الأدب الفلسطيني من أشد الآداب التصاقاً بشخصية شعبه، وأهدافها في التعبير عن همومه تعبيراً حياً، وعن العطاء الذي قدمه الفلسطينيون لوطنهم وقدرتهم على الصمود والمقارنة والبذل والتضحية. وأصبحت أركان هذا الأدب، من شعر ورواية وقصة قصيرة ومقالة ونقد وبحث ودراسة، في مستوى لا يقل عما بلغته الآداب العربية المتقدمة.
وثمة أنواع تدخل في نطاق هذا الأدب وفروعه كالخطابة والمسرحية والأدب الشعبي والبحث اللغوي والترجمة، والرسائل والمذكرات والمقالة الصحفية والتأليف في التاريخ والجغرافية والفلسفة والسياسة والسير وأدب الرحلات، وأدب الأطفال والأدب الإذاعي وتحقيق التراث، وغيرها. ولم يفت هذا الأدب فرصة التعبير عما في نفس بعض أصحابه بلغات أجنبية. ولهذا كان الأدب الفلسطيني أدباً واسع الآفاق متنوع التيارات. وسيقتصر البحث هنا على النقد الأدبي، والأدب الإذاعي، وأدب الأطفال، وأدب الرحلات.
أ – النقد الأدبي:
من يتتبع حركة النقد الأدبي الحديث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر يكاد لا يظفر بشيء ذي بال، فقد كانت تلك المرحلة مرحلة تقاريظ ساذجة. ومن أمثلة ذلك ما عمد إليه عباس الخماش من نابلس من تقريظ مجلة “الجنان” للمعلم بطرس البستاني، وما فعله أبو السعود – أحد علماء القدس الشريف – بكتاب “سر الليال” لأحمد فارس الشدياق. وما فعله يوسف ياسين النابلسي بصحيفة الشدياق “الجوائب” وما فعله يوسف أسعد نجل مفتي السادات بالقدس الشريف “بالجوائب” و”سر الليال”.
وينقضي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويجيء القرن العشرون، فيحدث ما يشبه الوثبة في حركة النقد الأدبي في فلسطين، وذلك بظهور كتاب محمد روحي الخالدي المقدسي: “تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب وفيكتور هيجو”. فقد كان هذا الكتاب سبقاً في النقد الأدبي العربي الحديث والمقارن. وكان تأثره بالغرب أوضح من تأثر المهجريين الذين عاصروه. أما ظهور الكتاب ما بين عامي (1902 و1904) فقد كان في وقت شغل النقد الأدبي العربي الحديث بالدعوة إلى الجديد دون أن يبين عن أفكار أدبية متبلورة كتلك التي دعا إليها الخالدي.
أما حركة النقد الفلسطيني في الرقعة الزمنية التي امتدت قرابة أربعة عقود انتهت بالنكبة (1948) فتكاد تكون أشد فترات الحياة النقدية حرارة وامتلاءً بالعافية التي لا تقل في مستواها عما في الحياة النقدية والأدبية والفكرية في بعض البلاد العربية المتقدمة مع الفارق في الحجم أو الكم حسب. وفي هذه العقود برزت السمات الخاصة في شخصية فلسطين الثقافية والسياسية والاجتماعية.
وفي هذا السياق برز الكاتب خليل بيدس في مجلته “النفائس العصرية” منذ سنة 1908. وتجلى ظهور بوادر النقد الأدبي الفلسطيني في هذه المرحلة في الصحف أكثر من ظهورها في الكتب. أما المآسي التي لحقت بشعب فلسطين في هذه الأثناء فقد أعاقت حركة النقد وفرضت عليها تجنب الالتفات إلى المدارس الفردية أو الشكلية التي تعتمد الإيحاء والتلميح في التعبير عن الحالات النفسية بدلاً من الأداء التعبيري المباشر، وتحل الخيال مكان الواقع والحقيقة. فناهض النقد، بسبب ذلك، الفكرة الجمالية: “الفن للفن” مما كان له تأثير في توجيه حركة النقد نحو تيارين بارزين هما: تيار المدرسة الرومانسية الفردية الذي غلبت عليه الاتجاهات الإيجابية، وتيار المدرسة الواقعية الجديدة.
ومن النقاد الذين كتبوا نقداً تحت لواء المدرسة الرومانسية خليل بيدس وتوفيق زيبق ومحمد إسعاف النشاشيبي، وخليل السكاكيني، وأحمد شاكر الكرمي، وعبد الكريم الكرمي ومحمد العدناني ورائد جاد الله وإبراهيم عبد الستار، وجبرا إبراهيم جبرا وخيري حماد.
وكتب في النقد الذي ينضوي تحت لواء المدرسة الواقعية الجديدة، أو ما يقترب منها، مغلباً عوامل الجماعة على العوامل الفردية عبد الله مخلص، ونجاتي صدقي، وعارف العزوني، ورجا حوراني، وعبد الله بندك، ومخلص عمرو، وحمود سيف الدين الإيراني، ويوسف خوري.
وأما القضية النقدية التي شغلت التيار الأول وهو التيار الرومانسي ففي مقدمتها قضية الأدب الروائي وتأثيره في بناء حضارة الإنسان وثقافته. وإلى هذا يشير خليل بيدس موضحاً علاقة الكاتب القصصي بالمجتمع. فهو “يكتب للعامة، وهم السواد الأعظم من كل أمة، يكتب للنفوس الحائرة، والقلوب المتألمة، يكتب للنفوس الجائعة والقلوب الظمأى”.
ولخليل بيدس آراء سديدة في الرواية وعلاقتها بالناس شرقاً وغرباً فضلاً عن آرائه في الروائي العبقري. ولم تكن قضية اللغة بمنأى عن اهتمامات هذا التيار فقد تناول النشاشيبي قضايا: اللفظ والمعنى. ووضع اللغة من حيث علاقتها بمستعمليها وما تنطق به حياتهم من حضارة وعمران. وآثار السكاكيني الكثير من الجدل حول قضايا نقدية مهمة ثم تناولها بجدية وأصالة. منها: تحديد طبيعة الأدب، ومن هو الكاتب والشاعر، وقضية الشعر وأنواعه والكلام وأنواعه، والأسلوب وكذلك القديم والجديد.
وتوقف أحمد شاكر الكرمي عند قضية أخرى في النقد وهي “الشخصية في الأدب” والفارق بين النقد الموضوعي والنقد الذاتي فالأول في نظره أوسع مجالاً من الثاني. وقسم النقد إلى نقد بياني يقتصر على الألفاظ ونقد تحليلي يتناول الآراء والأفكار. ويتضح أن المعاني إليه أولى بالعناية من الألفاظ يقول: “لا جدال في أن اللغة هي مادة الأدب، ولكن امتلاك تلك المادة وحدها من غير إلمام بفنون التصرف فيها لا يعد المرء كاتباً ولا شاعراً، كما أن امتلاك الذهب مثلاً – وهو المادة التي تصنع منها الحلي – لا يصير مالكه صائغاً”.
وللناقد في رأيه ثلاث واجبات ينبغي عليه التقيد بها. العدالة نحو القارئ، والعدالة نحو المؤلف، والعدالة نحو الناشر. وهو يرى أن الكاتب فريقان: فريق المتحررين، وفريق المقيدين. أما عادل جبر فقد كتب نقداً يهتم بأدب الأطفال ولم يكتب جبرا في هذه الحقبة إلا مقالات محدودة منها مقالته “الذروة في الأدب والفن” التي نشرت في الأديب (1947) وكشفت بداياته المبكرة عن تأثر واضح بمدرسة النقد الجديد New Criticism . هذا جانب من نشاط النقاد الرومانسيين الفلسطينيين في هذه المرحلة. وأما الواقعية الجديدة فقد عالجها أعلام كان لهم دور كبير في الثقافة العربية في فلسطين. فعبد الله مخلص استحوذت على عنايته طبيعة المجتمع وحلل بطريقته الخاصة تركيبها الاقتصادي. وسخر من مدرسة “الفن للفن” مثلما سُخر من الزعم بأن الإبداع الفني موهبة فطرية لا تكتسب بالمران والمراس.
ومن نقاد الواقعية الجديدة الكاتب القصصي نجاتي صدقي الذي سلط الأضواء على فلسفة ابن خلدون وقربها الشديد من فلسفة هيجل في جانبها الاجتماعي، ومن فلسفة كارل ماركس من الناحية المادية وصراع الطبقات. وتطرق نجاتي صدقي في دراساته لمنهج داروين وديكارت والمادية الميكانيكية محاولاً الكشف عن صلة هذه المناهج بالنشاط الفكري والثقافي ومنه الإبداع الذي يتأثر دونما ريب بالتركيب الاجتماعي المتأثر بدوره بعلاقات الإنتاج.
النقد بعد النكبة:
التصق الأدب في فلسطين بعيد النكبة التصاقاً حميماً بالشعر والأدب. وتجلت سمات الواقعية الجديدة في النقد الأدبي الفلسطيني الذي ظهر داخل الأرض المحتلة عام (1948). ولا سيما فيما كتبه الشعراء النقاد من أمثال: محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد. وجاء نقدهم للشعر نقداً ذا مذاق خاص هو مذاق النقد الأدبي التطبيقي الذي يتحسس ما يقوله الواحد منهم في شعره هو ويتحسسه في شعر الآخرين. ولكن هذا لا يعني أن هؤلاء الثلاثة هم الذين يقفون وحدهم في ساحة النقد بل وقف معهم زملاء لهم منهم: سالم جبران الشاعر المعروف، وطارق عون الله، وعلي عاشور، ومحمد خاص، ونبيه القاسم، وفاروق مواسي.
وقد عالجت هذه الشريحة من النقاد الفلسطينيين قضايا عدة في مقدمتها صلة الشعر الفلسطيني المقاوم بتيارات الشعر العربي الثوري، وما في هذا الشعر من مقومات تجعل منه تياراً قوياً في نهر الشعر العالمي. وفي هذا الصدد يقول محمود درويش: “شعر المقاومة، كما أفهمه، تعبير عن رفض الواقع، معبأ بإحساس ووعي عميق بإمكانية التغيير. قد يبدأ هذا الشعر- غالباً- بالتعبير عن الألم، والظلم، ثم الاحتجاج، والغضب، والرفض”.
ومثل ذلك سميح القاسم، إذ هو ينظر في مسائل إشكالية كالموقف السياسي في الفن، والشكل الحديث للشعر، وضرورة مواجهة الجماهير، وتأثير الأساطير الشعبية والحكايات في شعره وشعر زملائه، والمدرسة الشعرية التي ينتمي إليها.
ومن القضايا النقدية التي تناولها توفيق زياد قضية الأدب الشعبي واهتمامه بهذه القضية قادرة إلى الكشف عن الصلات القوية والعميقة بين الأدب والقيم الفكرية السائدة لدى المجتمع وعني كذلك بسلامة اللغة العربية وإبراز الملامح الخاصة للشعر الفلسطيني الثوري. وإذا كان الحديث هنا قد انصب على حركة النقد في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948 فإن هذا لا يعني أن النقد لم يواصل تحركه وامتداده خارج رقعة الوطن. فقد أسهم النقاد الفلسطينيون المقيمون في الشتات إسهامات بارزة ومتنوعة الأثر في النقد العربي. وظفر بعضهم بجوائز كبرى تقديراً لجهودهم في النقد ومن هؤلاء إحسان عباس وجبرا إبراهيم وإبراهيم السعافين. واختير بعضهم ليكونوا أعضاء في لجان التحكيم في جوائز أدبية مثل جائزة البابطين للشعر والنقد، وجائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة سلطان العويس من مثل: حسام الخطيب ويوسف بكار وصدقي حطاب ومحمود السّمْرة وفيصل درّاج وشكري عزيز ماضي.
وقد جمع إحسان عباس بين النقد الأدبي والتأليف في أمور شتى من الأدب قديمه وجديده فضلاً عن تحقيق كتب التراث وتأثر في بداية أمره بمدرسة النقد الجديد New Criticism التي ظهرت في الأدب الانجو-أمريكي. وتجلى أثر ذلك في كتابة “فن الشعر” 1957 وفي ترجمته لكتاب عن إليوت Eliot وفي دراسته المبكرة لشعر عبد الوهاب البياتي.
وأما جبرا الذي تأثر هو الآخر بالنقد الجديد فقد تنوّع نتاجه النقدي بين نقد الشعر من غناء وموسيقى. وله مؤلفات عدة من أبرزها كتاب “الرحلة الثامنة” و”النار والجوهر” و”الحرية والطوفان” و”الفن والحلم والفعل” و”معايشة النمرة” وهو صاحب فضل كبير على حركة الحداثة في الشعر وقد أقر بذلك غير واحد ممن ترجموا له ودرسوه ولتوفيق صايغ- الشاعر الذي عني بقصيدة النثر – عدد من المقالات النقدية التي نشرت في مجلة “حوار” ومقدمة ضافية لمجموعة جبرا القصصية “عرق وقصص أخرى” تعد من أفضل ما كتب في نقد القصة. وله كتاب يتناول فيه أدب جبران خليل جبران (1966) وكان قد شغل بقضايا التحرر من التقيد وتجديد حيوية اللغة والانعتاق من الأساليب المتحجرة والثورة على زيف الحياة العصرية في المدن الكبرى.
وعني عيسى بلاطة بقضايا الحداثة في الشعر ونشر كتاباً ضخماً عن الشاعر العراقي بدر شاكر السياب “السياب حياته وشعره” (1971) يعد من المراجع الجيدة التي تحيل إليها معظم الدراسات. وكتاب “الحداثة” (1988). واهتم محمد يوسف نجم بفنون القصة والرواية والمسرحية وأدب المهجر نثره وشعره. وكذلك محمود السمرة الذي مزج بين الوقوف عند بعض الآثار الأدبية الحديثة لجبران أو دراسته المبكرة للغة والأسلوب في شعر عرار وتعقيباته الصائبة على الشخصيات السردية في محاولات حسني فريز. وتناول إلى جانب ذلك القضايا النقدية في التراث العربي في كتابه القاضي الجرجاني الأديب الناقد (1966). ولكل من عبد الرحمن ياغي وهاشم ياغي مقالات ودراسات تتبعا فيها الجديد في الأدب من شعر وقصة ورواية. فالدكتور ياغي نشر كتاباً عن الجهود الروائية من سليم البستاني إلى نجيب محفوظ (1975). ونشر كتباً عن “الرواية” و”القصة القصيرة في الأردن” 1993. أما الدكتور هاشم فقد اختتم جهوده بكتاب عن الشعر الحديث يبين النظرية والتطبيق (1981). وعرفت الحقبة الممتدة من العام 1967 إلى العام 1999 ظهور عدد غير قليل من النقاد الذين شاركوا في المجلات العربية كالأديب، والآداب، والمعرفة، والموقف الأدبي، والأقلام، والناقد، وأفكار، والبيادر، والمجلة الثقافية، ومجلة “نزوى” و”المنتدى” وعلامات في النقد. فضلاً عن المؤتمرات والحلقات النقدية التي تنظم على هوامش المهرجانات الشعرية.
ومن هؤلاء خليل السواحري: “زمن الاحتلال” (1977) وعبد الحميد عمر وشاكر النابلسي: “مجنون التراب”، “دراسة في شعر محمود درويش”. وسلمى الخضراء الجيوسي “موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر” (1996) وغسان كنفاني* “أدب المقاومة” (1966) و”الأدب الفلسطيني المقاوم” (1968). ويوسف سامي اليوسف: “رعشة المأساة” وهو كتاب عن أدب غسان كنفاني. وعز الدين المناصرة: “نظرية المقارنة” و”قصيدة النثر” وغيرهما من كتب. وإبراهيم خليل الذي عنى بالقصة الفلسطينية فنشر كتاباً بعنوان: “في القصة والرواية الفلسطينية” (1984) و”الإنتفاضة الفلسطينية في الأدب العربي” (1991). و”أمين شنار” (1996) و”محمد القيسي الشاعر والنص” (1998) و”الضفيرة واللهب” (2000) وجبرا إبراهيم جبرا الأديب الناقد (2001). وفخري صالح الذي تناول الرواية الفلسطينية في بعض مؤلفاته “في الرواية الفلسطينية” وكتب عن الرواية العربية “أقوال المغني” (2000) و”دفاعاً عن إدوارد سعيد” (2000). ومن الباحثين الذين لهم دراسات نقدية عبد الله رضوان ومحمد شاهين ومحمد عصفور وأحمد عمر شاهين وحسني محمود حسين.
وتغلب على هذا الجيل من النقاد الاهتمامات الفنية أكثر من الإيديولوجية التي ميزت الجيل السابق من النقاد والتأثر بتأثيرات النقد الغربي الحديث ولا سيما النقد الأسلوبي والبنيوي والانحياز إلى الحداثة وتصدي الناقد لأنواع أدبية مختلفة كالمسرح والقصة والرواية أما إدوارد سعيد فقد لمع اسمه في الأدب الأمريكي والغربي الحديث سواء من خلال كتابه “الاستشراق”، أو”الثقافة والإمبريالية” أو كتاب: “النص. العالم. الناقد”. ومن حسن حظ القارئ أن وجدت هذه الكتب من يترجمها إلى العربية ترجمة جيدة. وظهر عدد من النقاد الذين اهتموا بالأدب الإسلامي تنظيراً وتطبيقاً ومنهم د.مصطفى عليان ومن مؤلفاته “مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي” (1995) وبناء الشخصية في القصة القرآنية (1992) وعمر الساريسي ومن مؤلفاته “مقالات في الأدب الإسلامي” (1996) ومأمون فريز جرار ومن مؤلفاته “خصائص القصة الإسلامية” (1988) و”نظرات إسلامية في الأدب والحياة” (1993).
وفي فلسطين المحتلة تواصل عطاء النقاد، ولكن اندفاع هذا العطاء وزخمه تراجعا بسبب ظروف الإحتلال القاسية. وهنا لا بد من التنويه إلى أعمال إبراهيم العلم وزكي العيلة وأدمون شحادة وحنا أبو حنا وأنطوان شلحت وهو ذو عناية خاصة بالأدب العبري وصورة الإنسان الفلسطيني فيه. وحنا إبراهيم وراضي شحادة الذي اهتم بنقد المسرح لصلته الوثيقة بمسرح الحكواتي ومشاركته في تأليف عدد من النصوص الدرامية. وصبحي شحروري الذي جمع بين كتابة القصة القصيرة ونقدها ويشهد على ذلك كتابه المشترك مع حنان عشراوي “القصة القصيرة في الأرض المحتلة”. وعادل الأسطة المدرس في جامعة النجاح. وقد نشر الكثير من المقالات في صحيفة الشعب التي تصدر في القدس. ونشر كتباً منها كتاب “أدب في المقاومة”. آخر عن “اليهود في الأدب الفلسطيني الحديث” (1991) و”ظواهر سلبية في شعر محمود درويش” (1996) ومجموعة مقالات عن رواية “شرق المتوسط” لعبد الرحمن منيف.
وعلي الخليلي الذي يجمع بين الشعر والسيرة والنقد والتراث الشعبي. ومن ذلك كتبه عن أغاني الأطفال في فلسطين (1979) و”البطل في الحكاية الشعبية” 1979. وفاروق مواسي الذي بدأ حياته النقدية بكتاب عن الشاعر صلاح عبد الصبور (1979) ونشرت له كتب أخرى منها “دراسات في الأدب العربي الحديث”.
الأدب الإذاعي:
كانت الإذاعة عاملاً من عوامل النهضة الأدبية في فلسطين. وإن تأخر أثرها عن العوامل الأخرى. لكن الذين أشرفوا عليها كانوا يدركون أهمية هذا الأدب. وأدركت حكومة الانتداب في فلسطين من قبل خطورة هذا العامل فسعت منذ زمن مبكر لتأسيس محطة إذاعية ومن حسن الحظ أن وقع على الشاعر إبراهيم طوقان لإدارة البرامج العربية. ولكن الصدام وقع بين الشاعر الوطني والسلطات، وتضاربت الغايتان، وثارت الصهيونية على وجوده هناك. وشددت السلطات الرقابة على الإذاعة. ولم تمنع تلك الرقابة شاعرنا في سنوات إشرافه الأربع من أن يغني الأدب بالأحاديث والمحاضرات التي كان من أبرزها سلسلة “شخصيات فلسطينية بارزة” كان لها دور في التراث العربي.
ومن الإذاعيين الذين لمعوا في الإذاعة الفلسطينية نصر الجوزي وجميل صليبا الجوزي. وعالم فلسطين قدري طوقان الذي أثرى الإذاعة بما كان يعده ويقدمه من برامج وأحاديث عن الجوانب العلمية. واستمراراً لهذه الرسالة عمدت الإذاعة إلى استضافة الكتاب والباحثين المحاضرين من فلسطين والبلاد العربية ليلقوا أحاديثهم ويعرضوا نتاجهم الأدبي. ومن هؤلاء بشارة الخوري (الأخطل الصغير) الذي حيا فلسطين بقصيدة أذيعت مساء الخميس 2/4/1942. وعبد اللطيف الطيباوي الذي عرف ببرنامجه الشائق عن الجيش في التاريخ العربي الإسلامي والتربية والتعليم في العصور الإسلامية. وعبد السلام البرغوثي الذي عرف ببرنامجه وأحاديثه عن ديار العرب والمسلمين إلى جانب تعليقاته السياسية حول الأحداث الدولية.
ومن أدباء العربية الذين تحدثوا من الإذاعة الفلسطينية العقاد والمازني والبشري ومحمد كرد علي وخليل تقي الدين ويوسف يزبك ومن الأدبيات أسمى طوبى وماري صروف شحادة وخليل تقي الدين، وقدسية خورشيد ودارت أحاديثهن في موضوعات نسوية مختلفة كالمرأة وتربية الطفل.
وحين قامت محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية في فلسطين مقام الإذاعة الفلسطينية – إذاعة حكومة الانتداب – دعا القائمون عليها علماء وصحفيين ومحاضرين من البلاد العربية المجاورة مثل عبد الله العلايلي وعلي الحوماني وكرم ملحم كرم وقد عمل في هذه الإذاعة حين نقلت إلى جزيرة قبرص نجاتي صدقي وغيره من الفلسطينيين.
ولم يقتصر نشاط الفلسطينيين الإذاعي الثقافي على هاتين الإذاعتين بل امتد بعد نكبة (1948) إلى غيرها من الإذاعات العربية ولا سيما البرامج الفلسطينية التي تم إنشاؤها في بعض إذاعات الدول العربية. ففي صوت فلسطين الذي ينطلق من دمشق برز إذاعيون من أمثال يوسف الخطيب وخالد أبو خالد وأحمد دحبور ويوسف الخطيب ورشاد أبو شاور وفواز عيد. وغلبت على مساهماتهم النزعة الأدبية فقدموا عبر الميكروفون شعراً وقصصاً للأطفال واليافعين وعروضاً للكتب والإصدارات الثقافية الجديدة وتمثيليات إذاعية أعد بعضها إعداداً جيداً. وضمت هذه البرامج تقديم مقتطفات من التراث الشعبي الفلسطيني. وعندما أنشئت الإذاعة الفلسطينية في المنفى سواء في لبنان أو في الأردن قامت على أكتاف إذاعيين فلسطينيين كانوا يقدمون البرامج ويكتبون التعليمات والفقرات الإذاعية من خواطر نثرية وكلمات للأغاني. ومن بين الإذاعيين الذين لمعوا في الجانب الثقافي صخر حبش وعصام حماد ومريد البرغوثي وخليل عيلبوني الذين اشتهر بكتابة السيناريو الإذاعي. وحنا مقبل وآخرون ممن جمعوا بين الصحافة والأدب. وباستئناف الإذاعة الفلسطينية نشأتها في رام الله فتحت الباب أمام عدد غير قليل من الإذاعيين والإذاعيات الذين يواصلون العمل لترسيخ القيم الثقافية الأصيلة لدى شعب فلسطين العربي.
أما على صعيد الدراما التلفزيونية فقد شارك الكتاب الفلسطينيون إخوانهم الكتاب العرب في إغناء المكتبة الدرامية العربية. ومن هؤلاء الشاعر فواز عيد والشاعر محمد القيسي والشاعر وليد سيف الذي اهتم بكتابة مسلسلات درامية تتكئ على شخصيات وأحداث من التراث العربي. منها مسلسل الخنساء وعروة ابن الورد ومسلسل الصعود إلى القمة. ومحمود شقير الذي اعتمد على شخصيات عربية معاصرة في مسلسلاته مثل إبراهيم طوقان وعبد الرحمن الكواكبي وسليمان الحلبي. وممن أسهموا في الكتابة التلفزيونية إبراهيم العبسي وبشير هواري وعبد الرحيم عمر وأحمد عودة ورياض سيف وفؤاد الشوملي ومحمد الظاهر ومحمد الخطيب وحسن سامي اليوسف.
ج- أدب الأطفال:
تأخر ظهور أدب الأطفال في فلسطين شأنه في ذلك شأن غيره من أدب الطفل العربي وكان بعض المربين الفلسطينيين الأوائل قد أسهموا في تأليف الكتب المدرسية. التي اشتملت على بعض المقطوعات الأدبية النثرية والشعرية المناسبة للنشئ الجديد. ويعد خليل السكاكني أحد رواد هذا الميدان. وكتابه “الجديد” دليل واضح على ذلك. واحتذاه النشاشيبي في كتابه “البستان”.
وفي طليعة الذين اقتربوا من أدب الأطفال: اسحق موسى الحسيني صاحب “مذكرات دجاجة” وفايز علي الغول في كتابيه “الدنيا حكايات” و”من سواليف السلف”. وتوالت المحاولات بعد ذلك غير أنها كانت متعثرة إما لأنها لم تحدد المراحل العمرية لفئات الأطفال الذين يتوجه الكتاب لهم بما يكتبون. أو لأنها تخلو من المضامين القادرة على اجتذاب الأطفال في كثير من الأحيان. ومع ذلك فإن مثل هذه العثرات لا تقلل من قيمة المحاولات التي كتبت. وفي – نظرنا بالطبع- كتب راضي عبد الهادي: “كوكو البطل”، و”خالد وفاتنة” وكتب أمين فارس ملحس كتباً منها “أوسمة الشجاعة” و”أحمد المدلل” و”أيام الشتاء” وكتاب “وردان”. إلى جانب محاولات جادة لتوفيق أبي السعود “سيف بن ذي يزن” ونصري الجوزي الذي اتجه نحو مسرح الطفل فألف مسرحيتين هما: “ذكاء القاضي” و”العدل أساس الملك”. وتضم مجموعة “مسرحيات تاريخية” أعمالاً للأطفال كتبها جميل أبو ميزر وجمال حجازي.
وعلى الرغم من استمرار المحاولات وتزايدها إلا أن الطابع الغالب على أدب الأطفال الفلسطيني ظلّ كغيره من أدب الأطفال العربي يخلو من الأجواء النفسية التي تناسب الطفل في عمر معين. وطغيان نزعة التجريب بدلاً من التخصص في كتابة هذا النوع من الأدب. وعدم ظهور الكاتب المتخصص في كتابة أدب الأطفال إن كان الأدب شعراً أو نثراً. ومن كتاب هذه المرحلة محمود شقير وشحادة الناطور وأحمد أبو عرقوب والأخير منهم اهتم بشعر الأطفال فيما اهتم الآخرون بالحكاية والقصة. وقد أثر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في هذا الأدب تأثيراً سلبياً. فقد أظهرت الإحصائيات تدني الاهتمام به بسبب سياسة التجهيل التي اتبعتها سلطات الاحتلال منذ العام 1967 لا سيما بعد فتح أبواب العمل للأطفال مما رفع نسبة التسرب من المدارس، وأثر سلبياً في سيرورة الكتاب الأدبي. فالنتاج المحلي من الكتب الأدبية المعدة للأطفال قليل جداً. وهذا القليل يتمتع بمستوى طباعي غير مناسب مما يقعده عن منافسة أي كتاب آخر يطبع بخطوط أنيقة ورسوم ملونة. وعلى الرغم من الرقابة المشددة على المطبوعات ظهرت مؤلفات أدبية ومجلات خاصة بالأطفال مثل مجلة (براعم) و(زنابق) 1993 و(السندباد) 1995 و(غدير) التي اتخذت من القدس مقراً لصدورها. و(الحياة) و(الأذكياء) التي صدرت في أم الفحم. وهذه المجلات اهتمت بنشر الأدب الموجه لفئات عمرية مختلفة من الأطفال دون الثامنة عشرة، ولم تكرس اهتمامها لنشر ما يبدعه الأطفال أنفسهم على نحو ما نجد في كتابات الطفلتين يارا جلاجل، وحنين هندية. والأخيرية صدرت لها مجموعتان شعريتان، هما: بعد الطفولة، ولعينيك يا وطني.
ومنذ العام 1995 تزايد الاهتمام بأدب الأطفال في فلسطين. وعقدت لهذه الغاية ندوة في نيسان (إبريل) من العام نفسه. ونظم مهرجان لمسرح الطفل في أيار (مايو) من العام نفسه. واتخذ الاهتمام بأدب الأطفال طابعاً فولكلورياً. ومع ذلك فقد ظهرت كتب عديدة أسهم فيها كتاب غلبت عليهم اهتمامات أخرى كالشعر والقصة. ومنهم علي الخليلي صاحب “عايش تلين له الصخور” وسامية فارس مؤلفة “حكاية عمار” ومحمود شقير مؤلف “الحاجز” وباسمة حلاوة مؤلفة “لوز أخضر” وصقر السلايمة الذي ظهرت له ثلاث قصص: “التضحية” و”قانون الغاب” و”الغولة والصياد”. ومحمد القيسي الذي نشرت له مجموعة شعرية “قصائد للفتيان” وجميل السلحوت صاحب كتاب “المخاض” وسمير الريّس مؤلف: “دولة الصغار” وإبراهيم نصر الله وشحدة الزاغ وسعادة عودة أبو عراق. ولفت أدب الأطفال الفلسطيني الباحثة نجلاء شهوان فألفت كتاباً درست فيه هذا الأدب وهو بعنوان “أدب الأطفال الفلسطيني”.
وفي قطاع غزة ظهرت صحف عدة تهتم بأدب الأطفال منها مجلة “ينابيع” وهي مجلة تعنى بنشر القصص والأشعار والرسائل النثرية إلى جانب الرسوم التوضيحية الجميلة.
وفي الشتات اتصل عطاء الكتاب المهتمين بأدب الأطفال فقد نشر رشاد أبو شاور رواية للأطفال سماها “أرض العسل” وأسهم في مجلة: “أسامة” الدمشقية. وله مجموعات قصصية للأطفال نذكر منها: عطر الياسمين 1989 وأحلام والحصان الأبيض 1980. وأسهم يعقوب الدجاني بوضع سلسلة من الكتب منها “هذا بيتي” شحادة الناطور الذي ألف ونشر أحد عشر كتاباً للأطفال يغلب عليها النوع القصصي وسليم أحمد حسن الذي اختص بكتابة مسرحيات الأطفال وجمع بين تأليف الأناشيد والقصص والمسرحيات والأوبريتات الغنائية والتمثيليات المدرسية. وظهر له مجلد ضخم فيه عدد من أعماله أبرزها “صندوق الدنيا” و”يا عم يا جمّال” وكتبت زليخة أبو ريشة بعض قصص الأطفال ومنها قصة “الماستان” 1986 وليوسف حمدان وعلي البتيري ومحمد الظاهر وعلي حسين خلف وروضة الهدهد وتوفيق أبو الرب ومنيرة قهوجي ومنيرة شريح وعبد الفتاح أبو معال وأمل منصور ومنير الهور وشهلا الكيالي وناريمان الكيالي وليالي بدر ووليد سيف ومحمد جمال عمرو ومحمود أبو فروة الرجبي مساهمات عديدة ومتنوعة في شعر الأطفال وقصصهم وكتبهم التعليمية والتثقيفية. ويسهم أكثر هؤلاء في تغذية المجلات الأدبية الخاصة بالأطفال في كل من عمان ودمشق وبغداد وبيروت وغيرها من منشورات قد تتجاوز الطفل إلى الأسرة.
د-أدب الرحلات:
عرف الفلسطينيون هذا النوع من الأدب لأنهم ترجموا فيه ثمرة اتصالهم بكثير من بلدان العالم واتصال فلسطين بهاتيك البلدان. وبرز في صفوفهم رحالة ملكوا صفات المرتحلين العرب القدامى الذين اشتهروا بدقة الملاحظة وقوة الإدراك، وبراعة التعبير عما شاهدوه في البلاد التي ارتحلوا إليها. وطافوا فيها. وفي طليعة هؤلاء الشيخ خليل الخالدي (1864-1939). وروحي الخالدي (1864-1913) فالأول شد الرحال إلى كثير من الدول العربية والإسلامية زار خلالها الكثير من دور الكتب ووقف على ما احتوته المكتبات من نفائس المخطوطات وشوارد المحفوظات. واجتمع له من هذا كله ما جعله حجة في المعرفة بنوادر المحفوظات الخاصة بالتراث العلمي الإسلامي سواء منه الكتب والمدونات والسجلات والمكتبات والكراريس. ويذكر أنه شغف بالأندلس فارتحل إليها مرتين كانت الثانية منها سنة 1932. وفيها استوقفته آثارها الباقية من مساجد ومعاهد وجوامع وقد كتب انطباعاته عن هاتيك المعالم في كتاب بعنوان “رحلتي إلى بلاد المغرب والأندلس”. وهو كتاب أشاد به ونوه إليه أحمد بن محمد الهواري في كتابه “معجم الشيوخ”.
أما روحي الخالدي فله تطواف في بلاد شرقية وغربية فضلاً عن الأندلس التي ألف في زيارته لها كتاباً سماه “رحلة إلى الأندلس” وصف فيها آثار تلك البقعة العربية النادرة.
وثمة عدد من الفلسطينيين اهتموا بأدب الرحلات منهم اسكندر الخوري البيتجالي الذي زار أمريكا الجنوبية في مهمة إنسانية سنة 1952 وكتب في ذلك كتاباً سماه “جولة في أمريكا الجنوبية” وبندلي صليبا الجوزي (1871-1942) وجورج اسكندر دوماني العكي المولد الذي تخصص في الكتابة العلمية عن القطب الجنوبي إثر رحلة أكاديمية قام بها إلى القطب عام 1958. وأسهم في هذا اللون من الأدب القس أسعد منصور والمطران نقولا عبد الله ودرويش المقدادي ونقولا زيادة وأكرم زعيتر وعلي الدجاني ومحمود العابدي وعارف العرف وعزمي النشاشيبي.
فالقس أسعد منصور وضع كتاباً بعنوان “رحلة إلى بلاد الإنجليز” (1930) ونقولا عبد الله وضع كتاباً بعنوان “انطباعاتي عن إفريقيا” ولدرويش مقدادي مقالات في زياراته المتكررة إلى عمان عاصمة الأردن. واهتم نقولا زيادة بنشر الكتب التي تتصل بجهود الرحالة والمكتشفين للشرق العربي في العصور الوسطى (1943). وجهوده في هذا الباب كثيرة ولا يتسع هذا المجال لذكرها. ومن صور عنايته بهذا الأدب كتبه: “الجغرافية والرحلات عند العرب” 1962 الذي استقصى فيه ما كتبه الرحالة عن فلسطين من أمثال: ابن بطوطة، وابن فضلان، والتيجاني التونسي، وغيرهم. ولأكرم زعيتر كتاب في رحلته إلى أمريكا اللاتينية. وألف علي الدجاني عن رحلته إلى الديار المقدسة في مكة والمدينة كتاباً سماه: “مشاهدات في الحج”.
ومن كتب العابدي ذات الصلة بالرحلات ترجمته لكتاب السائح الإنجليزي كينيغليك الذي زار فلسطين، وفي الكتاب تفصيلات مهمة عن الحياة الاجتماعية قل أن تذكر في كتب أخرى عن تلك الفترة.
وكان عارف العارف قد وقع في أسر الروس سنة 1951 مع رهط من الضباط العرب كانوا في الجيش العثماني. وبعثوا بهم إلى معتقل قرب مدينة “كراس نويارسك” الواقعة على نهر “ينتي ساي” وهناك أمضى ثلاث سنوات. ثم هرب ومعه واحد وعشرون أسيراً عربياً إلى صفوف الثورة العربية الكبرى. وسلكوا طريق منشوريا – اليابان – الصين – الهند – مصر عن طريق البحر الأحمر. وكان تعبيراً عارف العارف عن هذه الرحلة في محاضراته التي سماها (رؤياي) تعبيراً جيداً وقوياً وقد طبعت المحاضرة في كتيب ونشرت سنة 1943.
وأما عزمي النشاشيبي فأسهم في هذا المجال بكتابين: الأول بعنوان “من القدس الشريف إلى النجف” والثاني بعنوان “من القدس إلى لندن”.
وتوالت الكتب التي تتناول آثار الرحالة العرب الأجانب حول الحياة العامة بفلسطين. فصدرت الترجمة التامة لكتاب “رحلات في الأردن وفلسطين” الذي ألفه عدد من الرحالة الأوروبيين وترجمه سليمان الموسى. وفيه وصف شيق للحياة اليومية في مدن القدس وبيت لحم والخليل وأريحا ونابلس ويافا والرملة ورام الله والناصرة وحيفا وطبرية وعكا فضلاً عما فيه من وصف دقيق للقاءات الرحالة ببعض الشخصيات من الأعيان ووجوه القرى وشيوخ القبائل والعشائر. ونشرت ترجمة كاملة للكتاب الذي وضعه الروائي اليوناني كازانتزاكس سنة (1926) بعنوان (رحلة إلى فلسطين) وقد ترجمه محمد الظاهر ومنية سمارة وفيه وصف لاحتفالات عيد الفصح في بيت لحم خلال العام الذي حدثت فيه الزيارة.
ونشر إحسان عباس كتاباً يتضمن مخطوطاً فيه وصف ممتع لرحلة القاضي محيي الدين ابن العربي التي كانت سنة 488هـ الموافقة سنة 1095 ميلادية بقصد أداء فريضة الحج مع أبيه. ولكنه حين وجد القدس تعج بالعلماء قال لأبيه: “إن كانت لك نية في الحج فامض لعزمك فإن يلست براغب عن هذه البلدة”.
واشتمل الكتاب الذي سماه المؤلف “فصول من الحياة الثقافية والعمرانية في فلسطين” مخطوطين لكل من التميمي الطبيب والمقدسي الرحالة الجغرافي.
ولكامل العسلي عدد من الكتب التي تعنى بوصف الأماكن الأثرية في فلسطين عامة وبيت المقدس خاصة منها كتاب: “بيت المقدس في كتب الرحلات عند العرب”. وكتاب “من آثارنا في بيت المقدس” الذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1982 ويضم وصفاً للربط والتكايا والسبل والخانات والحمامات. وللمهندس رائف نجم كتاب في آثار القدس الإسلامية بعنوان “كنوزنا في بيت المقدس”.
ولحسني محمود كتاب “أدب الرحلة عند العرب” عرض فيه نماذج متعددة واستوقفته رحلات أمين الريحاني.
ولعل أدب الرحلات أقرب ما يكون إلى أدب السيرة والمذكرات فالناظر في كتاب مريد البرغوثي (رأيت رام الله) الصادر عن دار الهلال بمصر (1977) يرى فيه شكلاً من أشكال الرحلة فهو بعودته إلى فلسطين من منفاه يرى معالم المدينة والقرية والمكان قد تغيرت بفعل قسوة الاحتلال الذي لم يرحم الحجارة. وقد شدت المقابلة بين حاضر المكان بفلسطين وصوره المختزنة في الذاكرة عدداً من الأدباء العائدين إلى فلسطين فألفوا كتباً من نسق “رأيت رام الله” منهم فاروق وادي صاحب “منازل القلب” (1997) ورشاد أبو شاور الذي كتب “رائحة التمر حنة” (1999). الذي تحدث فيه عن صدمة المكان في أريحا والخليل وغزة. وتداخلت الرحلة بأدب السيرة في كتاب محمود شقير “ظل آخر المدينة” (1998) الذي قصره على وصف المكان في القدس، وغير بعيد عن هذا الكتاب الذي ألفه خالد محمد غازي بعنوان “القدس سيرة المدينة” وهو يشتمل على فصل خاص بتاريخ المدينة منذ أقدم الأزمنة حتى يومنا هذا، وفصل آخر تناول فيه انطباعات وشهادات الأدباء والرحالة والمؤرخين والقادة عن المدينة وما فيها من معالم أثرية، مع صور توضيحية. وفي “غربة الراعي” (1996) لإحسان عباس وهو كتاب سيرته الذاتية وصف ممتع لعدد من المدن والأحياء في فلسطين قبل عام 1948 ولا سيما جبع ويافا وحيفا وصفد والقدس والكلية العربية فضلاً عن وصفه لمشاهداته في القاهرة والسودان ولبنان وعدد من العواصم العربية والأجنبية. أما جبرا إبراهيم جبرا فقد ضمن كتابه “شارع الأميرات” (1994) وصفاً لكثير من الأمكنة التي زارها وما لقيه فيها من أحداث او أشخاص كان لهم تأثير في حياته ومن ذلك منطقة البحيرات في شمالي إنجلترا وستراتفورد مسقط رأس شكسبير وكذلك باريس وعدد من المدن الأمريكية والمدن العراقية وفي مقدمتها بغداد. وبيروت والقاهرة وجلها من الأماكن التي كان لها تأثيرها الجلي في رواياته وقصصه. ولا يفوتنا التذكير ببعض كتابات محمد القيسي ولا سيما كتبه: عازف الشوارع، وعائلة المشاة، وكتاب الإبن. وكلها تتضمن انطباعاته وشهاداته عن جولاته في إسبانيا والمغرب وتونس وفلسطين بعد عودته إليها زائراً. وقد برزت هذه الإنطباعات واضحة في شعره مثلما ظهرت في نثره الذي يشبه المذكرات.
المراجع:
– إبراهيم خليل: جبرا إبراهيم جبرا الأديب الناقد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001.
– حسام الخطيب: النقد الأدبي في الوطن الفلسطيني والشتات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996.
– عبد الرحمن ياغي: حياة الأدب الفلسطيني الحديث، بيروت، 1968.
– ناصر الدين الأسد: خليل بيدس رائد القصة العربية الحديثة في فلسطين، القاهرة، 1963.
– ناصر الدين الأسد: محمد روحي الخالدي رائد البحث التاريخي الحديث في فلسطين، القاهرة، 1970.
– نزيه أبو نضال: جدل الشعر والثورة، بيروت، 1979.
– هاشم ياغي: حركة النقد الأدبي الحديث في فلسطين، القاهرة، 1973.
– هيفاء شرايحة: أدب الأطفال ومكتباتهم، عمان، 1978.
– يعقوب العودات: من أعلام الأدب والفكر في فلسطين، عمان، 1976.