الشيعة هم الذين شايعوا الإمام علي بن أبي طالب، ورأوه أحق بالخلافة. وقد انقسم الشيعة إلى فرق متعددة. وثمة دولتان تبنتا مذهب الشيعة، وعملتا على جعله دين الدولة الرسمي. وعلى نشره، وهما دولة بني بوية التي قامت في بغداد سنة 334هـ/ 945م، ودولة الفاطميين التي استولت على مصر سنة 358هـ/ 968م (رَ: الفاطميون) وقد انتشر المذهب الشيعي آنذاك في بلاد المغرب ومصر والشام والعراق واليمن والحجاز. ولا يزال الشيعة يؤلفون قطاعات كبيرة من سكان العراق وإيران. وللزيدية (أتباع زيد بن علي بن الحسين) أتباع كثيرون في اليمن. وكذلك للإسماعيلية (نسبة إلى اسماعيل الابن الأكبر لجعفر الصادق الإمام السادس) في الهند وإيران وعمان والشام وغيرها من بلدان آسيا وإفريقيا.
ويعد التشيع من أقدم المذاهب السياسية الإسلامية وقد اضطلع الشيعة بدور كبير في تاريخ الحياة السياسية والفكرية والدينية في الإسلام.
انتشر هذا المذهب إبان القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي في أجزاء كبيرة من فلسطين، فكان أهل طبرية* ونصف أهل نابلس* شيعة، والعمل في هذه البقاع على مذهبهم.
وقد زار الرحالة ناصر خسرو فلسطين سنة 437 هـ/ 1045 م وقال “إن عدد سكان القدس* نحو عشرين ألفاً جلهم شيعة “.
والذي أدى إلى اتساع نطاق مذهب الشيعة في فلسطين وغيرها من البلاد الإسلامية قيام الدولة الفاطمية في مصر والشام، فقد كان الفاطميون* شيعة إسماعيليين، والاسماعيلية فرقة من الإمامية السبعية.
وقد حاول الفاطميون نشر المذهب الشيعي في الأقاليم المختلفة، ومنها فلسطين، وكان الدعاة في الأقاليم يؤدون المهمة التي كان داعي الدعاة بها في القاهرة من شرح المذهب الشيعي والدعاية للعقائد الإسماعيلية.
أنشأت الدولة الفاطمية في بيت المقدس دار العلم الفاطمية، وكانت فرعاً لدار العلم الفاطمية بالقاهرة التي أسسها الحاكم بأمر الله الفاطمي (395 هـ/ 1004م)، واتخذوا هذه الدار مركز دعاية للمذهب الشيعي، فكان لها أكبر الأثر في انتشار هذا المذهب في فلسطين. وظل هذا العهد عامراً في القدس حتى سقطت بيد الصليبيين.
وقد تعددت فرق الشيعة، وكان منها الغلاة والمعتدلون. ووصف ابن جبير المذاهب المنتشرة في فلسطين في القرن السادس الهجري أثناء زيارته لها. فقال: “وللشيعة في هذه البلاد أمور عجيبة، وهم أكثر من السنيين، وقد عموا البلاد بمذاهبهم فرق شتى، منهم الرافضة والإمامية والإسماعيلية والزيدية والنصيرية”.
وحين سقطت دولة الفاطميين وقامت الدولة النورية والأيوبية هدأت حركة التشيع ،واختفى أنصارها عن الأنظار. والسبب في ذلك أن دولة نور الدين والدولة الأيوبية من بعده اتبعتا مذهب أهل السنة، فعمل نور الدين محمود بن زنكي*، ثم صلاح الدين الأيوبي* على مقاومة ما غرسه الفاطميون في نفوس الناس من عقائد يراها أهل السنة باطلة، كما عملا وغيرها من البلاد، وكتب فيها المدرسون والعلماء، ورسم لهم أن يكافحوا المذهب الشيعي الذي كان منتشراً، وأن يدرسوا مذهب أهل السنة، وأن يبعد عن هذه المدارس كل من يعطف على الشيعة، أو يعتنق مذهبهم.
وقد حدد صلاح الدين لكل مدرسة المذهب الفقهي الذي تسير عليه، فمدارس تقوم بتدريس المذهب الشافعي*، وأخرى المذهب الحنفي*، وثالثة المذهب الحنبلي*، ورابعة المالكي.
وهكذا انقطع الشيعة عن الجماهير، وأحاطوا أنفسهم بالسرية التامة.
وفي عهد أحمد باشا الجزار* بدأ إخضاع الشيعة، ووقعت بينه وبينهم وقائع كثيرة سنة 1195 هـ/ 1780م في قرية يارون القريبة من صفد.
وقد لجأ جماعة منهم إلى عكا*، فاستأمن الجزار بعضهم وسجن بعضهم الآخر. ثم شغل الجزار عنهم بالحملة الفرنسية* على الشام، فلما انسحب الفرنسيون عاد الجزار من جديد إلى محاربة الشيعة لفترة امتدت زهاء عشر سنوات. وأحرق آثارهم العلمية، وفي رواية أن كان لأفران عكا من كتب جبل عامل ما أشعلها بالوقود أسبوعاً كاملاً، وفر بعضهم إلى دمشق وبعلبك.
وفي عهد الحكم العثماني استمرت مقاومة الحكم للشيعة، لكنهم ظلوا يحاولون نشر مذهبهم في فلسطين. ولا وجود للشيعة اليوم في فلسطين كطائفة مستقلة ذات مؤسسات معترف بها. وقد نزح عنها المئات من الشيعة اللبنانيين ممن كانوا قد أقاموا في شمال فلسطين في عهد الانتداب.
المراجع:
– محسن الأمين: أعيان الشيعة، دمشق 1353 هـ/ 1935م.
– حسن إبراهيم حسن: الفاطميون في مصر وأعمالهم السياسية والدينية، القاهرة 1932.
– محمود البشبيشي: الفرق الإسلامية، القاهرة 1350 هـ/ 1932.
– عبد الرحمن بدوي: مذاهب الإسلاميين، القاهرة 1979.
شين بيت: رَ: شاباك