يعتمد تصنيف الأرض على أسس طبيعية أهمها التربة والانحدار والصرف. وعلى ضوء هذه الأسس تقسم الأرض إلى فئتين رئيستين هما: الأرض القابلة للزراعة، والأرض غير القابلة للزراعة. وتضم كل من الفئتين في فلسطين أربع مجموعات. وإذا كانت مجموعات الفئة الأولى تصلح للاستعمال الزراعي أولاً، وللاستعمالات الأخرى بصورة ثانوية، فإن مجموعات الفئة الثانية تصلح فقط للاستعمالات الأخرى من نمو غابات وأعشاب طبيعية، إلى مبان وإنشاءات عامة.
يبلغ مجموع مساحة أراضي فلسطين 26.323.023 دونماً، منها 9.205.538 دونماً من أراضي الفئة الأولى القابلة للزراعة، ونحو 17.117.485 دونماً من الأراضي غير القابلة للزراعة. وقد صنفت هذه الأراضي، حسب الدراسة التي قامت بها اللجنة الأميركية البريطانية سنة 1946، على النحو التالي:
الأراضي الجيدة: وتقسم إلى مجموعتين:
1) المجموعة الأولى: تضم السهل الساحلي* حيث الأراضي المنبسطة، والتربة الطفلية الخصبة، والموارد المائية الكافية. وتصلح أراضي هذه المجموعة لزراعة جميع أنواع المحاصيل الزراعية، ولا سيما الحمضيات* والخضر* والنباتات العلفية.
2) المجموعة الثانية: وهي أراضي سهل عكا* ومرج ابن عامر* وسهل بيسان والجزء الشمالي من وادي الأردن الأدنى (رَ: الغور) وسهل الحولة*. تتميز هذه الأراضي بتربتها الطميية السميكة الصالحة لزراعة مختلف أنواع المحاصيل الزراعية. وإذا توافرت وسائل الري أمكن قيام زراعة كثيفة في هذه الأراضي.
الأراضي المتوسطة: وتقسم أيضاً إلى مجموعيتين هما المجموعتان الثالثة والرابعة من مجموعات فئة الأراضي القابلة للزراعة:
المجموعة الأولى: تضم الأراضي في مرتفعات الجليل ونابلس والقدس والخليل. وهي تمتد على طول المرتفعات الجبلية (باستثناء مرج ابن عامر) من الحدود اللبنانية شمالاً حتى جنوبي قرية الظاهرية*جنوباً. وتتفاوت الأرض فيما بينها بحسب درجة انحدارها، فبعضها يجمع بين الانبساط والتموج، معظمها ينحدر انحداراً متدرجاً، في حين تنحدر بعض السفوح بشدة، وتتخللها صخور ناتئة. والتربة في أراضي هذه المجموعة رقيقة أو منجرفة بصفة عامة، لكنها في الأودية الجبلية سميكة. وتصلح هذه الأراضي لزراعة أشجار الزيتون والعنب والفواكه والحبوب.
المجموعة الثانية: تتركز أراضي هذه المجموعة في الجزء الشمالي الغربي من النقب*، في منطقة مثلثة الشكل ، قاعدتها المنطقة بين رفح* وبئر السبع*، وضلعاها طريق الفالوجة – بئر السبع، وطريق الفالوجة – رفح. وتتفاوت أراضي هذه المجموعة، فهي حوضية أحياناً كما في حوض بئر السبع، وتلّية أحياناً أخرى كما في الجهات المحيطة بحوض بئر السبع والممتدة غرباً حتى رفح، وسهلية منبسطة أحياناً ثالثة كما في الجزء الجنوبي من السهل الساحلي الفلسطيني. كذلك تتفاوت أنواع التربة أيضاً، فهي لوسية في الجهات الجنوبية، وطفلية طينية في الجهات الشمالية. المناخ شبه صحراوي في الجنوب ويقترب من المناخ البحري المتوسطي في الغرب والشمال. أما الزراعة* فهي محدودة بسبب قلة الأمطار وعدم انتظامها. فالأرض الزراعية تعتمد هنا على المطر أساساً. وقد تحول بعضها في السنوات الأخيرة إلى أراض مروية. وتسود في أراضي هذه المجموعة زراعة الحبوب، ولا سيما الشعير، بالإضافة إلى بعض أنواع الخضر.
ج- الأراضي الفقيرة: وتقسم الى أربع مجموعات:( من المجموعة الخامسة حتى الثامنة).
المجموعة الأولى: وتمثلها الأراضي المنخفضة في الجزء الجنوبي من وادي الأردن، حيث التربة المحلية أحياناً، والأرض الوعرة أحياناً أخرى. وتنمو أعشاب الرعي خلال فصل الشتاء، في حين تزرع مساحات قليلة من الأرض التي تتوافر فيها مصادر المياه للري.
المجموعة الثانية: توجد أراضي هذه المجموعة في السفوح والمنحدرات الشرقية لمرتفعات نابلس والقدس المطلة على وادي الأردن. والتربة هنا رقيقة تعاني الجفاف*، لذلك تنمو الأعشاب الفقيرة الصالحة للرعي. وتمارس الزراعة في الجهات التي تتوافر فيها المياه.
المجموعة الثالثة: وتوجد في برية القدس والخليل المحصورة بين المرتفعات الجبلية والبحر الميت*. وهي أراض وعرة تنمو فيها الأعشاب الفقيرة. كذلك توجد أراضي هذه المجموعة في النقب الأوسط والجنوبي حيث الوعرة النسبية والتربة الفقيرة التي لا تسمح إلا بنمو الأعشاب القصيرة، والزراعة المحدودة جداً حول مصادر المياه.
المجموعة الرابعة: وهي الكثبان الرملية بمحاذاة شاطىء البحر المتوسط. ولا تصلح إلا بعد زراعة الأحراج والحشائش فيها عشر سنوات على الأقل.
د- أهمية أصناف الأرض السياسية: إن القاء نظرة على خريطة أصناف الأرض وخريطة الاستيطان اليهودي في فلسطين يوضح مدى الارتباط الوثيق بين هذا الاستيطان والاصناف الجيدة للأرض. لقد كان اليهود يملكون عام 1945 نحو 13% من مجموع مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في فلسطين فقط. لكن هذه النسبة العامة لا تعطي صورة صحيحة عن قيمة الأراضي التي وقعت في يد اليهود، فمعظمها من أراضي السهول الخصبة حيث التربة الغنية، والمياه المتوافرة، والمناخ المعتدل.
وقد قدرت قيمة الأراضي التي يملكها اليهود بمقياس نوع الزراعة وخصب التربة بنحو 24% من مجموع مساحة الأراضي الصالحة للزراعة. وهي نسبة عالية إذا قيست بنسبة الأرض العربية الصالحة للزراعة من مجموع ممتلكات العرب وهي 60% تقريباً. لقد أخذ الاستيطان اليهودي منذ البداية يستولي على أجود الأراضي الزراعية، ويسيطر على السهول الساحلية والداخلية، كالسهل الساحلي وسهل عكا وسهل مرج ابن عامر وسهل بيسان وسهل الغور الشمالي بين بيسان* وبحيرة طبرية* وسهل الحولة وغيرها. وتركزت ملكية اليهود في أكثر المناطق خصباً داخل كل قضاء، فكانوا يملكون 45% من مجموع الأراضي الزراعية في قضاء طبرية، و 40.9% من مجموعها في قضاء حيفا، و 40.8% في قضاء بيسان، و37% في قضاء الناصرة، و 35.1 % في قضاء يافا، و25% في قضاء صفد، و20.8% في قضاء طولكرم، و16.8% في قضاء الرملة، و11.9% في قضاء غزة. أما الأقضية الأخرى التي تقل فيها الأراضي الخصبة فقد نجت من أيدي اليهود، لذا لم يتملكوا في قضاء القدس سوى 3.9% من مجموع مساحة الأراضي الزراعية، و2.8% من مجموعها في قضاء بئر السبع، و2.6% في قضاء عكا، و0.9% في قضاء جنين، و0.7% في قضاء الخليل و0.2% في قضاء رام الله.
وكانت الوكالة اليهودية* تمتلك 58 مستعمرة زراعية عام 1930، مساحة أراضيها 144.224 دونماً، منها 130.190 دونماً صالحة للزراعة، بينها 122.003 دونمات مزروعة فعلاً (تقرير السير جون هوب سمبسون*). ويعني هذا أن نسبة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة كانت 90.27% من مجموع مساحة أراضي المزروعة تبلغ 84.59% من هذا المجموع. وقد بلغ مجموع الأراضي التي يملكها اليهود في عام 1945 نحو 1.588.356 دونماً منها 1.176.645 دونماً صالحة للزراعة، أي أن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة بلغت زهاء ثلاثة أرباع مجموع ما كان يملكه اليهود في ذلك العام.
وقد كانت جميع مشروعات التقسيم التي اقترحها اللجان المختلفة تعطي اليهود أحسن أصناف الأراضي وتترك للعرب الأراضي الفقيرة. (فالدولة اليهودية) حسب مشروع التقسيم الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/1947 مثلاً تضم الغور الشمالي من وادي نهر الأردن الأدنى بين طبرية وبيسان، وسهل مرج ابن عامر، وسهل بيسان، ومعظم السهل الساحلي وقضاء بئر السبع المشتمل على النقب. ومعظم هذه المناطق من الأراضي ذات الأصناف الجيدة (رَ: تقسيم فلسطين). أما الدولة العربية المقترحة فتضم منطقة الجليل الغربية، والأراضي الجبلية في أقضية نابلس ورام الله والقدس والخليل (عدا مدينة القدس)، والسهل الساحلي الجنوبي الممتد من أسدود* حتى الحدود المصرية. ومعظم أراضي هذه الدولة من الأصناف المتوسطة أو الفقيرة.
وإذا قدر حد السكان الأعلى الذين يمكن أن يعيشوا في الأراضي العربية المقترحة بحسب أصنافها ومساحة ما يلزم منها لكل أسرة (وهذا ما سارت على أساسه لجنة التقسيم فيما زعمت) كان العدد 343.270 نسمة فقط. في حين أن العدد الواقعي للسكان الذين كانوا يعيشون فيها بلغ 876.900 نسمة. وهذا يعني أن الأراضي العربية وفق مشروع التقسيم لم تكن تكفي إلا 43% من السكان العرب سنة 1947. ويتبين من إحصاء آخر أن أراضي لواء الجليل تكفي 46% من سكانها الفلاحين العرب. وأراضي لواء حيفا تكفي 27% منهم، وأراضي لواء نابلس 39%، ولواء القدس 32%، ولواء اللد 70%، ولواء غزة 66%. أما الأراضي التي كان اليهود يمتلكونها في هذه الألوية فتكفي السكان القرويين اليهود جميعاً (100%).
وقد عني الاستعمار الاستيطاني الصهيوني بشراء الأراضي الزراعية. فعلى الرغم من أنه لم يكن يملك حتى عام 1948 سوى 5.6% من مساحة فلسطين العامة، كان يملك في الحقيقة 20% من مجموع مساحة الأراضي الزراعية آنذاك، أي بزيادة 7% عن نسبة ما كان يملكه سنة 1945. وقام الإقطاع الزراعي بدور كبير في تسهيل استيلاء اليهود على هذه الأراضي، فقد كانت نسبة الأراضي الزراعية التي باعها اليهود الملاك الإقطاعيون الغائبون (المقيمون خارج فلسطين) مرتفعة، بلغت بين عامي 1920 و1936 نحو 55.5% من مجموع ما اشتراه اليهود من الأراضي الزراعية. وكانت نسبة الأراضي المتنازل عنها من الفلاحين في المدة نفسها نحو 11.5% من مجموع ما اشتراه اليهود من أراض فلسطينية، علماً بأن 13.4% من الأراضي التي امتلكها اليهود منحتهم إياها الحكومة المنتدبة. وقد استخدمت القوة المسلحة في طرد 2.746 أسرة عربية من 22 قرية في سهل مرج ابن عامر، و15.500 عربي من وادي الحوارث*، و15.000 عربي من سهل الحولة، وألوف آخرين من أراضي الساخنة*، وغور بيسان، وكبعون*، والزبيدات، والمنسي* وغيرها. وفي صيف سنة 1920 اشترى اليهود الأرض الأولى في سهل مرج ابن عامر، وهي أكبر قطعة اشتريت حتى ذلك الوقت، وبلغت مساحتها 80.000 دونم، وعليها عدد من القرى العربية، وكانت تخص عائلة سرسق اللبنانية.
هـ- أهمية أصناف الأرض الاقتصادية: تساعد معرفة أصناف الأرض في الكشف عن قابليتها للاستغلال. وقد استعان الاستعمار الاستيطاني الصهيوني بخريطة توزيع أصناف الأرض في اختيار مناطق الاستيطان وتوجيهها لاستخدامها في الأغراض الزراعية أو الصناعية، أو في تشييد الأبنية والمنشآت الأخرى.
وبسبب تركز معظم الاستيطان الصهيوني في الأراضي ذات الأصناف الجيدة كانت مهمة استخدام هذه الأراضي يسيرة، وتكاليف استغلالها منخفضة. وقد اعتمد الصهيونيون على الزراعة الكثيفة المختلفة التي تدر أرباحاً كبيرة. في حين انتزعت من الفلاحين العرب أخصب الأراضي بطرق بشعة كثيرة الالتواء. وتعرضوا للطرد من أراضيهم وحرمانهم منها، فأصبح أكثر من ثلث سكان القرى العربية بلا أرض. أما الباقون فكانت أراضيهم من الأصناف المتوسطة والفقيرة، ولا سيما في القرى الجبلية.
كان وضع هؤلاء الفلاحين الاقتصادي في أيام الانتداب البريطاني سيئاً، بسبب إرهاقهم بالضرائب وفوائد المرابين والمصارف. لذا عاشوا في فقر، دون عون أو قدرة على التقدم. وقد أثرت أحوالهم في الوضع الإنتاجي للمحاصيل الزراعية، فالقدرة الإنتاجية لدونم الأرض الزراعية اليهودية كانت أكثر ارتفاعاً من مثيلتها في الأرض الزراعية العربية، لأن الأرض الأولى جيدة، وزراعتها كثيفة ومختلطة ومروية. أما الأرض الثانية فواسعة وزراعتها غير مختلطة وبعلية.
ورغم ذلك نجح الفلاح العربي، بجدّه واجتهاده وصموده، في رفع إنتاجه الزراعي لينافس الإنتاج اليهودي، بفضل قوة ارتباط الفلاح العربي بأرضه، وخبرته القديمة بها، ومعرفته الحقيقية بخواصها، في الوقت الذي كان اليهودي يكره الزراعة بطبعه، ولا سيما في أرض يعلم أنها ليست له.
المراجع:
– عنان العامري: التطور الزراعي والصناعي الفلسطيني 1900 – 1970، بيروت 1974.
– معهد البحوث والدراسات العربية: الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ج1، القاهرة 1975.
– المكتب العربي بالقدس: مشكلة فلسطين، النشرة الثانية المعروفة على لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية للنظر فيها خلال شهر آذار 1946، القدس 1946.
-The Anglo- American Committee of Inquiry: A Tentative Land. Classification Map Survey of Palestine 1946.
– Hadawi, S: Village Statistics 1945, New York 1957.
– Hadawi, S: A classification of Land and Area Ownership in Palestine, Beirut 1970.