أ- لمحة تاريخية: قانون الجنسية لأي دولة هو التشريع الذي ينظم العنصر السكاني فيها وفقاً للمبادىء والسياسات الأيديولوجية لتلك الدولة. وقانون الجنسية الإسرائيلي لا يخرج عن هذه القاعدة. وإذا كان التعريف الرسمي (لدولة إسرائيل) أنها “دولة الشعب اليهودي”، فإن قانون الجنسية الإسرائيلي جاء ليؤكد “يهودية” العنصر السكاني للدولة، وبالتالي يحافظ على صفقة الدولة كدولة يهودية. هذا هو الأساس الأيديولوجي لتشريع الجنسية الإسرائيلي.
قدم وزير الداخلية الإسرائيلي مشروع قانون الجنسية الإسرائيلي إلى الكنيست* الأول في 3/7/1950. ولكن تأجل البت في أمره بسبب حل الكنيست. وحين قدم المشروع ثانية إلى الكنيست الثاني في تموز 1951. قام دافيد بن غوريون، رئيس الوزراء، بشرح النقاط الرئيسة للمشروع الذي اعتبره مكملاً لقانون العودة*، وبين: “أن هذين القانونين معاً هما العهد الذي وعدنا به كل يهودي في المنفى …، وأن إسرائيل ليست دولة يهودية فقط، لأن أغلبية السكان من اليهود، ولكنها دولية لجميع اليهود حيثما وجدوا، ولكل يهودي يرغب في المجيء إلى هنا … إن هذا الحق موروث لليهودي لمجرد كونه يهودياً”. وأكد بن غوريون أن (إسرائيل) لم “تنشىء” لليهود حقاً بالعودة إليها، ولكنها، “تعلنه” فقط، إذ أن هذا “الحق سابق لدولة إسرائيل”.
أقرت الكنيست مشروع القانون بأغلبية 43 صوتاً ضد 17، وكان ذلك في أول نيسان 1952، وأصبح القانون نافذ المفعول في 14/7/1952.
يتصف قانون الجنسية الإسرائيلي بصفتين رئيستين هما: ازدواج الجنسية، والصفة العنصرية.
وإذا كان المجتمع الدولي قد جاهد للتقليل من حالات ازدواج الجنسية، وهي التي تنشأ عن تنازع للقوانين لا مفر منه، فإن هذا المجتمع الدولي عارض بشدة ابتداع أية طريقة جديدة يكون من شأنها الإكثار من ازدواج الجنسية، كما ناضل، وما يزال يناضل، من أجل القضاء على جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
وإذا كان المجتمع الدولي قد جاهد للتقليل من حالات ازدواج الجنسية، وهي التي تنشأ عن تنازع للقوانين لا مفر منه، فإن هذا المجتمع الدولي عارض بشدة ابتداع أية طريقة جديدة يكون من شأنها الإكثار من ازدواج الجنسية، كما ناضل، وما يزال يناضل، من أجل القضاء على جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
ب- ازدواج الجنسية في القانون الإسرائيلي: إن أحد الأسس المركزية في الفكر الصهيوني هو اعتبار اليهود، أينما وجدوا وبغض النظر عن جنسياتهم التي يحملونها، أمة واحدة اسمها “الشعب اليهودي”. وانطلاقاً من هذا المفهوم، فإن أي يهودي هو عضو فيما يسمى “بالشعب اليهودي”. فهي عضوية إضافية لعضوية اليهودي في المجتمع الذي يعيش فيه ويحمل جنسيته. ولن تنتهي هذه الازدواجية إلا بعد “جمع الشتات” في “دولة اليهود”. ولقد عارض كثير من اليهود الحركة الصهيونية منذ نشوئها. وذلك على عدة أسس، منها أن اليهود المقيمين في مختلف الدول سوف يطعن في ولائهم لدولهم من قبل مواطني تلك الدول من غير اليهود.
وبعد قيام (دولة إسرائيل) اتخذ مبدأ وحدة “الشعب اليهودي” بعداً سياسياً وقانونياً أكثر وضوحاً، ولكنه في الوقت نفسه أشد ازدواجية. أعلنت الوكالة اليهودية* (إسرائيل) عام 1948 دولة لجميع اليهود وليست فقط لليهود الذين يقطنون فيها. وتأكد هذا الشعار السياسي في سن قانون العودة عام 1950 الذي أعطى لكل يهودي الحق في “العودة” إلى (إسرائيل)، دافيد بن غوريون، قال: “حين نقول أمة يهودية واحدة فإنه يجب علينا أن نهمل حقيقة أن هذه الأمة اليهودية موزعة في جميع أقطار العالم، وأن اليهود الذين يعيشون في الخارج هم مواطنون في الدول التي يعيشون فيها … أما نحن، أولئك الذين انتهت هذه الازدواجية بالنسبة لهم وأصبحوا مقيمين في دولة إسرائيل … فإنه يجب علينا أن لا نهمل وضع هؤلاء اليهود الذين ليسوا بيننا”.
وبرغم هذه السياسات المعلنة على وحدة “الشعب اليهودي”، وعلى “إنهاء الأزدواجية” بالهجرة إلى (دولة إسرائيل) جاء تشريع الجنسية الإسرائيلي لعام 1952 مشجعاً لهذه الأزدواجية.
1) ازدواج الجنسية الإسرائيلية: تنص المادة 14/أ من قانون الجنسية الإسرائيلي على أنه “باستثناء قضية التجنس، فإن الحصول على الجنسية الإسرائيلية لا يتوقف على التنازل عن جنسية سابقة”. فالقانون استثنى أولاً “قضية التجنس” التي هي خاصة، حصراً، بجنسية غير اليهود. أما “اليهود” فلا يخضعون لإجراءات التجنس وانما يكتسبون الجنسية الإسرائيلية بحكم “العودة”، وذلك استناداً للمادة الثانية من القانون. ومن هنا يمكن إعادة صياغة النص المذكور أعلاه بالقول إن اليهود الذين يحصلون على الجنسية الإسرائيلية لا يتوجب عليهم التخلص من جنسياتهم الأصلية. وهكذا يمكن لليهودي “العائد” (لدولة إسرائيل) أن يحمل جنسيتين باختياره وإرادته. ولم يكن هذا النص سهواً، وإنما أسقط شرط التخلي عن الجنسية الأصلية بالنسبة لليهود عن قصد. يؤيد ذلك ما ورد من مناقشات في الكنيست الإسرائيلي أثناء مناقشة مشروع قانون الجنسية. كما يؤيده أيضاً – بمفهوم المخالفة – نص المادة 5/أ/6 من قانون الجنسية الإسرائيلي الذي اشترط عل طالب الجنسية غير اليهودي أن يتنازل عن جنسيته السابقة عند اكتسابه الجنسية الإسرائيلية.
2) النتائج التطبيقية: إن المحاذير التي حدت بالمجتمع الدولي للعمل على تقليل حدوث ازدواجية الجنسية والمعارضة في ابتداع طرق جديدة تزيد من حدة هذه المشكلة، قد وقع فيها المشرع الإسرائيلي، وسايره في ذلك – بعد حين -المشرع الأمريكي. وأفضل
1)
2)تأتأ
مثال تطبيقي على ذلك هو وضع الأمريكيين الذين يدينون باليهودية والمقيمين في (إسرائيل). حين صدر قانون الجنسية الإسرائيلي طلب إلى الأمريكيين الذي يعيشون في (إسرائيل) آنئذ أن يعلنوا عن عدم رغبتهم في اكتساب الجنسية الإسرائيلية وذلك قبل 14/7/1952، وهو اليوم المحدد لنفاذ القانون. وأعلن نائب القنصل الأمريكي في تل أبيب أن الاكتساب الحكمي للجنسية الإسرائيلية “سوف لا يعتبر اكتساباً اختيارياً” في مفهوم القانون الأمريكي “بسبب أنه كان هناك متسع من الوقت لرفض هذه الجنسية (الإسرائيلية)”. واعتبر نفس التفسير بالنسبة للأمريكيين من ذوي الديانة اليهودية الذين يأتون إلى (إسرائيل) بعد موعد سريان القانون ويقبلون سمة المهاجرة التي تصدر عن السلطات الإسرائيلية. وكان لموقف القنصلية الأمريكية تأثير كبير على وضع الأمريكيين الذين كانوا في خدمة القوات المسلحة الإسرائيلية حيث كان هؤلاء مهددين بفقدان جنسيتهم الأمريكية. واستمرت الولايات المتحدة الأمريكية في موقفها هذا حتى قبيل حرب 1997*. ففي 29/5/1967 أصدرت المحكمة العليا الفيدرالية الأمريكية قرارها الشهير في قضية “أفروييم ضد راسك” وملخصها أن أفروييم هذا بولندي الأصل هاجر إلى امريكا واكتسب جنسياتها عام 1926، ثم هاجر إلى (إسرائيل) عام 1950 حيث اشترك في انتخابات الكنيست بالإضافة لاشتراكه في الانتخابات البلدية.
فأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قراراً بفقدان أفروييم جنسيته الأمريكية وذلك استناداً لقانون الجنسية الأمريكي الذي ينص على فقدان المواطن الأمريكي جنسيته إذا “اقترع في انتخابات سياسية لبلد أجنبي أو إذا اشترك في انتخابات أو استثناء من شأنه تقرير السيادة على أرض أجنبية”. وقد عارض أفروييم قرار وزارة الخارجية، وأدعى عدم صلاحية الكونغرس الأمريكي لاصدار تشريع بسحب بموجبه الجنسية الأمريكية بإرادته، فإن تصرفاته وزارة الخارجية – في اعتقاده – لم يستند إلى أساس قانوني.
أيدت محكمة الدرجة الأولى ومحكمة الأستئناف موقف وزارة الخارجية الأمريكية بسحب جنسية أفروييم لاشتراكه في انتخابات سياسية لبلد أجنبي. إلا أن أفراوييم ذهب بقضيته إلى المحكمة العليا الفيدرالية التي فسخت القرار المستأنف، وأيدت القول بعدم دستورية نص قانون الجنسية الذي أدى إلى حرمان أفروييم من جنسيته الأمريكية.
لقد ترتب على هذا القرار آثار خطيرة وبعيدة المدى. فقد أصبح باستطاعته الأمريكيين في (إسرائيل) أن يحتفظوا بجنسيتهم الأمريكية بالإضافة إلى جنسيتهم الإسرائيلية. وبالتالي أصبح بإمكانهم الاشتراك في القوات المسلحة الإسرائيلية. ففي عام 1968 صدر عن وزارة الداخلية الإسرائيلية بيان مؤداه أن المواطن الأمريكي الذي يهاجر إلى (إسرائيل) بتأشيرة مهاجر “طبقاً لقانون العودة، فإنه يحصل تلقائياً على الجنسية الإسرائيلية”. وقال ناطق باسم الوزارة إنه “حسب المعلومات التي وصلتنا، فإن (هذا المهاجر) لن يفقد جنسيته الأمريكية”. وتوسع الموقف الأمريكي الرسمي على أثر ذلك في تفسير ذلك الحكم فتشمل حالات أخرى كانت ممنوعة بموجب قانون الجنسية الأمريكي. ففي 18/1/1969 أعطى وزير العدل الأمريكي، رامزي كلارك، تفسيراً لقرار المحكمة العليا الصادر في قضية أفروييم فقال “وهكذا، فإن الشخص الذي ينخرط في القوات المسلحة لدولة حليفة لا يعني بالضرورة أنه يتخلى عن جنسيته الأمريكية”. وقالت السفارة الأمريكية في تل أبيب تعقيباً على بيان وزير العدل الأمريكي بأنه “لا يمكن بعد الأن للأمريكيين أن يفقدوا جنسيتهم إذا أصبحوا مواطنين إسرائيليين أو خدموا في القوات المسلحة الإسرائيلية”. وقد أيدت وزارة الخارجية الأمريكية بيان سفارتها.
لقد خلقت هذه التطورات نتائج قانونية مؤذية. إذ قامت الدول العربية باعتبار هذه التفسيرات القانونية الأمريكية ذريعة للسماح للطيارين والاختصاصيين والفنيين والعسكريين والمتطوعين الأمريكيين اليهود بالعمل في صفوف القوات المسلحة الإسرائيلية.
وقال الرئيس جمال عبد الناصر* رسمياً، إبان حرب 1967، إن طياريين أمريكيين يقومون بمهمات قتالية في صفوف سلاح الطيران الإسرائيلي وإن الولايات المتحدة. “لا تزود إسرائيل بالطائرات فقط ولكن أيضاً بالطيارين” وأكد أن أحد الطيارين، وقد وقع في الأسر، كان يحمل جنسية مزدوجة، إسرائيلية –أمريكية. واعترفت حكومة الولايات المتحدة بذلك.
ج- الصفة العنصرية: تنص القانون على منح الجنسية الإسرائيلية للمقيمين من غير اليهود الذين كانوا مواطنيين فلسطينيين ومسجلين بموجب مرسوم تسجيل السكان الصادر عام 1949. قال أحد النواب، أثناء مناقشة المشروع في الكنيست، إنه لو تم تطبيق هذه الشروط لما حصل إلا 10% من العرب الموجودين في (إسرائيل) على حق التجنس لأنه من الصعب جداً توفر شرط “الإقامة”. وعدد قليل من الفلسطينيين كانوا يحملون جوازات سفر في عهد الانتداب. أما أولئك الذين كانوا يحملون هويات شخصية فإنهم إما فقدوها أو سلموها للقوات الصهيونية أثناء الحرب. كما أن الكثيرين من العرب كانوا قد استثنوا من عمليات تسجيل السكان، لأنه كان هناك “محاولة متعمدة لعدم تسجيل قرى عديدة”. لهذه الأسباب اقترح النواب المعارضون منح الجنسية الإسرائيلية لجميع الفلسطينيين الذين كانوا في البلاد بصورة شرعية. إلا أن هذا الاقتراح هزم.
كما نص القانون على شرط آخر مؤداه أنه يجب على الفلسطيني الذي يريد الحصول على الجنسية الإسرائيلية أن يكون ملماً باللغة العبرية. وقد احتج بعض النواب على هذا الشرط لأن اللغة العربية كانت لغة رسمية في عهد الانتداب ولذلك اقترحوا حذف هذا الشرط، أو إعطاء اللغة العربية مركزاً مساوياً للعبرية. وقد أخذ القانون بالحل الأول.
وبقي على الفلسطيني الذي يريد الحصول على الجنسية الإسرائيلية أن ينال “استنساب”: وزير الداخلية صاحب الصلاحيات الواسعة بموجب القانون.
لقد دفع المؤيدون للقانون عن الصفة العنصرية فيه، وحاولوا تبريرها، فقال حاخام صهيوني “إن الجنسية الإسرائيلية بالنسبة إلى اليهود ما هي إلا “استعادة لشيء مفقود” ولذلك فإن استعادتها “تلقائية”. أما بالنسبة للأخرين فليس الأمر كذلك. وأقر حاييم كوهين، وزير العدل آنئذ، أن التمييز العنصري الوارد ليس سببه قانون الجنسية أو قانون العودة. إلا أن الوزير أغفل أن قانون العودة أصبح جزءاً لا يتجزأ من قانون الجنسية. وحاول هذا الوزير أن يعطي تفسيراً آخر، فقال: “إن أي تمييز في القانون ليس عنصرياً بل أريد به أن يميز بين الذين يعتبر ولاؤهم لإسرائيل أمراً مفروغاً منه والآخرين الذين عليهم إثبات ذلك”.
د- قانون الجنسية وتعديلاته: منذ صدور القانون عام 1952، أدخلت عليه ثلاثة تعديلات واسعة، الأول عام 1958، والثاني عام 1968، والثالث عام 1971. وفيما يلي استعراض لنصوص القانون كما هي في صيغتها المعدلة مع الإشارة، حيثما اقتضى الأمر، إلى المقصود من التعديل:
ينظم القانون طرق اكتساب الجنسية الإسرائيلية وطرق فقدانها مع إضافة بعض القواعد العامة. إن أهم جوانب القانون هي تحديده لطرق اكتساب الجنسية. فقد نصت المادة الأولى منه على أن اكتساب الجنسية يكون بحكم العودة، أو بحكم الإقامة في (إسرائيل)، أو بحكم الولادة، أو بحكم التجنس، أو بحكم الولادة والإقامة، أو بحكم المنح.
1) الجنسية بحكم العودة: تنظم المادة الثانية من القانون طريقة اكتساب الجنسية بحكم العودة، فتقول: “كل مهاجر بمقتضى قانون العودة … يكون إسرائيلي الجنسية”. ولإدراك مغزى هذا النص تجب الإشارة إلى أن قانون العودة الصادر بتاريخ 1950 يعطي “كل يهودي” الحق في أن يهاجر إلى (إسرائيل). ولهذا فإنه لو نظر إلى قانون العودة بشكل مستقل لكان قانون هجرة، لا قانون جنسية. أما وأن قانون الجنسية قد استند إليه في منح الجنسية، فقد أصبح قانون العودة قانون جنسية أيضاً. إذ يمكن القول أن المادة الثانية من القانون تنظم جنسية اليهود فقط.
عددت الفقرة ب من المادة الثانية من قانون الجنسية “الأشخاص الذين لهم حق اكتساب الجنسية بحكم العودة”، وهؤلاء هم:
(1) أي “شخص” جاء إلى (البلاد) كمهاجر، أو بلد فيها، سواء قبل إنشاء (الدولة) أو بعد ذلك.
(2) أي “شخص” قدم إلى (إسرائيل) وبعد قدومه أعرب عن رغبته بالاستقرار فيها.
(3) أي “شخص” أعرب عن رغبته في الاستقرار في (إسرائيل) وحصل، أو يحق له أن يحصل على تأشيرة مهاجر بموجب قانون العودة، حتى قبل هجرته إلى (إسرائيل). هذا النص الأخير أدخل على القانون بموجب التعديل الثالث عام 1971، إذ قصد به منح الجنسية الإسرائيلية ليهود الاتحاد السوفييتي الذين يدعى أنهم منعوا من مغادرة بلادهم.
وقد استخدم القانون كلمة (البلاد)، وفي هذا إشارة إلى أن المقصود من ذلك هو فلسطين كلها، وليس (إسرائيل) فقط. كما يلاحظ أن القانون استخدم كلمة “شخص” علماً بأن المقصود هو كلمة “يهودي” لأن هذه المادة بالذات خاصة باليهود حصراً.
أما الفقرة ج من المادة الثانية فقد نصت على عدم انطباق هذه المادة على:
(1) أي شخص لم يعد قاطناً في (إسرائيل) قبل سريان مفعول القانون.
(2) كل بالغ كان عشية يوم قدومه، أو عشية يوم منحه شهادة مهاجر، أجنبي الجنسية، وصرح في ذلك اليوم، أو قبله، أو خلال ثلاثة أشهر بعد ذلك اليوم، وهو ما يزال أجنبي الجنسية، بأنه “لا يرغب في أن يكون إسرائيلي الجنسية”، ويجوز لذلك الشخص أن يتنازل بإشعار خطي موجه إلى وزير الداخلية عن حقه في الإدلاء بالتصريح بموجب هذا البند.
(3) كل قاصر أجنبي الجنسية ولد خارج (إسرائيل) وصرح والداه بموجب البند 2 المذكور قبلاً، وشملاه في تصريحهما، إلا أن هذا القاصر له الحق في اكتساب الجنسية الإسرائيلية إذا صرح خلال الفترة الواقعة بين عيد ميلاده الثامن عشر والحادي والعشرين عن رغبته في اكتساب الجنسية، ويصبح إسرائيلي الجنسية بحكم العودة اعتباراً من تاريخ إدلائه بالتصريح.
(4) ولد الممثل الديبلوماسي أو القنصلي لدولة أجنبية باستثناء الممثل الفخري الذي ولد في (إسرائيل) بعد إقامة (الدولة).
من القراءة الدقيقة للفقرة ج يلاحظ أن الأصل في القانون هو منح الجنسية الإسرائيلية لأي يهودي بصورة تلقائية، فإذا لم يرغب اليهودي المهاجر بذلك فعليه أن يعبر عن اعتراضه على فرض الجنسية عليه أمام موظف رسمي فور وصوله إلى (إسرائيل). وفي التعديل الثاني عام 1968 أعطي اليهودي المهاجر مهلة ثلاثة أشهر من وصوله لكي يعبر عن رفضه اكتساب الجنسية الإسرائيلية فإذا رفض اكتساب الجنسية الإسرائيلية شمل رفضه هذا أولاده القصر الذين ولدوا خارج (إسرائيل). أما إذا ولدوا داخل (إسرائيل) بعد إعلان رفضه فإنهم يكتسبون الجنسية الإسرائيلية حكماً.
2) الجنسية بحكم الإقامة في (إسرائيل): تنظم المادة الثالثة من القانون طريق اكتساب الجنسية بحكم الإقامة في (إسرائيل). وبالتحديد، تنظم هذه المادة وضع الفلسطينيين من غير اليهود الذين ظلوا في (إسرائيل) بعد قيام (الدولة).
تنص هذه المادة في الفقرة أ على أن من كان قبيل إنشاء (الدولة) “فلسطيني الجنسية”، ولم يكن إسرائيلي الجنسية بموجب المادة الثانية، يكون إسرائيلي الجنسية اعتباراً من يوم إنشاء (الدولة) إذا:
(1) كان في أول آذار 1952 مسجلاً قاطناً بموجب مرسوم تسجيل السكان لسنة 1949.
(2) أو كان في يوم بدء العمل بهذا القانون قاطناً في (إسرائيل).
(3) أو كان في (إسرائيل) من يوم إنشاء (الدولة) إلى يوم بدء العمل بهذا القانون، أو كان في أراض صارت أراضي إسرائيلية بعد إنشاء (الدولة)، أو دخل (إسرائيل) خلال هذه المدة بصورة قانونية.
كما نصت الفقرة ب من المادة ذاتها على منح الجنسية الإسرائيلية بحكم الإقامة لمن ولد بعد إنشاء (الدولة) وكان والده، أو والدته، إسرائيلي الجنسية بحكم الفقرة أ.
3) الجنسية بحكم الولادة: تنص المادة 4 على منح الجنسية الإسرائيلية لمن ولد لأب أو أم إسرائيليين، أما من ولد بعد وفاة والده فإنه يكتسب الجنسية الإسرائيلية إذا كان والده إسرائيلي الجنسية حين وفاته. ويلاحظ أن مكان إقامة الأبوين أو مكان ولادة الطفل ليسا مهمين.
4) الجنسية بحكم التجنس: نظمت المواد 5-8 شؤون التجنس. ويشترط القانون في التجنس أن يكون موجوداً في (إسرائيل)، وأقام فيها ثلاث سنوات من السنوات الخمس السابقة لتقديم طلبه، وكان مؤهلاً للإقامة في (إسرائيل) بشكل دائم، واستقر، أو ينوي الاستقرار فيها، وأن يكون ملماً باللغة العبرية، وأن يتنازل عن جنسيته الأصلية عند اكتسابه الجنسية الإسرائيلية. وإذا توفرت تلك الشروط، فإن وزير الداخلية يمنحه الجنسية “إذا استنسب ذلك”. وقبل منحه الجنسية يجب عليه أداء يمين الولاء (لدولة إسرائيل). واستثنت المادة 6 بعض الأشخاص من بعض الشروط اللازمة للتجنس، كالذين خدموا في جيش الدفاع الإسرائيلي*، أو قدموا خدمة اعتبرت عسكرية،أو فقدوا إبناً أو بنتاً أثناء خدمته أو خدمتها في الجيش، كما أن أولاد المتجنس يلحقون به بمجرد اكتسابه الجنسية الإسرائيلية.
5) الجنسية بحكم الولادة والإقامة: لقد استحدثت القانون هذه الطريقة في التعديل عام 1968، إذ نص في المادة الرابعة، الفقرة أ، على أن كل من ولد بعد إقامة (الدولة) في مكان كان يوم مولده منطقة إسرائيلية، ولم يكتسب أية جنسية أخرى، يصبح إسرائيلي الجنسية إذا:
(1) طلب ذلك خلال المدة الواقعة بين سن الثامنة عشرة والحادية والعشرين.
(2) كان مقيماً في (إسرائيل) مدة خمس سنوات متوالية قبل تقديمه الطلب.
لكن يحق لوزير الداخلية رفض طلبه إذا دين مقدم الطلب بحزم “ضد أمن الدولة” أو “حكم عليه بالحبس عن جرم آخر لمدة خمس سنوات أو أكثر”.
6) الجنسية بحكم المنح: تنظم المادة كما عدلت عام 1968، طريقة منح الجنسية للقاصر الذي لم يكن إسرائيلي الجنسية، ولكنه مقيم في (إسرائيل). كما تمنح لأولاد الشخص الإسرائيلي القاصرين وإن كانوا غير مقيمين في (إسرائيل). ومنح الجنسية بموجب هذه المادة من اختصاصات وزير الداخلية الذي له حق التقدير.
هـ- تطبيقات قانون الجنسية: عدد قانون الجنسية كما تقدم ست طرق لاكتساب الجنسية الإسرائيلية. إلا أنه يمكن تصنيف هذه الطرق الست إلى فئتين: الأول تتعلق باليهود والأخرى بغير اليهود. وهكذا فإن قانون الجنسية الإسرائيلي يتضمن عملياً تشريعين متميزين للجنسية، ولكل منهما إجراءات مختلفة عن الآخر، ونشأت عن كل منهما نتائج تطبيقية مختلفة.
1) الجنسية الإسرائيلية لليهود:
(1) إجراءات اكتساب الجنسية لليهود: يكتسب اليهودي المهاجر حق الجنسية الإسرائيلية بحكم “العودة” أما الإجراءات الواجب على اليهودي أن يتخذها للحصول على الجنسية فهي أن “يعود” إلى (إسرائيل)، أو يعبر عن رغبته في الاستقرار في (إسرائيل) إذا كان خارج حدودها. ولم ينشر القانون إلى أية إجراءات أخرى. وبموجب القانون يكتسب اليهودي المهاجر إلى (إسرائيل) الجنسية الإسرائيلية “فوراً” بمجرد دخوله (إسرائيل).
وإذا أراد أي يهودي يحمل جنسية أجنبية ألا يكتسب الجنسية الإسرائيلية فوراً إذا ما جاء (إسرائيل)، ولو على سبيل الزيارة، فعليه أن يعلن صراحة أمام موظف إسرائيلي رسمي عدم رغبته في اكتساب الجنسية الإسرائيلية. ولم يخضع القانون اليهودي المهاجر لأي التزام، فهو غير ملزم بالتقدم بطلب للحصول على الجنسية، أو بأن يقيم مدة من الزمن قبل أن يصبح مؤهلاً للحصول على الجنسية، ولا يشترط عليه أداء يمين الولاء، أو التنازل عن جنسيته الأصلية، ولا حتى أن يعلن عن رغبته أو نيته في أن يصبح مواطناً إسرائيلياً، إلا إذا كان خارج إسرائيل. وقد لخص أحد المحامين الإسرائيليين البارزين ذلك بقوله: “إن اليهودي المهاجر يصبح مواطناً إسرائيلياً حتى دون توفر أدنى قدر من الرغبة لديه، أو دون حق الاعتراض من جانب الحكومة الإسرائيلية.
(2) النتائج التطبيقية: نشأت عن تطبيق حق الجنسية بالعودة هذا، مسائل قانونية شائكة، وأحياناً فريدة من نوعها. وأهم هذه المسائل تعريف اليهودي. فالفقه الصهيوني والدين اليهودي يتفقان في تعريف اليهودي بأنه من ولد لأم يهودية، أو من اعتنق الديانة اليهودية. لكن، في حين يقر الفقه الديني اليهودي أن اليهودي الذي يعتنق ديانة أخرى يظل يهودياً، تعلن الصهيونية* أنه إذا اعتنق اليهودي ديانة أخرى فإنه يفقد صفته كيهودي. والاختلاف في هذه المسألة بالذات بين اليهودية والصهيونية واضح منذ تأسيس الصهيونية كحركة قومية. والمغزى من هذا الاختلاف ذو أهمية سياسية قانونية كبيرة. فالصهيونية تقوم على أطروحة مؤداها أن اليهود شعب مثل شعوب الأخرى، وأن اليهودية هي أساس الهوية القومية لهذا الشعب. وهو ما تسميه الصهيونية “بالشعب اليهودي”. فاليهودي في المفهوم الصهيوني من كان أحد أعضاء هذا “الشعب اليهودي”. ولما كانت الصهيونية قد جعلت الدين اليهودي الدين القومي، فإن اليهودي الذي يرتد عن دينه يفقد عضويته في “الشعب اليهودي”، حتى وإن لم يفقد صفته كيهودي من الناحية الدينية البحت. لقد تأكد هذا المبدأ إدارياً وقضائياً وتشريعياً، حين أقرت الكنيست عام 1970 قانوناً، وهو التعديل الثاني لقانون العودة، عرفت بموجبه اليهودي بأنه “كل من ولد لأم يهودية أو من تهود، وهو ليس من أبناء ديانة أخرى”. وهكذا أصبح المفهوم الصهيوني الأصلي تشريعاً إسرائيلياً.
وثاني هذه المسائل: ازدواج الجنسية. وقد وصف أحد القانونيين البارزين في (إسرائيل) قانون الجنسية الإسرائيلي بأنه “نموذج دراسي لازدواج الجنسية”. كما ذكر أن النصوص اللازمة للحد من ازدواجية الجنسية الإسرائيلية قد اسقطت قصداً وتعمداً، وذلك تسهيلاً وحفزاً للهجرة اليهودية.
2) الجنسية الاسرائيلية لغير اليهود: لأغراض قانون الجنسية، يشمل تعبير “غير اليهود” نظرياً الفلسطينيين الذين ظلوا في (إسرائيل) بعد قيامها، وغير الفلسطينيين. ورسم القانون لكل فريق طريقاً خاصاً به لاكتساب الجنسية. وأما من الناحية العملية، فإن إجراءات التجنس لغير الفلسطينيين هي تقريباً بدون معنى، لأن (إسرائيل) لا تمنح حق الإقامة فيها لغير اليهود بسهولة. لذلك يقتصر البحث على الفلسطينيين المقيمين في (إسرائيل).
(1) اكتساب الجنسية للفلسطينيين: في حين يكتسب اليهودي المهاجر، أو الذي يعبر عن رغبته في الهجرة إلى (إسرائيل)، الجنسية الإسرائيلية فوراً وتلقائياً وبدون اتخاذ أية إجراءات، يلزم الفلسطيني وحده باتباع إجراءات التجنس الشائكة التي حددها القانون في المادة الثالثة. وعلى الفلسطيني أن يتقدم بطلب إلى السلطات الإسرائيلية، وأن يكون مستوفياً للشروط التي حددها القانون. ومع ذلك فإن استيفاء تلك الشروط لا يعطيه الحق باكتساب الجنسية الإسرائيلية حكماً، إذ عليه أيضاً أن يحصل على موافقة وزير الداخلية. وإذا قرر الوزير رفض الطلب، فإن قراره قطعي وغير قابل للطعن.
(2) نتائج تطبيق القانون على الفلسطينيين: هناك ثلاث نتائج مباشرة ترتبت على إصدار وتطبيق قانون الجنسية الإسرائيلي وتأثر بها الفلسطينيون:
أولاً- التجريد من الجنسية: فبعد قيام (دولة إسرائيل) توقف العمل بقانون الجنسية الفلسطيني الصادر عام 1925. وحتى صدور قانون الجنسية الإسرائيلي عام 1952 استقر اجتهاد المحاكم الإسرائيلية على اعتبار الفلسطينيين بلا جنسية. ومع صدور قانون الجنسية تم رسمياً إلغاء قانون الجنسية الفلسطيني بأثر رجعي اعتباراً من تاريخ قيام (الدولة). وهكذا فإن قانون الجنسية الإسرائيلي جرد الفلسطينيين من جنسيتهم وأصبحوا “بلا جنسية”.
ثانياً– المقيمين بلا جنسية: ولما كانت الفقرة أ من المادة الثالثة من قانون الجنسية الإسرائيلي وضعت شروطاً صعبة لتجنس الفلسطينيين، فإن الذين لم يتمكنوا من استيفاء الشروط التي حددها القانون، ولم يتمكنوا من الحصول على موافقة وزير الداخلية، ظلوا بدون جنسية، وما زالوا كذلك حتى الآن.
ثالثاً- المولودون بلا جنسية: تنص المادة الثالثة على أن من ولد بعد قيام (الدولة)، وكان أحد والديه إسرائيلي الجنسية يكتسب الجنسية منذ يوم ولادته. فإذا لم يحصل أحد الأبوين على الجنسية الإسرائيلية لا يحصل أولاده عليها. وهكذا ما زال يولد في (إسرائيل) أطفال فلسطينيون بلا جنسية.
جاء التعديل الثاني لقانون الجنسية عام 1968 واستحدث طريقة منح الجنسية الإسرائيلية بحكم “الولادة والإقامة” في (إسرائيل). ويبدو من ظاهر النص أن أي فلسطيني ولد في (إسرائيل)، ولم يحصل على الجنسية الإسرائيلية لأن أحد والديه لم يتمكن من الحصول عليها، له الحق في أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية بشرط أن يقدم طلباً حين يبلغ سن الثامنة عشرة وقبل أن يصل إلى سن الحادية والعشرين، وأن يكون مقيماً في (إسرائيل) قبل تقديمه الطلب بخمس سنوات متواصلة، وأن يثبت أنه لم يحكم عليه بجرم ضد أمن (دولة إسرائيل)، ولم يحكم عليه بجرم آخر لمدة خمس سنوات أو أكثر، وأن يوافق وزير الداخلية على الطلب. وتطبيقاً لهذه الشروط فإن الفلسطيني الذي يولد بلا جنسية سيظل بلا جنسية حتى يبلغ سن الثامنة عشرة على الأقل، ثم يقدم الطلب ويستوفي الشروط الأخرى. وإن لم يستوفها فسيظل بلا جنسية. ثم إن الفلسطيني الذي ولد بلا جنسية، وتجاوز الحادية والعشرين يوم صدور هذا التعديل، سوف يبقى كذلك بلا جنسية.
المراجع:
– أنيس فوزي قاسم: قانون العودة وقانون الجنسية الإسرائيليان، دراسة في القانون المحلي والدولي، بيروت 1972.