تجمعات أو تشكيلات ظاهرها قروي فلاحي وحقيقتها سياسية. بدأت أواخر عام 1923 في قرية الدوايمة* (منطقة الخليل) بزعامة موسى هديب، وفي قرية سبسطية* (منطقة نابلس)، ثم أنشأت فروعاً لها في في مناطق أخرى كالرملة* وبيسان*. وقد أطلق عليها أيضاً اسم الحزب الزراعي والحزب القروي.
اهتم الحزب في برنامجه اهتماماً ظاهرياً بالشؤون الزراعية كالدفاع عن حقوق الفلاح والدعوة إلى تحسين حاله والعناية بالقرية وحماية المحصول وتخفيض الضرائب وإصلاح الطرق وتعميم التعليم الزراعي في القرى وإنشاء مصرف زراعي وتأسيس صندوق توفير عام للزراع.
وركز برنامج الحزب من الناحية السياسية على إيجاد دستور مطابق لرغبات أهل فلسطين وتأسيس حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب “والتعاون مع الحكومة على غير رضى بالسياسة الصهيونية والتدخل في المسائل السياسية والاشتراك مع باقي الأحزاب العربية كحزب مستقل”.
ويلاحظ تشابه كبير بين برنامج حزب الزراع وبرنامج الحزب الوطني*، بل اتفق ظهور تشكيلات هذا الحزب مع إنشاء الحزب الوطني. وقد شكلا معاً جبهة واحدة في جميع القضايا السياسية التي مرت بالبلاد ومثلا انسلاخاً عن الاتجاه الرئيس للحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت تتمثل في اللجنة التنفيذية والجمعيات الإسلامية المسيحية* وعرقلة للمساعي التي بذلت سنة 1924 للمصالحة الوطنية، الأمر الذي أدى إلى تأجيل عقد المؤتمر العربي الفلسطيني* السابع. وقد أغرق الحزبان الجهود الوطنيةفي خضم المنازعات الشخصية والخلافات العائلية في وقت تصاعد فيه التحدي العربي للسلطات البريطانية ورفض مشاريعها بشأن التعاون معها طبقاً لصك الانتداب* والسياسة المنطوي عليها.
وعلى الرغم من أن حزب الزراع كان أقل تأثيراً من الحزب الوطني فقد كان أوسع منه نشاطاً وأكثر فروعاً. وقد حمل في أساس نشاته فكرة التفريق بين المدينة والقرية والمدني والفلاح، وسعى بدعايته إلى إيقاظ ريبة الفلاح من ابن المدينة وإيهامه بأن المدني (الأفندي) يضطهده ويحتقره ويستغله. كل ذلك لإثارة جو مسموم وإحداث توتر وانقسام بين فئات الشعب خدمة للاستعمار البريطاني وللحركة الصهيونية.
ولكن سرعان ما انكشف الستار عن بواعث الحزب وعرف الشعب حقيقته ولمس المتنورون في القرى أصابع موظفي سلطة الانتداب في هذه الحركة وأطلعوا على اتصالاتهم بالقائمين على الحزب. وكذلك أدرك هؤلاء المتنورون صلة الحزب بالصهيونية التي رأت فيه سبيلاً إلى النفوذ إلى أصحاب الضمائر الضعيفة وشرائهم بالأموال والهدايا. وتبين هؤلاء الفلاحون الواعون خطر حزب الزراع فتعاونوا مع الجمعيات الوطنية العربية في الحملة ضده لوقف نشاطه، ووصم الحزب بالخيانة والتعاون مع الصهيونية وعد نشاطه مضاداً للاتجاه الوطني.
اجتاحت البلاد موجة احتجاج واستنكار لحزب الزراع، وضرب الشعب رجاله ومندوبيه، وندد مؤتمر أصحاب الصحف العربية في جيفا (8 و9/6/1924) به “لخروجه على ما قررته الأمة من رفض الانتداب ووعد بلفور”*. وتوالت الاستقالات من الحزب، واحتج أعيان القرى على تأسيس فروع له في قراهم، ورفع أهالي بيسان عريضة ذكروا فيها أن غايته “إدخال الفساد بين الفلاحين وإشغالهم عن أعمالهم بالمشاحنات لتبور أراضيهم وتقل وارداتها، فيضطرون لبيعها لليهود”، وطلبوا حل الحزب “وإيقاف المنتمين إليه عند حدهم ومنعهم من تهديد الفلاحين واستعمال الضغط عليهم”. وقال أهالي بيسان في عريضة أخرى “إن حزب الزراع في بيسان قد تألف من الأشخاص الذين كانوا ولا يزالون يشتغلون للصهيونية بصورة عامة، وفي سمسرة الأراضي لهم بصورة خاصة. وهم الذين يغرون الأهالي على بيع أراضيهم لليهود”.
انتهى الأمر بتضاؤل شأن تشكيلات حزب الزراع سنة 1925 وقتل زعيمها موسة هديب. ولكن آثار ما سعت إلى بذره من شقاق بين ابن القرية وابن المدينة ظلت تطل برؤوسها مدة غير يسيرة تتعهدها أيدي موظفي حكومة الانتداب بالتوجيه والتحريض.
المراجع:
– عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين والحديث، بيروت 1970.
– محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، بيروت 1959.
– كامل محمود خلة: فلسطين والانتداب البريطاني 1922 – 1939، بيروت 1973.
– أميل الغوري: المؤامرة الكبرى، اغتيال فلسطين، القاهرة 1955.
– جريدة فلسطين، 12/8 و22/8 و29/8/1924.
– جريدة ألف باء، 3/2 و2/7/1924.