أنشأ الفرنجة* في القدس* مشافي يشرف عليها الرهبان (رَ: المستشفيات)، منها مشفى عازار لمداواة المجذومين ومشفى القديس يوحنا، وقد نجم عنهما تأسيس ثلاث منظمات رهبانية عسكرية هدفها إيواء ومداواة المرضى والجرحى من الجنود والحجاج المسيحيين، وهي: منظمة فرسان القديس يوحنا وتميز أتباعها بالثوب الأسود والصليب الأبيض على الصدر، ومنظمة فرسان الهيكل وتميز أفرادها بالثوب الأبيض والصليب الأحمر على الصدر، وهاتان المنظمتان فرنسيتان، ومنظمة الفرسان التوتونيين، وهم من الألمان، وتميز أعضاؤها بالثوب الأبيض والصليب الأسود على الصدر. وقد دل لباسهم جميعاً على الصفة المزدوجة التي تجمع لديهم بين الرهبنة والجندية.
أما منظمة فرسان القديس يوحنا أو فرسان بيت المقدس، وأسماهم العرب الإسبتاريّة، فقد تأسست في السنة التي استولى فيها الصليبيون على القدس سنة 493هـ/ 1099م. وقد اضطلع أفرادها بدور كبير في الحروب التي خاضها الصليبيون في فلسطين. ولم تلبث المنظمة أن اكتسبت سلطة واسعة ونفوذاً قوياً بفضل المساعدات المادية والأموال التي كانت تجبى باسمها في جميع أنحاء أوروبا المسيحية، فاقتنت العقارات وأنشأت الحصون والقلاع كقلعة الحصن في سورية (540هـ/ 1145م) وأسست البيوت التجارية لاستثمار تلك الأموال التي مكنتها من إعالة أتباعها والقيام بنفقات الحروب. ولما استرد العرب مدينة القدس بعد معركة حطين المشهورة (583هـ/ 1187م) رحل الإسبتاريّة عنها إلى قبرص، وبعدها إلى رودس سنة (709هـ/ 1309م)، وفيها أقاموا مؤسساتهم الدينية والدنيوية، وعرفوا يومئذ بفرسان رودس، وتم تجنيد كثير منهم من بين الأسر الكاثوليكية الأوروبية العريقة. وقد نعمت المنظمة عهدئذ بفترة ازدهار وتألّق، فامتدت سيطرتها وقامت بغزوات بحرية ناجحة على سواحل البحر المتوسط. ولَّما هاجمت جيوش محمد الثاني العثماني جزيرة رودس ثلاث مرّات متوالية دافع الإسبتاريّة عنها ببسالة، ولكنهم لم يستطيعوا فيما بعد الثبات أمام جحافل السلطان سليم الأول القانوني سنة (929هـ/ 1522م)، وكاد شملهم يتفرق لولا أن منحهم فجعلوها مقرهم الرئيس، وسموا بعدها “فرسان مالطة”، وانصرفوا، بعد زوال تعصبهم الديني وضعف الروح العسكرية فيهم، إلى أعمال البر والإحسان حتى استولى نابليون بونابرت على مالطة سنة (1213هـ/ 1798م).
خضعت مالطة بعد انسحاب الفرنسيين منها سنة (1216هـ/ 1801م) للحكم البريطاني. وكان من شروط المعاهدة التي لم تنفذ بين الدولتين إعادة الجزيرة إلى فرسان مالطة. حاول البابا سنة (1297هـ/ 1879م) إعادة منصب الرئاسة العليا للإسبتاريّة، ولكن شهرة منظمة فرسان مالطة ظلت هي الغالبة. ولا يزال للإسبتاريّة بقايا مبعثرة في أوروبا وفلسطين ليست ذات شأن يذكر.
المراجع:
-De Pierredon, M.: Histoire Politique de L’ordre Souverain de Saint- Jean de Jerusalem de 1789a 1955, Paris 1956.
– Encyclopedia Universalis.
– Engel, C.E.: L’Ordre de Malte en Mediterranee (1530 -1798), Monaco 1957.
أسبوع فلسطين العالمي: رَ: فلسطين (أسبوع – العالمي)