كلمة ” أشكناز” في أساسها اسم لأحد أحفاد نوح، وقد أطلقت على أحد الشعوب التي ورد ذكرها في سفر التكوين (10 – 3). وفي كتب الربيين للقرون الوسطى كانت العبارة تطلق على ألمانيا. ولا سيما أرض الهجرة الأساسية في منطقة ماينز وفورمز على ضفاف الراين. وقد أخذت كلمة أشكنازي تطلق على اليهود الألمان بشكل خاص، وعلى يهود أوروبا الغربية بشكل أعم، مع أن ليهود فرنسا مثلاً اسما آخر هو “أريغاتيم”.
ونقابل عبارة الأشكنازيين (أشكنازيم بالعبرية) عبارة السفرديين* التي تشمل اليهود الشرقيين ويهود إسبانيا الذين هاجروا في القرن الخامس عشر وانتشرت تجمعاتهم في حوض البحر المتوسط، ويستعمل تعبيرا “سفردي” و”يهودي شرقي” كمفهوم واحد.
ولقد تميز الأشكنازيون عن السفرديين بعدم تقبل حضارات الشعوب التي عاشوا على أرضها، وبمحافظتهم على لغة “الييديش” الخاصة بهم، وهي لغة تطورت من اللغة الألمانية ودخلتها بعض الكلمات والمصطلحات العبرية، كذلك دخلتها فيما بعد كلمات من السلافية.
ويمكن التفريق بين أشكنازيي أوروبا الشرقية وأشكنازيي أوروبا الغربية في الطقوس الدينية وفي نمط الحياة، فالأولون أكثر تمسكاً بحرفية نصوص الكتاب المقدس وأشد تزمتاً في أمور الدين، وهم أقل حضارة.
انتقل الأشكنازيون في أوروبا القرون الوسطى من التمركز في مهنة التجارة إلى الإقراض الربوي، وبصورة خاصة إلى إقراض الأمراء والنبلاء. وتوصل قسم كبير منهم إلى درجة عالية من الغنى عن طريق إدارة أموال هؤلاء الأمراء والنبلاء وتدوين حساباتهم، إذ كانوا أمناء خزينة ومحصلي ضرائب يحصلونها لحسابهم الخاص لقاء مبلغ مقطوع للخزينة. كما منحت لهم حقوق استثمار احتكارات الممالح والمناجم.
وجاء طرد الأشكنازيين من دول أوروبا الغربية عقب التطور الاجتماعي هناك ، وعلى أثر البرجوازية التجارية في بلدان أوروبا الغربية التي أرادت الحلول محل اليهود في الأعمال المصرفية والتجارية، خاصة أن هؤلاء أساؤوا وتعسفوا حتى أصبحوا مضرب المثل في الجشع والاحتكار. وقد شهدت هذه المرحلة أعمال اضطهاد موجه للأشكنازيين أشهرها مجازر وحرائق سنوات 1348 – 1350 في ألمانيا التي سميت بسنوات الموت الأسود. وقد أخرج الأشكنازيون نهائياً من انكلترا في نهاية القرن الثالث عشر، ومن فرنسا في نهاية القرن الرابع عشر، ومن ألمانيا في القرن الخامس عشر. وذهب معظمهم إلى أوروبا الشرقية إلا أقلية اندمجت تدريجياً بالسكان الأصليين متأثرة بصورة خاصة بظهور حركة الاستنارة اليهودية.
حمل الأشكنازيون الذين هاجروا إلى ليتوانيا وبولونيا وروسيا البيضاء معهم حضارة وأفكار أوروبا الغربية، ونقلوا مهنهم في التجارة والإقراض الربوي وإدارة أموال واحتكارات الأمراء وتعهد مواردهم كما حملوا معهم سلوكهم التعسفي وجشعهم المعهود. ففي دوقية ليتوانيا تسلم الأشكنازيون مثلاً بين عامي 1463 و1494 مكاتب الجمارك في جميع المدن الريئسة مثل: بيليك وبرينسك وبرشكزن وأردينو وكييف ومينسك ونفغورود وجيتومير. وشكل الأشكنازيون في أوروبا الشرقية حتى مطلع القرن العشرين أكبر تجمع سكاني يهودي يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، وكانوا يشكلون نصف عدد يهود العالم. وقد أنشأوا نمطاً حضارياً مفصلاً عن المجتمعات الزراعية المحيطة بهم. ويعد هذا ظهور صورة “الغيتو”* أو الحي اليهودي. وكان 87% من أشكناز أوروبا الشرقية في القرن التاسع عشر يعملون بالتجارة، و12% حرفيين و1% يعملون بالزراعة.
وعندما بدأت أوروبا الشرقية تنتقل من مرحلة الإقطاع إلى الرأسمالية تكررت هناك مسألة محاربة اليهود على نحو ما حصل في غرب أوروبا، وبدأت هجرة الأشكنازيين إلى أوروبا الغربية وأمريكا خاصة بعد التمرد الشعبي الذي قاده “بوغدان شميلنيكي” (1595 – 1657) عام 1648 ضد نظام الحكم البولوني في أوكرانيا حيث كان الإقطاعيون والتجار المرابون اليهود مسيطرين. وقد أدى إقراض اليهود الإقطاعيين أموالاً ضخمة إلى أن تحول التجار والمرابون اليهود إلى ممثلين للإقطاعيين في جباية الضرائب الباهظة من ضياع الإقطاعيين وأملاكهم. وكان من نتيجة هذا التمرد أن قتل بعض اليهود.
وقد سبب ذلك كله إعاقة حركة اندماج اشكنازيي الغرب في المجتمعات المحيطة بهم. وكان تكاثرهم أسرع من تكاثر اليهود المقيمين من السفرديم، حتى وصلت نسبتهم في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين إلى 94% من مجموع عدد يهود العالم، وزاد عددهم على عدد السفرديم في تلك الدول التي هاجروا إليها، عدا دول شمال إفريقيا وإيطاليا والشرق الأوسط.
لكن نسبة الأشكنازيين العامة انخفضت إلى 77.7 % عام 1941 وإلى 59% عام 1963. وانتقل مركز الأشكناز منذ مطلع هذا القرن من روسيا إلى الولايات المتحدة. ويعتبر الأشكنازيون المؤسسين الفعليين للحركة الصهيونية، وقد شغلوا المراكز السياسية والاقتصادية والإدارية في الكيان الصهيوني بعد إعلان قيامه. وكانوا يشكلون حتى مطلع الخمسينات من القرن العشرين الأغلبية الساحقة من سكان (إسرائيل).
لم ينصهر الأشكنازيون مع اليهود الشرقيين في المجتمع الإسرائيلي، بل حافظوا على نمط معيشتهم الأوروبي. وبقي لهم حاخام مستقل وعدد من الحاخامين الرئيسين للشؤون الدينية. وظلوا ينظرون بكثير من التعالي إلى السفارديم.
كذلك ظهر تمايز بين أقسام الأشكناز حسب الدول التي جاؤوا منها، فأطلق مثلاً على اليهود الألمان تعبير “يكش” أي اليهود الذين يصعب أن يفهموا (بالعبرية: يهودي كشيه لهفين).
ورغم أن أبناء الأشكنازيين الذين ولدوا في (إسرائيل) يعتبرون جزءاً من الصابرا* (مواليد البلاد) إلا أن مجتمع الأشكناز في (إسرائيل) سيبقى متميزاً ومتفوقاً ما حافظ الأبناء الأشكنازيون على خصائصهم وأصروا على تعاليهم على السفارديم.
المراجع:
-Landshut: Jewish Communities in Muslim Countries of the Middle East, London 1950.
– Puppin : The Jewish Fate and Future, London 1970.