء العالم للدفاع عن القضية والدعوة لتأييد الثورة، ومارست أعمالها الإدارية والتوجيهية والعسكرية والمالية داخل فلسطين عن طريق أشخاص يعملون بسرية وكتمان.
ولما نشبت الحرب العالمية الثانية في أيلول 1939 جددت بريطانيا طلبها إلى فرنسا تسليم المفتي. وبدا أن المندوب السامي الفرنسي يميل إلى قبول الطلب البريطاني فغادر الحاج محمد أمين الحسيني لبنان سراً في 13/10/1939 ولجأ إلى العراق حيث تبعه عدد من زملائه ورجال الحركة الوطنية والجهاد المقدس. وظل العمل قائماً في بغداد باسم اللجنة العربية العليا لفلسطين حتى ربيع 1941 عندما انتصرت القوات البريطانية على الثورة العراقية فلجأ المفتي إلى ايران ومنها إلى أوروبا حيث لحقه عدد من اخوانه والعاملين معه. ويواصل الحاج محمد أمين الحسيني وزملاؤه العمل في ألمانيا بريطانيا لصالح قضية فلسطين باسم اللجنة العربية العليا لفلسطين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وعندما تبين لفلسطينيين أن الحرب العالمية أشرفت على نهايتها، ومع استفحال الخطر الصهيوني على فلسطين وتدخل جامعة الدول العربية لتوحيد جبهة فلسطين، تمت إعادة تشكيل اللجنة العربية العليا من ممثلين عن جميع الأحزاب الفلسطينية وترك منصب الرئاسة شاغراً. ولكن هذه اللجنة لم تعمر طويلاً بسبب الاختلاف الحزبي في البلاد.
وفي حزيران 1946 تشكلت في بلودان بسورية الهيئة العربية العليا لفلسطين* برئاسة الحاج محمد أمين الحسيني فحلت مكان اللجنة العربية العليا. والواقع أن تشكيلها كان امتداداً للجنة التي نشأت في سنة 1936 واستمرت تعمل في مختلف الظروف حتى قيام الهيئة العربية العليا بفلسطين.