أ- الظروف التاريخية للنشأة: أنشئت جيهة التحرير العربية بمبادرة من حزب البعث. وكانت ولادتها نقلة نوعية في مستوى النضال سواء أكان ذلك على صعيد المقاومة الفلسطينية أم على صعيد نضال حزب البعث العربي الاشتراكي من أجل القضية الفلسطينية. ولا يمكن الحديث عن نشأة الجبهة وتطورها ما لم توضح العلاقة الخاصة التي ربطت حزب البعث المتبني للإيديولوجية القومية بالنضال الفلسطيني.
يعد البعث القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية الأولى، وأخطر المشكلات التي تواجههم في حياتهم القومية. وقد ربط بين أهدافه القومية، الوحدة والحرية والاشتراكية، والقضية الفلسطينية مؤكداً أن “فلسطين هي خلاصة القضية العربية”.
واعتماداً على هذه النظرة أكد ميشيل عقلق مؤسس حزب البعث منذ عام 1946 ضرورة تبني استراتيجية الكفاح الشعبي المسلح فقال: “فلسطين لن تحررها الحكومات العربية وإنما العمل الشعبي المسلح”. ومن هذا المنطلق قرر مجلس الحزب في تشرين الثاني 1947 فتح باب التطوع للقتال في فلسطين، وشكل الحزب “مكتب فلسطين الدائم”، وأعلن في عام 1948 تشكيل “كتيبة البعث” التي اشترك فيها قياديو الحزب وأعضاؤه وأنصاره وقد خاضت الكثير من المعارك إلى جانب قوات جيش الانقاذ*، واستشهد عدد من أفرادها من بينهم مأمون البيطار ومحمد جديد وفتحي الأتاسي ومحمد صفا.
وعلى الرغم من تنبه حزب البعث إلى أهمية الكفاح المسلح لتحرير فلسطين لم ينس العلاقة الوثيقة بين تحرير فلسطين والأوضاع الداخلية للأمة العربية, وأن هذا التحرير يتطلب إسقاط الأنظمة الفاسدة التي سببت ضياع فلسطين. لذلك خاض الحزب المعارك مع هذه الأنظمة، وربط جميع ألوان نضاله السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالنضال من أجل تحرير فلسطين قضية الأمة العربية الأساسية. فقد وقف يعارض البيان الثلاثي* الصادر عام 1950، وحارب مشروع جونستون لتقسيم مياه الأردن بين العرب والصهيونيين (رَ: الأردن، استثمار مياه نهر – وروافده) ومشروع دالاس* عام 1950، وقاوم مختلف المحاولات الاستعمارية المشبوهة الهادفة إلى طمس القضية الفلسطينية وتثبيت الاحتلال الصهيوني.
عاد الحزب في أواخر الخمسينات إلى الحديث عن الحاجة إلى تبني استراتيجية الكفاح المسلح، فدعا عام 1959، عبر فرعه في لبنان، إلى تشكيل جيش تحرير شعبي لأبناء فلسطين. ورفع في مطلع الستينات أول مذكرة إلى مؤتمر وزراء الخارجية العرب بشأن إقامة “جبهة تحرير فلسطين” وأوصى في مقررات مؤتمره القومي الرابع عام 1960 بالعمل على تكوين جبهة شعبية تضم مختلف القوى الفلسطينية لرفع مستوى النضال مع العدو الصهيوني. وأوصى في مؤتمره الخامس بإنشاء منظمة فدائية يقودها البعثيون، وتم إنشاء هذه المنظمة عام 1961، وأشرف عليها خالد اليشرطي* عضو القيادة القومية للحزب. وقد أعدت هذه المنظمة مجموعات مقاتلة، ونفذت عدداً من عمليات الاستطلاع وبعض عمليات القتال داخل الأرض المحتلة. لكن الظروف التي رافقت مسيرة الحزب إثر استلامه السلطة في كل من العراق وسورية حالت دون المضي في هذا المشروع.
وعندما أعلنت حركة التحرير الوطني الفلسطيني*(فتح) انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 سرعأسرع البعثيون بقرار من قيادة الحزب إلى المشاركة فيها والالتحاق بصفوف الحركة الجديدة، وكان من أبرزهم جلال كعوش* الذي قتل في السجون اللبنانية في مطلع 1966. لكن سرعان ما اكتشف الحزب الخطر الكبير المحدق بالثورة الفلسطينية بالثورة الفلسطينية بسبب الطرح القطري وعدم إدراك العلاقة بين الوحدة وتحرير فلسطين، وأن فلسطين طريق الوحدة، والوحدة طريق فلسطين، وأن الفصل بينهما يسيء إليهما. ولم يكن هذا يعني إهمال حاجة العمل الفلسطيني في بداية انطلاقته المسلحة إلى إبراز الشخصية الفلسطينية لانتزاع القضية من زوايا النسيان، ومن وصاية الأنظمة، على ألا يؤدي ذلك إلى التقوقع القطري وإلى الانغلاق والابتعاد عن القضية العربية، وإلى الوقوع في خطأ مساواة الأنظمة المتآمرة على فلسطين بالجماهير التواقة إلى تحريرها.
وجد الحزب أن لا بد من وجود تنظيم فدائي على الساحة الفلسطينية يترجم مواقف الحزب اللبنانية واستراتيجيته بالنسبة إلى القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني فأعلن في مؤتمره القومي التاسع (شباط 1968) ضرورة إنشاء منظمة فدائية باسم “جبهة التحرير العربية”.
وقد جاء استلام حزب البعث السلطة في العراق في 27 – 30 تموز من العام نفسه فرصة لإقامة قواعد الامداد والتدريب الأولي للجبهة. وقد أعلنت ولادة جبهة التحرير العربية في 30/12/1968 جبهة فدائية فلسطينية تتبنى الكفاح المسلح أسلوباً في النضال، والإيديولوجية القومية الاشتراكية فكراً ومنهجاً. وبدأ مقاتلو الجبهة نشاطهم المسلح من الساحة الأردنية، وقاموا بكثير من عمليات الاستطلاع، وكانت العملية القتالية الأولى ليلة السابع من نيسان 1969. وقد جعل هذا التاريخ ذكرى إطلاق الرصاصة الأولى للجبهة.
ب- الخط الفكري والأهداف النضالية: على الرغم من أن جبهة التحرير العربية ولدت بمبادرة من حزب البعث فإنها ليست منظمة فدائية تابعة للحزب، أو امتداداً مسلحاً للبعث داخل الثور الفلسطينية، وليست التنظيم الفلسطيني للحزب. فالجبهة كما يصفها الأستاذ ميشيل عفلق هي “الحزب بإرادته في الانبعاث من جديد في إرادة التصحيح الشامل العميق في أوضاعه”. وهذا يعني أن تبني الجبهة للإيديولوجية القومية الثورية والتزامها نظرية الثورة العربية فكراً ومنهجاً واستراتيجية ليسا تبنياً والتزاماً جامدين سلبيين ففكر الحزب وتنظيمه ينبغي أن يولدا من جديد في الجهة، وستكتشف توجهات الحزب بالممارسة في هذا العمل الشعبي المسلح.
وجبهة التحرير العربية منظمة فدائية ذات طابع جبهوي، وتركيب قومي، وفكر ثوري. أما الطابع الجبهوي فقد فرضته حاجة الأمة إلى تجميع قواها، وإلى وضع حد للانقسام بين القوى الوطنية، للاستفادة من طاقات الأمة وإفساح المجال لمشاركة جميع القوى في الكفاح المسلح. فالجبهة مفتوحة بفكرها وتنظيمها لكل من يختار طريق الكفاح المسلح طريقاً وحيداً لتحرير فلسطين ومجابهة التحديات الإمبريالية ورد الغزاة عن الوطن العربي.
والفكر الثوري لجبهة التحرير العربية هو فكر الحركة العربية الثورية الذي تحرك في بداية الأربعينات مدركاً الترابط العضوي بين النضال القومي والنضال الاشتراكي والنضال التحرري. فالصفات القومية والاشتراكية والديمقراطية هي الصفات الأساسية للكفاح الشعبي المسلح القادر على تمثيل وجود الأمة العربية في فلسطين. فمن شأن قومية الكفاح الشعبي المسلح أن تؤمن امتداد الوعي بالخطر الصهيوني والاستعماري الذي يهدد وجود الأمة العربية إلى جميع أجزاء هذه الأمة. ويؤكد بيان الجبهة السياسي أن توجه العرب نحو فلسطين يصنع الوحدة، وهو تحرر فلسطين، وأنه بقدر ما تعيد الوحدة إلى فلسطين حريتها تعيد فلسطين إلى العرب وحدتهم.
أما اشتراكية هذا الكفاح المسلح فهي وحدها القادرة على تعبئة جماهير الشعب العربي الكادحة تعبئة ثورية، ورفع مستوى وعيها وتنظيمها وكفاءاتها، عازلة بذلك جميع الطبقات والمؤسسات والأنظمة المرتبطة تاريخياً بمصالح الاستعمار ووجوده السياسي والاقتصادي والمتضررة مننأن أن يولد
1-
2-
3-
4-
5- الجو الثوري الذي يولده الكفاح المسلح في فلسطين. فالاشتراكية كما يؤكد بيان الجبهة السياسي هي ضمان بقاء القيادة في يد الجماهير الكادحة صاحبة النفس الأطول والمصلحة الأبقى في إيصال الكفاح إلى مستوى الحرب الشعبية.
6-
7-
8-
9-
10-
11-
12-
13-
14-
15-
16-
17-
18-
19-
20-
21-
22-
23-
24-
25-
26-
27-
28-
29-
30-
31-
32-
33-
34-
35-
36-
37-
38-
39-
40-
41-
42-
43-
44-
45-
46-
47-
48-
49-
50-
51-
52-
53-
54-
55-
56-
57-
58-
59-
60-
61-
62-
63-
64-
65-
66-
67-
68-
69-
70-
71-
72-
73-
74-
75-
76-
77-
78-
79-
80-
81-
82-
83-
84-
85-
86-
87-
88-
89-
90-
91-
92-
93-
94-
95-
96-
97-
98-
99-
100-
ويشير بيان جبهة التحرير العربية السياسي إلى أن ديمقراطية الكفاح المسلح تجعله وثيق الصلة بعقل الشعب وبروحه، وتحميه من أمراض الوصاية والتحلل من المبادىء والقيم الثورية وتمده بروح السلامة والصراحة في علاقة القيادات بالقواعد، وتخلق لكل فرد مكاناً في المعركة.
101-
102-
103-
104-وترى الجبهة، استناداً إلى النظرة القومية، وانطلاقاً من الالتزام بفكر الثورة العربية، أنه لا يمكن النظر إلى الواقع الفلسطيني على أنه واقع متميز من حيث النوع من الواقع العربي. فالقضية الفلسطينية هي جزء من الأزمة العامة التي تعاني منها الأمة العربية. وعلى الرغم من اتسام هذه القضية بسمة خاصة ترجع إلى طبيعة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الخاصة، واختلافه عن الاستعمار العسكري والاقتصادي في باقي أجزاء الوطن العربي، على الرغم من ذلك تظل الأرضية الحضارية التي ترسبت فوقها هذه السمة الخاصة جزءا من الواقع العام للأمة، أي أن القانون العام للثورة العربية ينطبق عليها.
105-
106-
107-
108-إن العامل الخاص في القضية الفلسطينية هو اتخاذ مشكلة الوجود القومي شكلاً جاداً ومعقداً بسبب محاولة إلغاء هذا الوجود وإحلال كيان غريب محله. لكن هذا العامل الخاص مرهون بقيام ثورة عربية قادرة على تحريك عوامل الصراع الطبقي وزيادة قوة الدفع الوحدوي ضمن استراتيجيته نضالية تستند إلى الكفاح
الشعبي المسلح أسلوباً وحيداً لها.
وكلما نجح العدو في اقتطاع أراض جديدة في الوطن العربي، كما حدث بعد حرب 1967*، فقد هذا العامل الخاص في القضية الفلسطينية صفته. لذلك ربطت الجبهة، منذ البداية، مستقبل فلسطين بمستقبل الأمة العربية مؤمنة أن معركة التحرير هي معركة الأمة العربية كلها، لا معركة مجموعة أقطار، أو معركة قطر وحده. وأكدت أيضاً أن تصاعد حدة المواجهة بين جماهير الأمة العربية وأعدائها على أرض فلسطين يزيد طابعي المعركة القومي والطبقي ترسخاً وعمقاً. يقول ميشيل عفلق: “قضية فلسطين ليس لها حل خاص، إنها خلاصة القضية العربية في محنتها الحاضرة مع الاستعمار والصهيونية والرجعية، فعلاجها هو نفس علاج المجتمع العربي، هو بتحرير الأكثرية الساحقة من أبناء شعبنا في وطننا العربي الكبير من الاستغلال والاستثمار وتوحيد نضاله، أي إن القضية الفلسطينية هي خلاصة القضية العربية المتمثلة بتحقيق المجتمع العربي الاشتراكي الديمقراطي الموحد ضمن دولة واحدة تكون فلسطين جزءا أصيلاً منها، على أن تتعايش فيها مختلف الأقليات والطوائف الدينية في وضع ديمقراطي”.
لهذا رفضت الجبهة، وترفض، أي حل سياسي للصراع العربي -الصهيوني يؤدي إلى تثبيت الكيان الصهيوني الغاضب وإلى واد النضال العربي لأن وجود الكيان الصهيوني استعماراً استيطانياً فوق أرض فلسطين يستهدف الأمة العربية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ويشكل نقلة كبيرة في المشاريع الاستعمارية حيال الوطن العربي. فهذا الوجود يهدف إلى ضرب الوحدة، والتغير، وجميع حالات التقدم في الأمة العربية، أي يهدف إلى الإبقاء على أوضاع التخلف والتجزئة والاستغلال فيها. تدل على ذلك نظرية “الأمن الصهيوني” التي تمتد إلى أي قطر عربي يحاول اللحاق بركب الحضارة، ويهدد وجود الاستعمار. وتبرهن عليه تلك الصلة الوثيقة بين الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية، فالأول قاعدة متقدمة لهذه الإمبريالية، بل للعالم الرأسمالي كله.
لذلك كله رفضت الجبهة جميع المشاريع السياسية التي رأت فيها “تصفية” للقضية الفلسطينية مثل قرار مجلس الأمن رقم 242، ومشروع روجرز*، ومؤتمر جنيف، واتفاقيات كامب ديفيد*، ومبادرة بريجينيف*.
إن جبهة التحرير العربية تؤمن أنها تعبير عن حاجة الثورة العربية إلى اعتماد الكفاح الشعبي المسلح، وتعبير عن حاجة الثورة الفلسطينية إلى الأمن القومي الذي تحمله الثورة العربية الأم. وترى أن ولادة الجبهة جاءت سداً “للنقص القومي” في العمل الفدائي الذي كانت تشكو منه جميع فصائل الثورة الفلسطينية، سواء أكانت يمينية أم يسارية، فلسطينية المنشأ أم قومية، وأنه لا بد من زيادة تلاحم قوى المقاومة والقوى الشعبية العربية التي لا تتناقض مصالحها مع تعاظم الثورة ضد العدو الصهيوني الإمبريالي. لقد رأت الجبهة أن معظم الأشكال التنظيمية لفصائل الثورة الفلسطينية تتخذ أشكالاً قطرية لم تتعد في أحسن الحالات إطار الساحة الفلسطينية الأردنية فدخلت ساحة العمل سعياً إلى تعميق النهج القومي لحركة الثورة الفلسطينية، وإلى تدارك النقص وسد الثغر التي نفذت منها القوى المعادية لخلق الثغرات الإقليمية والقطرية بين العرب الفلسطينيين والجماهير العربية.
ج- المواقف النضالية: منذ تاريخ ميلاد الجبهة وإطلاق الرصاصة الأولى ليلة السابع من نيسان 1969 أخذت عملياتها العسكرية تتتابع، لكن قيادة الجبهة اتخذت قراراً بعدم الإعلان عن أي من عمليات الجبهة. وظلت العمليات تجري بصمت حتى تاريخ 31/8/1969 حين نشرت الجبهة بيانها السياسي، وأرفقت به بلاغاً عن أربعين عملية عسكرية نفذتها منذ السابع من نيسان على الجبهات الأردنية والسورية واللبنانية.
عملت الجبهة خلال وجودها في الأردن على تعزيز الوحدة الوطنية بين فصائل المقاومة، وقامت بدورها في مناضلة العدو الصهيوني، ونفذت في السنة الأولى لتأسيسها أكثر من 600 عملية داخل الأرض المحتلة، واشتركت في مقاومة المؤامرات على الثورة الفلسطينية، وقدمت في سبيل ذلك كله الكثير من الشهداء العرب من مختلف الأقطار. ثم أخذت الجبهة ترسخ وجودها في الساحة اللبنانية فأقامت بعض القواعد في الجنوب اللبناني، وأتبعتها بقواعد ومراكز في بقية المناطق ولا سيما المخيمات الفلسطينية.
رفضت الجبهة في البداية، بسبب فهمها الخاص للنضال من أجل فلسطين، أن تشارك في المجلس الوطني الفلسطيني* لمنظمة التحرير الفلسطينية* يوفد عامل لأنها رأت هذا المجلس “إطاراً لمنظمة قطرية، بينما تركيب الجبهة قومي”، وشاركت بوفد مراقب “للاطلاع على تطور العمل الفلسطيني في إطار المنظمة، ولرغبتها في الوقوف موقفاً إيجابياً من محاولات بعض حركات المقاومة الرامية إلى تطوير المنظمة باتجاه تحقيق الوحدة الوطنية”. وعندما أعلنت صيغة الكفاح المسلح تمهلت الجبهة أربعة شهور قبل أن تشارك في هذه الصيغة “باعتبارها تشكل أرضية مشتركة يقف عليها المقاتلون”. ووافقت الجبهة عام 1970 على صيغة “القيادة الموحدة” التي أصبحت فيما بعد “اللجنة المركزية”، واشترطت إنشاء مجلس وطني للثورة يكون المرجع الأخير للقيادة الموحدة.
وعلى الرغم من تقدم هذه الصيغة الأخيرة على صيغة الكفاح المسلح، ظلت، في نظر الجبهة، تعاني وجود ثغرات كثيرة، دفعت قيادة الجبهة في 6/12/1970 إلى تقديم مذكرة إلى منظمات المقاومة ضمتها مآخذها على صيغة القيادة الموحدة، ومقترحاتها لتعزيز الوحدة الوطنية.
في ذلك الوقت كانت الجبهة تخوض معركة المقاومة الفلسطينية في الساحة الأردنية، وتشارك في لبنان بمقاتليها، وبمناضلين من الحزب في معركة صمود الثورة الفلسطينية. فكان لها دور بارز في أحداث نيسان 1969 التي انتهت إلى توقيع اتفاقية القاهرة بين السلطة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وفي معارك التصدي للعدو الصهيوني في جنوب لبنان، وسقط للجبهة عدد من الشهداء.
في أعقاب أحداث أيلول 1970 وخروج الثورة الفلسطينية من الأردن قبلت جبهة التحرير العربية دخول المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية التي انبثقت من المجلس المنعقد في القاهرة في تموز 1971. وجاءت مشاركتها بعد الأحداث التي أبرزت الحاجة إلى مشاركة القوى القومية في حماية الثورة. وقد كانت مسألة الوحدة الوطنية في هذه المرحلة في مقدمة نضال الجبهة، فدأبت وسائل إعلامها على الدعوة إلى ترسيخ هذه الوحدة، ورفعت الجبهة المذكرات إلى مختلف الهيئات الفلسطينية حول هذه المسألة، منها مذكراتها إلى المجلس الوطني في شباط 1971، وتموز 1971، وكانون الثاني 1973. وكان إصرار الجبهة على الوحدة الوطنية يعود إلى إيمانها بأن تحقيقها، وتشكيل “جبهة تحرير فلسطينية” تؤدي فيها كل فئة عربية مخلصة في انتمائها القومي دورها في النضال من أجل فلسطين، سيكون الضمانة الوحيدة لوضع جميع الطاقات في خدمة هدف التحرير.
وفي الوقت نفسه كانت الجبهة تعمل من أجل تطوير تركيبها الداخلي وفاعليتها النضالية، فعقدت في آب 1972 المؤتمر التأسيسي الأول الذي تمثلت فيه جميع القطاعات النضالية. وناقش المؤتمر التقارير المقدمة من قيادة الجبهة، وانتخب لجنة مركزية جديدة ضمت عددا من المقاتلين في القواعد، وعدداً من المؤسسين الأوائل. وقد أعطى المؤتمر دفعاً جديداً للجبهة، فزادت قوتها داخل الساحة الفلسطينية وبرزت الجبهة في المؤسسات الموحدة للثورة الفلسطينية.
لعبت جبهة التحرير العربية والحزب في لبنان، بالتلاحم مع الفصائل الأخرى، دوراً بارزاً في أحداث لبنان عام 1973 التي أعقبت اغتيال قادة المقاومة الثلاثة (الشهداء كمال ناصر* وكمال عدوان* ومحمد يوسف النجار*). والمعارك بين السلطة اللبنانية وقوات المقاومة التي انتهت بتوقيع “بروتوكول ملكارت”. واستطاعت من خلال امتدادها الجماهيري بين الفلسطينيين واللبنانيين أن تكون همزة الوصل بين الطرفين في النضال الوطني والقومي المشترك ضد المؤامرة على الثورة.
وشاركت الجبهة بمقاتليها وأعضاء تنظيماتها الشعبية بصورة فعالة إبان حرب 1973* مع العدو الصهيوني. ولما رأت الجبهة أن هذه الحرب قد وظفتها بعض الأطراف العربية لتحقيق مزيد من التخاذل، ولقبول الحلول الاستسلامية، تحركت للعمل وساهمت في تشكيل “جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية” التي ضمت ثلاثة تنظيمات فلسطينية إضافة إليها. وقد انطلقت في ذلك من شعورهايضاأنأبناءنعاءأ بالخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، ومن فهمها الثوري للنضال، ومن التزامها بالموقف المبدئي للحزب من الحلول الاستسلامية.
وكان لجبهة التحرير العربية دور بارز في أحداث لبنان الدامية التي فجرها في 13/4/1975 كمين عين الرمانة لسيارة الركوب العائدة إلى مخيم تل الزعتر، وراح ضحية عدد من أفراد جبهة التحرير العربية بالإضافة إلى عدد آخر من المدنيين وأفراد التنظيمات الأخرى. وقد شاركت الجبهة في المعارك القتالية وقدمت مئات الشهداء، وفي المعارك السياسية فكان لها دائماً موقفها الواضح المنسجم مع التزامها بالمبادىء القومية للثورة وبأهداف النضال من أجل تحرير فلسطين.
وفي الوقت الذي كانت الجبهة تتصدى فيه مع غيرها من الفصائل الفلسطينية ولأطراف الوطنية اللبنانية لأعداء الثورة داخل لبنان كانت تشارك إلى جانبهم أيضاً في المعارك مع العدو الصهيوني وعملائه في الجنوب اللبناني، خلال معارك آذار 1978، وخلال الهجمات الأخرى المتواصلة التي تلتها في الطيبة وكفركلا والقاسمية والعيشية وغيرها.
ولم يمنع ذلك كله جبهة التحرير العربية من متابعة كفاحها المسلح داخل الأراضي المحتلة، فقامت بعمليات كثيرة، وارتقت فيها من حيث النوع وقوة التأثير، ونفذ مقاتلوها عدداً من العمليات الانتحارية مثل عملية مستعمرة كفار يوفال* التي جرت صباح 15/6/1975، وعملية اقتحام كيبوتز كفار جلعادي* في الجليل الأعلى بتاريخ 10/11/1975، وعملية طبرية بالقرب من مستعمرة أسدود يعقوب جنوبي بحيرة طبرية بتاريخ 4/8/1977، وعملية اقتحام مستعمرة مسكاف عام ليلة 7/4/1980، ومحاولة اغتيال أريئيل شارون وزير الزراعة الصهيوني (آنذاك) والمسؤول عن عمليات الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة في منتصف تموز 1980، والكمين الذي نصبته قوات الداخل في جبهة التحرير العربية ليلة 5/8/1979 وانتهى إلى تدمير سيارة عسكرية وأخرى مجزرة وقتل جنود الدورية عدا واحداً أسرته قوات الجبهة.
وقد دلّت مشاركة مقاتلين من أقطار عربية مختلفة في العمليات القتالية للجبهة على أن معركة فلسطين هي معركة الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج، وعلى أن المواجهة مع العدو الصهيوني مواجهة قومية شاملة، العرب جميعهم مسؤولون عنها. كما أن استشهاد مقاتل تركي في عملية كفار يوفال، ومقاتل باكستاني في عملية مسكاف عام، دليل يؤكد أن الصراع مع الكيان الصهيوني يحظى بدعم قوى التحرر العالمية، ولا سيما شعوب العالم الثالث التي تخوض نضالاً متواصلاً مع الهيمنة الإمبريالية، ومع محاولات السيطرة الأجنبية على مقدراتها.
وعلى الرغم من حرص جبهة التحرير العربية على صيغة “جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية” وافقت أوائل 1981 على وقف العمل بهذه الصيغة بسبب التطورات السياسية على الساحتين العربية والفلسطينية بعد زيارة السادات للقدس، واتفاقيات كامب ديفيد، وبسبب التباين في بعض وجهات النظر طبيعة المرحلة، وما استدعى ذلك من حاجة إلى توحيد الصف الفلسطيني والعربي. والوقوف على أرض موقف فلسطيني مشترك في مواجهة التحديات المطروحة بروح جديدة وانفتاح جديد.
وأخيراً حاولت الجبهة جهدها أن تتجنب المزالق والانحرافات مستندة إلى نظراتها القومية وإلى فهمها الثوري التاريخي لأهمية الوحدة العربية في نضال الأمة العربية وفي النضال الفلسطيني بخاصة. وسعت إلى أن تكون أمينة لمبادىء حركة الثورة العربية، ومخلصة لأهداف النضال العربي والجبهة على الرغم من جميع الصعوبات ومتمسكة بإصرار بأهدافها وأطروحاتها واستراتيجيتها النضالية المسلحة حتى تتهيأ الظروف الملائمة لتطبيقها بنقل النضال الفلسطيني والنضال العربي إلى مستويات متقدمة تمكن من تطبيق شعار “ثورة حتى التحرير”، تحرير فلسطين بكاملها، وتحرير الوطن العربي كله من جميع أشكال السيطرة الأجنبية حتى تصبح الطريق سالكة لبناء المجتمع العربي الاشتراكي الديمقراطي الموحد.
التحرير الفلسطينية (جبهة-):
رَ: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
رَ: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة