عندما كانت الدولة العثمانية في أوج مجدها وقوتها منحت بعض رعايا الدول الأوروبية إعفاء من القوانين المحلية أثناء إقامتهم في بعض الموانىء أو محطات القوافل للتجارة. وأول هذه الامتيازات ما أعطاه السلطان سليمان القانوني سنة 1535م ملك فرنسا فرنسوا الأول، ثم ما نالته إليزابث ملكة إنكلترا سنة 1580م من السلطان مراد الثالث بلغته المتعالية “قد أعطينا ووهبنا ….”. لكن هذه اللهجة تغيرت بعد قرنين عندما أخذت روسيا امتيازات مهمة بعد انتصارها على الدولة العثمانية. وسرعان ما تغير الغرض الأساسي من الامتيازات، وهو تسهيل التجارة، فلم تكتف الدول الأجنبية بعد ذلك بحماية رعاياها من “الفرنج”، بل ادعت فرنسا حماية النصارى الكاثوليك في جميع أنحاء الدولة العثمانية، وادعت روسيا حماية الأرثوذكس، وادعت بريطانيا حماية اليهود في فلسطين والبروتستانت في جميع الولايات العثمانية.
وهكذا شملت الامتيازات حماية المبشرين وما أسسوه من مدارس ومستشفيات، كما شملت بعض اليهود والنصارى الذين اكتسبوا جنسية أو حماية دولة أجنبية بالعمل في القنصليات والوكالات التجارية أو المعاهد العلمية. فأصبحت الامتيازات عبئاً ثقيلاً على كاهل الدولة العثمانية وواسطة لتدخل الدول الأجنبية في شؤونها الداخلية. وقد عانت البلاد العربية من شر الامتيازات كثيراً، وبخاصة في فلسطين وسورية ولبنان. ففي منتصف القرن التاسع عشر مثلاً كان التاجر الأجنبي يدفع 3.5 بالمئة ضريبة على بضاعته، ويدفع التاجر المحلي الوطني 12 بالمئة. وفي فلسطين أساء اليهود استعمال الامتيازات في عدة نواح، فكان الذين هاجروا من روسيا يحتفظون بجنسية مزدوجة يفيدون منها في التخلص من أحكام القانون العثماني، وقد شجعهم قناصل روسيا على ذلك لا محبة بهم بل لزيادة النفوذ الروسي في تركيا.
فلا غرابة أن تختم تركيا نشوب الحرب سنة 1914 فتسرع إلى إعلان إلغاء الامتيازات الأجنبية دون موافقة الدول صاحبة العلاقة.
المراجع:
– فؤاد شباط: المركز الحقوقي للأجانب في سورية، دمشق 1965.
– عز الدين عبد الله: القانون الدولي الخاص 1972.
– Tibawi, A.L.: British Interests in Palestine 1800 – 1901, Oxford 191.
– Tibawi, A,L.: Modern History of Syria including Lebaonon and Palestine, London 1969.