كثرت في الستينات ومطلع السبعينات من القرن العشرين حوادث اختطاف الطائرات واغتيال الزعماء السياسيين والممثلين الدبلوماسيين والمسافرين والسائحين، أو احتجازهم رهائن من أجل الابتزاز المالي أو الحصول على اللجوء السياسي، أو غيرهما من الأغراض. وقد انتهزت القوى الاستعمارية والعنصرية والصهيونية هذه الحوادث، وقد سعت إلى استقلالها لمقاومة حركات التحرر الوطني والقضاء عليها، وبخاصة حركة المقاومة الفلسطينية.
وكانت الأمم المتحدة قد أخذت تهتم بهذا النوع من الحوادث التي أدرجت تحت مصطلح “الإرهاب الدولي” فأعدت “مشروع اتفاقية خاصة بالجرائم ضد سلام الإنسانية وأمتها”، و”مشروع اتفاقية لمنع المخالفات المرتكبة ضد الدبلوماسيين وغيرهم من الأشخاص الذين لهم حق التمتع بحماية دولية”. كما وضعت منظمة الطيران المدني الدولية ثلاث اتفاقيات بشأن: المخالفات المرتكبة على متن الطائرات (اتفاقية كوكيو 1963)، والحجز غير الشرعي للطائرات (اتفاقية لاهاي 1970) والأعمال غير الشرعية الموجهة إلى أمن الطيران المدني (اتفاقية مونتريال 1971).
وعلى الرغم من ذلك ظل موضوع الخلط بين حوادث الإرهاب ونشاط حركات التحرر الوطني بعيداً، إلى حد ما، عن الأمم المتحدة. لكن الصهيونية* والقوى الإمبريالية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية* شددت عام 1972 ضغطها على المنظمة الدولية كي تعالج موضوع “الإرهاب الدولي”، وتتخذ التدابير التي تؤدي إلى الحد من أعماله ومظاهره. وقدم المندوب الإسرائيلي في هيئة الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام طلب فيها من المنظمة الدولية “أن تتحرك بصورة فعالة وبلا تردد لتضع حدا للإرهاب”، وطالب بالضغط على الدول العربية كي تمنع وجود منظمات المقاومة الفلسطينية على أراضيها، وهدد هذه الدول بأن (إسرائيل) ستتخذ “جميع التدابير الضرورية لتدافع عن نفسها”.
وبنتيجة هذا كله قدّم الأمين العام للأمم المتحدة يوم 8/9/1972 اقتراحاً إلى الجمعية العامة في دورتها السابعة والعشرين طلب فيه “دراسة التدابير المانعة للارهاب الدولي، ولأشكال العنف الأخرى التي تعرض الأرواح البشرية البريئة للخطر، أو تودي بها، أو تعرض الحريات الأساسية للخطر”. وعلل الأمين العام طلبه بقوله: إن العالم يخضع في الوقت الحاضر لموجة من الأعمال الإرهابية أودت بحياة عدد من رجالات الدول والدبلوماسيين، بالإضافة إلى أنها أزهقت أرواح أناس كثيرين كان خطؤهم الوحيد أنهم ينتمون إلى عرق أو ديانة أو دولة معينة”.
وقد دفع ذلك الدول العربية في الأمم المتحدة إلى التحرك، فأوضحت للأمين العام أن عنوان الموضوع، حسب اقتراح الأمين العام، شامل، واسع الإطار، ويخشى أن تستغله الدول المعادية لحركات التحرر الوطني فتحشر أعمال هذه الحركات ضمن إطار الإرهاب، وفي ذلك انتهاك لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها.
حينذاك صرح الأمين العام بأنه ليس من المناسب دراسة ظاهرة الإرهاب “دون الأخذ بعين الاعتبار بالأسباب الكامنة وراءها”، وأوضح أنه لم يهدف باقتراحه إلى “المس بالمبادىء التي حددتها الجمعية العامة فيما يتعلق بالشعوب المستعمرة أو غير المستقلة التي تناضل للحصول على استقلالها وحريتها”.
ولما بدأت دورة الجمعية العامة السابعة والعشرون في أيلول 1972 تحدّث 92 وزير خارجية – من بين 128 وزيراً ألقوا بيانات في الجمعية – عن الإرهاب الدولي، فدان معظمهم الإرهاب إذا كان القصد منه نشر الرعب، أو الابتزاز، أو الكسب غير المشروع، أو الاغتصاب، أو قتل الأبرياء. وراحوا يرسمون الخطوط الفاصلة بين الإرهاب وأعمال التحرر الوطني، وأوضحوا أن حركات التحرر الوطني يحق لها أن تستخدم جميع الوسائل المتوفرة لديها في سبيل تحقيق أهدافها وحصولها على حقوقها التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها.
وانبرت وفود الولايات المتحدة و(إسرائيل) وبعض دول أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية تدين الإرهاب بمختلف أشكاله دون النظر إلى دوافعه وأسبابه، وتطالب باتخاذ التدابير لمنعه والحد من أعماله وآثاره. وكان وزير الخارجية الأمريكية أكثر رؤساء الوفود حماسة، فوزّع مع خطابه مشروع اتفاقية دولية في هذا الشأن.
وحينما عرض موضوع بند الإرهاب الدولي كما اقترحه الأمين العام على الجمعية العامة لإدراجه على جدول أعمالها أقرت الجمعية العامة، باقتراح من أحد الوفود العربية، إضافة فقرة إلى عنوان الموضوع بحيث أصبح: “التدابير المانعة للإرهاب الدولي ولأشكال العنف الأخرى التي تعرض الأرواح البشرية البريئة للخطر، أو تودي بها، أو تعرض الحريات الأساسية للخطر، ودراسة الأسباب الكامنة وراء أشكال الإرهاب وأعمال العنف التي مردها إلى البؤس وخيبة الأمل والحيف واليأس، والتي تدفع ببعض الناس إلى إزهاق الأرواح البشرية بما فيهم أرواحهم هم أنفسهم في محاولة الأحداث تغييرات أساسية”.
درست اللجنة القانونية (إحدى اللجان الرئيسة السبع المتفرعة عن الجمعية العامة) موضوع الإرهاب الدولي بالعنوان الوارد أعلاه، فتباينت الآراء، وتعددت الاجتهادات، واصطدمت الاتجاهات، وتجسد ذلك كله في ثلاثة مشاريع قرارات قدمت أولها الولايات المتحدة، وثانيها بعض دول أوروبا الغربية وأميركا اللاتينية*، وثالثها مجموعة من الدول غير المنحازة. وقد تبنت الجمعية العامة بأكثرية أعضائها (76 ضد 35، واستنكاف 17) مشروع قرار الدول غير المنحازة. وصدر القرار برقم 3034 (د-27) وتاريخ 18/12/1972.
طلب القرار من الدول الأعضاء أن تعكف على دراسة الحلول العادلة والسلمية التي تؤدي إلى ازالة الأسباب الكامنة وراء أعمال العنف، وبين أن الجمعية العامة تؤكد “الحق الثابت في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب للأنظمة الاستعمارية والعنصرية ولغيرها من أشكال السيطرة الأجنبية. وتؤكد شرعية نضالها، وبصورة خاصة نضال حركات التحرر الوطني، وفق أهداف ومبادىء الميثاق وقرارات أجهزة الأمم المتحدة”. ودان “أعمال القمع والإرهاب التي تستمر الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأجنبية بممارستها حارمة الشعوب من حقها الشرعي في تقرير مصيرها واستقلالها ومن حقوق الإنسان الأخرى والحريات الأساسية”. وقررت الجمعية العامة تشكيل لجنة خاصة مؤلفة من 35 دولة، وطلبت من جميع الدول أن تقدم إلى هذه اللجنة الخاصة اقتراحاتها لإيجاد حل لمشكلة الإرهاب. وكلفت اللجنة أن تقدم تقريرها إلى الجمعية العامة في دورتها الثامنة والعشرين (1973).
قادت الولايات المتحدة معارضة هذا القرار في الجمعية العامة، وأعلن رئيس وفدها أن بلاده ستعمل على اتخاذ التدابير المناهضة للإرهاب بالتعاون مع دول أخرى خارج إطار الأمم المتحدة، وقال: “إننا مضطرون إلى سلوك هذا السبيل ما دامت عطالة الأمم المتحدة تجبر الدول على التلاقي خارجها”. وكان مندوب (إسرائيل) أكبر مناصر للمندوب الأميركي في تهجمه على المنظمة الدولية وتجريحه القرار، وقال: “إن النهاية التي انتهت إليها مناقشة الإرهاب ليست سوى طلقة الرحمة أطلقت على كيان الأمم المتحدة”.
تصدت الوفود العربية والإفريقية وغيرها لجميع هذه المفاهيم الإمبريالية والصهيونية وكشفت بطلاتها وكذبها، وبخاصة أنها حاولت أن تخنق حركات التحرر الوطني تحت ستار الحد من أعمال الإرهاب الدولي. وكان بحث موضوع الإرهاب في الجمعية العامة فرصة مناسبة لكي تفتح الوفود العربية والصديقة ملف الإرهاب الصهيوني وتاريخه ومآسيه وأهدافه.
استمر عمل اللجنة الخاصة بالإرهاب الدولي سنوات. وقد اتخذت الجمعية العامة في الدورة 34 قراراً رقمه 34/ 145 وتاريخه 17/12/1979 نص على أن تدرس الجمعية العامة في دورتها السادسة والثلاثين (أيلول 1981) تقرير اللجنة الخاصة. وجاء في إحدى فقرات هذا القرار “تسلم الجمعية العامة بأنه ينبغي لها ولمجلس الأمن، من أجل الإسهام في القضاء على الأسباب الكامنة وراء الإرهاب الدولي ومشكلة الإرهاب الدولي، أن يوليا اهتماماً خاصاً لجميع الحالات، بما في ذلك، في جملة أمور، الاستعمار والعنصرية والحالات التي تنطوي على الاحتلال الأجنبي، أي الحالات التي قد تدفع إلى الإرهاب الدولي، وقد تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، وذلك بقصد تطبيق ما يتصل بالموضوع، حيثما أمكن ذلك، من أحكام ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الفصل السابع منه”.
ولا تزال الجمعية العامة للأمم المتحدة تناقش هذا الموضوع حتى دورتها السابعة والثلاثين (1982).
المراجع:
– محاضر وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.