عاش التتار في الجنوب الغربي من بحيرة بايكال، وامتدت منازلهم حتى نهر كيرولين، وهم ثلاثة أقسام: التتار البيض خارج سور الصين مباشرة، والتتار السود شمال صحراء جوبي وكانوا بدواً متنقلين، وتتار الغابة على الروافد العليا لنهري أونون وكيرولين، وقد مارسوا حياة الصيد.
وقد عرف الغزاة المغول، أيام جنكيز خان في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي باسم التتار في كل مكان في الصين، والعالم الإسلامي، وفي روسيا وغرب أوروبا، فضلاً عن إطلاق هذا الاسم على أسلاف جنكيز خان، وعلى قبائل النايمان كذلك. وكان التتار ينزلون آنذاك على بحيرة بوير نور جنوب شرق كيرولين، بينما صار اسم المغول يطلق على الشعوب التي خضعت لجنكيز خان بعد قهرها، غير أن لفظة تتار لم تلبث أن تغلبت عليها لا سيما في الجهات الغربية من الإمبراطورية المغولية.
ونرى أن لفظي التتار والمغول هما لقبيلتين كانتا تعيشان في الشطر الشرقي من آسيا الوسطى، وفي الشمال الغربي من الصين على أنهار اولدزا وكيرولين وأرخون واونون، وسائر روافد نهر آمور.
وسار مؤرخونا المسلمون على نعت المغول بالتتار، وقد تعرضت فلسطين أيام المماليك* لخطر المغول مرتين، كانت الأولى في بداية دولة المماليك البحرية (648 – 784هـ/ 1250 – 1382) ، فقد عانت مدن الخليل* وبيت جبرين* وغزة * من أعمال السلب والنهب كثيراً، وعلى أرض فلسطين دارت معركة عين جالوت*، وكانت الفاصلة بين جيوش الدولة المملوكية الناشئة، بقيادة سيف الدين قطز المعزي* (657 – 658هـ/1258 – 1259م)، وجيوش المغول بقيادة كتبغا نوين، انتهت بانتصار المماليك على المغول، يوم الجمعة 25 رمضان 658هـ/ 1259م وطاردت جيوش المماليك المغول حتى بيسان*، وبذلك تلاشت أحلام هولاكو في الاستيلاء على مصر وبلاد الشام.
ظلت المناوشات بين الطرفين قائمة بعد ذلك، وبلغت أشدها في أيام سلطنة الناصر محمد بن قلاوون* الثانية، عام (698 – 707هـ/1298 – 1308م)، إذ استولت قوات غازان المغولي على دمشق، واجتاحت منطقة الأغوار، ونهبت القدس* وغزة، وكانت المرة الثانية التي هدد الخطر المغولي فيها الدولة المملوكية، وأصابت آثاره فلسطين، أيام سلطنة الملك الظاهر برقوق بن آنص الثانية (792 – 801هـ/ 1389 – 1398م)، وهو من سلاطين المماليك البرجية (784 – 922هـ/ 1382 – 1517م). وقد هدد تيمورلنك بلاد الشام عام (796هـ/ 1394م)، فأرسل السلطان برقوق العسكر إلى حلب للتصدي لخطر المغول. وكان بين أمراء العسكر نائب غزة، ونائب صفد*، لكن تيمورلنك لم يقدم على لقاء الجيش المملوكي هذه المرة. ثم عاد إلى تهديد بلاد الشام عام (803هـ/1400م)، بعد وفاة برقوق، في أيام ابنه السلطان فرج (801 -808هـ/ 1398 – 1405م) وقد وجه السلطان فرج نواب النيابات الشامية، ومنهم نائبا غزة وصفد، لمواجهة تيمورلنك، عند حلب. وكان شملهم متفرقاً، فأتاح ذلك الفرصة للمغول، أن يجتاحوا حلب، ويأسروا النواب، بعد أن طلبوا الأمان. ولما خرج السلطان بنفسه للقاء المغول هزم جيشه عند دمشق، فتراجع تاركاً هذه المدينة لقمة سائغة للمغول، وهرب الناس من دمشق وطرابلس وحماة وصفد والقدس* والرملة* وغزة من وجه تيمورلنك إلى مصر، وتشردوا في البلاد.
وأما تيمورلنك فإنه أقام في دمشق ثمانين يوماً، ينهب ويحرق ويدمر، وأخيراً تركها خراباً في 3 شعبان 803هـ إلى حلب في طريقه إلى بغداد، فأعمل فيهما النهب والخراب، وتركهما إلى بلاد الروم.
المراجع:
– ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، القاهرة 1963 -1972م.
– ابن عريشاه: عجائب المقدور في أخبار تيمور، القاهرة 1887م.
– السيد الباز العريني: المغول، دار النهضة العربية، بيروت 1981م.
– المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك، القاهرة، 1956 – 1958م.
– المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، القاهرة 1927م.